( بغداديات )




بتوقيع : بهلول الكظماوي




( سيّد وين أنام )




هالني ما رأيت و أنا أرقد ممدداً على السرير في غرفة العناية المركزة في المستشفى في أمستردام قبل خمسة أيّام اثر نوبة قلبيّة حادّة وقاني الله شرّها.

كان ذلك المنظر لأمرأة مسلمة محجّبة من شمال أفريقيا و هي تعمل بجمع النفايات و القمامة من غرف و ردهات المستشفى .

تجمّعت حينها كلّ ألآلام مضافة إلى آلامي المرضية وأنا اتحسّس عن مصير جالياتنا الإسلامية في الغرب , ولا أقول نتيجة قمع الحكومات لجالياتنا فقط , بل نتيجة سوء اهتمام أولياء امور الأمة لأبنائهم أيضا , رابطاً ما يجري في العراق اليوم من سوء الحالة الأمنية إلى نيّة الكثيرين ممن لا حول و لا قوة لهم من داخل العراق الجريح الخروج هرباً من التدهور في كل نواحي الحياة التي يمر بها العراقي ليضيفها إلى مأساة ضياع العراقي و انعدام مستقبله المجهول في الخارج .

و كنت قبلها استلمت عدّة رسائل إلكترونية من اخوة أعزاء تدعوني للعودة إلى اسلوبي القصصي الساخر كما كنت عليه سابقاً , إذ كنت ابدأ موضوعي بقصة شعبية ساخرة من التراث العراقي لأربطها بالواقع الحالي .

فأليهم جميعاً و إلى ( بقية السيف ) الذي اتصل بي طالباً أن اكتب قصة السيد ( الكيّم ) السادن التي رويتها له بمعيّة الشهيد السعيد المهندس جواد الزبيدي ( رحمه الله ) اثر حادث دخول الأمن البعثي و جواسيس الحكومة البكرية آنذاك إلى موكب الخمسة أهل الكساء في الكاظمية مطلع السبعينات , حيث كان هذا الموكب يظمّ خيرة أساتذة و طلبة الجامعات العراقية و الشباب العقائدي آنذاك , مما حدي بالشهيد الزبيدي رحمه الله إلا وان تدارك الأمر و أجلس على الفور أحد الشيوخ الخطباء ( الكلاسيكيين ) التقليديين ليتحدّث عن الحيض و النفاس و غسل الجنابة و يموّه على رجال الأمن هدفيّة المجلس و يخرجهم خالين الوفاض , و بدون أن يحصلوا منا بصيد ثمين يذهبون به لأربابهم البعثيين الطغاة .

فأليهم جميعاً قصة السيّد الكيّم :

يحكى أنّه كان هناك (كيّم ) سادن من سدنة إحدى الروضات المقدّسة بالعراق , وبالرغم على مرور فترة سنوات طويلة على زواجه ألا انه لم يرزق فيها على أطفال , مما حدى بصاحبنا الكيّم أن يعالج نفسه تارة بالأعشاب الطبيّة و تارة اخرى يذهب الى الأطباء و الحكماء ليعالج نفسه بالأدوية المستحضرة حديثاً , ورغم كل هذه الأعشاب و الأدوية الحديثة و معالجات الأطباء و رغم النذور و أختام الذكر و الأدعية و الصلوات , رغم كل ذلك لم يحصل له آي تقدّم .

و أخيراً اكتشف الأطباء أن سبب العقم لم يكن منه , بل انه من زوجته العقيمة الغير صالحة للإنجاب .

و كان صاحبنا الكيّم يحب زوجته حبّاً شديداً و يغار عليها و لا يمكن له أن يتصوّر نفسه انّه في يوم من الأيام أو في لحظة من اللحظات سيتزوّج على امرأة صباه و يأتي لها بضرّة على رأسها .

و إمام كل حالات الهم و الاكتآب التي لازمته طول السنين وإمام حب زوجته له و خوفها عليه من الضياع ارتأت أن يتزوّج عليها بامرأة اخرى علّها تنجب له طفلاً تهدّئ به خواطره الحزينة.

و لكن سيدنا الكيّم أجابها بالنفي و الإعراض و عدم الموافقة .

و بعد إلحاح شديد و وعود من زوجته بأنها تريد له الخير ولا تمانع , بل لا يمكن أن يدخل و لو جزء من الغيرة و لو كان قليلاً من زوجته الجديدة إلى قلبها .

اضطرّ صاحبنا الكيّم إمام هذا الإلحاح و إمام حاجته إلى الولد الذي سوف يحمل اسمه من بعده أن يرضخ للأمر الواقع و يقبل بزواج جديد تختاره له زوجيه القديمة .

وبالفعل تمّت الخطبة على احسن ما يرام , و عندما صار وقت الزواج , و في ليلة الدخلة و عندما دخل سيدنا الكيم على عروسته و أراد أن يختلي بها فوجئ بالباب تطرقه زوجيه القديمة لتقول له :

سيد وين أنام ؟

فأجابها : نامي بلحافج .. و الرحمن حافج .. بوسه من شفافج .. اترد العظام !

هدأ خاطرها لبرهة من الوقت و رجعت إلى غرفتها و لكنها لم تستطع أن تقاوم غيرتها من ضرّتها الجديدة و هجران زوجها لها , فسرعان ما رجعت مرة ثانية لتطرق عليه الباب من جديد و تقول له ثانية : سيد وين أنام ...؟

فأجابها : نامي بالتبن .. يا فصيص الجبن .. هسّه يجينه ابن .. و نسويه كيّم للإمام !

فذهبت .. ولكن سرعان ما عادت مرّة ثالثة لتقول له : سيد وين أنام ؟

فما كان من صاحبنا الكيّم الاّ وانتفض غاضباً بوجهها صارخاً بها قائلاً :

نامي بالجهنّم .. ريت الحايط عليج تهدّم .. و السيد تندّم من عكب ذاك الكلام !

و بعدها خرج من غرفة عرسه زعلاناً و ارجع عروسته إلى بيت أهلها.

وألان عزيزي القارئ الكريم:

رغم أنى لست من مؤيّدي القائلين بتكرار ما جرى في الجزائر حينما فازت جبهة الانقاذ الجزائرية بالانتخابات بقيادة عباس مدني و على بالحاج , ثم حصل ان حلّت الحكومة الجزائرية البرلمان و اعلنت الاحكام العرفية باشارة من امريكا و اسقطت الحكومة المنتخبة , فالوقت اليوم لا يسمح بتكرار تلك العملية و خصوصاً لم تكن أميركا متواجدة على الأرض الجزائرية آنذاك بينما هي ( أميركا ) اليوم متواجدة على الأرض العراقية و لديها ما يكفيها من التورّط التي تريد أن تعفي نفسها منه , وبالتالي فهي ليست بقادرة أن تكرّر غلطتها , وان كانت لفعلت ذلك , إنما هي تحاول أن تعيد الروح إلى عملائها السابقين ( و اقصد بهم حزب البعث المكروه و مرتزقته ) .... نعم الشيء الوحيد الذي يتكرر من مشهد الجزائر هو عمليات الدمار و القتل و الذبح و ترويع المواطنين الأبرياء حيث يسير هذا المشهد بنفس الاسلوب الذي كان عليه في الجزائر .

و هذا الدمار و القتل و الذبح و الترويع الوافد إلينا من الخارج مرفوض من كل مذاهب و أديان و قوميات أبناء شعبنا العراقي و لا يشكّل خطراً مستديماً , فسرعان ما سيزول إنشاء الله تعالى .

و لكن الخطر الحقيقي و الكبير يكمن فيما إذا تفكّك تآلفنا و تماسكنا نحن أبناء البيت الواحد لا سمح الله .

فأي تنازل عن اداء الأمانة التي حمّلنا إياها أبناء شعبنا العراقي حينما صوّت بدمه بنعم للدستور و للانتخابات سيكون بداية لتنازلات قادمة لا عد و لا حصر لها , وسيكون حال من يتنازل كحال صاحبنا الكيّم الذي نزل عند رغبة زوجته العقيم الاولى !

فوالله سيكون أول لعاب يسيل طمعاً من أي فريق داخل الائتلاف لتنحية مرشحه الحالي و إبداله بمرشح آخر لفصيله , سيكون مصيره مصير المرشح الأول .

فإذا افطر البعثيون ومرتزقتهم وأسيادهم الانكلو امريكان و جعلوا من السيد الجعفري وجبة دسمة لإفطار صباحهم , فحتماً ستكون وجبتهم على مائدة الغداء هو السيد عبد العزيز الحكيم و معه الكثير من الحوزة الكلاسيكية اضافة لمرشحه المفضل عادل عبد المهدي .

ثم ستكون وجبة عشائهم بالسيد مقتدى الصدر و جيش المهدي .

و لكي يصوموا عيدهم باليوم التالي سيتسحّرون حتى بالدكتور اياد علاوي الذي يضنّه البعض بمنآي او سيكون بمنجاة عن انيابهم و طواحنهم ثم ليمسكوا بعدها صائمين يوم عيدهم ليفطروا على كل ابناء شعبنا العراقي بعد ان يعيدوا جرذهم المودع بفنادق اسياده الانكلو امريكان و تعاد المجازر و المقابر الجماعية بأضعاف أضعافها لا سمح الله .

نعم هذه هي السياسة الانكلو امريكية, إنها و كما عهدناها لسياسة عاهرة فاجرة داعرة ,( كلما عاهدوا عهداً نقضه فريق منهم )

فإذا كان قد تقاطعت المصالح و التقت بعض الحركات و الأحزاب و الكتل الوطنية و الإسلامية , التقت مع أمريكا بزواج متعة منقطع الاجل , او لنسمّه زواج مسيار لاجل منفعة مؤقّته تنتهي بالاطاحة بالدكتاتور صدام حسين , فان في الطرف الآخر و اقصد به الزواج بين الانكلو امريكان و البعث تكفيري لهو اشد صرامة وإدامة من الزواج الكاثوليكي .

انه صك العبودية و الارتهان الدائم .

و دمتم لأخيكم : بهلول الكظماوي .

امستردام في 3-4-2006

e-mail : [email protected]