من ينقذ السنة من السنة..؟ 1 ـ 2
عبد الرحمن الراشد

ها هم صداميون جدد يرثون سنة العراق من جديد، وصدام حسين لم يعلق بعد على المشنقة لما فعله في سنوات حكمه، الذي لم يستثن من بطشه حتى طائفته وعائلته واقرب اصدقائه اليه. فقد تقاسمت تركة السنة العرب، اطراف تدعي انها تتحدث باسمهم، هيئات ووسطاء ومتحدثون ودينيون وملثمون واجانب، فهل هؤلاء هم السنة، وفي أي طريق ينوون السير بهذه الأمة؟
من او ماذا يمثل السنة؟ اسئلة حائرة.. هل المسالخ البشرية التي عثر عليها في الفلوجة، وروعت صورها العالم هي بيوت سنية؟ وهل المجالس والعلماء الذين توعدوا اقوى قوة في العالم، ينطقون بالفعل بلسان اضعف فريق في العراق؟
بعد ان مر اسبوع على سقوط الفلوجة، ولم يبق على معركة الانتخابات سوى ثمانية اسابيع، ماذا سيفعلون؟ قد يبدأ فرز الاصوات قبل ان يعود اهالي الفلوجة الى بيوتهم المدمرة، فتكون هزيمتهم عسكرية وانتخابية. فهل افلح الخطف والقتل والمواجهة والمتطرفون في شيء لصالح السنة؟
الفلوجة المعركة رغم ما سببته من أذى كبير، ربما انقذتهم من متطرفيهم، الذين كانوا يقودونهم نحو الدمار، كما حسمت معركة النجف حال الشيعة، وافلحت في تهدئة البيت الشيعي، الذي انخرط مبكرا في الآلة السياسية الجديدة، راضيا التعامل مع الأمر الواقع رغم تحفظاته. جددت اغلبية الشيعة في النظام المقترح، دستورا وبرلمانا ورئاسة، هامشا جيدا يمكن لهم العمل سلما من خلاله، بعد ان كان بعضهم يعتقد ان النظام سيكون مطية له وحده.
لكن السنة لهم وضع استثنائي، فغيرهم يعيرهم بأنهم أهل صدام، حتى انقلبت التهمة الى عقدة ظلم عمت المثلث السني. اصبحوا يشعرون بان كل ما يحدث حولهم مؤامرة لتهميشهم، بتحميلهم المسؤولية التاريخية والزامهم بثمنها السياسي. وهنا يرتكبون خطأ كبيرا بتغليب ظنونهم المشحونة بالشك والتذمر، على التعامل مع الوضع الجديد ومحاولة فهمه كما هو. فالوضع السياسي العراقي الذي يتشكل، ليس سيئا في حق الاقليات، بل ان نظامه المقترح يماثل نظام اي بلد يشتهر بالتعايش العادل. ولكن وبكل اسف، فعوضا عن أن يفهم السنة العرب الطرح الجديد مقارنة بالبدائل الأخرى المحتملة، انسحبوا من الساحة السياسية. وبسبب غياب قادتهم الحقيقيين، خطف شأنهم هواة صوبوا بنادقهم في اتجاه كل من يمر امامهم، وأطلقوا اصواتهم ضد النظام الذي يجلس على رئاسته سني، يمثل واحدة من اهم العشائر والبيوت العراقية المحترمة.
تحصنهم في الفلوجة حولها الى مقبرة لهم، وبرهن على فشل الهواة. وما حدث يبرهن كذلك على انعدام خبرة القيادة والمفاوضة عند السنة العرب. وهم بالفعل اناس بلا خبرة سياسية، بخلاف الشيعة الذين تمرسوا في المعارضة، ففي عهد صدام الذي لم يسمح لأحد بمعارضته، كان سنة العرب يقادون بلا تفكير منهم، ولا رأي مستقل، وبسببه لازمتهم صفة المهادنة للنظام، وكانت عاهة اكثر منها مزية. والآن ولكونهم اقلية، ستصاحبهم فكرة الملازمة من جديد، لكن على الأقل في ظل نظام تعددي يمنحهم الحرية ويؤمن حضورهم. وهذا الحق لن يأتي بالسيارات المفخخة ولا بالنوم في يوم الانتخابات.