(2002/11/15): "«البنتاغون» يخطط لأكبر حرب نفسية في العراق منذ أيام فيتنام تتضمن إرسال تحذيرات إلى فاكسات والهواتف الجوالة للضباط العراقيين"



قد يلتقط سكان بغداد مطلع السنة الجديدة صوتا رقيقا بالعربية على موجة الـ«إف.إم» الإذاعية تطلب منهم البقاء في بيوتهم أو بعيدا عن القوات الأميركية القادمة لتحريرهم من صدام حسين. أما بالنسبة لفاكسات بعض ضباط الجيش والأمن وهواتفهم الجوالة فقد تتردد فيها رسائل شخصية أكثر وضوحا «نعرف من أنت. اترك سلاحك والا ...» ويقوم مسؤولون كبار في وزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون) مع بعض أطراف المعارضة العراقية في المنفى بإعداد ما يمكن اعتباره أكبر واعقد حملة للحرب النفسية يقوم بها الأميركيون منذ حرب فيتنام، وسيبدأ تنفيذها حالما يعطي الرئيس جورج بوش أمرا بغزو العراق، حسبما قال بعض مسؤولي «البنتاغون» وضباط متقاعدون متخصصون في الحرب النفسية.
وقال مصدر مطلع على النقاشات التي تدور حاليا حول الحرب النفسية ويشارك فيها نائب وزير الدفاع بول ولفوويتز ومساعد وزير الدفاع دوغلاس فيث «إذا استطعت أن تقلل من حدة المواجهة عن طريق الحرب الإعلامية فهذا إنجاز مهم. والتواصل معهم له أسبقية شديدة». وستتضمن الحرب النفسية بث رسائل عبر الراديو إلى سكان بغداد البالغ عددهم خمسة ملايين نسمة. والجزء الآخر من هذه العملية سيتمثل بإقناع قادة الجيش وقوى الأمن بعدم مقاومة القوات الأميركية الغازية. ويُعتبر تحييد سكان بغداد هدفا مهما لأية عملية عسكرية تقوم بها الولايات المتحدة في العاصمة العراقية التي بالإمكان أن تتحول بسهولة إلى ساحة معارك دموية في حال إذا ما قررت قوات صدام حسين أن تستمر في القتال وإذا ما وقع المدنيون وسط الطرفين المتقاتلين، حسبما قال بعض المسؤولين الأميركيين.
لكن بعض المحللين العسكريين والضباط المتقاعدين يذكرون بأنه لم تكن لجميع عمليات الحرب النفسية التي نُفذت في السابق نتائج إيجابية، إضافة إلى ذلك فإن كسب العراقيين، وسط جو من المشاعر المعادية للغرب ومشاعر الغضب بسبب العقوبات الاقتصادية الدولية التي فُرضت عليهم أكثر من عقد، يبدو مهمة صعبة. وقال الكولونيل المتقاعد تشارلس بورتشيني الذي قاد المجموعة الرابعة لعمليات الحرب النفسية أثناء الحملة العسكرية ضد صربيا «أظن أنها ستكون مهمة عسيرة جدا، فهناك الكثير من المجموعات السكانية التي ستختلف في طريقة تفاعلها مع الحرب النفسية. عليك بشكل ما أن تحدد الطريقة التي تمكنك من الوصول إلى الناس والتأثير فيهم». وتتخذ المجموعة الرابعة لعمليات الحرب النفسية من منطقة «فورت براغ» في نورث كارولاينا مقرا لها وتتقدم جهود كتابة سيناريوهات الحرب السيكولوجية وصياغة الرسائل التي يتم بثها عبر المحطات الإذاعية والتلفزيونية إضافة إلى نشرها عبر الصحف والدوريات المقروءة الأخرى وتوجيهها للخصوم من عسكريين ومدنيين خارج الولايات المتحدة.
وقال وليام أركين ضابط الاستخبارات السابق الذي يعمل حاليا محللا عسكريا إنه في حال غزو الولايات المتحدة للعراق «ستقوم القنابل نفسها بدور المتحدث» لا الحرب النفسية التي تحاول التأثير على كل البلد. إذ قد يكون هناك جزء من المجتمع العراقي الذي لا يثق بالحملة الأميركية الهادفة إلى اقامة حكومة جديدة. وشكك أركين في إمكانية الوصول إلى الهواتف الجوالة أو الفاكسات التي يمتلكها أي من الضباط العسكريين العراقيين. لكن بعض مسؤولي المعارضة العراقية في المنفى يختلفون مع هذه الرؤية من منطلق كونهم مراقبين لفترة طويلة لأوضاع العراق. فبعد العيش لما يقرب من ربع قرن تحت حكم دكتاتور قاسي هناك دعم قوي داخل البلد لإطاحة صدام حسين، حتى لو قامت بذلك الولايات المتحدة. وقال مسؤول في المعارضة العراقية «هؤلاء الناس لا يساندون صدام كل ما يحتاجون إليه هو أن تشرح لهم ما سيجري وما بإمكانهم أن يفعلوه».
في الوقت نفسه، راح مسؤولون في «المؤتمر الوطني العراقي» يزودون «البنتاغون» بأرقام الهواتف الجوالة والفاكسات وعناوين بيوت مسؤولين عراقيين كبار يعملون في الأجهزة الأمنية سعيا لدق إسفين بينهم وبين صدام حسين. وعلى ضوء هذه المعلومات تمت صياغة الرسالة التي ستقول «نعرف من أنتم. الهزيمة ستكون بالتأكيد حليفكم». وعلق مصدر مطلع على خطط «البنتاغون» قائلا «نحن نعمل بشكل فعال لإيصال هذه الرسالة لهم عندما تبدأ الحرب».
ولتحقيق النجاح في حرب المدن تقول وثيقة نشرتها هيئة أركان الجيش الأميركي بعد تعديلها في سبتمبر (ايلول) الماضي «ان مفتاح النجاح يكمن في القدرة على التأثير على أفكار ووجهات نظر الطرف الخصم خارج دائرة المقاتلين». وللنجاح في هذا الميدان فان القوات الأميركية يجب أن تسيطر على ما سمته تلك الوثيقة بـ«الوسط الإعلامي». من جانبه، قال الميجور المتقاعد روبرت سكيلز الذي كتب كثيرا حول حرب المدن، إنه لأمر جوهري في أية مواجهة حربية القيام بشكل فوري بمسك مصادر المعلومات الموجهة للمدنيين والسيطرة عليها. فالصور يجب «أن تكون صورنا لا ما يقدمه صدام. قال ماو إن أفضل طريقة للفوز بالحرب هو عن طريق فصل الجيش عن شعبه». كذلك يُتوقع أن يلعب البث الإذاعي دورا أكثر فعالية من غيره لإيصال الرسالة إلى العراقيين، حسبما قال بعض المسؤولين، لأن أجهزة التلفزيون غير منتشرة هناك بنفس درجة انتشار اجهزة الراديو.
إضافة إلى ذلك، ستكون أول المواقع التي يستهدفها القصف الأميركي هي أجهزة الإرسال التلفزيوني ومرافق الاتصالات، لمنع صدام حسين من الاتصال بالناس أو بآمري الوحدات العسكرية. في المقابل، ستقوم طائرات ذات كفاءة عالية في البث الإذاعي بعملها حيث ستستخدمها وحدة «جناح العمليات الخاصة» رقم 193، والتابعة للحرس القومي في بنسيلفانيا، مع استخدام محولات البث الأرضية الموجودة في الكويت وبلدان أخرى. وهذه الوحدة الإعلامية ستقوم ببث البرامج المعادية لصدام حسين الموجهة للعراقيين. ومن المتوقع ان تشمل الحرب النفسية المرتقبة إسقاط المناشير التي بدأ إسقاط بعضها في الأسبوع الماضي على مناطق الحظر الجوي الواقعة في جنوب وشمال العراق. وحالما تدخل القوات الأميركية الأراضي العراقية ستقوم وحدات متخصصة منها بتوزيع صحف مكتوبة بالعربية على الناس.
وعلى الرغم من أن عمليات الحرب النفسية كانت فعالة خلال حرب 1991 ضد العراق فإنها لم تركز على المدنيين. فبدلا من ذلك انصب التركيز على القوات العراقية الموجودة في الكويت حيث أسقطت عليها المناشير بالطائرات وتمت مخاطبتها عبر الراديو. وتلك التكتيكات كانت فعالة حسبما يقول المحلل العسكري أركين .إذ دعيت آنذاك وحدات عسكرية محددة بأسمائها في المناشير والرسائل الإذاعية وطُلب منها أن تتخلى عن عرباتها أو أنها ستتعرض لخطر القصف. وهذا ما دفع الكثير من الوحدات العراقية إلى ترك عرباتها المدرعة وراءها واستسلمت بأعداد كبيرة. يبدو كذلك أن الحرب النفسية حققت نجاحا في «عملية القضية العادلة» التي جرت سنة 1989 في بنما لاعتقال زعيمها الجنرال مانويل أنتونيو نورييغا الذي كان مطلوبا بتهم تهريب المخدرات وابتزاز الأموال في الولايات المتحدة إضافة إلى قيامه بإلغاء الانتخابات الرئاسية وإعلان نفسه رئيسا لبنما.

المصدر:الشرق الاوسط