القيادي في حزب الدعوة وكتلة الائتلاف علي الأديب في حوار مع الأهالي: التجربة الإيرانية لا مكان لها في العراق

المعادلة باتت واضحة جدا، أما عراق ديمقراطي مستقر وآمن، أو شرق أوسط تملؤه الفوضى، وعلى الدول الإقليمية ان تختار

مشعان الجبوري وحازم الشعلان سيقعون في قبضة العدالة حتما

الفيدرالية خيار استراتيجي للشعب العراقي لا نريده ان يتحول الى مشكلة

خروج الدكتور الجعفري عن حزب الدعوة كذبة إعلامية ليس إلا

طوال الأعوام الأربعة الماضية، شهد العراق جملة من التطورات المهمة والخطيرة والتي ألقت بظلالها على واقع البلاد السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وخلقت حالة من الترقب المستمر لما يمكن ان يصل إليه العراق في نهاية المطاف، ولمعرفة حقيقة التداعيات التي تشهدها الساحة العراقية الآن وما يمكن ان يتمخض عنها، التقينا الأستاذ علي الأديب، ابرز منظري حزب الدعوة الإسلامية، والرجل القوي الذي له بصمات واضحة ومؤثرة على المشهد السياسي العراقي، فكان ان فتح لنا الكثير من الملفات الساخنة، وأطلعنا على تفاصيل تتيح لنا معرفة حقيقة الصراع الذي دخل الآن في مرحلة هي الأخطر والأكثر أهمية في تاريخ العراق المعاصر.



حاوره : محمد الربيعي

· - مع تزايد أعمال العنف التي تشهد البلاد حاليا أخطر مراحلها، هل ما زلتم تعتقدون ان مشروع الدولة العراقية الجديدة سيكتب له النجاح يوما ما؟

·

· * إذا كنت تتحدث عن الدولة النموذج التي كنا نطمح الى تحقيقها، فأعتقد ان هذا ما زال صعبا الى حد بعيد، فقد كشفت أحداث السنوات الأربعة الماضية ان هناك افتراقا كبيرا بين ما نطمح إليه، وبين الثقافة المشوهة التي خلفها نظام البعث البائد، هناك الآن صراعات خطيرة تعصف بالواقع العراقي، أبرزها على الإطلاق هو الصراع بين فكرة الاستحواذ على السلطة بالقوة وأساليب الإرهاب، وبين فكرة الدولة الديمقراطية التي تعتمد على الانتخابات الحرة ومبدأ الفصل بين السلطات والتداول السلمي للسلطة، الفكرة الأولى هي التي مهدت لاستقطاب عناصر القاعدة من قبل بقايا النظام في تحالف دموي يمارس أقصى درجات القسوة والقتل لأبناء الشعب العراقي، لا لشيء إلا لاستعادة السلطة وإقامة نظام ديكتاتوري قمعي شبيه بالنظام المقبور، أما الفكرة الثانية التي تمثل اهم المشتركات بين الغالبية العظمى من الشعب العراقي، والتي تعرضت طوال تاريخ الدولة العراقية الى الإبادة الجماعية وجرائم الحرب ومحاولات طمس الهوية، فهي المعنية بكل ما يدور الآن من عمليات القتل على الهوية الطائفية والقومية والتهجير القسري وذبح الأبرياء لإثارة الرعب في الأوساط التي تنتظر هذه الدولة النموذج، قد تكون الخلافات على توزيع الثروات والسلطات أو انتماء العراق الى محيطه العربي أو شكل العلم وإعادة الجيش السابق وإلغاء قانون اجتثاث البعث، هي الشعارات التي تجري تحت ظلها عملية تخريب الدولة العراقية، لكن الحقيقة التي لم تعد تحتاج الى إثبات ان الثقافة الدموية التي تشبع بها أتباع النظام الطائفي البائد، وثقافة الاستحواذ والتفرد بالسلطة وتخوين وإلغاء الآخر المختلف قومياً ومذهبياً، هي السبب الرئيس في كل ما يحدث الآن من عمليات إرهابية تستهدف حياة العراقيين ومستقبلهم، وعلينا ان نعترف الآن بأن هذه الثقافة الصدامية هي العقبة الأساس في كل مشروع نهضوي يريد بناء دولة المؤسسات في العراق.

· هل يعني هذا إنكم الآن بصدد السير في طريق آخر غير الدولة الديمقراطية الحديثة، أعني هل ستقدمون تنازلات تتيح لهؤلاء القول ان مشروعهم هو الذي انتصر في النهاية؟

· * هذا مستحيل بالتأكيد، لا عودة للوراء أبداً، لا احد بوسعه ان يتحمل المسؤولية الأخلاقية والتاريخية لتكرار نفس المأساة التي عاشها العراقيون طوال عهد الحكومات الطائفية الشوفينية التي حكمت العراق بالمشانق والسجون والمقابر الجماعية، ليحلموا كما يشاؤون، لكن الاهوار لن تستباح وتضرب بالطائرات مرة أخرى، ولن يساق مئات الآلاف الى المقابر الجماعية في أقصى الجنوب، ولن تباد أربعة آلاف قرية أخرى من قرى كردستان، وقت الديكتاتوريات وحكومات القمع ولى الى الأبد، سنمنح الجميع فرصة المشاركة في بناء دولة المساواة والحرية، لكن وفق أسس إنسانية أخلاقية لا تعتمد على الدين أو القومية أو المذهب، بل على الكفاءات التي تخدم مسيرة الدولة الديمقراطية الحديثة، هذا قد يحتاج الى وقت قد يراه البعض طويلا، وهو فعلا كذلك وفق المقاييس الزمنية السائدة، ولكن أربعة سنوات ربما لا تمثل إلا زمنا وجيزا في حياة الشعوب من اجل نيل حريتها وضمان الحفاظ على كرامتها وتطلعاتها.

· أين يقف الائتلاف الشيعي اليوم، وهل هو في طريقه للانهيار مع عدم اتفاق إطرافه حتى على الأمور الجوهرية من قبيل الفيدرالية ومسألة الوجود الأجنبي في العراق وغيرها من الملفات التي يبدو إنها ما زالت غير محسومة بالنسبة لكم ؟

·

· * الانهيار كلمة غير دقيقة، يمكنك ان تتحدث عن تباين في الرؤى أو التوجهات، وهذا بالتأكيد ليس شيئا جديدا على الواقع السياسي في ظل الأنظمة البرلمانية، ومسألة عدم الاتفاق التام أو التطابق في السياسات مسألة طبيعية جدا، نحن نتحدث عن كتلة انتخبها نصف الشعب العراقي، وتشترك فيها كتل سياسية كل واحدة منها تحمل وجهة نظر سياسية خاصة بها في الجزئيات، ومن الطبيعي ان تواجه كتلة بهذا الحجم صعوبات في توحيد المواقف، لكن بألتاكيد هناك مساحات مشتركة واسعة تتيح لنا الخروج في موقف معتدل في نهاية الأمر. في الايام الأخيرة كثفنا اللقاءات والمشاورات بين الكتل المشاركة في الائتلاف، سعيا الى تبني وجهات نظر موحدة إزاء القضايا المختلفة مثل الفيدرالية والوجود الأجنبي ومستقبل العملية السياسية وغيرها من هذه القضايا.

· لكن الاختلاف بدا واضحا أثناء تقديم مشروع الفيدرالية، انتم قدمتم المشروع دون ان تنسقوا مواقفكم مع الكيانات الأخرى، واتضح فيما بعد إنكم مختلفون بالكامل في شأن الفيدرالية، أليس هذا إرباكا غير مبرر؟

· * لماذا لا تقول ان ما حصل كان واقعيا تماما في ظل التجاذبات السياسية التي تشمل كل مفاصل الحياة السياسية في العراق، ليس من السهل في مرحلة خطيرة وحساسة مثل هذه ان يكون كل شيء خاضعاً للاتفاق التام، نحن الآن نمر في دور نشوء وتطور الدولة العراقية الجديدة، نعم كان هناك نوع من الرغبة في الإسراع بحسم هذه القضية والانتقال الى قضايا أخرى بانتظارنا، لكن هذا لا يعني ان ما حصل كان سيئاً الى حد ان نعتبره خطأ إستراتيجياً، كل ما في الأمر ان التوقيت لم يكن منسقاً بشكل كاف، وهذا ما فرضته التوقيتات التي ألزمنا بها الدستور، علينا ان لا ننسى إننا الآن دولة دستورية.

· هل تمتلكون رؤية واضحة لنوع الفدرالية التي تسعون الى تحقيقها؟ ففي حين يطالب المجلس الأعلى بفدرالية من تسع محافظات، يرى حزب الفضيلة ان إقليم المحافظة الواحدة هو الأنسب، بينما يمتلك التيار الصدري رأيا يتعلق بتأجيل إقامة الفيدراليات الى ما بعد خروج القوات الامريكية، وهناك أيضا من يرى ان فدرالية المحافظات الثلاث هو ما يناسب العراق الآن، ماذا ترون في كل ذلك؟

·

· * نحن نريد شكلا للفدرالية يتناسب مع ما يريده الشعب العراقي، ما يهمنا في هذه المرحلة هو إقرار المشروع بطريقة تضمن له النجاح، وأن لا تتحول الفيدرالية الى مشكلة بحد ذاتها، تسع محافظات أو ثلاث، هذا لن يغير من الأمر شيئا، ما نريده هو فدرالية تضمن عدم عودة الديكتاتوريات أو النظم الشمولية التي تستبيح أي جزء في البلاد لمجرد الاختلاف في التكوين القومي أو المذهبي، تاريخ الأنظمة الشمولية في العراق غير مشرف في هذه الناحية. بوسعك ان ترى ما آل إليه الحال بسبب الحكم الشمولي المركزي الذي حكم العراق بالحديد والنار ولم يراع خصوصيات مكونات الشعب العراقي. أما عن الاختلاف في تفاصيل تطبيق النظام الفيدرالي، فهي نتاج طبيعي لتنوع الطيف العراقي، بالنسبة للائتلاف العراقي فقد اقر مبدأ الفيدرالية كخطة عمل لا تراجع عنها، وكل ممثلي الكتل وقعوا على الالتزام بهذا المبدأ، لكن شكل هذه الفيدرالية سيظل خاضعا للاتفاق بين الأطراف المشاركة في الائتلاف دون ان يتدخل الأخير في تحديده، فهذا الأمر متروك لإرادة أبناء المحافظات التي تريد تطبيق هذا النظام، دورنا لا يتعدى التثقيف وتوفير الغطاء السياسي لإرادة أبناء شعبنا في هذا الشأن.

· لكن البعض يقول انكم لم تفعلوا شيئا يستحق الذكر في هذا المجال حتى الآن، وقد مرت اكثر من ثلاثة أعوام على الاتفاقات المتعلقة بشكل الحكم في العراق. وهذا لا يتوافق مع حجم الإرباك الذي رافق عملية طرح القانون للقراءة الأولية. ..؟

·

· * هذا أمر طبيعي في ظل الظروف الأمنية والاقتصادية التي عصفت بالبلاد، التحديات الأمنية ومراحل تأسيس الدولة العراقية الجديدة لم تكن سهلة على أي طرف من أطراف العملية السياسية في العراق. كانت هناك مرحلة قانون ادارة الدولة ثم الانتخابات الأولى وعملية كتابة الدستور ثم الاستفتاء على هذا الدستور ثم الانتخابات الثانية التي أجريت وفق الدستور وتشكيل الحكومة إضافة الى الكثير من خطوات بناء مؤسسات الدولة، وهذه كلها تطلبت وقتا وجهدا مكثفا، ربما لم يمنحنا الفرصة الكافية للتثقيف على الفيدرالية بشكل متكامل.

· وهل الوقت لم يكن كافيا أيضا لحل قضية كركوك التي تعد جزءا مهما من النظام الفيدرالي في العراق، أم ان لهذه القضية أبعادا في الصراع، اكبر بكثير مما يظهر على السطح؟

·

· * لا أحد ينكر ان قضية كركوك شائكة جدا الى حد إنها مازالت تمثل تحديا لشكل العراق الذي نسعى الى تحقيقه، نحن الآن دولة قائمة على الممارسات الدستورية، والمشاكل التي صنعها الحكم البعثي البائد لا يمكن ان تحل بقرار سياسي يصدر من هنا أو هناك، ثمة واقع ديموغرافي يفرض نفسه على نوع الحلول التي نسعى الى تحقيقها، هناك تداخل قومي وطائفي يمنعنا من القول ان كل شيء قابل للحل في الأروقة الحكومية أو البرلمانية، خصوصا وان المرحلة الحالية ما زالت تشهد احتقانا قوميا وطائفيا يخيم على كل مجريات الأحداث هنا في العراق، ما نراهن عليه في قضية كركوك هو القدرة على تحديد مصيرها من قبل الشعب العراقي نفسه، وهذه القدرة نابعة من الأطر الدستورية التي تحكم العراق الآن، ثم ان القيادات السياسية الكردية ملتزمة معنا بالسعي لبناء دولة ديمقراطية فيدرالية تقوم على احترام الدستور، وهذا يعني ان الحل سيكون ممكنا على الدوام.

· لكن ملف كركوك حساس جدا بالنسبة للقادة الكرد وللشعب الكردي في ذات الوقت، والأحداث التي رافقت معارضة تسلم الدكتور ابراهيم الجعفري شاهدة على ذلك؟

·

· * وهي حساسة أيضا بالنسبة للشعب العراقي ككل، أما ما يتعلق بالدكتور الجعفري فهذه مسألة سياسية تثبت ان أمامنا الكثير من الوقت لنفهم معنى ان تأخذ العملية السياسية أبعادها الدستورية الصحيحة، وأمامنا الكثير من الوقت لندرك حق الشعب العراقي في اختيار من يديرون دفة الحكم في البلاد، الدكتور الجعفري كان خيار كتلة الائتلاف، وكتلة الائتلاف هي المخولة دستوريا من قبل الشعب العراقي باختيار رئيس الوزراء، وما حصل يندرج في إطار فرض واقع آخر غير ما يريده الشعب العراقي، وهذا أمر خطير للغاية، لكنه مفهوم بالنسبة لمن يمارس العمل السياسي، وبوسعنا ان نعترف ان القلق على مستقبل العراق هو الذي دفعنا للتعامل بواقعية مع هذا الموضوع الحساس.

· هذا يقودنا الى التساؤل عن الأنباء التي تناقلتها الأوساط الإعلامية والسياسية عن انشقاق الدكتور الجعفري عن حزب الدعوة وتأسيسه لحزب جديد مع الدكتور احمد الجلبي، ما مصداقية هذه الإنباء؟ وما موقفكم من الانشقاقات التي يشاع إنها حدثت وتحدث في صفوف الحزب؟

·

· * حزب الدعوة حافل بالحراك السياسي المتجدد، لا تطلب من حزب عمره يقارب النصف قرن ان يبقى جامدا وسط هذه التحولات الفكرية والسياسية التي تشهدها البلاد والمنطقة برمتها، لكن انشقاق الدكتور الجعفري موضوع مختلق بالكامل، والدكتور الجعفري نفى بنفسه هذه الأنباء، كما ان الجميع يعرف بأن حزب الدعوة حزب يعتمد على بناء تنظيمي يبتعد عن تمجيد الفرد أو وضع مقدراته بيد شخص واحد، ليس هناك أي جزء من نظريتنا يسمح باحتكار أي شيء من توجهات الحزب، ليس هناك توريث كما في العديد من الأحزاب والتيارات سواء هنا في العراق أو في البلدان الأخرى، لا مكان للفردية أو الشمولية في اتخاذ القرار، فقط هناك بناء تنظيمي يتيح للحزب أداء دوره تجاه البلاد بشكل مرن ومتحضر وقابل للتفاعل مع كل الظروف التي تواجهه.

· انتم حزب إسلامي، وعمليا انتم أقدم حزب معارض لنظام البعث، وقد استقطب حزبكم النخب السياسية العراقية طوال اكثر من عقدين. بوصفكم احد ابرز منظري حزب الدعوة، ألا ترون أنفسكم ملزمين بتقديم تجربة حزبية جديدة، تتوافق مع المتغيرات السياسية التي يشهدها العراق، والشرق الاوسط على وجه العموم. خصوصا وان بعض المراقبين يرون إنكم الحزب المؤهل لقيادة عملية الإصلاح السياسي في البلاد. فضلا عن إنكم الآن تمثلون حزبا حاكما تسلم السلطة عن طريق الانتخابات. ..؟

·

· * علينا الاعتراف أولا ان الموجة السائدة هي موجة سياسية إسلامية ذات رموز متعددة، ربما لم يتم التنظير لها بالشكل المناسب، لكنها ظاهرة متأصلة في تركيبة الشعب العراقي. بالنسبة لنا ما زلنا نعمل على دراسة إفرازات الواقع السياسي، لترسيخ وضع جديد للحركة الإسلامية، كنا منذ البداية حزب مفاهيمي يعزز ويكرس المفاهيم الإسلامية الصحيحة في العراق، وتعرضنا نتيجة لهذا الى قمع السلطة البعثية الحاكمة بشكل يفوق حدود العقل، ومع ان الظروف تغيرت بالكامل بعد سقوط نظام البعث، إلا ان المشروع الإسلامي هو الذي ظل طاغيا على المشهد السياسي في العراق، وهو الذي تسلم زمام الفعل في الساحة العراقية بعد إجراء الانتخابات. ولعل هذا هو ما يلقي بالمسؤولية على عاتق الأحزاب الإسلامية لبلورة نموذج جديد يلائم التطورات الفكرية التي شهدها العراق بعد التغيير، ونظرة واقعية على تاريخ الشعوب التي تعرضت لما تعرض له العراق من هزات عنيفة، سياسيا واجتماعيا وامنيا واقتصاديا وفكريا، بل وفي كل نواحي الحياة، نظرة مثل هذه تمنحنا الجرأة على الاعتراف بأن التغيير سيشمل كل شيء في العراق، ولا جدوى من التمسك بأي شعارات لا تمتلك القدرة على تغيير حياة الناس نحو الأفضل، أو لا تستطيع ان تساهم في تحرير الانسان من العبودية للسلطة الديكتاتورية. ما يجري الآن من تحولات فكرية هو مشروع انعتاق من الحكم الشمولي القائم على إذلال الشعوب، والذي كان السمة البارزة لعصور الانحطاط الفكري والسياسي الذي خيم على المنطقة لحقب طويلة، اعتقد ان هذا جزء من النظرية التي نسعى الى تحقيقها.

· هل ستكون التجربة الإيرانية للدولة الإسلامية هي الشكل الذي تريدون تحقيقه في العراق، أم ان تجارب أخرى هي التي ستكون مؤهلة للتطبيق في العراق الجديد؟

·

· * ما زال العراق يمثل نموذجا متفردا من حيث تركيبته القومية والدينية والمذهبية، وهذا التنوع هو الذي سيكفل تأسيس دولة تقوم على صيغة تعددية تكفل للجميع حماية واحترام خصوصياتهم الدينية والقومية، وبغض النظر عن مطابقة أي من التجارب العالمية لوضع العراق في المرحلة الراهنة، فأن صيغة النظام البرلماني القائم على مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث الذي اقره الدستور العراقي، هو نفسه سيكون نموذجا يحتذى كشكل من أشكال الحكم المتطور، التجربة التركية قد تكون هي الأقرب الى شكل الحكم في العراق اليوم، أما النموذج الإيراني فلا مكان له في العراق وسط هذا التنوع في تركيبة المجتمع العراقي.

· ذكر احد أعضاء لجنة بيكر المكلفة بوضع إستراتيجية أمريكية جديدة للعراق ان حكومة المالكي ملزمة بمعالجة الأوضاع المتردية في البلاد خلال الأشهر الثلاثة القادمة، وإلا فإنها ستفقد دعم الادارة الامريكية، ما رأيكم بهذا التوجه الذي يحمل تهديدا واضحا للقيادة العراقية؟

·

· * هذا التقرير هو دراسة مستقبلية وليست قرارا أمريكيا، الادارة الامريكية أعلنت على الدوام دعمها لحكومة السيد المالكي، فهي حكومة منتخبة تمثل حقيقية إرادة الشعب العراقي، وليس بوسع أي طرف سواء في الداخل العراقي أو في المجتمع الدولي ان يطعن بشرعية حكومة مثل حكومة المالكي، ما يجري الآن لا يبتعد عن كونه صراعا انتخابيا بين الجمهوريين والديمقراطيين قبيل الانتخابات النصفية التي ستجري في نوفمبر- تشرين الثاني المقبل، الدعم السياسي والأمني والاقتصادي هو اقل ما يمكن ان تقدمه الادارة الامريكية للعراق في هذه المرحلة الحرجة، لا احد يريد ان يتورط في ان يتحول العراق الى قاعدة جديدة للإرهاب الدولي، ويشمل ذلك حتى بعض دول الجوار التي فتحت حدودها وكرست ثرواتها لتخريب المشروع العراقي، ما يتعلق بالإدارة الامريكية نحن نرى ان سعيها لإقامة دولة ديمقراطية في العراق يتوافق مع رغبة الشعب العراقي الذي شهد أسوأ وأقسى نظم الديكتاتوريات في العالم، وهذا يعني ان بناء دولة ديمقراطية سيكون في صالح السلام والتطور في المنطقة برمتها، صحيح ان مشروع الديمقراطية ليس سهلا وسط الصراعات القومية والاثنية التي تعصف بالمنطقة، لكن الثابت إنها ستتحقق بشكلها الصحيح في نهاية الأمر، وهذا بالتأكيد ليس مسؤولية الشعب العراقي وقواه السياسية فقط، بل هو ما يجب على دول المنطقة ان تساعد على تحقيقه لئلا تدخل المنطقة كلها في دوامة الفوضى. الادارة الامريكية تعي ذلك، ودول الجوار العربي والإقليمي تعي ذلك أيضا، وأظن ان كل المعطيات الإقليمية أثبتت هذه الحقيقة التي قد لا ترضي الكثير من الأطراف، ولكنها ستكون مجبرة في النهاية على الاعتراف بها.

· هل تأتي جولة وزيرة الخارجية الامريكية كوندليزا رايس في المنطقة وزيارتها الأخيرة للعراق وفقا لهذه الدلائل، أم إنكم ترون ان ثمة صفقات إقليمية على الطريق قد تغير نظرتكم هذه؟

·

· * بالعكس، هذه الجولة بالذات تدفع بنفس الاتجاه الذي ذهبنا إليه، والصفقة التي تتحدث عنها فرضتها التداعيات التي يشهدها العراق، والمعادلة باتت واضحة جدا، أما عراق ديمقراطي مستقر وآمن، أو شرق أوسط تملؤه الفوضى، على دول الإقليم ان تختار، ونحن واثقون ان هذه الدول ستلجأ الى الخيار الأول كي تحمي المنطقة من الدمار. موقع العراق الاستراتيجي على الصعيد الإقليمي والعربي يتيح له ان يكون جزءا رئيسيا في منظومة الشرق الاوسط، هذا ما تفهمه جيدا كل الدول التي تتدخل الآن لتعطيل مشروع الديمقراطية في العراق، عليهم في النهاية ان يتقبلوا رغبة العراقيين في تأسيس دولة تقوم على القانون ومراعاة حقوق الانسان، فلا عودة للنظام الديكتاتوري في العراق مهما كانت شكل التطورات السياسية والأمنية في الداخل العراقي، ومهما كانت الضغوط الخارجية التي قد تفضل نظاما قمعيا يسهل التعامل معه مقابل مساعدته في الحفاظ على السلطة. أما زيارة رايس للعراق فتأتي استكمالا للسياسة الامريكية التي تسعى الى إنجاح المشروع العراقي، ومهما كانت الدوافع غير المعلنة للتحركات الامريكية الأخيرة، إلا إننا واثقون ان أي خطوة في الاتجاه غير الصحيح بالنسبة للإدارة الامريكية، ستؤدي حتما الى أزمات حقيقية لا ترغب بها ادارة الرئيس بوش... هناك تصريحات تطلق هنا وهناك عن ضغوط أمريكية على الحكومة العراقية والقوى السياسية لإعادة رسم خارطة جديدة للحكم في العراق، يتم بموجبها منح بعض الأطراف مساحات في الدولة العراقية لا تتوافق مع حجمهم الحقيقي، وإعادة جزء من المعادلة الظالمة بحجة ان هذا قد يساعد في استقرار البلاد، بل ويذهب البعض الى إمكانية اعادة الثقل الأكبر من المؤسسة العسكرية والأمنية للنظام الصدامي، وأظن ان هذا هو الجنون بعينه، بالنسبة للإدارة الامريكية وبالنسبة لمن يحلم بتحقيق ذلك، وعلى الادارة الامريكية ان تستعد لتوجيه مدافعها الى الجنوب والشمال ان هي فكرت بالمساس بالمعادلة الجديدة القائمة على النظام الديمقراطي التعددي المستند الى إرادة الشعب العراقي، ليس هناك حيز للتراجع أمام قوى الإرهاب أو الاستسلام لإرادة قتلة الشعب العراقي من الصداميين والشوفينيين الذين استباحوا بلادنا طوال العهود الماضية. الانتخابات الديمقراطية هي التي ستحدد من يتولى ادارة شؤون البلاد، ليست السيارات المفخخة ولا عمليات الذبح على الهوية الطائفية هي التي ستفعل ذلك.

· هل ترون ان تصريحات وزير الخارجية السعودي حول استعداد المملكة للمساهمة في تعزيز استقرار العراق جدية، أم إنكم ترون ان السعودية لا تمتلك القدرة على تنفيذ ما وعدت به؟

·

- * نحن ننتظر من كل دول الجوار مواقف واضحة تجاه ما يجري في العراق، ونأمل ان يكون ذلك جزءا من إستراتيجية الخروج بالمنطقة من عنق الزجاجة، ما يجري في العراق الآن لا يخص العراق وحده، المشتركات التي بيننا وبين الدول العربية والإقليمية تجعلنا نطمح الى بلورة موقف عربي وإقليمي موحد للخلاص من الأزمة الإقليمية، والسعودية بالتأكيد واحدة من اكثر الدول تأثيرا على استقرار العراق، لو توفرت النية الحقيقية على دعم استقرار العراق من قبل المملكة، فسيوفر ذلك الكثير من دماء العراقيين، والكثير أيضا من المعاناة والوقت التي يدفع العراق ثمنها غاليا الآن، قد تكون السعودية شريكة مهمة في محاربة الإرهاب إذا أرادت ذلك، واعتقد إنها ستسعى في هذه المرحلة الى دعم العملية السياسية في العراق، وكبح جماح التطرف التي تشل عملية الاستقرار، كما ان خبرتها في المجال الدولي، سيتيح لها معرفة ان اعادة عقارب الساعة الى الوراء بات مستحيلا، وان من مصلحة المنطقة ان يعاد تأهيل العراق امنيا واقتصاديا وسياسيا، وفق التطورات التي فرضت نفسها على الواقع العراقي بعد انهيار الحكم الشمولي القمعي لنظام البعث.

- ماذا عن بقية الدول العربية مثل مصر والأردن ودول الخليج، هل تعتقدون بإمكانية ان تؤدي هذه الدول أي دور لدعم الاستقرار في العراق، خصوصا وان بعضها يمتلك تأثيرا كبيرا على السنة في العراق، وهو ما يعني المزيد من المشاركة السياسية لهم، ومزيد من الاستقرار؟



- *علينا أولا ان نؤكد ان السنة في العراق اعرف بمصلحتهم من غيرهم، ومهما كان تأثير هذه الدول قويا، سيظل القرار السياسي متعلقا بهم، إذ إنهم يخوضون التجربة الجديدة منذ اكثر من ثلاثة أعوام ونصف. لكن هذا لا يمنع من كون البعد العربي سيوفر غطاء كافيا لإقناع الأطراف التي جنحت للعمل المسلح بضرورة أخذ دورهم في العملية السياسية، حرصا على مستقبل هذا المكون المهم من الطيف العراقي. لا احد يستطيع ان يعيد المعادلة الظالمة من جديد، وعلى الرافضين للعملية السياسية ان يعيدوا ترتيب أولوياتهم لمعرفة حقيقة ما يجري، الخاسر الأكبر من أعمال العنف التي صبغت العراق بلون الدم هم أبناء الشعب العراقي، بكل مكوناته وطوائفه، إذا كان البعض يحلم باستعادة السلطة عن طريق القتل والسيارات المفخخة وعمليات الذبح الوحشية، فهو بالتأكيد مخطأ، لا ديكتاتورية في العراق اليوم، وهذه الحقيقة أدركها مبكرا كل من شارك في عملية بناء العراق بعد انهيار النظام الصدامي، كانت هناك مساحات واسعة لمشاركة السنة في ادارة دفة الأمور في البلاد وفق نظام ديمقراطي تعددي، لكن ثقافة التفرد بالسلطة أغرت البعض بتخريب العملية السياسية أملا في اعادة نفس المعادلة القديمة التي سادت أنظمة الحكم في العراق طوال تاريخه. وكان هذا خطأ قاتلا ارتكبه البعض على حساب مصلحة الشعب العراقي، وكانت النتيجة سيئة، سيئة الى الحد الذي غابت فيه أي ملامح لخلاص العراق من مأساته.

* لكن السنة لم يبتعدوا كثيرا عن عملية بناء الدولة بعد سقوط النظام؟ فقد اشتركوا في مجلس الحكم والحكومة التي شكلها بريمر؟

- هذا صحيح تماما، لكن هذه المشاركة كانت مقتصرة على نخب محددة، وهي لم تكن كافية لتأشير حالة اندماج في العملية السياسية، الجهود التي بذلت لإقناع الأطراف السنية للمشاركة في حكم البلاد عن طريق الآلية الديمقراطية، هي التي وفرت جوا ملائما لنجاح هذه العملية، في النهاية اشترك السنة في كتابة دستور العراق الدائم، وتدفقوا الى مراكز الاقتراع لتسجيل نسب مشاركة عالية في الانتخابات، وحصلوا على مقاعد موازية لحجمهم السكاني في العراق، وهم ألان مشتركون بفاعلية في السلطة التي احتوتهم. وهذا بحد ذاته نجاح يحسب لهم، وللأطراف التي شجعتهم على هذا التحول السياسي المهم. لكن الصعوبات التي تواجهها العملية السياسية الآن متأتية أساسا من فقدان الثقة بجدوى هذه العملية، ويؤجج هذه المخاوف جزء كبير من الاعلام العربي والإقليمي الذي دفع بالكثير من القوى الى مناوءة الدولة العراقية الجديدة، وهذا ما ادخل البلاد في دوامة عنف متجدد. الآن ننتظر من المحيط العربي إشارات اكثر ايجابية للشروع في مرحلة بناء دولة متماسكة بالكامل، وهو ما نرى ان الدول التي ذكرتها ستنجح في تدعيمه في حال توفرت القناعة بذلك. نحن بحاجة الى هذا الدعم العربي كي لا يتحول العراق الى بؤرة صراع يتطاير شررها الى الدول المجاورة، ونحن بحاجة الى الدعم الإقليمي والدولي للنهوض بالتجربة العراقية الى مكانها الصحيح. وهذا ليس تهديدا بقدر ما هو تحذير لطالما وجهناه الى كل الأطراف التي ساهمت في تفعيل العنف والاقتتال الداخلي، قلنا مرارا ان المنظمات الإرهابية التي دخلت الى العراق بدعم العديد منت دول الجوار، سرعان ما ستعود الى نفس الدول التي خرجت منها، وربما سيكون الوقت متأخرا للخلاص من تأثيرها المدمر، تماما كما حصل في العديد من المدن العراقية التي احتضنت هذه المنظمات الإرهابية ووفرت لهم الملاذ الآمن، فكان ان دفعت ثمنا باهظا لم يكن مبررا على الإطلاق؟

أنت تعني ما يجري الآن في الانبار من مواجهات بين العشائر والجماعات المسلحة القادمة من خارج العراق؟

· * ما يجري في الانبار والموصل وسامراء و ديالى وغيرها من المناطق التي تركزت فيها الجماعات القادمة من الخارج، هو جزء من عملية تصحيح المسار بالنسبة للأوضاع العراقية، لا يمكن ان تتقبل البيئة العراقية هكذا أنماط من التفكير المنغلق، هؤلاء يريدون تأسيس إمارات إسلامية متشددة ترتبط بتنظيمات القاعدة شبيهة بإمارة طالبان، وهم يفرضون منذ سنوات جوا من الكبت والممارسات الظلامية، كما إنهم على أية حال كشفوا عن حقيقة الإيديولوجيات التي يحملونها، فهم يريدون إحراق العراق برمته، كجزء من معركتهم مع الغرب، وهذا بالتأكيد لا يتوافق مع الحالة العراقية التي برزت في تلك العشائر العربية التي تطاردهم الآن من مدينة الى أخرى، والحكومة العراقية تدعم بكل ثقلها تطهير العراق من هؤلاء الإرهابيين، الذين يسعون الى إشعال نار الحرب الأهلية بأي ثمن ، حتى لو كان وقودها السنة العراقيين أنفسهم. انتفاضة أهالي الانبار على الإرهابيين والصداميين ستعيد التوازن الى مشروع الدولة العراقية التي تحتضن العراقيين جميعا، كما قلت لك، إنها خطوة حاسمة لتصحيح المسار.

· لكن البعثيين يمثلون فئة واسعة من تكوين الأطراف المتصارعة في الانبار، سواء على جانب العشائر أو جانب الجماعات المسلحة، كيف ستتعاملون مع هذه الحالة الازدواجية؟

·

· * البعثيون والتكفيريون يعملون وفق نفس الأساليب ، كلاهما يستخدم العنف كأداة لبسط نفوذهم في المدن العراقية، وكلاهما استرخص دماء العراقيين الى حد مريع. القادمون من الخارج وأتباع تنظيم القاعدة لا مكان لهم في العراق، صحيح إنهم جزء من المشكلة ، لكنهم ابدا لن يكونوا جزءا من الحل، هم باختصار حالة طارئة مصيرها الزوال، وقد ارتكبوا من الفظائع ما جعلهم يفقدون أي تعاطف أو قبول في الأوساط العراقية، باستثناء فئات من البعثيين الصداميين الذين يستخدمونهم ويدعمونهم لوجستيا لنيل المزيد من المكاسب السياسية أو لاستعادة السلطة من جديد. أما البعثيون، فهم يمثلون فعلا جزءا من المشكلة لعراقية، الكثير من البعثيين تم تأهيلهم بعد سقوط نظام صدام، وعادوا الى ممارسة حياتهم الطبيعية في دوائر ومؤسسات الدولة، ورغم ان هذا كان صعبا على الشعب العراقي الذي ذاق الويلات على أيدي هذا الحزب الشوفيني الدموي، إلا ان العملية السياسية تطلبت نوعا من المرونة في هذا الجانب، أما أولئك الذين تشبعوا بالدم العراقي حتى النخاع، سواء في الماضي الأسود لحكمهم القمعي، أم في الفترة التي أعقبت سقوط البعث، فهولاء سيجدون أنفسهم حتما خارج التركيبة العراقية الصالحة لبناء الدولة العراقية، وبمرور الوقت سيؤدي اندماجهم في الأعمال الإرهابية الى رفضهم حتى من المناطق والمدن التي ينتمون إليها، حالة الاحتقان الطائفي والاقتتال الداخلي التي تسببوا فيها مع إرهابيي القاعدة، أثبتت إنهم عاجزون عن الاندماج في المجتمع العراقي من جديد.

· ماذا إذا أراد البعثيون الاندماج في العملية السياسية من جديد، لا تنسى ان أعدادهم ليست قليلة، وهم يمثلون النخبة التي صنعها النظام السابق طوال عقود. هل ستسمحون لهم بالعودة الى ممارسة العمل السياسي والانتماء الى مؤسسات الدولة، أم ان قانون اجتثاث البعض سيظل سدا منيعا أمام تحقيق هذا الأمر؟

·

· * هيئة اجتثاث البعث شكلت لغرض تأهيلهم في الحالة العراقية الجديدة، وهي البوابة التي يعودون منها الى الواقع العراقي إذا أرادوا ان يساهموا في بناء دولة المؤسسات، ونحن بالتأكيد سنسمح لهم باتخاذ الوضع المناسب لهم في منظومة الدولة لعراقية الدستورية، ولكن بشرط لا يقبل المساومة على الإطلاق، هو ان لا يكون ذلك تحت مسمى حزب البعث، هذا ما يرفضه الأعم الأغلب من العراقيين، ونتائج الانتخابات التي فاز فيها من رفع شعار لا لحزب البعث، هي التي تثبت ان حزب البعث كفكر وممارسة، انتهى من الواقع العراقي.

· لكن بعض الأطراف السياسية المشتركة في العملية السياسية تطالب بإلغاء قانون اجتثاث البعث كشرط لنجاح مشروع المصالحة الوطنية التي أعلنتها حكومة المالكي؟ كيف ستوفقون بين هذه المطالب وسعيكم لإنجاح مشروع المصالحة؟

·

· * وبعض الأطراف تطالب بإطلاق سراح صدام حسين، ولعلها تسعى الى إعادته الى السلطة هو وجلاوزته، هل سنحقق لهم مطاليبهم من اجل المصالحة الوطنية؟ هؤلاء واهمون بالتأكيد، حزب البعث هو حزب دموي قمعي وأفكاره أفكار خرجت عن حركة التاريخ، من يطالب بعودة حزب البعث الى الواجهة السياسية هم بعثيون سابقون قذفت بهم حالة الاحتقان الطائفي الى مقاعد البرلمان، وكل هذا جرى في أوضاع غير طبيعية بالمرة، لذلك نحن نسعى الى تأسيس حالة من الاستقرار الأمني والسياسي، تتيح لكل مكونات الشعب العراقي اختيار من يمثلهم وفق المصلح العليا للعراق ولهذه المكونات نفسها، بعض هؤلاء استخدموا الإرهاب كأداة للوصول الى السلطة، ولم يبالوا بحجم الخسائر والمآسي التي دفعها من انتخبهم نتيجة لسياساتهم الخاطئة، وهذا بالضبط ما عنيته من عملية تصحيح المسار التي بدأت في مناطق مهمة من العراق؟

· هذا يحيلنا الى الضجة التي أثيرت بعد اعتقال احد حراس رئيس قائمة التوافق الدكتور عدنان الدليمي، ما موقفكم منها؟

·

· * الإجراءات القانونية هي التي ستحدد موقفنا من هذه القضية، نحن دولة قانون تقوم على احترام المؤسسات القضائية، ولا مكان للصراعات الحزبية في دولة تقوم على احترام سلطة القانون، نحن نحترم كل الأطراف المشاركة في العملية السياسية كممثلين لقطاعات وفئات الشعب العراقي، حتى إذا كنا نختلف معهم الرؤى والمواقف، وهذا أمر مفروغ منه بالنسبة لنا.

· لكن التصريحات التي أدلى بها عدد من أعضاء البرلمان كانت تعكس اتهامات واضحة بأن بعض من يشاركون في العملية السياسية يدعمون الإرهاب، كان هذا صريحا جدا؟

·

· بوسعك ان تقول إنها تعكس مخاوف مفهومة بالنسبة لنا، وبناء على هذه الحادثة شكلت لجنة برلمانية لمتابعة هذا الموضوع، البعض يرى ان من الواجب اتخاذ أقصى درجات الحذر من عناصر حماية أعضاء البرلمان، إمكانية الاختراق موجودة على الدوام، وبصراحة هناك مخاوف من قبل البعض بأن يقوم عناصر هذه الحمايات أو الأشخاص المهمين بارتكاب أعمال إرهابية داخل البرلمان أو مقرات الحكومة، فقد يفكر احدهم في لحظة تجلي بتفجير نفسه وسط البرلمان مثلا؟

· هل كانت هذه الحادثة وما تبعها من إجراءات أمنية مشددة وحالة القلق التي سادت الشارع العراقي هي التي دفعتكم لتوقيع ميثاق الشرف الذي يحرم دماء العراقيين ويضع معالجات للاقتتال الطائفي؟

·

· * ميثاق الشرف أو الاتفاق السياسي هذا فرضته حالة الشد الطائفي وعمليات القتل والتهجير على الهوية، الكل يعلم ان الأوضاع في بغداد ساءت مؤخرا الى حد بعيد، نتيجة للأعمال الإرهابية التي تهدف الى إشعال نار الحرب الأهلية، عمليات القتل وموجات السيارات المفخخة وتفجير المنازل والأحزمة الناسفة التي يفجرها الانتحاريون وسط الأسواق والتجمعات السكنية ومدارس الأطفال، كل هذا كان سببا في تأجيج حالة الاحتقان الطائفي، يدعمها في ذلك رفض بعض الأطراف إدانة هذا النوع من الإبادة الجماعية للعراقيين، بل وصلت الأمور الى حد تبرير ذلك بأنه نتيجة لما يسمونه إرهاب الدولة، ما أريد التأكيد عليه ان ميثاق الشرف يحظى الآن بدعم كل الأطراف السياسية التي رأت فيه خطوة على الاتجاه الصحيح، والجميع يأمل ان تؤدي الإجراءات التي اتفق عليها الى بسط الاستقرار في مدينة بغداد وسائر مدن العراق الأخرى.

· هل تعتقد ان تردي الأوضاع الأمنية وفقدان الثقة هو العائق الوحيد أمام استقرار العراق، أم ان ثمة ملفات أخرى تجاهلتم الخوض في تفاصيلها تحقيقا لمبدأ التوافق والمحاصصة، مثل الفساد الإداري وعمليات اختلاس المليارات التي كان أبطالها وزراء ونواب معروفين، خصوصا وأن بعضهم مثل مشعان الجبوري المتواجد حاليا في كردستان وحازم الشعلان المتهم باختلاس مليار دولار وغيرهم، ما زالوا طليقين دون محاسبة؟

·

· * التركيبة السياسية والأوضاع الحرجة التي مر بها العراق أتاحت لهؤلاء ان يتحركوا مؤقتا بعيدا عن دائرة القانون، والقانون هي الذي سيتكفل بمحاكمتهم محاكمة عادلة ليس للصراع السياسي أي دور فيه، قبلهم استطاع وزير الكهرباء أيهم السامرائي ان يستغل حالة الشد الطائفي للابتعاد عن قبضة العدالة، حتى انه أعلن نفسه ناطقا باسم الجماعات الإرهابية وتعكز على كون اتهامه بالاختلاس له أغراض طائفية وغير ذلك من محاولات التهرب من العدالة، لكن في النهاية سقط أيهم السامرائي في قبضة العدالة، والقانون هو الذي سيتكفل بمحاكمته واسترجاع حق الشعب العراقي منه، مشعان الجبوري يفعل الشيء ذاته الآن، لكنه في النهاية سيسقط في قبضة العدالة، وكذلك الشعلان وغيره من الوزراء والمسؤولين الذين سرقوا ثروات البلاد، ويشمل هذا أيضا كل من يسلك نفس الطريق في الإثراء على حساب الشعب العراقي ، الآن وفي المستقبل. هيئة النزاهة بدأت تتخلص من ضغوط بعض الأطراف وحالة الإرباك التي يشهدها البلد، والقوانين والأنظمة العراقية هي التي ستحدد مسؤولية أيا كان ملف الفساد الإداري الذي عطل مشروع الدولة العراقية، ولن يحظى أيا كان بحماية انتمائه العرقي أو المذهبي للخلاص من قبضة العدالة، هذه هي أسس الدولة المتحضرة التي نسعى لبنائها جاهدين.

· هل من كلمة أخيرة يريد ان يقولها الأستاذ علي الأديب لقراء جريدة الأهالي والشعب العراقي؟

·

· * فقط أريد ان أؤكد على حقيقة اصبحت من ثوابت الثقافة العراقية الجديدة، وهي ان لا مكان، الآن وفي المستقبل، بأي ثمن وبأي طريقة، لعودة النظام الديكتاتوري الطائفي الشوفيني للعراق، لا نحن ولا الشعب العراقي سيتحمل المسؤولية الأخلاقية عن ذلك، دولة القانون ومبادئ حقوق الانسان هي الشكل الوحيد الذي يمكن ان يعرفه العراق بعد الآن، لا شيء غير هذا مطلقا.

· شكرا لك على سعة صدرك.

* شكرا لكم ايضا.