تزايدت المؤشرات التي تحمل على الاعتقاد بأن الأزمة المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني توشك الآن على دخول مرحلة بالغة الحساسية إن لم تكن فاصلة. فقد تكهنت تقارير تداولتها العاصمة الأمريكية بأن قيام إسرائيل بتوزيع أقراص واقية من الإشعاعات الذرية على سكان المناطق المتاخمة لمفاعل ديمونة هو في حقيقته إجراء وقائي اتخذ تحسباً لتعرض المفاعل أو أي منشآت مجاورة لقصف صاروخي إيراني. فضلاً عن ذلك فقد أشارت تقارير أمريكية أخرى إلى قيام الولايات المتحدة وبريطانيا بوضع دراسات حول إمكانية قصف المواقع النووية الإيرانية. وقالت هذه التقارير إن البيت الأبيض طلب من المخابرات المركزية إعداد تقرير حول الانعكاسات السياسية دولياً وإقليمياً إذا ما حدث مثل ذلك الهجوم, وطلب من طاقم مستشاري الحملة الانتخابية الجمهورية بحث تلك الانعكاسات داخل الولايات المتحدة.
وكانت مستشارة الأمن القومي الأمريكي كونداليزا رايس قد أوضحت خلال مقابلة تيلفزيونية أن إدارة الرئيس بوش لن تسمح لإيران بمواصلة بناء برنامجها النووي. وتعزز تصريحات رايس الاعتقاد السائد بأن الإدارة قد ترى في قصف المواقع النووية الإيرانية تأكيداً أمام الرأي العام الأمريكي بأن الرئيس الأمريكي "لا يساوم" فيما يتعلق بأمن الولايات المتحدة. فقد قالت رايس فيما فهم أنه محاولة لتجيير أي آثار مترتبة على القيام بعملية ضد المواقع الإيرانية لحساب الرئيس بوش وإدارته: "إن الولايات المتحدة كانت الأولى في القول بأن إيران تشكل تهديداً على هذا النحو, وفي السعي لإقناع المجتمع الدولي بأن إيران تحاول تحت غطاء برنامجها النووي المدني لتطوير برنامج للتسلح النووي".
ومن المستبعد حدوث عملية عسكرية ضد إيران قبل صدور قرار من مجلس الأمن يدين إيران, وهو الأمر الذي سيحدث في سبتمبر المقبل ما لم تتغير معطيات الجمود الراهن. وسيترافق ذلك مع تقرير ستقدمه الوكالة الدولية للطاقة الذرية يدين طهران أيضاً. وترجح تقارير واشنطن أن يطلب مجلس الأمن من طهران إعلان وقف برنامجها لتخصيب اليورانيوم وفتح منشآتها النووية للمفتشين الدوليين دون قيود, وأن يمنح طهران مهلة زمنية قصيرة لإنجاز ذلك على أن يعود المجلس للانعقاد لبحث اتخاذ خطوات عملية بهذا الصدد.
وكانت تقارير واشنطن قد أوضحت أن سيناريو فرض عقوبات دولية يتعرض الآن لعملية "إعادة تفصيل" إن جاز التعبير بهدف جعل أي عقوبات مقترحة بعيدة بقدر الإمكان عن التأثير على قدرة إيران على مواصلة ضخ وتصدير نفطها الخام, إذ إن أي انعكاسات سلبية للعقوبات على صادرات النفط الإيرانية يمكن أن ترفع أكثر من أسعار البترول. وفيما تميل المؤشرات إلى وضع ثلاثة خيارات محددة تعقب هذا التتابع الزمني المتوقع للأحداث, أي تتابع التصريحات العلنية وقرار مجلس الأمن وبيان الوكالة الدولية للطاقة الذرية فإن الرئيس بوش لم يحدد حتى الآن على الأرجح الخيار الذي ستسلكه إدارته.
وتتلخص الخيارات الثلاثة في قيام الولايات المتحدة نفسها وبصورة مباشرة بقصف المواقع النووية الإيرانية, وهو خيار مفيد لبوش داخلياً ولكنه يزيد من تدهور موقف الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بصفة عامة, أو قيام إسرائيل بالعملية, وهو أمر يهدد بتفاقم الاضطرابات في العراق واشتعال الموقف على الحدود اللبنانية - الإسرائيلية ولكنه يعفي واشنطن من تحمل تبعات هذه العملية على مستوى الرأي العام في الدول الإسلامية والعربية, أما الخيار الثالث فإنه فرض عقوبات مدروسة جيداً بحيث تكون موجعة تماماً للنظام الإيراني دون أن تؤثر على صادرات النفط.