لماذا تُرك السيد مقتدي وحيداً؟

هل تُرك السيد مقتدي وحيداً حقاً؟! هذا السؤال ستكون إجابته بنعم ولا، نعم لأن العديد من الفعاليات النجفيّة، لا كلها بالطبع، والعديد من المرجعيات الدينية والرموز الشيعيّة السياسية، لا كلها أيضاً، السائرة في فلك المخطط الأمريكي والمناهضة له علي حد سواء قد وقفت موقف المنتظر والمراقب أو المساند والمساهم في عملية تصفية التيار الصدري، أو تهميشه. ولا، لأن الملايين من العراقيين الذين أحسوا بالفطرة إن ما يمثله هذا التيار إنما هو التعبير الصادق عما يحسون به وما يريدونه. الملايين من الفقراء والمحرومين، والمناضلين الحقيقيين ضد الديكتاتورية والظلم والإستبداد، قد وقفوا إلي جانبه، وقد شكلت المسيرات الحاشدة في كل المدن العراقية تقريباً بما فيها المدن التي ليست علي نفس مذهب مقتدي وتياره رداً مفحماً علي الذين شككوا بنسبة ما يمثله مقتدي وتياره بين الشعب العراقي. وهذا يطرح أسئلة سنحاول تلمس الإجابة عنها، أو مقاربة هذه الإجابة التي ستحتاج إلي إحاطة كاملة بالموضوع برمته، بكل تناقضاته وتشعباته، وحيث إننا لا ندعي الإحاطة بهذا الأمر الذي سيندرج في قسمه الأعم في باب الإختصاص بهذه الظاهرة، إلا إننا نطمح بعجالة هنا إلي إحداث شكة إبرة ليس إلا في هذا الجسم الذي يحتاج إلي إعادة فحص شاملة، وإلي تقويم جريء لم يعد من الممكن تجاهله، لأن الأمر لا يتعلق بالفعاليات النجفيّة والحوزوية، ولا بمصالح هذه الأسرة أو تلك، أو هذه الجماعة أو تلك، وإنما بمصلحتنا ووجودنا جميعاً.
الحركة الصدرية في جوهرها ليست حركة تحرر من الإحتلال فقط، فقد إنبثقت الحركة قبل الإحتلال، إنها حركة تحرر وتصحيح وتقويم، إرتبطت بالجسم الأعم والأشمل من جمهرة الناس المسحوقين والمذلين والمهانين، حركة تتناول أكثر من إعادة توزيع الأخماس، وإنقاذ العتبات المقدسة من الدجل والشعوذة، وإبتزاز البسطاء من الناس، عبر ممارسات لا يقرها المذهب ولا يعترف بها. إنها حركة تتجه لإنهاء أستغلال العتبات وإستغلال المذهب من بعض البيوتات التي أخذت المذهب مثلما أخذت العتبات (فلاحة ملاجة) كما يقول العراقيون.
لقد تقاسمت بعض بيوتات النجف الضريح المقدس، دون معرفة لماذا؟ ومن أين، ومتي، وكيف جاءهم هذا الحق؟ فبيت توارث الكليدارية، وبيت توارث الخدمة في الضريح، وبيت توارث الكيشوانيّة، وبيوتات توارثت دفن الموتي، وهكذا حيث يتعدي الأمر الضريح والحوزة إلي كافة مناحي الحياة الإجتماعية والنشاط الإقتصادي في المدينة. لقد دعا التيار الصدري إلي وضع الضريح الطاهر بيد الحوزة، وجعل العاملين فيه موظفين يتقاضون رواتب محددة جراء الخدمة التي يقدمونها إلي الزوار، ومنع كافة ظواهر الدجل والشعوذة، من قطعة القماش الخضراء التي يبيعها النصابون للفقراء، إلي إستغلال مصائب الناس بزعم أنهم سيرفعون الغمة عنهم لقاء قراءات معينة مقابل مبلغ معلوم أو غير معلوم حسب الحال والأحوال، وجعل كل ما يصل للضريح من هبات ونذور وعطايا في صندوق تشرف عليه الحوزة ويصرف علي أحوال الناس وإحتياجات العتبات المقدسة، دون أحتكار وأستئثار من جماعة أو عائلة أو فئة، كما دعا التيار إلي أن لا يكون الخمس من حق المرجع، يتصرف به وفق هواه، إن شاء إحتفظ به لنفسه أو ورّثه لإبنائه وأحفاده كما حصل بالنسبة لمؤسسة الخوئي. هذه المؤسسة التي جمعت أموالها المليونيّة من خمس الفقراء والأغنياء الشيعة، لتتحول فيما بعد إلي ملكيّة عائليّة، لا قانونيّة ولا شرعيّة..
وأتجه التيار إلي السواد الأعظم من الناس، من العراقيين، وغيّر من القاعدة التي كانت شائعة بإستبعاد أبناء الفلاحين والفقراء، وأبناء المدن المحرومة من الدراسة في المدارس الدينيّة إلا لحدود معينة، لا تتعدي أن يصبح الدارس روزخوناً، أو قارئاً في المآتم. لقد فتح التيار الصدري الباب علي مصراعيه لإبناء الملحة، من مدينة الصدر (الثورة سابقاُ) وأبناء المدن والقري الجنوبية والوسطي، ونظرة متفحصة لجيل الشباب من الشيوخ المحيطين بالسيد الصدر تبين هذه الحقيقة، إنها دماء جديدة، وروح جديدة. وحماس وثّاب يستصغر الصعاب، . وأزعم إن الموقف الهش لبعض المرجعيات متأت من هذين السببين ليس إلا، فلا يمكن أن يكون المراجع مهادنين للإحتلال مطلقاً، ولا من أذنابه.
معلوم إن أموال الخمس تشكل المصدر الأساسي لنفوذ المرجع، ولكن ليس المصدر الأساسي لنفوذ المرجعيّة، فالمرجعيّة كمؤسسة تستمد نفوذها من طبيعة المذهب والتقليد، والتراث الشيعي. والشيعة في حقيقة الأمر ينفقون علي المرجعيّة، ويدعمونها بالأخماس والهبات، وليس العكس. لكن المرجع ينفق من أموال الخمس وفق ما يراه مناسباً، من دونما مؤسسة قانونية للصرف، فهو ينفق ويهب وفق ما يراه مناسباً وصالحاً، ومن هنا فإن من ينفق عليهم يصبحون محازيب له شخصياً، وليس للمؤسسة ككل، ولهذا كلما زاد الخمس الذي يصل للمرجع كلما زاد نفوذه وإتسع نطاق مريديه، ومن هنا فمن الطبيعي أن تقف المراجع ضد فكرة تحويل الخمس إلي مؤسسة لها نظام صرف وقوانين، لأنه سيحد من هيمنتهم الحياتية علي أتباعهم، ويحد بالتالي من نفوذهم. ان تحويل الخمس إلي مؤسسة يقوي من نفوذ المرجعيّة والحوزة، ويضعف نفوذ المرجع والمراجع، وينقل الولاء من ولاء للفرد (المرجع) إلي ولاء للمرجعيّة (الحوزة ـ المؤسسة).
ان دعوة التيار الصدري هذه تخدم المذهب، لأنها تخدم الناس، وهي تطبيق مبدع للتكافل الإجتماعي في الإسلام. وهي تتسم ببعد ديمقراطي حقيقي. ستضعف هيمنة الأسر والعوائل التي إغتنت عبر الإستئثار الذي لا يعرف أحد سببه أو مبرراته الدينيّة أو المذهبيّة، وستنصف الفقراء وعامة الناس، وتحد من الفوارق التي كانت تتراكم سنة بعد سنة، بحيث أصبحت بعض البيوتات والعوائل والأسر، هي المذهب، وأصبح العوام من مثل المنبوذين في الهند، فهم معدان، وشروك، ومتخلفون (تكرم من طاريهم!!).
إن البيوتات والعوائل المستفيدة من توزيع مغانم الضريح المقدس، وقفت ضد التيار الصدري الذي يروم إيقاف مصدر غناها وهيمنتها، لهذا فقد حاربته بشدة وقسوة، ونعتته بأشد وأقسي النعوت. إن التشيّع بالنسبة لها هو الدجاجة التي تبيض الذهب، أما أبن الصدر والعمارة والناصرية، والكوت، والبصرة، والديوانية والحلة، وبعقوبة، وسامراء، والموصل، والفلوجة، وكركوك، والسماوة، وبغداد، فالتشيع بالنسبة له، هو الوقوف بوجه الظالم، وعدم إقراره علي ظلمة، هو قول الحسين الشهيد: (هيهات منا الذلة!).

صباح علي الشاهر
-----------
ملاحظه نقلت هذا المقال بتصرف لما اراه من مطابقة افكاره لبعض للواقع نوعا ما ، ولقد قمت بحذف بعض الافكار التي ليس لها واقع في حركة التيار الصدري الشريف على المستوى الفكري والسياسي والجهادي .