(الصدر) يعيد صياغة تحالفاته بعيداً عن تأثيرات (العمامة الإيرانية)


أهم قرارات الصدر (السرية): امتصاص (التحفيز الطائفي) للقاعدة وعدم الانجرار الى (هاوية 2006)
(الصدر) يعيد صياغة تحالفاته بعيداً عن تأثيرات (العمامة الإيرانية)
- 05/05/2009 -




قصة زيارة (مقتدى الصدر) الى أنقرة

محللون: الظهور المفاجئ في تركيا يُبطنُ (سرّاً) يتعلـّق بموقف جديد من إيران

لماذا رفض الشيخ (صلاح العبيدي) الكشف عن مكان إقامة (الصدر)؟!



أنقرة-لندن-واشنطن-النور:

تباينت ردود فعل المراقبين في وصفهم لزيارة (الصدر) المفاجئة الى أنقرة في أول ظهور له، بعد غياب لسنتين يُعتقد على نطاق واسع أنه أمضاهما في "قم" المدينة الدينية الإيرانية على الرغم من أنّ أحد أهم مقربيه، والناطقين باسمه شخصياً، رفض الكشف عن "مكان إقامته" ووصف ذلك بأنه جزء من "الإجراءات السرية" للحفاظ على الأمني الشخصي لـ(الصدر).

وربط بعض المحللين قصة زيارة الصدر الى العاصمة التركية وإسطبنول بمحاولة إعادة صياغة تحالفاته بعيداً عن تأثيرات "العمامة الإيرانية"، ولاسيما بعد أنْ تعقدت علاقات تياره بحزبي الحكومة الحالية "الدعوة والمجلس الأعلى". وإذ انتبه المراقبون الى "قرار الصدر" بعدم الانجرار وراء عملية "التحفيز الطائفي" للقاعدة، ودعوة أتباعه في العراق الى تجنّب السقوط في هاوية سنة 2006، لاحظوا أيضا أنّ ناطقاً باسمه أعلن في أنقرة عدم مواجهة الجنود العراقيين من جهة، والتركيز على العمل السياسي من دون اللجوء الى "تأسيس حزب سياسي" أي "إبقاء الباب" مفتوحاً للقتال ضد الاحتلال الأجنبي للبلاد. لكن واشنطن من جهة أخرى –طبقاً لدبلوماسيين تحدثوا لوكالة أنباء الأناضول- رحّبت بزيارة (الصدر) وعدّتها إيجابية، الأمر الذي وصفه مراقبون آخرون بانّ (الصدر) يزور تركيا في إطار دعوة غير معلنة من زعمائها، لبحث إمكانية التحالف مع جهة سياسية "سُنّية" في العراق من المحتمل أنْ تكون الحزب الإسلامي العراقي. ويعني ذلك –في تقدير المراقبين- أنّ علاقة التيار الصدري بالدعوة والمجلس الأعلى، باتت "مستحيلة" وأنّ "الفيصل" بينهم هي الانتخابات البرلمانية المقبلة.

ويقول محللون سياسيون في أنقرة إن رفض الشيخ (صلاح العبيدي) الكشف عن مكان إقامة (الصدر) وعدّ ذلك "من أسرار أمنه الشخصي"، يؤكد أن (الصدر) لن يعود الى العراق إلا بعد رحيل القوات الأميركية عنه، لأنّه لا يطمئن حتى الآن على حياته بوجود الأميركان في العراق. وأكد المحللون السياسيون من جهة أخرى أنّتوجهات الزيارة واستقبال تركيا لعدد كبير من أتباع الصدر وقياديي حركته، وطبيعة التصريحات التركية التي لم يرفضها ممثلو (الصدر) توحي أنّ (الصدر) يُبطن موقفاً يرفض بدرجة ما السياسات الإيرانية للتدخل في شؤون العراق. لكنّ إيران لا تستطيع أن "تقامر" بالضغط على التيار الصدري، لعلمها أنه الأكثر ابتعاداً عن ساحتها وتأثيراتها. وعلى الرغم من تأكيدات واشنطن المستمرة أنّ "جيش المهدي" يتلقى الدعم المالي والعسكري والتدريب من إيران، إلا أن الصدريين يرفضون ذلك، ويعدّون حصولهم على السلاح من أي طرف، إنما يتم بطريقة الشراء من السوق السوداء.

وحسب صحيفة (زمان تودي) التركية، فإنّ (مقتدى الصدر) دعا أنقرة –خلال زيارته المفاجئة يوم الجمعة- الى لعب دور أكبر في الشرق الأوسط، لبسط الاستقرار في المنطقة. وقالت الصحيفة الناطقة باللغة الإنكليزية –والتي وصفت الصدر بأنه رئيس الحركة الشيعية العراقية المناهضة للاحتلال الأميركي- إن (الصدر) ربما يكون تعمّد جعل ظهوره الشخصي للرأي العام بعد "غيابه لسنتين" من خلال زيارته لتركيا التي تظهره متوازناً في "الموقف السياسي الداخلي" وتبعد عنه أية مؤشرات لها علاقة بما يسمّى "دعم إيران لمجموعات متطرّفة" قد تكون تابعة لجيش المهدي، طبقاً للوصف الأميركي، وبحسب تفسيرات الكثيرين من الزعماء السياسيين "السُنّة".

وأوضحت الصحيفة أن زعيم التيار الصدري اجتمع في العاصمة التركية "أنقرة" مع الرئيس التركي (عبدالله غول) ومع رئيس الوزراء (رجب طيّب أردوغان)، وزار اسطنبول يوم السبت للاجتماع بمسؤولين شيعة من داخل العراق وخارجه. وأكدت الصحيفة أن (الصدر) كرّر تأكيده وقف العمليات المسلحة ضد الاحتلال الأجنبي، وأشار الى استمرار "المقاومة" السياسية والثقافية. وقالت إن 5 نواب عراقيين في البرلمان حضروا الاجتماعات التي عقدت في اسطنبول.

وأشارت الصحيفة الى أنّ الميليشيات الشيعية التي يقودها الصدر قاتلت الاحتلال منذ سنة 2003، لكنّ مواجهاتها مع القوات الأميركية والبريطانية، اتخذت شكل "الحال المتقطعة" حتى وقف إطلاق النار في مايس من السنة الماضية 2008. وحرص (الصدر) من جانب آخر على إظهار قراراته في موقعه الخاص على الإنترنت، وإصدار بياناته في صلوات الجمعة من خلال مساعدين له موثوقين. وكانت المرة الأخيرة التي ظهر فيها إعلامياً، عندما بثت "قناة الجزيرة" القطرية مقابلة معه في 29 آذار 2008، فيما كانت المرة الأخيرة التي ظهر فيها شخصياً في مكان عام يوم 25 مايس 2007، عندما ألقى خطبة جمعة في مسجد الكوفة بالنجف الأشرف.

ونقلت صحيفة (تودي زمان) عن الناطق الشخصي باسم (الصدر) الشيخ (صلاح العبيدي) قوله إن هناك احتمالاً بافتتاح مكتب ممثلية للتيار الصدري في اسطنبول. وشدّد (العبيدي) على تعهد التيار الصدري بعدم استخدام العنف ضد الجنود العراقيين، مؤكداً في الوقت نفسه أن "إعادة انطلاق التيار الصدر في مهمته الجهادية" ضد الحضور الأجنبي في العراق، يعود الى قرار خاص من (مقتدى الصدر) نفسه. ورفض (العبيدي) الكشف عن محل إقامة (مقتدى الصدر) قائلاً: ((إن المعلومات سرية))!.

وأكد (العبيدي) أن (الصدر) ومسؤولي التيار الصدري الذين رافقوه طالبوا الحكومة التركية بممارسة دور فاعل في الشرق الأوسط من أجل استقرار المنطقة. ونقلت عنه قوله: ((تركيا صديق قديم وجيد. نحن نثق بذلك، وليس لدينا أي تردّد بالمجيء الى تركيا)). وأوضح (العبيدي) أيضاً أنهم في التيار الصدري لا يخططون لتأسيس "حزب سياسي" لكنهم سيستمرون بأن يكون لهم "رأي" في السياسة. وقال إنهم مازالوا يفكرون باختيار الحزب الذي سيدعمونه في الانتخابات البرلمانية المقبلة، والتي يُتوقع أن تجرى في نهاية السنة الحالية. ويشار الى أن البرلمان المكون من 275 مقعداً، يحتل الموالون فيه لـ(مقتدى الصدر) 30 منها.

وأكدت الصحيفة التركية أن (الصدر) يعد من المعارضين الأقوياء لمشروعات "فدرلة" العراق، وهو يدعم باستمرار فكرة وجود حكومة مركزية قوية في بغداد. ووقف مسانداً لـ"المعالجات" التي اقترحتها تركيا بشأن قضية "كركوك"، وهو يرفض أن تترك هذه المدينة تحت السيطرة الكردية. وفي الوقت نفسه، فإنّ (الصدر) يواصل دعوة العراقيين الى "التهدئة" وعدم الانجرار وراء الاستفزازات المتطرفة التي تحاول أن تثير النزاع الطائفي من جديد، ولاسيما بعد سلسلة الهجمات الأخيرة التي تعرّضت لها مدينة الصدر ومناطق شيعية أخرى في بغداد.

كما نقلت الصحيفة عن (صادق العيساوي) مساعد (الصدر) قوله في خطبة الجمعة: ((رجاء لا تدعونا نكون جزءا من مؤامرات كهذه)). وأوضحت الصحيفة أن الشيعة كانوا في الأيام العشرة الماضية، هدفاً لثلاث هجمات عنيفة، أسفرت عن مقتل 124 مواطناً. وقالت إن الهجمات الإثنية والطائفية السابقة كانت تقابل بهجمات عنف فورية، لكنّ الحال في العراق هادئة جداً وليست هناك ردود فعل من النوع الذي يوصف بأنه "طائفي". والحزب الإسلامي العراق، المجموعة السياسية السنية الأكبر في العراق، كما تصفها (زمان تودي) شجب الهجمات، ودعا الى الوحدة الاجتماعية في البلد.

من جانب آخر قالت صحيفة "ذي هيرالد" التي وصفت (مقتدى الصدر) بزعيم التيار الصدري "المختفي عن الأنظار" إنه أجرى اجتماعات علنية و"سرية" لم يكشف عنها شيء في تركيا، واصفة الأخيرة –في إشارة مقصودة- الى أنها "البلاد التي عُرفت في العقدين الأخيرين بأنها دولة وسيطة في منطقة الشرق الأوسط". وأوضحت أن (الصدر) عقد اجتماعات مع نحو 70 من أتباعه العراقيين الشيعة في اسطنبول، أكبر المدن التركية وعاصمتها الإسلامية القديمة في عصر الدولة العثمانية. وقالت إن اجتماع السبت تضمن مناقشات للوصول إلى طرق المساهمة في بناء مستقبل العراق. ويبدو –حسب رأي الصحيفة- أن هذه الاجتماعات لها علاقة بالتحالفات الجديدة التي يمكن أن يميل إليها التيار الصدري في الانتخابات البرلمانية المقبلة. ولا يستبعد محللون سياسيون في العاصمة البريطانية أن تكون أنقرة "وسيطاً" بين التيار الصدري، وبين الحزب الإسلامي العراقي الذي يقوده "طارق الهاشمي" صديق تركيا، لإجراء تحالف "شيعي-سُنّي" كبير، يمكن أن يستوعب أطرافاً سياسية أخرى. وقال المحللون السياسيون إنّ الوساطة التركية تركز على "وحدة العراق، عدم التنازل عن كركوك للأكراد، وتقاسم المناصب الرئيسة في الدولة ولاسيما رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء، والوزارات السيادية الأخرى كالدفاع والداخلية والخارجية"!.

ويقول محللون سياسيون في صحيفة "ذي هيرالد" إنهم يجب أن يلاحظوا –والصدر موجود في تركيا- أنّه كان "غاضباً جداً" ضد الحكومة العراقية التي يقودها الشيعة، لاسيما أن المئات من أتباعه ومسانديه اعتقلوا من قبل القوات الأمنية العراقية في إطار "الشبهة" بانتمائهم الى خلايا متورّطة بتلقّي الدعم من إيران.

وأوضح مراقبون في لندن أن (الصدر) أعلن السنة الماضية انسحابه من "الظهور العام" مشيراً الى انصرافه –جزئياً- للدراسات الدينية. وقالت إن عشرات الألوف من أتباعه "الشيعة الفقراء" في العراق ينتظرون وصوله الى مرحلة "الاجتهاد" التي تمنحه "سلطة دينية كلية" على من يرغب في "تقليده" طبقاً لما يفعله الشيعة في العالم. وحسب الصحيفة، يُعتقد على نطاق واسع بأنّ مقر إقامة (الصدر) خلال سنتي اختفائه في قم "المدينة الدينية" في إيران. وبيّنت الصحيفة أن تركيا على مدى السنين الماضية استقبلت الكثير من الفئات السياسية العراقية بهدف الوصول الى اتفاقات تعزز حال الاستقرار في العراق.

وكان مسؤولون في أنقرة قد قالوا –تعليقاً على زيارة الصدر- إن العملية السياسية في العراق "تـُطبّع" على نحو متزايد. وأكد محلل سياسي للأسوشييتد برس في العاصمة التركية قوله: "إنّ الصدر هنا لغرض إجراء المزيد من الاستشارات السياسية مع الزعماء الأتراك بشأن هذه القضية بالذات". وفي يوم وصوله، قال مسؤول كبير في وزارة الخارجية التركية، إنّ رجل الدين (مقتدى الصدر) دخل مقر الإقامة الرسمي لـ(أردوغان) بسيارة سوداء بنوافذ ملوّنة، بالكاد يُرى منها ضيف تركيا الذي يُعتقد أنه جاءها من إيران التي يقيم فيها خلال السنتين الماضيتين.

ونسبت الوكالة الى دبلوماسيين ومحللين سياسيين، قولهم إن أنقرة التي أثقلت خلال السنوات الماضية بهجمات "المتمردين الأكراد" من شمالي العراق، تجد نفسها –لهذا السبب ولأسباب أخرى- معنيّة بتنامي التدخل "الشيعي الإيراني" في العراق، وممارسة المزيد من النفوذ في سياساته الداخلية. وأكدت الأسوشييتد برس –من جانب آخر- إنّ جيش المهدي –التابع للصدر- هو الآن أقل منه "قوة" عما كان عليه في السنوات الماضية. وكان (الصدر) قد أمر ميليشياته بوضع السلاح جانباً، والتوجه الى الخدمات الاجتماعية للمواطنين. لكن مراقبين في بغداد وفي واشنطن يرون أن "جيش المهدي" هو الآن أشبه بـ "الخلايا النائمة" التي تنتظر أوامر قائدها. وتبدو قوّة حضور هذه "الخلايا" من خلال صلوات الجمعة، والاحتجاجات الشعبية ضد الاحتلال، وأيضا من خلال الشعارات التي تكتب أحياناً على جدران منازل المواطنين، و"تهدّد" بعودة جيش المهدي "عاجلاً".

من جانب آخر كانت صحيفة (زمان تودي) قد نسبت في تقرير آخر الى مصادر دبلوماسية في العاصمة التركية قولها إن زعيم التيار الصدري في العراق زار تركيا بسبب "سياستها" التي حافظت على الاتصال مع جميع الأحزاب والأطراف السياسية في العراق، وقالت إن الولايات المتحدة الأميركية "مرتاحة" لهذه الزيارة وتنظر إليها بشكل إيجابي. وأكدت الصحيفة أن اجتماع (الصدر) مع مؤيديه في اسطنبول ركـّز على "العملية السياسية" الجارية في العراق.

وفي العاصمة البريطانية، قال المحلل السياسي (ديفيد بلير) في تقرير نشرته صحيفة التليغراف إن زيارة "أحد القيادات السياسية الدينية الأكثر راديكالية في العراق" الى تركيا، ترتبط بـ"مصلحتها الحيوية في جلب الاستقرار للعراق، وكبح تأثيرات إيران ونفوذها في أوساط الشيعة العراقيين". وقال إن تركيا رحّبت بالزيارة –في إطار ترحيب واشنطن- مؤكداً أن المحادثات ركزت على "أمن العراق، وتصعيد الصلات بين الأطراف المؤثرة في الساحة العراقية".