في الحلقة الماضية تناولنا بشكل سريع وهامشـي تأريخ السماوة ، ولم نطرق الى الكثير من جوانب هذه المدينة العريقة ، وتأريخها الطويل وذلك لسبب واحد فقط ، وهو أننا من خلال هذه الحلقات البسيطة نحاول أن نسلط الضوء على جانب واحد ومرحلة مهمة مرت على هذه المدينة ، ألا وهـي مرحلة ما بعد الدكتاتورية ، أو بعـد ان تحررت من الإحتـلال التكريتي لها ولسائر أرجاء العراق . ولهذا أن البحث عن تأريخ هذه المدينة يحتاج الى امكانية عالية من البحث والتنقيب عن تأريخها والمراحل التي مرت بها .

سنتاول اليوم الجانب السياسي والديني لهذه المدينة ، ونحاول قدر المستطاع ان نرفد كل حلقة بصور حديثة التقطت هناك ، وحتى لا يمل القارئ لطول الحلقة سنتجنب السرد او ما يعرف بـ ( الحشو ) ، سنركز على الموضوع المتناول بقليل وبإختصار شديد قدر الإمكان ، أي بالمثل المعروف ( ما قل ودل ) .

تأريح مدينة السماوة السياسي كان مهما ً خصوصا ً لمناطق الجنوب والفرات الاوسط ، وقد انتمى الكثير من ابناء هذه المدينة لتيارات سياسية عديدة ، وان كانت هذه المدينة كما اسلفنا من قبل انها عشائرية ومحافظة فقد انخرط العديد من ابنائها في المجال السياسي والحزبي . ولهذه المدينة باع طويل في مناهضة الظلم والدكتاتورية ، وحدثت فيها الكثير من الثورات والانتفاضات التي تناغمت بشكل مباشر مع مدن العراق الاخرى ولا سيما الجنوبية منها .

أن تعدد ظاهرة بروز الاحزاب في الاوانة الاخيرة في عموم العراق ، وبالسماوة ايضا ، أعتقد أنه أضفى شيئ من الحرية في الممارسة السياسية ، ولان المدينة عانت الكثير من الإضطهاد السياسي ، فقد برزت عدة أحزاب فيها . منها أحزاب عريقة لها تأريخها في النظال ضد الدكتاتورية ومنها الحزبين الرئيسيين الدعوة والشيوعي والى حد كبير المجلس الاعلى للثورة الاسلامية ومنظمة العمل الإسلامي . وهنالك حركات وأحزاب وجمعيات ظهرت في المدينة لم يكن لديها تأريخ طويل ولكنها تشكلت بعد سقوط الصنم . ونستطيع أن نذكر منها : حركة حزب الله العراق ، ثوار الانتفاضة الشعبانية ، حزب الفضيلة أو ( جماعة الفضلاء ) الحزب القومي ، منظمة او جمعية حقوق الانسان ، حزب الاخاء ، المؤتمر الوطني, الوفاق الوطني , الاشتراكية العربية الخ ... وهناك العديد من الحركات والجمعيات التي تشكلت بعـد التاسع من نيسان 2003 ، ولكننا نستطيع أن نقول وبكل صراحة أن تاثير هذه الأحزاب والحركات على الحياة السياسية والاجتماعية في المدينة قليل ومحدود جدا ، وإن كانت تضفي على الشارع السياسي العام تنوعا ً جميــلا تؤكـد على أن المديـنة أصبح فيها هذا التنوع ، الذي كان مسيطرا عليه حزب واحد ، كان يمثل واحدة من الادوات القمعية للنظام البائـد . لكن الكثير من أهالي المدينة يعتبرون ان وجود الاحزاب ظاهرة صحية ، والبعض الأخر يرى عكس ذلك ، ولكن يبقى هذا التنوع مرهونا ً بعوامل الصراع ، ولان مؤسسي واعضاء هذه الأحزاب والحركات من مدينة السماوة فان التصادم والصراع ليس له أي وجود ، لاننا نعلم أن السماوة هي من عوائل متداخلة بعضها ببعض ، وما من عائلة إلا وهي اقارب عائلة أخرى أو متداخلة مها بالمصاهرة ، وهكـذا ، حيث ان هنالك مقولة لاهالي السماوة تقول ( لا تشتم أحدا ً من السماوة لانها سترجع عليك ) . مما يؤكـد تقارب هذه العائلات من بعضها .

ويمكننا أن نقول ان التأثير الحزبي قليل على الشارع العام في المدينة ، ودليل ذلك أنه عندما تم إنتخاب السيد محافظة المدينة تم على اساس عشائري ، وليس على اساس تحالفات أحزاب ، حيث تمت بعض التحالفات العشائرية ، وما نتج عنه التصويت للمحافظ الذي هو من سكان قضاء الرميثة المجاورة للسماوة ، وهو شخص يحترمه ابناء المدينة ويكنون له كل المودة .

لو نظرنا الى الجانب الديني للمدينة نلاحظ ان غالبية سكان هذه المدينة من المسلمين ( الشيعة ) وتوجد هنالك أقلية مسيحية ينظر إليها أهالي المدينة بإحترام حيث تعايشوا لزمن طويل معـا وتقاسموا الهم والافراح سوية . ويقال ان هنالك في السابق كان عدد من اليهود العراقيين من سكان المدينة ، ولكن لا وجود لهم الآن . وهنالك مكان في صوب السماوة الصغير ( القشلة ) يسمـى التوراة ، يقال انه كان معبـد للديانة اليهودية في المدينة .

من خلال الجو العام للمدينة أنها محافظة لدرجة كبيرة ولكن سكانها غير متشددين ابدا ، وهم متدينون ، ولكنهم لا ينفون الآخر غير المتدين ، ولهذا في مرحلة من المراحل برز الحزب الشيوعي العراقي في المدينة بروزا واضحا ، ولم يؤدي ذلك الى تصادم مع المؤسسة الدينية آنذاك ، أو حتى في الوقت الحالي .

غالبية سكان المدينة من المتدينين يتبعون المرجعية الدينية التقليدية في النجف ، ويرون بشخص آية الله السيد علي السيستاني هو المرجع المقـلد من قبلهم ، وهم يتبعون ويرجعون في تعاليم دينهم ودنياهم وفقـا ً لم يصدر من سماحة السيـد ، ويعتبرون خطه خطـا ً معتدلا متوازنا ً مع متطلبات المرحلة . ولما كان الحال كذلك وحالة الاعتدال التي يمثلها سماحة السيد السيستاني ، فان هذا الخط الذي تتبعه الغالبية المتدينة من ابناء المدينة ، عكس وبشكل إيجابي حالة الاعتدال لديهم ، ولم تبرز في المدينة حالات تشدد أو بروز حركات متشددة تتخذ العنف وسيلة لها ، أو تنفـي الآخر . ولهذا نستطيع القول ان التيار الديني في المدينة من خلال ما نلاحظه من مظهر عام يعكس واقع المدينة محصور أتباعه بين تيار المرجعية ومؤيدي السيد الشهيد الحكيم وحزب الدعوة . أما التيـار المتشدد لجماعة مقتدى ، فلا يوجد له انصار الا القليل ، وهم ليس لديهم أي تاثير على الواقع السياسي أو الديني في المدينة . . أما على مستوى الاحزاب الأخرى فلا يوجد أي ثقل حقيقي لها ، ويمكن القول بأن الحزب الشيوعي في المدينة له وجود ولكن لم نلمس له دور أو نشاط بارز ، عكس ما كان يتمتع به في السابق ، وقد يرجع ذلك لعدة اسباب منها ، ضرب قيادته بعد تحالفه مع البعث في الجبهة وأعدم العديد منهم وغيب الآخر في السجون ، عزوف الكثير من أعضاءه السابقين عن بعض افكارهم ، هجرة الكثيرين منهم الى خارج العراق ، قد يكون السبب الرئيس أيضا هو إتجاه الشارع العراقي العام والمدينة بشكل خاص نحو مظاهر التدين وإقامة الشعائر الدينية ، بعد أن كرهوا الحزب والتحزب بسبب ما فعله حزب البعث في تدمير المدينة والوطن . لكن يبقى الحزب الشيوعي وأعضاءه من الطبقة المثقفة والواعية ، والتي ساهمت الى حد كبير في إغناء الشارع السمـاوي وتوعيته سياسيا ً وأجتماعيا ً ... ختامـا ً نستطيع القول أن هنالك تعايشا ً سلميـا ً بين كل أطياف المدينة وبين ابنائها وهي تسـعى نحو شق الطريق لتعزيز روح المودة والتعاون لمرحلة أهم وهي مرحلة البناء والديمقراطية وبناء الانسـان بالدرجة الأساس . .. لنا لقاء آخر معكم في حلقة قادمة لعرض جانب آخر من المدينة .... والســـــلام .


لمؤسـسة الأرشيف العـراقي في الدنمارك

من السماوة كتب / بهـاء الموســوي

[email protected]

WWW.IRAKER.DK

WWW.HADI.DK