في يوم الشهيد العراقي
أحياء تحت التراب
فيلم سينمائي يتحدث عن المقابر الجماعية في مدينة الناصرية
الجزء الثالث
جواد المنتفجي
-1-
الناصرية:
مدينة وارفة بشموخها منذ الأزل :
توارثت العزة من أسلافها الخالدين.. ممن كانوا يجاهدون بالغالي والنفيس دفاعا عن عقيدتهم وأرضهم التي عاشوا على بقاعها الطاهرة فكان النصر المؤزر حليفهم ، حدث ذلك قبل آلاف السنين ، ولا زال هذا يحدث اليوم منذ ولادة أبو الأنبياء إبراهيم الخليل ( ع) ، وانتهاء بشعب عرف عنه بأنه نسب لأقدم حضارة سعت إلى سنن أرقى الأنظمة والقوانين ، وهكذا حقق نجاحاته في كافة الميادين نتيجة لما قام به هذا الشعب من تنظيم راقي فاق كل التصورات ليعلن نجاحاته السياسية والثقافية والاقتصادية وشتى الفنون الأخرى ، فأذهل العالم بإبداعاته المتتالية والتي ظلت محفورة في ذاكرة التاريخ ، وهذا لا يخفى على كل من تعمق بدراسة وفهم ما قام به أبناء هذه المدينة البررة والذين علموا الخليقة أيضا كيف تكتب مسيرتها الجهادية بأحرف من نور ، فلا تندهش حينما تبهرك كلمات شهدائها التي خطت بدمائهم الزكية على جدران الأزقة والحارات ، أو على تلك الرايات الخفاقة التي حملوا لوائها وراحت ترفرف بزهو وهي تعتلي شناشيل البيوتات والمضايف في كل مناسبة لأنهم عزموا فيما بينهم على أن كلمة الله هي العليا ، والأجل هذا كله كان طريق الشهادة الذي سلكته كوكبة من أبنائها أحد سبل الحياة المعبدة بالدم.
-2-
وعلى مشارف مدينة الجهاد تلك :
وحالما تولج أليها ومن أي مدخلا من مداخلها ، تتآلف لأنفاسك رائحة أهلها الأتقياء المؤمنين ، فكأنك تحس ولوهلة الأولى بان تلك الرائحة تنث بمزيجها الخليط من هواء بساتينها والمتناثرة بين القصبات هنا وهناك ، حيثما كانت ولا زالت أنفاسها تشكل دوائر كبيرة تتكون نهاياتها حزم من أطياف شمسية تشبه قوس قزح ظل يزين بوابات تلك المداخل ، وكأنك تتخيل انه كتب في علو طوقها : ( مرحبا بكم بمدينة الناصرية الفيحاء .. بوابة الجهاد والفداء ) ، لذا فلا تتعجب وان توهجت عينيك بنور انتفاضات أهلها منذ اليوم الذي قرروا فيه مقارعة الطواغيت بدية دفعوها من دمائهم الطاهرة ، ومن هنا يتراء لك ومن خلال مسلسل من شواهد حية كيف مجدت تلك الانتفاضات تغنج أبنائها ببطولات أول أجدادهم .. الأجداد الذين بقينا نفتخر بعوالم صنعوها في عصورهم الذهبية امتثالا بمن قاوم الظلم منذ قيام أولى حضاراتها والمتمثلة بـ ( اريدو – كيش – أور- اوما- باد تيبرا- ثورة العشرين- الانتفاضات العارمة منذ تولي الحزب الفاشي للسلطة ) ، أحداث تزاوجت مع محن وماسي زمنها الصعب وعبر متتاليات عددية جرت ضروب تأثيرات وقائعها بحقب قرون مظلمة لتثبت لمن توافدوا على عرين هذه المدينة من شتى إرجاء المعمورة أن هناك سر في عشق هذه الأرض.. عشقا كان يهندس مشاريعه الجهادية رجالا بدؤوا يقارعون الظلم الذي مر عليهم بفترات متعاقبة منذ حكم (العيلاميون – ثم الساسانيون – والعثمانيون – والإنكليز ) ، وهذا ما غاض كل من طغى على تولي قيادة دفتها ، بل وهذا ما جعل من ازدراها بحقده المدفون أن لا يتوانى حتى وان دفن جميع أهلها ليكونوا أحياء عند ربهم يرزقون ، بل وتماد مرتزقة أولئك الحكام بغيظهم المحقون يوم استأنف جلاوزتهم بإكمال وصلة جرائمهم التي تباهوا فيها أمام أنظار الخليقة ليثبتوا للعالم أنهم لم يتورعوا بالذبح فقط وإنما فاقوا كل الخليقة على هذه الفانية عندما بدؤوا يؤسسون لهم ذكريات سيئة في تاريخهم المظلم فكانت علامات ساعتها الجثث المدفونة في أغوار اكبر المدافن الجماعية في العالم ، وهذا ما نوهت عنه في قصيدتي المسماة بـ ( اللعبة ) :
وانكشفت أسرار اللعبة
بطلها كان طاغوت..
ولد من أرحام فجر الظلمة
كان عهده ليلا طويلا
فتوغل مكسورا..
في كتب ، وكراريس الذكرى
في عهده ..
طالت هموم الغربة،
كانت يده الطولى ،
لرحيل أحباب في القلب كانوا..
ماتوا من ندب حجابات المنفى ،
والمشنوقين ممن صرخوا
كلا للتيار الممتد..
( من زاخو حد البصرة ) في عهده..
ضاعت أنات المأسورين
ممن فقدوا..
في أدغال الأقفاص المهجورة،
وطرود فرج الذكرى
وانكشفت أسرار اللعبة
لما فاحت..
روائح مسك الرفات المقهورة، من بطائح الأرض الحبلى
كان طاووسا،
صار مشنوقا..
ينتقي أجنحة ديدان الموت،
ويسابق محاريث أشباح الظلمة
بجرائمه..
فاق كل أبطال القصة،
ولما اندحر في نهاية اللعبة..
صارت كل الأعناق المشنوقة
تتحدى الأوثان المذبوحة
المفترشة متسعات الرؤيا،
من ( زاخو حد البصرة )
كانت لعبة ..
صارت قصة
أمست ذمة في كتب..
ومضاجع كراريس الذكرى
-3-
ومملكة الجمال تلك:
والممتدة مضايف أهلها النجباء ما بين البساتين وحواف غابات القصب والبردي كانت من أجمل بقاع العالم ، حيث يبان لك وعلى طول خاصرتي الطريق ، أن هناك أماكن تبهرك فيها كثافة واخضرار نسوغ البردي والقصب ، ومن هناك أيضا بزغت أولى الملاحم الجهادية والتي كتبتها أساطير المجاهدين والثوار من أبنائها النجباء ممن شربوا من فراتها ، وعاشوا وترعرعوا بين أحضانها الدافئة .. أسماء ظلت محفورة في ذاكرة زمن هذه المدينة المجاهدة ، ومنهم (الشهيد عبد المطلب كاظم حسين المشرفاوي - والشهيد غني إبراهيم داود- والشهيد محسن كاظم داود – والشهيد هادي الشويلي ) ، وهكذا أصبحت شهادتهم كالجود الذي أضحى يطوف على الجميع ليأتيهم بالأمل الموعود بغتة، ومتى ما تناهت لمسامعك ترنيمة صرخات صولاتهم وجولاتهم .. صرخات كانت تتناغم كالرصاصات مع حفيف أشجار قصبها وبرديها ، إذ ذاك تلوح للأبصار أسارير من غبطة فرحة كان ينشدها كل من تعرض لماسي وظلم ذلك النظام الفاشي ، حيثما سجلت بوادرها الانطلاقة الأولى منذ أعوام تولي الحزب المقبور للسلطة وانتهاء برصاصات شهر شعبان - آذار/مارس عام 1991 ، وهكذا وضعت الانتفاضة العارمة أوزارها لتعلن بوادر إشراقة صباح جديد .
-4-
تلك هي عروسة الجهاد:
فمنذ أن تجلى بهائها على أديم سجع الخيط الأول الآتي من بزوغ ذلك الفجر المبين ، وفي اليوم الذي راحت تتنادم فيه صدى زحام المشاحيف التي كان يقودها أولئك المجاهدون وسط بريق الأمواج الدافئة كان يشعر أهلها بفوران ثورة قادمة لا محال منها ، كانت السماء يومها تنثر وردا على البيوت التي ظلت هياكلها شاخصة على طول الطريق وعرضه بعد أن هدمها جلاوزة النظام البائد عنوة ليهجروا ساكنيها عنوة ، وهكذا باتوا متشردين طيلة تلك السنين الغابرة، بعد أن كانت من مناطقهم تعتبر من أجمل محطات الاستراحة التي تمتد فيما بينها والعوالم الأخرى جسور للسلام ونداءات المحبة ، حيث ظلت ولسنين طويلة تنعم على قوافل وافديها ممن هبوا من جميع منارات العالم ليتنعموا بفصول جنانها السرمدية التي نثرها الله تعالى كأكاليل من الأيمان على وجوه أهلها ، فلا تتعجب حين تقرأ على وجوههم حب هذه الأرض، فهو الإصرار والثبات بذاته ، والذي مهّر جباههم منذ الأزل .
-5-
تلك هي مملكة السحر:
والتي كانت تقصدها الكثير من أنواع الطيور المهاجرة الآتية من أقاصيها البعيدة لتتكاثر في مواسم توالدها ، وهذا ما توارثته هي الأخرى منذ أمد طويل .. طيور كانت قد انتحرت هي الأخرى في آخر سفرة لها عندما جاءت في صيف عام 1997 ووجدت أن الغول لم يتوانى حتى عن ابتلاع كل مياهها، ليتبدد كل شيء على حين غرة ويتحول إلى صحراء قاحلة.. حيث لا ماء.. ولا خضرة وارفة عهدتها على مد تلك العصور..حتى الهواء كان قد تغير نسيمه بعد أن لوثته رائحة البارود وشظايا القنابل التي ضربت أهلها ، فأبت لحظتها أن لا ترجع وقد قررت حينها أن تموت بشموخ في ذات المكان الذي ولدت وتربت فيه ذات يوم ، لذا راحت ترتفع بمجامعها إلى علو السماء الشاهق ومن ثم تنزل على منقارها لتصطدم بالأرض المعطاة معلنة اغتيالها من هناك ، وهذه شهادة أخرى أضيفت إلى تاريخ البغاة حيث اعتبرت كارثة بيئة وجناية ارتكبت بحق مخلوقات هذه المناطق منذ أن قرروا تجفيف بحيرات الاهوار لكي تسهل عليهم مهمة مطاردة المجاهدين الذين اتخذوا من هذه الأرض مقلع للمقاومة ، فكانت جريمة العصر.. جريمة أخرى تضاف إلى جرائم الطاغوت المغلولة إلى عنقه بالآثام ، جريمة فاقت كل جرائم الإبادة البشرية، فحفرت على اثر جور مظالمه الكثير من المقابر الجماعية والتي تنافت مع ابسط مبادئ (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ) ، والتي اعتبرت كوثيقة لإدانة زبانيته الذين اتصفوا بالظلم والجور، ممن كانوا سببا في قتل الكثير من ثوار (الانتفاضة الشعبانية) ، والذين لم يعد لهم أثرا بعد أن غصت بهم الأرض في واحدةٍ من الجرائم ، والتي اعتبرت من أبشع عمليات التصفية الجماعية التي شهدها تاريخ العراق. وفي هذا شهدت بيوم سقوط الصنم بقصيدتي والتي وسمت عنوانها ( وماذا ستقول ألان ؟ ) :
مثلما كانت الأرض مبهورة..
بالرفات المدفونة بلا أكفان،
ومن خلف زمهرير قضبانا..
أوصدت عليه بأحكام
أشارت أليه..
كل الأصابع المقتولة بالاستفهام:
- أمتهم !
أم بريء أنت ؟
أم تراك مغفلا..
تحسب خفق خطواتك
إلى الوراء أمام؟
- وماذا ستقول لشجو همومنا الثكلى ؟
حينما تواريت بعتمة تلك الحفرة،
متجليا بزعيق المدفونين..
في أفول مقابر أصبحت شواهدها
زاهية بالأضواء والألوان ؟
- وماذا ستنبس بصم آذاننا أحرى ؟
والآهات بين ضلوعنا تتلوى ،
كلما آلمتنا غلالة تلك الذكرى:
- لم جرف أزلامك بغفلة..
سوسن بساتين حنة البصرة..
واهوار الناصرية وغدران ميسان ؟
ونحن كالأطفال نتهجى..
ميراثك من لظى الحسرة،
متى ما أمعنا..
في يباب الأرض،
التي تناثرت بين أجماتها..
أشلاء الشيوخ والأطفال في الأنفال؟
وأنىّ كالآخرين نتلظى،
يلفنا صداع الحيرة واللوعة
متى ما أرهبتنا..
مس فزع تلك الذكرى :
- لم اغتلت بسكتة..
مرح وغنج طيور الهور ،
والق شهداء انتفاضات شعبان ؟
ونحن ، مثلما الآخرون نسأل
وهزأ قهقهتك الممسوخة..
في وسن القلوب تنغز:
- أما آن الأوان لجوى جفنيك ،
أن ترمش خجلا..
من ثغاء جثث القتلى..
التي كنت تغسلها بالدم والدخان؟
وأنى والآخرون لا زلنا ننهل،
وصراخ دعواتنا يتعالى ..
كلما أحيينا فجيعة تلك الذكرى:
- ستلج بك اللعنة..
في أي زمان،
بل في كل دهر ومكان !
ونحن مثلما طيور الهور سنتهادى:
نرش المّن وتباشير أصابع الحلوى..
في يباب الأرض التي تناثرت بين أجماتها :
جثث ثوار الدجيل..
وشهداء انتفاضات الناصرية وميسان
-6-
وفي مدينة الإبداع تلك :
وفي يوم كان مداه مضببا بنوع كثيف عواصف ترابية اقتحمت فظاءاته ، توقفنا عند أحد مدخل قرية ( آل محينه) والواقعة ضمن الرقعة الإدارية لناحية ( الفضليه) ، والتي تفصل قضاء ( سوق الشيوخ) عن مركز مدينة ( الناصرية الفيحاء) ، حيثما وجدنا هناك وبين بساتينها الكثيفة الواقعة في الجهة المقابلة لهذه الناحية .. وجدنا كوكبة من فنانيها دأبوا بعملهم المتواصل منذ أوار الصباح الباكر حتى الساعات المتأخرة من الليل لينقلوا لنا شواهد مرت بها هذه القرية أوان مقارعة الحزب ومنذ استلامه للسلطة ، حيثما قبر العديد من أبنائها تحت بطائح أرضها الثرة ، حيث التقينا بمدير الإخراج الفنان المتألق الزميل ( حسين ناجي جبر) ، والذي أجابنا بعد أن سألناه عن ماهية هذا العمل الذي يقوم بإخراجه ، والذي جند له طوابير كبيرة من الكوادر الفنية :
اسم الفيلم : أحياء تحت التراب
التأليف: علي عوده الناصري
المخرج المنفذ :مصطفى عبد الحسين الزهيري
موقع التصوير: الناصرية قرية ( آل محينه ) ناحية الفضليه إضافة إلى مقر حزب الدعوة تنظيم العراق
تاريخ بد العمل: 1/5/2008
عدد الممثلين المشاركين: 40
عدد أعضاء الكادر الفني: 20
جهة الإنتاج : مؤسسة شهداء العراق والمتمثلة بالدكتور ( خلف عبد الصمد) ، وواصل حديثه بعد تلك المقدمة البسيطة ليسلط لنا الضوء على موضوعات الفيلم : ( أحياء تحت التراب) هو عنوان كان لمسرحية بسيطة تم عرضها على قاعة المركز الثقافي في الناصرية ، وكان لها تأثير مباشرا على المشاهد والمتلقي الذين تزايد إقبالهم لحضور هذا العرض ، نتيجة لما كان يحمله مكنون هذا العمل من خطاب أنساني جسدت فيه الكثير من المعاناة إلا إنسانية ، والتي أعادت إلى بال مشاهديها أبرز ذكريات تلك القصص والحكايات التي جرت أحداث وقائعها أبان حكم النظام البائد ، حيث اختفى حينذاك الكثير من أبناء المدينة نتيجة لمقارعة الظلم ، ولأجل هذا صممت نخبة من مبدعي مدينة الناصرية على تحويل هذه العمل الرائع إلى مشروع فيلم سينمائي تضمن( 48) مشهد وبزمن قياسي قدره (90 دقيقة )، علما أن إمكانيات هذا العمل كانت جدا بسيطة تتقدمها جهود مباركة من لدن كادر العمل المتضمن نخبة من الفنانين والإداريين ، والذين لم يبخلوا وسعا ببذل كل الطاقات الخيرة لإخراج هذا العمل الفني بإطار سينمائي جديد ومتميز يستحق التأمل والإعجاب ، واعتقد بأنه سيكون له أثر بارزا على منهجيات الحديثة السينما العربية والعالمية ، إذ أن صوره ستكشف عن رؤية مستقبلية لكفاءة ومقدرة السينما العراقية لتكن بمصاف الدول المتقدمة في هذا المضمار ، وأحب أن أقول مستغلا هذه المناسبة أن كل عمل صميمي لا بد من أن تعتري مفاصله الكثير من الملاحظات ، ولكننا وبهمة الغيارى من فنانين هذه المحافظة المعطاة حاولنا تخطيها فنيا ، علما أن هناك ظروف جوية قاسية كانت تعرقل سير عملية التصوير ، ولكننا تجاوزنا كل هذه الصعوبات نتيجة لإصرار جميع العاملين وفقهم الله جميعا، وأحب أن اثني على جهود المتميزين منهم : ( الزميل علي عوده الناصري المؤلف والمشرف على الفيلم – والصديق العزيز المخرج المنفذ مصطفى عبد الحسين الزهيري الذي قدم جهود استثنائية في الإخراج والتمثيل ، إضافة إلى ما قدمه من ملاحظات دفعت بعملنا إلى أشواطا بعيدة لإنجازه بخطوات سريعة ) ، كما وأود أن أثمن جهود الممثلين المبدعين كل من ( الزميلة الممثلة أنوار طالب- والزميل الممثل حميد مكي – والزميل الممثل محمد رسن) ، وهنا لا بد من الإشارة مغتنما هذه الفرصة لأقول للزملاء من الأدباء والمثقفين والفنانين والممثلين والمسرحيين في هذه المدينة المشهود لها بالإنجازات الأدبية والفنية والمسرحية : ( هناك الكثير من الفرص الرائعة لكي نقدم كل ما هو جديد لتنوير أشكال الخطابات المختلفة وعلى جميع الأصعدة ، سوى أن كان ذلك ممتعا أو مؤلما خارج إطارات التنظير والنقد الهدام ، وبان نعمل سوية وبروح الإخوة بعيدا عن المسميات المتداعية ، فالفنان يبقى فنانا مهما تغيرت الأزمان والظروف ) ، وأردف مكملا :
- أما من ناحية الموضوع والذي تمثلت مشاهده بالكثير من الماسي والتي تمثلت بالكشف عن اكبر المقابر الجماعية في العالم ، حيث بينا من خلال تمثيل وقائع هذا العمل السينمائي أبشع المشاهد التي تناولت التعذيب والتنكيل اللذين تعرض لهما أهالي قرية صغيرة في جنوب العراق ، حيث سينتهي هذا العمل باكتشاف مقبرة جماعية وجدت في أطراف بساتينها ، تلك المدافن التي قبرت بجوفها رفات وهياكل لكثير من الأطفال والنساء والشيوخ ، والذين دفنت معهم كل الأشياء التي كانوا يحملونها يوم استشهادهم ، وخصوصا تلك المجموعة من الأطفال الذين كانوا يحتضنون لعبهم ، وفي نهاية هذا اللقاء أقدم شكري الخالص لجميع الجهات ذات العلاقة ، والتي كانت قدمت لنا يد العون لإنجاز هذا المشروع ، وكذلك ولتعاونهم مع كادرنا لإنجاز التصوير ، واخص بالذكر كل من ( حزب الدعوة تنظيم العراق – أهالي قرية آل محينه – السيد مدير ناحية الفضليه – السيد قائم مقام سوق الشيوخ – والسيد مدير مؤسسة الشهداء السيد عبد الحسين آل هجر) .
ويضيف الزميل المخرج المنفذ مصطفى عبد الحسين الزهيري والذي صممنا على اللقاء به رغم انشغاله ، والذي كان يبدو على وجه التعب:
- أن هذا العمل هو رؤية جديدة في عالم السينما ، كما وانه هدية استذكارية لشهداء العراق نقدمها في يوم ( الشهيد العراقي ) ، وعسانا أن نكون قد وفقنا ومن خلاله أن نقدم الشيء القليل بحق جميع أولئك الذين ضحوا بدمائهم من اجل استمرار المسيرة الجهادية الظافرة في هذه المدينة التي بتنا نسميها أم الشهداء ، حيث طمحنا ومن خلاله إلى رفد عملية السينما العراقية بعيدا عن التنظيرات (الزمكانية) ، والتي تفتقد إلى الروح البناءة ، وما هذه الجهود التي قدمناها ألا النزر اليسير بحق كل من دفنه الطاغية حيا تحت تراب هذه المدينة الباسلة