الطفل، فطنة سليمة، يشوشها العنف أخطاء خطيرة، لوثت براءة أطفالنا وجعلتهم عدوانيين
الاثنين 01 ديسمبر 2003 15:41







الهام البيروتي من بغداد: الاطفال اكثر عرضة للتأثر بالعنف، جراء اتسامه بالحركة السريعة، وصناعته للبطل. وألاطفال أيضاً اكثر عرضة للتطبع به، اذا وقعوا تحت سطوته، وأما إذا بقى التأثير والتطبع ملازمين للأطفال، وينتقل معهم الى المراحل العمرية اللاحقة، فلسوف تصعب السيطرة على الاثار السلبية التي تنتج عبر هذة الملازمة، والتي قد تسبب في ايجاد عناصر شاذة، ربما تقاطعت والمجتمع، وبنحو يجعل الاثنين يرفض كل منهما الآخر، اي ان يرفض الذي كان طفلاً وديعاً، وصار عرضة

للمتغيرات جراء العنف، العالم الذي يعيشه اذا كان مسالماً هادئاً وليرفضه الطرف الآخربدوره، لأنه باختصار شديد عنيف. واذن موضوعنا يتناول العنف والطفولة. ولعل من المفارقة ان بامكاننا تناول العنف والطفولة من جانبين، الأول ما يتعلمة الأطفال والصغار من ممارسات في العنف يقوم بها الكبار، والثاني ما يقع على الاطفال من عنف يرتكبه آخرون بحقهم.وللاسف، ان أطفالنا عاشوا الحالتين، بعد ان طبقت عليهم عملياً قسراً وكرها،بسبب الحروب التي عشناها، والبرامج التي رافقتها، ووجدت في الاذهان الصغيرة مستودعات لها، اضافة الى حالات الرعب التي عاش دقائقها الاطفال أيام القصف، ولعبت أدوار كبيرة في شخصياتهم.. اكثر من هذا، تعرض الأطفال، بعيد الحرب في العراق الى تجارب قاسية، لم يفترض بالعوائل ان تعرض أطفالها لها، ولا يفترض ان تسمح بتكرار الأمر، اذا حدث وان فرضته احدى هذه التجارب القاسية نفسها مرة اخرى، ففي فترة ما بعد الحرب وجراء الذهول الذي ألم بالعوائل العراقية جراء المتغيرات التي أعقبت سقوط النظام والانفلات الذي سمح بكشف ممارساته، فقد اغفلت هذه العوائل وهي تعرض عبرأجهزة التسجيل ”الفيديو“ أفلام التعذيب والقتل التي كان يقوم بها النظام السابق ضد اعدائه، بأن الاطفال يشاهدون معها ما تشاهد. ولأن الطفل يرتبط بعلاقة وثيقة مع التلفزيون، ويتاثر بمن يفوز في النهاية، فقد بدأ أطفال كثيرون يقلدون الممارسات القذرة التي رأوها، لانهم لايعرفون انها تعني اولا تعني شيئاً.. فالطفل لايعرف من التلفزيون سوى الذي أمامه.وما أمامه ان ثمة من يفوز دوما، وثمة من يخسر،ولعل من اقسى المفارقات ان الذي كان يخسر في هذه الافلام،من يعرض بصورة رثة،بثياب متسخة وشبه ممزقه ولحية طويلة، في حين ان من يفوز يكون مهندماً ونظيفاً، واكثر من هذا ان الذي يفوز، كان التلفزيون يروج له طيلة السنوات السابقه. وهكذا، تحققت خسارة كبيرة..خسرنا فيها الطفل الذي راح يقلد ما يرى في التلفزيون من مشاهدات يومية تنعكس سلباً على سنواته التي لاتتجاوز الثماني سنوات أو العشر في أحسن الاحوال. هنا وقبل أن نتجول في بعض المدارس والمناطق والبيوت، نذكركم، بان كثيراً من الاطباء شكوا من مراجعات العديد من أولياء امور اولاد صغار راجعوا المستشفيات من أجل أن يعالجوا اولادهم من بعض الرضوض والكسور، بسبب افلام العنف، ومنها افلام جاكي شان وغيرها من الافلام التي يصطلح عليها بـ”الاكشن“ لان اولئك الأولاد تباروا فيما بينهم بالركل والضرب الحقيقين لأنهم يفترضون ـ ببساطة ـ ان ما يحدث في الافلام حقيقي. كيف تنعكس وقائع العنف على الاطفال؟ طلبت المعلمة من تلامذة الصف الاول والثاني الابتدائي سرد قصة أو حكاية قصيرة فقام التلميذ جعفر حاتم بسرد حكاية:” أندلعت الحرب ومات الناس جميعاً وساح دمهم وضرب الجندي الولد بالقنابل وصعدت الدبابة على راسه....الخ “. أما زميله زيد الدين علي فاخبرنا بقصة الولد الذي وضعوا في جيبه المتفجرات وقنبلة يدوية وفجروه معها واصبح قطعاً صغيرة من اللحم........ مؤكداً ان هذه القصة من نسج خياله في حين انها احدى الصور التي وضعت في الاقراص المدمجة (CD) التي تعرض حالات التعذيب للنظام السابق ووقع ذهنه تحت تاثير مشاهدها. وحينما طلبت المعلمة من التلميذ تغيير القصص والتكلم عن الحيوانات والازهار والاشجار بادر التلميذ يوسف سليم قائلاً :ـ ”يوجد خروف في الغابة وكان وديعاً لكنه تحول الى ذئب وصار وحشاً وأكل أمه وأخوته وأخرج الدم منهم ثم استدرك بنحو مفاجئ..لكن الدم الذي سال على الارض تحول الى ماء يسقي الوردة “. هنا نجد.. ان الطفل يتنازعه الشر والخير فعلى الرغم من محاولة الاطفال اسباغ العنف والرعب في قصصهم تظل بذرة الخيرموجودة لديهم، فهم يتمنون ان تنتهي قصصهم نهايات سعيدة لكن صور العنف التي ترسخت في اذهانهم تغطي عليها. ومن المفارقات التي حدثت بعد العمليات العسكرية ان وكالات الانباء العالمية تناقلت صوراً لما يرسمه الاطفال العراقيون على الجدران والارصفة من لوحات لا تخلو من مشاهد القتل والدمار والعدوانية، ومن هنا طلبنا الى بعض التلاميذ ان يرسموا لنا ما يحلو لهم من رسوم فرسموا ما توقعناه أسلحة، وقتلى، وهاربون من أسلحة مصوبة باتجاههم. ومن خلاصة عدة زيارات ومشاهدات وجدنا ان اكثر من 90% من التلاميذ يميلون الى القصص والاحداث العنيفة والعدائية متأثرين بما كان يعرض على شاشات التلفزيون واحداث الحرب الاخيرة. وفي استطلاع لاراء المتخصصين والتربويين، ومتابعاتهم لشؤون الاطفال، خرجنا بحصيلة تضعها أمامكم الباحثة التربوية والمعلمة أحلام عطا الله تقول: أغلبية التلاميذ في المدرسة يمارسون اللعب القتالي والضرب واستعمال عيدان الخشب كسيوف والاحجار والطابوق كمتفجرات في اثناء مدة الاستراحة بين الدورس وحسب نظريات التربية والتعليم الاجتماعي ان الانسان يتصرف طبقاً لما تعلمه عند احتكاكه وتفاعله مع الاخرين لذلك فأن الطفل يقلد بعض أفعال واقوال الكبار من دون وعي منه. ولعل مايزيد اتجاه الاطفال الى العنف ـ كما تقول حنان الهيتي، تربوية قديمة: الالعاب التي تمثل الاسلحة الفتاكة بانواعها واشكالها واحجامها المختلفة من سكاكين وسيوف ودبابات وقنابل يدوية، فضلاً عن الرسوم المتحركة التي في صور وملصقات، تباع في الدكاكين والمحال على الرغم من ان بعض الصور والرسوم والملصقات تجسد شخصيات من محترفي الاجرام والقتلة من ابطال تلك الافلام وهم يحملون الاسلحة وقد سالت الدماء من اجسادهم وهو ما لا يليق وبراءة الاطفال وفطنتهم السليمة. وفطنتهم السلمية.. ما يجب ان نقف عنده، لان مجرد مفردة سليمة، تعني انها على استعداد لان تستوعب أي شيء، خاصة اذا كان غريباً ومقنعاً، والمعروف ان افلام الرسوم المتحركة تتميز بالدقة في الصنعه.. ومن هنا يتاثر الاطفال حتى بالشخصيات الشاذة فيسعون الى شراء من يطفيء رغباتهم من لعب الاسلحة واكد عدد من اولياء الامور منهم السيدة فليحة جاسم ومنى هادي وعلي غالب من التقيناهم انهم في حال شراء لعب الاسلحة لأطفالهم فانهم يجدون لديهم الرغبة العارمة في ضرب إخوتهم أو احد اصدقائهم، بتلك اللعب. والسيد علي عطا يؤشر امراً جديداً هو ان أسعار مثل هذه الالعاب عادة ما تكون رخيصة ومتوفرة بالأسواق وبكميات كبيرة ويستطيع بعض الاطفال شراءها بمصروفهم اليومي ومن هنا يلجأ اليها الاطفال لأن الالعاب الاخرى مثل الالكترونيات تكون غالية أومرتفعة الثمن ومن هنا يبرز دور العائلة في معالجة حالات العنف المتولدة عند الاطفال من خلال ما توفر من العاب، وإدراكها ما يمكن أن يشاهده الاطفال. د.الحارث عبد الحميد استشاري مركز البحوث النفسية والربوية في بغداد قال بشأن هذه الاشكالية: ـ أخطر ما يمكن ان يحدث ويمس براءة اطفالنا العدوان ومع الاسف الشديد توفرت البيئة الاساسية لذلك وصار الطفل لايميز بين التسامح والعدوان وليست الأحداث الاخيرة وحدها المسؤولة عن هذا الوضع المؤسف وانما الطرق والمناهج والاسس التربوية القمعية المتبعة في المدرسة والبيت لها بالغ التأثير والتخويف ليس على مستوى الاطفال حصراً، وانما على مستوى شرائح المجتمع العراقي عموماً فحالة الاعتداء وعدم السيطرة على مستوى الامن والجرائم كلها تسبب القمع الذي كان سائداً في ظل النظام السابق ويجب أن تستفيد المؤسسات التربوية والعائلة من التجربة التي مرت وتعطي الحرية للتلاميذ في المؤسسات التعليمية والعائلة في اختيارما يريدون وعدم الضغط عليهم ولاجل ان نواصل لابنائنا طفولة مبنية على المحبة والتسامح والهدوء علينا ان نعيد الاساسيات التربوية لتبنى على الحرية والديمقراطية. السيد وزير الثقافة مفيد الجزائري كان له رأي في هذه الاشكالية ودور الجهات الرسمية فيها لخصه بقوله: اننا ندرك تماما ما حدث لاطفالنا بسبب السياسات القديمة المتبعة بالتحريض على العنف وبرامج تاهيل الاطفال لحمل السلاح وما يعرف بالفتوة والاشبال وما الى ذلك والتي طبعت اذهان الاطفال ونفسياتهم ولهذا اعددنا مشروعا كبيرا ستقوم به دار ثقافة الاطفال في الوزارة بعد مدة قصيرة من الان يعنى برعاية الطفولة وتثقيفها بعيدا عن شوائب العنف واصدار مجلات ونشرات وانشاء مسارح للاطفال وبرامج للترفيه كما ان هناك خطة عمل للتنسيق ما بين دائرة ثقافة الاطفال ووزارة التربية لوضع مناهج سليمة للطفولة وتوفير كل ما يساعد الاطفال للخروج من هذه الازمة. واذن نوجه هنا دعوة لمجتمعنا المسالم الجديد بان لا يسمح بتطوير حالة الرغبة بالعنف والعدوان عند الاطفال وان يرفضوا جميع الاشكال والالعاب التي ليس لها وجود في قاموس الطفل ابدا او النيل من انسانية وبراءة الطفولة ولنزرع روح المحبة والخير في نفوسهم بدلا من الشرور ودعوة اخرى نوجهها الى القائمين على برامج التلفزيون الذي لا يعرض سوى افلام الرسوم المتحركة التي تتناول قصصها الحروب والقتل الى اخراج الطفل العراقي من كابوس الحرب بتناول افلام اخرى لها دلالات انسانية واجتماعية نبيلة.

الصباح البغدادية