ليس هناك أفضل من ساعة يجلس فيها الوالدان مع أبناءهما... إنها ساعة ذهبية لا تقدر بالمال وليست محسوبة من العمر وذلك لما لها من تأثير كبير على روحية الطفل وما لها من إيقاع موسيقي جميل على نفسيته... حضور الأم في المنزل يوفر الحنان الأمومي الذي لا يمكن أن توفره أية إمرأة أخرى . مهما كانت قريبة من هذا الطفل. كذلك حضور الأب وعطفه ورعايته للأبناء يقطع الطريق على أية أزمة نفسية أو حرمان عاطفي قد يتعرض له الطفل فيذهب للبحث عنه هنا أو هناك......


لذلك كان رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: ( كفى بالمرء دائماً أن يضيع من يقوت) أن أكبر جريمة يقترفها الإنسان عندما يحكم على أبنائه بالإعدام المستقبلي أو بالسجن العاطفي... كثير من الأبناء جنحوا نحو المخدرات أو الجريمة نتيجو أبوين مهملين... العراك الدائم، القسوة في المعاملة، التفرقة في المعاملة بين الأبناء. بين الذكور والإناث مثلاً أو بين الكبار والصغار... أو التذبذب في التعامل، فأحياناً تبدوا الأم قطعة حنان متدفق وأحياناً تقسوا في الضرب والتعامل والتوبيخ... وهكذا كل هذه العوامل تسبب كوارث كبيرة... من قبيل الفشل في الدراسة أو الهروب منها أو السطو أو السرقة والميل الدائم إلى الإنتقام.


إذن وجود الوالدين في المنزل وحضورهما بصورة متوازنة يعطي الأسرة مزيداً من الإستقرار والدعة والهدوء، لذلك نلاحظ أن أكثر الدراسات العلمية وصلت إلى نتيجة أن أكثر الأطفال أو المراهقين الجانحين ممن وقعوا في جرائم مخدرات أو قتل أو فشل في دراسة أو ..... هم ينتمون إلى أسرة مفككة فنلاحظ أن:
1- الجانح لا يسكن مع والديه في الغالب، إذ توجد عوائل تترك مثلاً أحد أبنائها في رحمة بيت الجد توفر له الطعام والمال ولكنه لا يعيش مع الأسرة لظروف خاصة... هذا الإبن يفقد ركنين أساسين لإستقرار عاطفته (عاطفة ورعاية الأم والأب) هذا النوع من الأطفال تكون لديه القابلية أكثر للسقوط في أي شرك.
2- أم الجانح ليست في ذمة الأب: غياب أحد الأبوين يسبب فراغاً عاطفياً ما يؤدي إلى عدم الإستقرار النفسي للطفل.
3- أحد الأبوين أو كلاهما متوفي: (النتيجة نفسها فاليتيم يحتاج إلى تعويض كبير ويجب أن يقوم بهذا الدور أحد أقربائه فهو أكثر عرضة لأي جنوح.

إذن العائلة المفككة أو التي تعاني من قسوة أو التي يغلب عليها الفراغ العاطفي أو التي يفقد فيها أحد الأركان(الأب أو الأم) أبناؤها أكثر عرضة للجنوح أو السقوط في شرك الجريمة أو المخدرات أو السطو والسرقة .............


أحياناً تجد بعض الأسر يتوافر فيها الركنان ولكنهما أو أحدهما بحكم المعدوم... فالقضية ليست فقط الوجود الجسدي أو المادي بل المعنوي وهو أكثر تركيزاً ، صحيح أن للجسد لغة خاصة وللوجود المادي معنى ولكن الوجود الحقيقي يكمن في الحضور الروحي والمعنوي والأخلاقي والعاطفي.


بعض العوائل تنشغل بالوظيفة طيلة اليوم إذ الأم والأب يكتفيان بقبلة يتركانها على وجنتي الإبن صباحاً عند خروجهما للعمل وعند مجيئهما ليلاً يكون الأبناء نائمين.... فالخادمة تقوم بكل المهمات.


هؤلاء الأطفال يصابون في نهاية المطاف بفقر عاطفي قد تظهر إنعكاساته مستقبلاً. ولذلك يجب على هذه العوائل الإجتهاد قدر المستطاع بإنتها أية فرصة لتعويض هؤلاء الأبناء عن كل ذلك الغياب الطويل الذي يحدث طيلة الأسبوع وخصوصاً إذا كان ضمن الأطفال مراهقون فهنا الرعاية تشتد.


إثبت العلم والشرع أيضاً أن الطفل الصغير يشعر بالأم وهو رضيع ويتحسس وجودها.... كثير من الأطفال كتب الشقاء عليهم لفقدانهم أحد الأبوين أو كليهما، بطلاق متسرع أو بإستهتار في المسؤولية أو لهروب أم إلى عشيق كاذب ضحك عليها فهربت بأنانية كبرى تاركة وراءها أطفالاً تتقاسمهم هموم الزمن وتأكل طفولتهم أنياب الرياح العاتية... كم من طفل أخذته يداً أبوية إلى حيث الجريمة؟؟؟ وكم من أب أنفق وقته وماله وعطفه حيث الأنانية الذاتية، متقلباً بين أيدي ماجنات أو غارقاً في بحر الرذائل والخمر والمخدرات، تاركاً وراءه أطفالاً وزوجة مسكينة يتكففون الناس ويطرقون أبواب الصناديق الخيرية، ليس لإنعدام مال فالراتب الشهري كبير لكن الأب ((المثالي)) يبذره هنا وهناك على (عاشقة)) هنا وعلى مائدة قمار هناك.


يقول العالم الفرنسي المهتم بسلوكيات الأطفال هبرت مونتاجنز : ( لاحظت أن الأطفال الذين يتمتعون بروح قيادية هم في معظم الأحوال أطفال من أسر متفاهمة تسودها روح الحب تقوم الأم دائماً بالتحدث إلى طفلها بلطف وحنان ولا تقوم بأي عمل عدواني نحوه إن هو أخطأ بل تعرف كيف توجهه بحزم ولا تدلله إلى حد التسيب) ويوجه نصيحة إلى الأم فيقول :( إن طفلك يردد اللغة التي تعلمها منك... فأي لغة تلقنينه؟؟؟؟؟؟)

ليس غريباً عندما يقول رسول الله(ص) : ( إظفر بذات الدين تربت يداك) بعض الأمهات لا تتعامل مع طفلها إلا بالتقريع والتوبيخ والضرب أمام الأطفال الآخرين وإلقاء الشتائم فهي ترضعه صباحاً وليلاً بدلاً من حليب العاطفة ((شتائم)) لا لها أول ولا آخر وبعد ذلك تسأل نفسها متعجبة: ( لماذا يفشل طفلي في الدراسة؟؟؟)


بعض الزوجات همهن الأكبر جمالهن وأناقتهن وعطرهن المميز وإصطياد مجلة الأزياء هنا ومجلة لنجوم السينما هناك، أما الأطفال فهم خارجون من دائرة الإهتمام.


قد يرضي الأطفال بنصف أم ولكن حتى هذه لا يجدونها قد يقنعوا أنفسهم بربع أو بمس وحتى عشر أم ولكن الأم تفاجأهم بأن حتى العشر هو لغيرهم.


إن سبب إنحراف الأطفال وخصوصاً المراهقين هو أن الوالدين يقضيان أوقاتاً طويلة في العمل.


الشاعر يقول:

ليس اليتيم من انتهى أبواه من هم الحياة وخلفاه ذليلاً
إن اليتيم هو الذي تلقى له أماً تخلت وأباً مشغولاً


ليس من الإنصاف نصنع أسراً لنضعها على قارعة الطريق أو نقيم أسرة لنضعها بين أسنان الجريمة أو في يد القدر يعبث بها الزمن وتتقاسمها شرور الأيام.


دعونا نذهب إلى حيث المصحات النفسية..... ألن نرى أطفالاً مرضى بعضهم ذهب ضحية آباء معوقين نفسياً ؟ كم من طفل سجين إرتكب الجريمة كان نتاج أب مجرم؟ وكم من طفلة ومراهقة ذهبت ضحية لا مبالاة الأبوين إذ ترك لها الحبل على الغارب وإذا بها تقع ضحية ذئب بشري

ألا تعتقدون أن الله سيوقف كل أب وكل أم كان لهما دور في ضياع أو موت أو إنحراف أبنائهما؟ أليس الله يقول: ( وقفوهم إنهم مسؤولون) . دعونا نقرأ بإمعان الآية المباركة: ( يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة).