[align=center][glint]المرجع فضل الله لـ «الرأي العام»: الأميركيون يفتحون أكثر من نافذة للمقاومة العراقية بغبائهم وعنجهيتهم[/glint][/align]

[align=center][/align]


الشيعة لا يبحثون عن دولة في الخليج أو في أي مكان... وأدعو الكويتيين إلى عيش ذهنية الأسرة المتكاملة

بيروت ـ من مصطفى ياسين

أكد المرجع الشيعي في لبنان السيد محمد حسين فضل الله، أن «الشيعة ضد الاحتلال الأميركي ـ البريطاني للعراق كما هم ضد الاحتلال اليهودي لفلسطين»، مشدداً على أن «لا مشروع لهم، ولا يبحثون عن دولة شيعية في العراق أو في الخليج أو أي مكان، بل يريدون أن يكونوا مواطنين متساوين في الحقوق والواجبات في نطاق دولة عادلة».

وانتقد «الأصوات التي تنطلق من بعض الشيعة ضدّ مقدسات أهل السنّة، وكذلك الأصوات التي تنطلق من بعض أهل السنة ضد الشيعة وعقائدهم بالطريقة التشهيرية والإلغائية والتكفيرية»، مستنكراً في هذا المجال «ما ينسب إلى (أبو مصعب الزرقاوي) بأنه سيعمل على حزّ رقاب أئمة الشيعة وقادتهم»، كما استنكر الشريط الذي وزع في الكويت ويتهجّم على الصحابة بـ«الطريقة السلبية المؤذية التي تثير الفتنة»، داعياً إلى حوار موضوعي عقلاني بين الطرفين في دوائر العلماء والمثقفين الذين يعرفون كيف يقابلون الحجة بالحجة والبرهان بالرهان.

ودعا الكويتيين إلى أن يعيشوا ذهنية الأسرة الكويتية التي تتكامل بعضها مع بعض، كما دعا الجميع في العالم العربي والإسلامي إلى أن يعرفوا كيف يديرون خلافاتهم المذهبية والسياسية والثقافية بالطريقة التي لا تسقط الهيكل على رؤوس الجميع، «لأن قوى الاستكبار العالمي لن تقبل منهم أن يمنحوها الامتيازات السياسية والاقتصادية فقط، بل الامتيازات الثقافية، والقضية إما أن نكون وإما أن لا نكون، وليست المسألة أن نظل نتحدث عن التاريخ وسلبياته وننقل حروب التاريخ إلى واقعنا».

ورأى فضل الله أن «هذه الظواهر باتت تشكل خطراً حقيقياً على المسلمين من ناحيتين: فهي تفصل المجتمع بعضه عن بعض، وتعطي للمكفرين والمضلّلين المصطادين في الماء العكر فرصة لإثارة الغوغاء، إضافة إلى أن هذه الذهنيات انطلقت لتحرك أكثر من فوضى على مستوى العالم، وانعكست أساليبها على الواقع العربي والإسلامي، ويستغلها الواقع الاستكباري لمصلحته وللدخول في كل مفاصل الأمة على أساس الحرب ضد الإرهاب».

ورأى أن «مشكلة الاحتلال الأميركي في العراق أنه دخل هذا البلد من دون أن يفهم شعبه، وبذهنية القوة المسيطرة، فضلاً عن أنه لم يسقط الطاغية فحسب، بل أسقط الدولة»، مشيراً إلى أن الاحتلال الأميركي بغبائه السياسي وبسياسة العقوبات الجماعية التي يعتمدها ومحاولاته إثارة الفتنة بين السنة والشيعة، أوجد حالة من الوحدة في رفض الاحتلال»، ولاحظ أن «المحتل أراد من خلال حوادث الفلوجة وحركة السيد مقتدى الصدر، أن يفرغ العراق من كل قوة ممانعة يمكن أن تترك تأثيرها على مشروعه في مسألة تسليم السلطة في 30 حزيران/يونيو»، لافتاً إلى أن «الأميركيين بغبائهم السياسي وعنجهيّتهم الأمنية كفيلون فتح أكثر من نافذة للمقاومة في العراق، والمرجعيات الشيعية لها موقع يختلف عن موقع مقتدى الصدر، ولكنها أبدت تجاوبها مع كثير من مطالبه، مع بعض التحفظات عن الأسلوب».

واعتبر أن أسلوب الخطف الذي دخل على خط المقاومة العراقية «أوجد إرباكاً للدولة التي يخطف أفراد منها، ومن شأنه أن يخلط الأوراق الدولية».


مشكلة المحتل الأمريكي في العراق

مواقف السيد فضل الله جاءت في حديث لـ «الرأي العام» استهلّه بالقول:

«لعل صلب المشكلة في حوادث العراق منذ الاحتلال، هو أن الاحتلال الأميركي دخل العراق من دون أن يفهم شعبه، وبذهنية القوة المسيطرة التي تحركت من خلال نافذة وحيدة خيّل إليه أنها سوف تفتح البلد أمامه بكل محبة وترحاب من أهله، وهي مسألة إسقاط الطاغية، تماماً كما لو كانت هي كل شيء بالنسبة إلى الشعب العراقي.

ونحن لا نحاول أن نقلِّل من أهمية هذه المسألة بالنسبة إلى الشعب العراقي الذي عاش كابوساً ثقيلاً من أشد الكوابيس ضراوةً، لكن القضية هي أن إسقاط الطاغية لم يعط الشعب الأمن، ولم يمنحه الوضع الطبيعي ويؤمن حاجاته وتطلعاته مدى عام، ولا سيما أن هناك قضية مهمة، وهي أن الاحتلال، لم يسقط الطاغية ونظامه فحسب، لكنه أسقط الدولة، بحيث بدا العراق بلداً من دون دولة، لأن سياسة الاحتلال، بقطع النظر عن الصواب والخطأ في مفرداتها، ألغت الجيش وكل القوى الأمنية، سواء الشرطة أو قوى المخابرات، ودمّرت كل الوزارات ما عدا وزارة النفط، ولم تكن في المستوى الذي تستطيع أن تدير فيه البلد، كأيِّ دولة تدير بلداً معيناً، كما تدير بلدها، لأن المعروف عن الأميركيين أنهم يتقنون إسقاط البلد ولكنهم لا يتقنون إدارته، وهذا ما لاحظناه في التخبط الذي أحاط بحركة الاحتلال داخل العراق، حيث كانوا ينوّعون التجارب، وينتقلون من تجربة إلى تجربة على حساب الشعب العراقي.

ثم لاحظنا بالنسبة إلى الحوادث الأخيرة، أن العناوين التي طرحها الاحتلال في كل هذه الهجمة العسكرية تدل على نوع من أنواع فقدان الحكمة في ذلك».

* كيـف ذلـك؟

ـ فلننطلق إلى قضية الفلوجة، نحن نعرف أن اميركيين قتلوا في الفلوجة، بحسب طبيعة الأوضاع الموجودة في منطقة الأنبار التي تسمى المثلث السني، وحدث في إطار هذه الحادثة أن اندفع بعض الناس المتحمسين نتيجة أوضاع نفسية قاسية وردود فعل غير منضبطة إلى التمثيل ببعض الجثث، الأمر الذي لا يقبله المسلمون ولا يقبله الإسلام، في حالة الحرب أو السلم، ونحن نقرأ في وصية الإمام علي (عليه السلام) لأهل بيته في قضية الاقتصاص من قاتله عبد الرحمن بن ملجم: «لا تمثلوا بالرجل، فإني سمعت رسول الله(ص) يقول: إياكم والمُثلة ولو بالكلب العقور»، وهذا ما استنكره العلماء من السنّة والشيعة معاً، ولكن الأميركيين قرروا أن يهجموا على هذه البلدة التي تضم 300 ألف إنسان أو تسلم الذين قاموا بهذه الحادثة.

إن هذا العنوان ليس عنواناً إنسانياً، وهو أن تعاقب بلداً وشعباً بهذا الحجم بجريرة أشخاص معيّنين قد لا يستطيع أهل هذا البلد، أو لا يملكون الفرصة الملائمة للإمساك بهم أو تسليمهم، أو لا يجدون مصلحة في ذلك، إن مسألة أن تعاقب شعباً كاملاً بجريرة أشخاص هي مسألة كالعقوبات الجماعية التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي بالنسبة إلى الشعب الفلسطيني ليقوم بمثلها الاحتلال الأميركي. وهكذا لاحظنا أن المجازر التي تحركت داخل الفلوجة أثارت العالم العربي والإسلامي، وربما تعدتهما، وأثارت الشعب العراقي، رغم أن الأميركيين كانوا ينكرون هذه الأرقام الكبيرة للضحايا والجرحى، ولكننا لاحظنا أن مبادرة الاحتلال الأميركي لطلب وقف إطلاق النار من جانب واحد دلت على أنهم خسروا المعركة عسكرياً أو سياسياً على أقل تقدير، وبذلك خسر الأميركيون من الناحية السياسية، في العالم العربي والإسلامي على الأقل، ولدى الشعب العراقي في شكل عام، أكثر مما ربحوا في استعادة هيبتهم من خلال الثأر لقتلاهم على الطريقة العشائرية، التي لم يحتفظوا بقيمها المتعارف عليها بين البدو والعشائر.

الشيعـة يقاومـون

* حوادث الفلوجة ترافقت مع حوادث أخرى في عدد من المناطق الشيعية في العراق في مواجهة أنصار مقتدى الصدر؟

ـ بالنسبة إلى المسألة الشيعية، فمن المعروف أن المسلمين الشيعة في العراق، نتيجة اجتهادات أو ظروف أو مناخات معينة، رفضوا الاحتلال ولكن بطريقة سلمية، لأنهم من خلال دراستهم للواقع العراقي، ولمسألة المقاومة، لم يجدوا واقعية لقيام مقاومة بالطريقة التي يمكن أن تخرج الاحتلال، ولا سيما أنهم لا يزالون يعيشون عقدة النظام الطاغي الذي لا تزال فلوله موجودة، مما يخشى منه أن يعود من جديد، على أساس بعض التعقيدات المعينة أو بعض دول الجوار التي قد تشجع ذلك من دون صدام مثلاً، وما إلى ذلك مما أثير في الإعلام تارة أو المواقع الأخرى، ولكن الاحتلال الأميركي بغبائه السياسي حاول أن يستفزّ بعض القوى التي تحمل في داخلها ثورة جنينية ربما تنتظر الظروف كي تتحوَّل حركة في الواقع، فكانت هذه الإثارات في قضية إغلاق الصحيفة واعتقال بعض الأشخاص النافذين في تلك الحركة أو مذكرة الاعتقال، التي وإن كان لبعضها مبررات، لكن الوقت بإجماع الجميع، ليس مناسباً لإثارة مثل هذه القضية، ولهذا فإن الغباء السياسي الأميركي حاول أن يثير هذه الجماهير التي استطاعت سياسة المحتل أن تعبئها ضده، لأنها أسقطت كل الأحلام التي كان يعيشها الناس من خلال الوضع الجديد على أساس العراق الجديد، فالعراق لم يحصل من شعارات الحرية والديمقراطية إلا على حرية الكلام، ولكنه لم يستطع أن يحقق حرية التغيير والانتقال إلى حالة من الأمن وغير ذلك، كما أن الغباء السياسي الذي حكم حركة المحتل، هو أن الأحداث التي كانت تحيط في المنطقة كانت تعمل على أساس إيجاد هوّة بين الطائفتين الإسلاميتين السنّة والشيعة، من خلال بعض الأحداث التي تجري هنا وهناك، ومن خلال بعض الذين يصطادون في الماء العكر من الداخل ومن الخارج، ومن خلال المخابرات الأميركية والإسرائيلية.

* لكن الصدر أرسل مقاتليه إلى الفلوجة؟

ـ هذه الحركة ارتدّت سلباً على المحتل، وأوجدت حالة من الوحدة التي هي وحدة الرفض للاحتلال، وحدة الدم الذي أرهقه الاحتلال في حركة الانتفاضة ضده، سواء في الشمال أو في الجنوب، وهذا ما كان الاحتلال لا يتصوّره من قريب أو بعيد.

غبـاء المحتـل

* ألا ترى أن الاحتلال الأميركي أراد من خلال هذه الحوادث إنهاء المقاومة السنيّة والشيعية قبل تسليم السلطة في 30 حزيران/يونيو؟

ـ هناك تحليل سياسي، يدل أيضاً على غباء المحتلّ، هو أن الأخير أراد أن يفرغ العراق من كل قوة ممانعة يمكن أن تترك تأثيرها السلبي على مشروعه في مسألة تسلم العراقيين سيادتهم من حيث الشكل، مع بقاء سلطته الأمنية وغير الأمنية من خلف الستار من حيث المضمون، لذلك أراد أن يأتي 30 يونيو/حزيران وليس هناك أي قوة شيعية أو سنية ممانعة، ولكنه في الوقت نفسه أربك كل خططه، لأن ما حدث هو أن هذه الحركة استفز بها هؤلاء الذين يحملون رفض الاحتلال ولو سلمياً بطريقة اللاعنف وأربكت كل الذين تعاونوا معه وكل القادة والمرجعيات، بحيث انضمت إلى هذا التيار بطريقة أو أخرى، ربما بالمسافة نفسها أو بربع المسافة، ما جعله مضطراً لأن يشعر بأن المعركة الجديدة التي خاضها، والتي كان السبب في إثارتها بهذا الحجم ـ هذه المعركة التي يعبّر عنها رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير، هي معركة تاريخية بكل ما تتضمنه كلمة تاريخية ـ استطاعت أن تترك تأثيرات سلبية على طبيعة دوره وحركته حتى على مستوى المستقبل، بحيث فهم أن القبضة التي يمارسها الآن لن تستطيع أن تحقق له النصر تماماً كما هي القبضة الحديد لدى حليفته وربيبته إسرائيل في فلسطين، وأن مزيداً من القتلى والجرحى وتدمير البيوت لن يحقق النصر لأي قوة احتلال هنا وهناك، وهذا ما نلاحظه في اللقاءات والاجتماعات التي تحصل في البيت الأبيض والبنتاغون وفي وزارة الخارجية الأميركية وفي بريطانيا وما إلى ذلك، ما يعني أن أميركا تشعر بأن هذه المرحلة اختلطت فيها أوراقها وضاعت فيها حساباتها بطريقة أو أخرى.

أعتقد أن أميركا قد تستطيع أن تضغط على هذه الحركة من خلال المفاوضات الدائرة على وقف إطلاق النار بشروط تعجيزية أميركية ولكن المسألة أن المارد قد انطلق من القمقم ومن الصعب أن يعود إليه من جديد.


* هل تعتقد أن هذه الحوادث أدّت إلى تغيير في الحالة الشيعية تجاه المحتل، أم أنها كانت عابرة وانتهت؟


ـ أتصور أن هناك نافذة على التغيير ربما تتوسع، والأميركيون كفيلون فتح أكثر من نافذة للمقاومة بغبائهم السياسي وعنجهيتهم الأمنية.

* هل يمكن المرجعيات الدينية الشيعية الالتفاف حول حركة الصدر؟

ـ ليس من الطبيعي الالتفاف بمعناه الديني والسياسي، لأن للمرجعيات موقعاً يختلف عن الموقع الذي يأخذه السيد مقتدى الصدر، لكنها أبدت تجاوبها مع كثير من المطالب التي يطرحها تياره في إعادة الصحيفة وإطلاق المعتقلين، ما جعل الجو العام يتنفّس بالعناوين التي طرحتها هذه الحركة مع بعض التحفظات عن الأساليب وما إلى ذلك.

تسليم السلطة للعراقيين

* هل ستؤثر هذه الحوادث على مسألة تسليم السلطة للعراقيين في الموعد المحدد؟

ـ هذه الحوادث أثارت الكثير من حالات الشك والقلق في سلامة مشروع تسليم السلطة، لأنها أظهرت أن الأميركيين لا يزالون يلوّحون بالقوة للشعب العراقي، وبطريقة العقوبات الجماعية التي يقصفون فيها بلداً وشعباً لمجرد أنهم يريدون اعتقال جندي هنا أو شخص هناك، بحجة الدفاع عن النفس، تماماً كما هو الأسلوب الإسرائيلي مئة في المئة، لذلك فإن هناك نوعين من الشعور لدى العراقيين، شعوراً ينتظر تسلم السلطة، لأن ذلك قد يعطي صورة الحكم العراقي الذي يمسك عبره العراقيون قضاياهم بشكل مستقل، وشعوراً آخر، هو الخوف من السيطرة الأميركية على مقدرات هذا الحكم الجديد، ولا سيما أن الذي يتسلمه عراقيون، من دون أن يكونوا ممثلين بالمعنى الديمقراطي للشعب، لأن هذه الحكومة التي سوف تتسلم ليست منتخبة من الشعب، والأميركيون يصرّحون دائماً أنهم سيبقون مدة طويلة، وأن تسليم السلطة يأخذ العنوان السياسي ولا يأخذ العنوان الأمني، وأن الأمن سيبقى في يدهم، رغم أنهم أمام الأخطار التي واجهتهم أخيراً بدأوا يتحدثون بلغة أننا لا نريد البقاء وننتظر اليوم الذي سوف يتيح لنا فرصة أن نخرج من العراق، لأن العراق تحوّل كابوساً بالنسبة إليهم.

وهناك نقطة مهمة لا بد من أن تدرس، هي الطريقة الجديدة التي دخلت إلى الأسلوب العراقي في المقاومة أو الممانعة إذا صحّ التعبير، أي الخطف، فهذا أوجد إرباكاً للدول التي يخطف بعض أفرادها، باعتبار أن المعارضة داخل هذه الدول، والتي وافقت على إرسال قواتها إلى العراق، أصبحت تملك الكثير من الأوراق للوقوف في وجه حكوماتها، وهذا ما لاحظناه في اليابان بشكل فوق العادة، كما لاحظنا ذلك في حوادث إسبانيا الدامية ـ التي استنكرناها ـ والتي أسقطت الحكومة التي تحالفت مع أميركا ودخلت الحرب إلى جانبها، ما جعل المعارضين لهذه الحكومة يتحدثون أن هذه المجازر التي وقعت في مدريد هي نتيجة دخول إسبانيا الحرب إلى جانب الأميركيين. هناك خلط في الأوراق، جعل قصة العراق ككرة الثلج التي بدأت تمتد إلى خارج العراق في ساحة أكثر من دولة هنا وهناك.

ضـد الخطـف

* هل أسلوب الخطف مقبول في هذه الحالة؟

ـ نحن ضد أسلوب خطف الإنسان، ولا سيّما إذا كان بريئاً، لأن المبدأ الإسلامي يقول «ولا تزر وازرة وزر أخرى»، وهذا ما أعلناه بالصوت العالي وبالأسلوب الشرعي، في الخطف الذي كان يجري في لبنان، سواء خطف اللبنانيين بعضهم لبعض أو خطف اللبنانيين للغربيين، وقلنا إن هذا الأسلوب ليس إسلامياً، لأنه لا يجوز لك أن تخطف إنساناً بريئاً ولا سيما إذا كان مدنياً يعمل في القضايا المدنية، لمجرد أنك تعارض حكومته أو أنك تريد أن تعاقب حكومته، ولكننا نعرف أن هذه المسألة من خلال التطورات الأمنية الأخيرة في العالم، أصبحت الأسلوب الذي يجري ولكن بطريقة أخرى، مثلاً أميركا عندما تريد أن تعتقل شخصاً في العراق كأزلام النظام السابق، تعتقل زوجته وابنه وأخاه حتى يسلِّم ذلك الشخص نفسه، وهذا هو الأسلوب الإسرائيلي أيضاً، ولاحظنا أن أميركا ومجلس الأمن معها، خطفت الشعب العراقي كله، وأطبقت عليه الحصار الذي أدى إلى نتائج مأساوية في اقتصاد الإنسان العراقي، لمجرد معاقبة حاكمه الذي وظفته أميركا، والذي لم يخسر من الحصار شيئاً، بل أخذ كل ثروة العراق ليتنعّم بها، ولكن أميركا حاصرت الشعب العراقي كله في هذا المجال. إن المسألة هي أن الحرب التي كانت تملك في الوسط الدولي والقانون الدولي بعض الأخلاقيات التي تلتزمها الدول، بدأت تتحرك خارج نطاق الأخلاقيات، وأصبح اتفاق حقوق الإنسان الذي يمنع قتل المدنيين واستهدافهم وغير ذلك، لا يمثل شيئاً من قوانين الحرب.

وحدة طائفية مذهبية في العراق

* من يتابع مواقفك منذ مدة طويلة، يلاحظ تركيزاً على التحذير من فتنة سنّية ـ شيعية، ليس في العراق فحسب، بل في العالمين العربي والإسلامي في شكل عام، لكن برز عكس ذلك في حوادث العراق الأخيرة؟

ـ كنا وما زلنا نقول إن مسألة السنّة والشيعة لا تزال تحمل بعض الحساسيات في العالم الإسلامي كله، لكنها في العراق، رغم هذه الحساسيات، لم تصل في التاريخ منذ أكثر من مئتي عام إلى حدِّ الحرب وإلى حدِّ الفتنة الطائفية التي يتحرك فيها السنّة والشيعة وإلى طريقة الفعل ورد الفعل، رغم صدور بعض الإساءات من الشيعة ضد مقدسات أهل السنّة، أو من قبل بعض السنّة ضد مقدسات المسلمين الشيعة وضد علمائهم وأفكارهم، والاحتلال حاول بطريقة أو أخرى أن يثير هذا الموضوع، من خلال إثارة مسألة الأكثرية والأقلية وضرورة أخذ الأكثرية حصةً أكثر من الأقلية، وهكذا بدأ الجدل أن السنّة أكثر والشيعة أكثر وما إلى ذلك، لكن عقلاء السنّة والشيعة، سواء من خلال المرجعية في النجف، أو من خلال المرجعيات السنيّة، كانوا يلتقون ويصلّون صلاة الجمعة معاً، ويصدرون بيانات توافقية، وحاول البعض أن يثير أن السنّة هم ضد الاحتلال وأن الشيعة معه، السنّة يقاومون والشيعة لا يقاومون، وحاول البعض في العالم العربي وفي بعض القنوات الفضائية، أن يربط المسألة بأن السنّة يتبعون الكتاب والسنة وأن الشيعة يتبعون أئمتهم، ولذلك فهؤلاء هم الجهاديون وأولئك ليسوا جهاديين، ونسوا ثورة العشرين ضد المحتل من علماء النجف، والمقاومة الإسلامية في جنوب لبنان، والتي لا تزال تقف ضد إسرائيل، هذا لغو ينطلق من غباء أو من عقدة نفسية، ولكننا نعتقد أن ما حصل أخيراً في العراق استطاع أن يكسر هذا الحاجز، بحيث أصبح الفريق الإسلامي السني يتحدث عن النجف وكربلاء والناصرية والبصرة، وأصبح الفريق الشيعي يتحدث أيضاً عن الفلوجة والرمادي والأماكن الأخرى، لأن الدم اختلط بالدم، والموقف قد تحرك مع الموقف، ما أبطل كل هذه المقولات.

* لكن يقال إن هناك تقاطع مصالح بين الشيعة والمحتل الأميركي؟

ـ هناك حقيقة أكدتها قبل الحرب، وفي المناخات التي كان يهيأ فيها للحرب، هي أن الشيعة ليسوا مع أيِّ احتلال، فهم ضد الاحتلال الأميركي البريطاني للعراق، وضد الاحتلال اليهودي لفلسطين، وقدمت شاهداً على ذلك، وهو أن الأميركيين كانوا ينتظرون أن يستقبلهم الشيعة الذين تقيم أكثريتهم في المنطقة الجنوبية بالورود، لكن دخولهم إلى البصرة لم يكن دخولاً احتفالياً، بل واجهوا فيه مشاكل كثيرة، ولم يرفع أي من الشخصيات الشيعية صوته مع المحتل، بل كان الصوت واحداً منذ البداية، حتى في أجواء إسقاط النظام، ضد الاحتلال.

لذلك، أعتقد أن الشيعة في غالبيتهم في المنطقة الإسلامية والعربية ضد المشروع الأميركي، وإذا كان يرد الحديث عن أن الشيعة مع المشروع الأميركي لأن فريقاً منهم ينفتح على المشروع الأميركي في العراق أو غيره، فماذا نقول عن العالم العربي من حكامه وغير حكامه؟ لا نستطيع أن نحكم على شعب بكامله وعلى امة بكاملها من خلال بعض الفئات التي تمارس السلبيات التي هي ضد قضايا الأمة والشعب كله في هذا المجال.

نحن لا نقول إن السنة مع المشروع الأميركي، لأن أغلب العالم العربي من السنة ولا نقول إن الشيعة مع المشروع الأميركي لأن بعض الذين تعاونوا مع الأميركيين هم من الشيعة.

المشـروع الشيعـي

* هل للشيعة مشروع في المنطقة؟

ـ لا، وأكدنا أكثر من مرة أن الشيعة لا مشروع لهم أو خاصاً بهم، فهم لا يبحثون عن دولة شيعية في العراق، ولا يبحثون عن دولة شيعية في الخليج أو في أي مكان، إن الشيعة يبحثون عن أن يكونوا مواطنين كبقية المواطنين متساوين في الحقوق والواجبات، في نطاق دولة عادلة.

* في خطبة الجمعة الأخيرة، لوحظ أنك استنكرت ما نسب إلى الزرقاوي وشجبت الأشرطة والكتب التي توزَّع في الكويت؟

ـ إنني ضد كلِّ صوتٍ ينطلق محمَّلاً بالحقد ضدَّ فريق إسلامي باسم فريق إسلامي آخر، ولذلك، كنا ضد الأصوات التي تنطلق من بعض الشيعة ضدّ مقدَّسات أهل السنّة، كما كنا ضد الأصوات التي تنطلق من بعض أهل السنّة ضد الشيعة وعقائدهم وما إلى ذلك بالطريقة التشهيرية والإلغائية والتكفيرية، ولهذا استنكرنا ما كان يقوم به بعضٌ من السنة ضد الشيعة في العراق وبعض أهل الشيعة ضد السنة في العراق، وحذّرنا من الفتنة التي كان يقوم بها بعض الأشباح الخفية، مثل الاعتداء على مسجد أو إمام لأهل السنّة، ويتحرك في مقابله اعتداء على مسجد أو إمام من أهل الشيعة، لأن ذلك سوف يصنع الفتنة، وهكذا وقفنا بكل قوة ضد ما ينسب إلى الزرقاوي من أنه سيعمل على حز رقاب أئمة الشيعة وقادتهم وما إلى ذلك، لأنهم يمثلون الطابور الخامس، وغير ذلك من الكلمات السلبية التي تريد إثارة الفتنة.

كما أنني في خطبة الجمعة الماضية استنكرت ما حدث في الكويت، سواء من خلال الشريط الذي وزِّع ويتهجم على الصحابة بالطريقة السلبية المؤذية التي تثير الفتنة، والتي قد تحرق الأخضر واليابس، أو ما صدر من بعض الأشرطة أو الكتب التي تحاول أن تثير السنة ضد الشيعة من خلال الحديث عن عقائدهم وأفكارهم، ونقول للكويتيين: عليكم أن تعيشوا ذهنية الأسرة الكويتية التي يتكامل مع بعضها البعض، وإذا كانت هناك خلافات بين السنّة والشيعة، كما هي الخلافات بين الشيعة أنفسهم أو بين السنّة أنفسهم، وكما هي الخلافات السياسية بين فريق سياسي وآخر، فإن ذلك لا يكون بهذه الطريقة العدوانية التشهيرية التي تتحرك باللعن والسباب واتهام هذا وذاك بغير الواقع، بل بالحوار الموضوعي العقلاني الذي لا بد من أن يعيش في دوائر العلماء والمثقفين والمفكرين الذين يعرفون كيف يقابلون الحجة بالحجة والبرهان بالبرهان، ونحن لا نجد أن وسائل الإعلام هي الساحة التي يتحرك فيها الحوار، لأن الوقت الذي تمنحه لهذه الموضوعات لن يؤدي إلى نتيجة، بل يحاول كل فريق أن يبرز أمام جماعته أنه يدافع عن هذا المذهب أو ذاك.

إننا نقول للجميع، سواء في العالم العربي أو الإسلامي، إن الأخطار التي تواجه العالم الإسلامي والعربي كله والعرب كلهم، لم يمر على تاريخهم مثلها، ولذلك عليهم أن يعرفوا كيف يديرون خلافاتهم المذهبية والسياسية والثقافية بالطريقة التي لا تسقط الهيكل على رؤوس الجميع، وعليهم أن يفهموا أن قوى الاستكبار العالمي لن تقبل من العرب والمسلمين أن يمنحوها الامتيازات السياسية والاقتصادية فقط، بل إنها تطلب أن يمنحوها الامتيازات الثقافية، بحيث تكون ثقافتنا على صورة هوامشهم الثقافية لا على صورة ثقافتهم هم، القضية إما أن نكون وإما لا نكون، وليست المسألة أن نظلَّ نتحدث عن التاريخ وكل سلبياته، وننقل حروب التاريخ إلى واقعنا، لأننا نعيش الآن حروباً أضخم وأضخم وأضخم من كل الحروب التاريخية.

الفتن المذهبية في العالم العربي والإسلامي

* هل تعتقد أن مثل هذه الظواهر باتت تشكل خطراً حقيقياً على المسلمين؟

ـ إنها تشكل خطراً حقيقياً من جهتين: أولاً من الجهة الداخلية، لأنها تفصل المجتمع بعضه عن بعض وتبعد المسلمين بعضهم عن بعض، وتعطي للمكفرين والمضللين والذين يصطادون في الماء العكر، الفرصة لكل دعوات فتاوى التكفير والتضليل هنا وهناك، والتي يثيرون بها الغوغاء، لتتحول القضية إلى أخطر من ذلك في المستقبل. وثانياً أن القضية لم تعد مجرد قضية محلية في هذا البلد أو ذاك، بل تحوَّلت إلى قضية عالمية، فقد انطلقت هذه الذهنيات لتحرك أكثر من فوضى على مستوى العالم، بحيث انعكست أساليبها على الواقع العربي والإسلامي، ولذلك لم تعد المسألة أن تتحرك التفجيرات التكفيرية هنا وهناك في بلاد غير إسلامية، بل أصبحت تواجه المسلمين الأبرياء في هذا البلد الإسلامي أو ذاك، القضية أصبحت تأكل الأخضر واليابس في البلاد الإسلامية من خلال خصوصياتها، ومن خلال وحدة كل بلد في شعبه، ومن خلال الواقع الاستكباري الذي يستغلُّ ذلك لحساباته وللدخول إلى مفاصل الأمة كلها على أساس الحرب ضد الإرهاب، والإرهاب هنا إرهاب إسلامي بحسب مصطلحه، ليخلطوا بين الناس هنا وهناك، حتى الناس الذين يكرهون الإرهاب، بالمستوى الذي جعل مواجهة المحتل في فلسطين إرهاباً، وجعل الإسرائيليين ضحايا ومدافعين عن النفس. إننا نقول: «أيها المسلمون، القضية هي أن ترتفعوا إلى مستوى رسول الله(ص)، وإلى مستوى الصحابة الذين اختلفوا وعرفوا كيف يمارسون خلافاتهم»، بحيث يحفظون الإسلام من كل سلبيات الخلافات وهذا ما لا نزال نقرأه في كلمة الإمام علي بن أبي طالب(ع): «والله لأسلمنّ ما سلمت أمور المسلمين، ولم يكن بها جور إلا علي خاصة، فخشيت إن أنا لم أنصر الإسلام وأهله، أن أرى فيه ثلماً أو هدماً، تكون المصيبة به عليَّ أعظم فوت ولايتكم التي إنما هي متاع أيام قلائل، يزول منها ما كان كما يزول السراب، أو كما ينقشع السحاب، فنهضت في تلك الأحداث حتى زاح الباطل وزهق، واطمأن الدين وتنهنه»، لقد كانوا رواد الوحدة الإسلامية، فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم، إن التشبه بالكرام فلاح.

* الحوار السني ـ الشيعي ممنوع، والتكفير السني ـ الشيعي؟

ـ إنني أقول هناك دعوات للحوار الإسلامي ـ المسيحي، ودعوات في العالم لحوار الأديان الإسلامي والمسيحي واليهودي والبوذي، ودعوات للحوار الإسلامي مع الغرب، فلماذا لا نتحدث عن الحوار الإسلامي الذي ينطلق من قاعدة الموضوعية والعقلانية بكل صراحة في الدوائر العلمية لا في الدوائر الغوغائية، ونحن أيضاً ندعو إلى حوار شيعي ـ شيعي صريح وحوار سني ـ سني صريح، لأن هناك سلفية شيعية تختلف في ما بينها وسلفية سنية تختلف في ما بينها، ونحن نحترم بعض خطوط السلفية هنا وهناك، ولكن السلفية لا تمثل الحقيقة كلها، فتعالوا إلى أن ننفتح من خلال اجتهاد منفتح على كتاب الله وسنة رسوله والاستفادة من كل علم وعقل، وبكل مسؤولية، استجابةً لقول الله تعالى: {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول}.


[align=center][/align]

*وكأن الحملة التي وجهت إليك خلال العامين الماضيين تقلصت، هل انكشفت الحقيقة؟

ـ هناك مقولة تقول: اكذب اكذب حتى يصدقك الناس، واكذب اكذب حتى تصدق نفسك، لكن هناك مقولة أخرى تقول: اصدق وتابع صدقك، وأن يكون حضورك في تأهيل الصدق، فهناك كثير من الناس الذين تنفتح عقولهم على الحقيقة سيحتضنون صدقك وستذوب الأكاذيب مع الرياح، إن المسألة هنا أن الحقيقة ستظهر حتى لو حاول الكثيرون تغطيتها بألف غطاء وغطاء، {وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر}.



صحيفة "الرأي العام الكويتية" 15-4-2004

المصدر : بينات
http://www.bayynat.org/www/arabic/na...aam1542004.htm



[align=center][glint]هل لديك تعليق؟[/glint][/align]