[align=center]
عام 1982 وفي قاطع الشوش وقع في الاسر تاركا في قضاء جمجمال (بلدته) زوجة وثلاثة اطفال اكبرهم طفلته المدللة لم يكن يخطر في باله وهو ابن السابعة والعشرين ان سيكون ذهابه الى قاطع الشوش ذهابا الى عالم اخر.. هناك اقتيد مع العشرات من امثاله من الذين اجبروا على المشاركة في حرب مارثونية لا ناقة لهم فيها ولا جمل.. شباب ليس امامهم سوى الموت او الاسر.. طالما كانت بنادق فرق الاعدام تشكل خطا فاصلا بينهم ووطنهم.. اقتيدوا الى اقفاص الاسر.. حينها لم تكن الايام التي تمر تعني لهم شيئا سوى ان الطفل الذي ترك بالامس ، كبر اليوم.. وان التجاعيد التي بدأت تخدد الوجه سيجد اثارها على زوجته.. وحين سمع بان الحرب انتهت ملأت قلبه الكسير زغاريد لم تعرف طريق الوصول الى الفم.. كل شيء ضاع.. كل شيء شاخ في داخله الا امل وحيد ان يكحل عينيه بمرأى زوجته واطفاله.. لكن الحرب انتهت واقفاص الاسر مازالت ممسكة بخناقه.. اربعة اعوام مرت.. اربعة اعوام لم يعرف للنوم طريقا.. كل شيء فيه بدأ يذبل.. حتى الامل نفسه. وفي عام 1992 ابلغ ان سيعود.. فتحولت عظامه التي احناها الاسر الى عكازات قادته الى طريق الدار.. الدار التي لم يصلها الا بعد ان مر بدوائر مختلف الاجهزة الامنية ، لتنظيف عقله مما قد يكون قد علق به في زنزانات الاسر.. كان يؤكد لهم ان ليس ثمة عقل بقي... ما يملكه امل فقط رؤية اولاده.. وليمت بعدها.. لم يكن الوطن اوسع من عين صغيرته التي يخجل من نفسه حين يفكر انه قد لايعرفها.. وقد يثنه الشوق القاتل بين احداق عيون صبايا الاخرين.. كان يؤكد لهم انه نسي حتى لغة الكلام.. فلا يملك شيئا من قاموس الكوردية او العربية او الفارسية .. لايملك سوى اسماء بناته.. واسم لزوجته يخجل ان يذكره في احلامه من عظم العجز الذي هو فيها. هاهو ملقى في شوارع جمجمال يبحث عن دار ودعها قبل ان يعم الخراب.. كانت وجوه مختلفة تعانقه وهامسة بكلمات المودة والتأسف.. لم يكن يدرك سوى انه اسف على سنوات اضاعها مثل حيوان في قفص حجب حتى عن الفرجة.. لم يكن يدرك انه سيعود حيا لعائلة قد ابادها جيوش صدام.. طرق الباب.. وكان ينتظر يدا غضة بيضاء سوف تفتح الباب له.. يدا سوف يقبل اناملها.. ويحضن زغب وليد على حافاتها.. لا ربما هي من سيفتح الباب.. ياترى هل تعرف زوجها الشيخ العائد؟... استمرت يده تطرق.. وافكاره سارحة تبحث عن اشكال يلبسها لعائلته اشكال يعرفهم من خلالها.. لكن صمت الباب اوجع اصابعه المتعبة .. وما من احد.. حينها اطل جيرته ؟؟ اقدامهم باتجاه منازلهم.. من لحظتها لم يفتح باب الدار...
[/align]