السلام عليكم
علي فردان 24 / 10 / 2005م - 2:50 ص
الشيعة والتاريخ في الشرق الأوسط
الشيعة أقلية في الشرق الأوسط، وإن كانت هناك أكثرية في أكثر من بلد، مثل العراق والبحرين ولبنان، وأعدادهم في دول أخرى مثل الكويت يزيد على الثلث، ويتواجد الشيعة في الدول العربية جميعاً، ففي السعودية يمثلون حوالي 20% من السكان، وفي قطر ومصر وعمان واليمن ودول المغرب العربي. لا توجد أرقام دقيقة عن التركيبة السكانية للدول العربية والسبب سياسي بحت، فالحكومات العربية هي حكومات سنّية وهي حكومات ديكتاتورية أيضاً أتت بانقلابات عسكرية أو في فترة الاحتلال البريطاني والفرنسي، وترفض أن تعترف بوجود أقليات عرقية، دينية أو مذهبية.
هذه الحكومات السنّية العربية كانت الأفضل للحكومات الغربية بسبب سيطرة السنة على مقاليد الحكم في الشرق الأوسط لفترة الألف عام الماضية وأكثر. خلال هذه الفترة قامت الحكومات المتوالية والمتوارثة بالتنكيل بالشيعة ونعتتهم بأقذر النعوت واتهمتهم بالخيانة والشرك والكفر. زاد على ذلك هو أن سيطرة الحكومات السنّية ولاستمرارها في الحكم قدّمت كل التنازلات للحكومات الغربية من القواعد العسكرية إلى النفط الرخيص، وقامت حتى إلى عهدٍ قريب بتخويف الغرب من الشيعة وأنهم «أعداء» الغرب، وفي حال وصولهم للحكم فإن مصالح الغرب في المنطقة ستنتهي.
المصالح المتبادلة بين الغرب والحكومات السنّية دامت لفترة طويلة بسبب دخول الجانب الديني في الموضوع. فمنذ الخلافة الأموية والدين هو اللاعب المميز في الحكم، وبأحاديث مُلفّقة ومكذوبة وبأموال طائلة تصب في جيوب «علماء» السلاطين، قام هؤلاء بتخدير المجتمعات وإعطاء هذه الحكومات صكوك شرعية. زادت على هذه الصكوك أن اعتبرت كل خارج على الحاكم بالكفر والردة وأن الصبر على الحاكم الظالم هو من أعظم القربات حتى لو أن جلد ظهرهم واستولى على مالهم.
جريمة سبتمبر بداية النهاية
تبادل المصالح بين الغرب والحكومات العربية كان لعهدٍ قريب من المسلّمات، إلى أن قامت ثلة الإرهاب التسعة عشر، منهم خمسة عشر سعودياً، قاموا بتفجير برجي التجارة العالمي بنويورك. إلى هنا وكأن الغرب صحا من نوم طويل أو من تخديرٍ، بل كابوس لا يُصدّق، فهم، الغرب، كانوا على اعتقاد بأن أعدائهم هم الأقلية الشيعية، وليس الأكثرية السنّية الحاكمة لدول الشرق الأوسط والتي حافظت على مصالح الغرب لعقود، وبالمقابل صمت الغرب صمت القبور عن انتهاكات حقوق الإنسان والتعذيب والتمييز والحكم المتوارث، صمت عن المذابح وانتهاكات جميع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان. صحوة الغرب هذه مع أنها أتت متأخرة حيث فقد الملايين أرواحهم في العراق وألوف عُذِّبت وقتلت في السجون العربية من مصر إلى السعودية، من سوريا إلى اليمن، من تونس إلى الأردن، إلاّ أنها البداية لنهاية الديكتاتوريات العربية.
اكتشف الغرب بأن ليست فقط مصالحه مهددة في بلاد العرب، بل حياة مواطنيه ومنشآته مهددة أيضاً، وأن الإرهاب وصل إلى بلاد الغرب بسبب شحن عنصري ديني طائفي متوارث على مدى قرون.
كان الغرب يعتقد بأن ذلك ما هو إلاّ سفسطة كتب وأحاديث وأدعية وخطب، كان الغرب يعتقد بأن ذلك ما هو إلاّ كلام ليس له واقع في الحياة، فكراهية الغرب والنصارى واليهود في كتب الطلاب في المدارس والدعوة لقتلهم، والفتاوى التي تبيح دمهم ومالهم وعرضهم ما هي إلاّ من باب «التسويق الداخلي» والذي ليس للغرب علاقةً به، إلى أن تهدّم البرجين وسقط آلاف الضحايا. من شاهد تلك الصور اعتقد بأن ذلك فيلماً من الخيال العلمي، لا واقعاً طالما دعا إليه شيوخ السلاطين و«مجاهدين» أبطال في «بلاد طالبان».
الحكومات العربية أساس الإرهاب
الغرب الذي يبحث عن مصلحته، لا خوف عليه ولا على مصلحته من الشيعة، بل الخوف كل الخوف من حكومات فاسدة استأثرت بخيرات البلاد وأفقرت العباد وأصبحت مركزاً للكراهية والتطرف والإرهاب. الشيعة هم ضحايا التطرف والكراهية والإرهاب، ومن يريد دليلاً فالأدلة ألوف الجثث التي تناثرت وتتناثر كل يوم في العراق تحت أعمال انتحارية إرهابية وهابية يريد منفِّذها الوصول إلى «الحور العين» عبر قتله أكبر عددٍ من «الرافضة والمشركين وعبدة القبور والخونة والمنافقين».
الحكومات التي تحاول تغيير جلدها لم تستطع، بل صمتت على عمليات الذبح والتفجير للآمنين العراقيين، وزادت على ذلك بأن أسمت الإرهابيين بأنهم «مقاومة». الحكومات العربية ليست على خلاف مع الزرقاوي، بل كلٍ يؤدي دوره، فالزرقاوي يعمل ما لم تستطيع الحكومات العربية عمله، فقتل الشيعة وتفجيرهم وتوتير الوضع العراقي وتخريب العملية السياسية، هي الهدف الأسمى للحكومات العربية. ولم تخف الحكومات العربية السنّية رغبتها في تخريب العملية السياسية، بل أعلنت عنها وفي تناغم مع الزرقاوي وأمثاله، فالجميع نادى برحيل «الاحتلال» قبل إتمام العملية السياسية السلمية، وهي رغبة في إعادة الوضع السابق إلى ما كان عليه من سيطرة أقلية سنية عربية على العراق، وإجهاض أي حقوق للشيعة.
حتى مع اختلاف الشيعة مع الغرب، وحتى مع دخول الشيعة للعبة السياسية متأخرين، مقارنةً بالسنّة، إلاّ أنهم يملكون رصيداً أخلاقياً عالياً ولم ينحدروا إلى مزالق التكفير والتنكيل والتقتيل والذبح تحت مبرّرات دينية كما هو الآن في العراق، وقبل ذلك في أفغانستان. مع أن السنة العرب في العراق قتلوا مئات الآلاف من الشيعة والأكراد وشرّدوا الملايين، لم ينتقم الشيعة منهم، بل أن وضع الشيعة لازال كسابقه، أرحم على غيرهم من أنفسهم، فهم ما زالوا ضحايا العرب السنة والحكومات السنية العربية.
لا خوف على الغرب من الشيعة
التخويف من «الغول الشيعي» على مدار ألف عام لن ينمحي بسهولة، والغرب الذي يتلقّى التهويل من الشيعة على مدى عقود من حكومات «سنّية» أثبتت قدرتها على تحقيق مصالح الغرب، لن يزول بسهولة؛ لكن بعد سبتمبر اختلف الوضع. حتى مع قيام العديد من حكام السنة العرب ومنهم حاكم الأردن ووزير خارجية السعودية وحاكم مصر والكثير من مثقفي الحكومات السنية بتخويف الغرب والعالم أجمع من الشيعة، إلاّ أن الغرب لم يعد يستمع لتلك الأباطيل. ظهر الوضع الشيعي والتخوف من «الإرهاب الشيعي» وكأن الشيعة حمائم بيضاء مقارنةً ببن لادن وبالإرهابيين «العرب» والسنّة عموماً. فالشيعة وفي أحلك أوضاعهم واصطدامهم بالغرب لم يذبحوا آدمياً ولم يعتبروا أن ذبح البشر تقرّباً إلى الله، ولم يستحلوا دماً على خلفية دينية، ووضعهم الثقافي التاريخي كأقلية مهضومة الحقوق مسلوبة الإرادة جعلها تبدو كالحمَل الوديع.
الشيعة ومعاداتهم للغرب لم تكن على أساس ديني بل على أساس حقوقي بحت، والدليل أنهم عاشوا مع الغرب بسلام ولعقود أيضاً، كما في السعودية، في المنطقة الشرقية تحديداً حيث كان الأمريكان متواجدون ولم يتعرض لهم أحد، بل كانوا محل ترحيب كبير؛ ولا زال يذكرهم موظفو أرامكو بكل خير حيث يسمّوهم «أبو كبوس» فهم أصدق عهداً وأكثر إنصافاً للشيعة من الذين أتوا بعدهم من الوهابيين الذين تسنّموا مناصب عليا في الشركة ليس لكفائتهم، بل لأنهم ليسوا شيعة. لازال العديد من الشيعة يترحم على أيام زمان، أيام كان الأمريكان هم المسؤولون عن إدارة شركة أرامكو، حيث كانوا يعيشون وضعاً أفضل، وها هي أرامكو الآن وقد أصبحت حكومية، أصبحت مركز التمييز والتطرف والتآمر على الشيعة، فهم ممنوعون من تسلم أي وظيفة عليا وممنوعون من المناصب الأمنية وأحيل العديد من كفاءاتهم إلى التقاعد.
الشيعة ولأسباب عقائدية وأوضاع متوارثة لها عقود، كانوا الضحايا وليس الجلاّد، وكانوا أول من يأمر بالإحسان ويدعو إلى العدل والمساواة. دعوات الشيعة هي العدالة للجميع، وأنهم ينادون بالديمقراطية ليس لأنفسهم فقط، بل لكن بني البشر، فلم يكونوا معتدين ولا قتلة، ولم يكونوا دعاة حرب وفتنة، بل دعاة سلم وتسامح، ووضعهم الحالي في العراق لهو أكبر مثال على أن الشيعة وإن كانت لهم الغلبة، لن يكونوا مجرمين ولم يقتصّوا من قتلتهم بدون قانون ومحاكمة علنية، فالعدالة تأخذ مجراها من الجاني.
الديمقراطية طريق الشيعة الأوحد
إذا ما أراد الشيعة نيل حقوقهم فعليهم واجبات أن يلتزموا بها وهي أن يرفعوا شعار الديمقراطية وأن يقبلوا به قولاً وفعلاً. الديمقراطية تعني الحريات للجميع، تطبيق معايير حقوق الإنسان العالمية على الجميع، الالتزام بحقوق الأقليات والمرأة والالتزام بالنظم الديمقراطية من انتخابات نزيهة وتداول سلمي للسلطة. على الشيعة أن يتخلّوا عن الكثير من الأفكار السابقة والتي وضعتهم بعيداً عن السياسة وحقوق الإنسان، وجعلتهم أقلية في أوطانهم يعيشون تحت رحمة حكومات جائرة أذاقتهم الأمرين؛ عليهم أن يدخلوا ردهات السياسة والمصالح، عليهم أن يتواصلوا مع دول العالم وينبذوا التقوقع. الشيعة وإن كانوا مضطهدين، فجزء مما حصل لهم بسببهم، لأنهم لم يضعوا مصالحهم أمامهم. لقد انزوى قادة الشيعة عن الدخول في السياسة وكلّفهم ذلك الكثير عل مدى ألف عام ويزيد.
في الوقت الحالي لا نجد عند الشيعة الكثير من القيادات السياسية بسبب إصرار البعض على العزلة. وقد تعرض العديد من القيادات السياسية الشيعية لهجوم من بعض الشيعة أنفسهم مما أدىّ إلى المساهمة في تهميش الشيعة واضطهادهم. لقد أخبرني العديد من القيادات السياسية الشيعية الشابة عن ما يتعرضون له من حملة إسقاط من قبل بعض رجال الدين الشيعة التقليدين والذين يخافون خسارة مراكزهم القيادية. هذه المؤسسات التقليدية عليها أن تتغير وأن تدخل معمعة المجتمع الدولي وبناء مؤسسات سياسية وحقوقية واقتصادية وثقافية ودينية، عليها أن تهتم بدراسة ثقافة الآخرين وأن يكون لها حضوراً إعلامياً وسياسيا في المسرح الدولي وأن تترك عنها وساوس الماضي ومخلّفات التزمت، وأن يعلموا أن مصير الشيعة بيد الشيعة أنفسهم، بدل الاتكال وانتظار الفرج.
الشيعة في توافق مع العالم
العالم الآن مختلف والشيعة أيضاً غير ذي قبل، ويُفترض عليهم أن يطالبوا بحقوقهم المشروعة، الحقوق العالمية للإنسان التي وقّعت عليها كل دول العالم تقريباً، منها الحكومة السعودية التي لم تلتزم بأيٍ من هذه القوانين. على الشيعة أن يكونوا مثالاً لتطبيق هذه المبادئ، أن يكونوا مثالاً للتسامح وقبول الآخر، أن يكونوا أول من ينادي بحقوق المرأة على عكس التيار الوهابي الحكومي، عليهم أول من ينادي بحقوق الأقليات وحرية التعبد وأن يقبلوا بوجود أماكن تعبد للأجانب في المملكة أو لا يخجلوا في أن يقولوا ذلك علناً لأن ذلك من مبادئهم.
الشيعة لهم طريق واحد لدخول هذا العالم المليء بالتناقضات والمصالح، عليهم أن يكونوا عوناً لأنفسهم بأن يكونوا مثالاً حياً للشفافية والالتزام بالأعراف الديمقراطية والدولية في جميع المجالات، وأن يطالبوا هذه الدول بالمقابل بأن تزور مناطقهم للتعرف عليهم عن قرب، ولترى حالهم وكيف أنهم يستحقون الدعم والحماية.
دعم الشيعة حاجة عالمية مُلحَّة
إذا ما أراد الغرب الدخول إلى المنطقة العربية وأن يركب «خيل الديمقراطية»، عليه بدعم المضطهدين الشيعة في جميع الدول العربية، دعم معنوي حقوقي ومنادات بتطبيق حقوق الإنسان وحقوق الأقليات وحقوق العبادة والمساواة في المواطنة وتطبيق جميع برتوكولات حقوق الإنسان الأممية. على الغرب الذي يناهض التمييز العنصري والمذهب والطائفي، عليه بدعم الشيعة فهم دعاة سلم وديمقراطية، دعاة وحدة ومصلحة، دعاة تسامح وقبول للآخرين. على الغرب أن لا يخاف المد الشيعي، بل عليه أن يدعمه، فدعم الشيعة هو دعم الحريات وحقوق الإنسان ومقاومة الإرهاب والديكتاتورية في الشرق الأوسط.
على الغرب إن أراد أن يعيش بسلام عليه أن يعترف بأخطاء الماضي بدعمه لحكومات ديكتاتورية لا تمثل إلاّ أنفسها، قضت على مصالح الشعوب وانتهكت حقوق الإنسان وقوّضت السلم العالمي بدعمها للإرهاب على أساس ديني. الغرب الذي ينادي بحقوق الإنسان عليه أن يدعم الشيعة في المحافل الدولية وأن يقدم لهم الدعم، وأن يطالب بالقصاص ممن ارتكبوا جرائم حرب ضدّهم، مثل ما حصل في السعودية من إعدامات في السجون وقصف للمدنيين بأسلحة حرب تحرّم القوانين الدولية استخدامها ضد المدنيين إضافةً إلى مخالفتها للاتفاقيات المبرمة مع الدول المصدّرة بأن لا تُستخدم ضد المدنيين العُزّل.
دعم الشيعة في الشرق الأوسط ليس فقط لمصلحة الشيعة لأنهم بشر ولأن لهم حقوق، ولأنهم ظلّوا في وضع العبودية لأكثر من ألف عام، بل لأنه يمثل أيضاً المستقبل الذي تتلألأ أنواره بالحرية والمصالح المشتركة على أساس المساواة ومناهضة العنصرية، على أساس التسامح بين بني البشر، والشيعة أفضل من يمثِّل هذه القيم النبيلة، فهل أنتم فاعلون؟
____________________
المصدر:
http://64.246.58.168/artc.php?id=8302