سليم رسول




تمهيد

لكي لاننسى أحداث الفترة العصيبة المظلمة التي مر بها العراق وتعد من أقسى وأكثر الفترات ظلما وعتوا وإفسادا وتخريبا وتبديدا لثروات البلد، لا بد من الوقوف على بعض الحيثيات التي ما تزال عالقة في الذهنية العراقية وما تزال مرتسمة على الوجوه من فرط هولها وبشاعتها.

غير انّ الذي لا يمكن إنكاره أن هناك سعيا محموما بدأ منذ سقوط الصنم يتركز على تجميل نظام البائد صدام ومحاولة إضفاء الشرعية عليه من خلال التركيز على الكيفية التي سقط من خلالها الطاغية وإعتبارها عدوانا على بلد وعلى حكومة ذات سيادة وأنّ التنظيمات الداخلة في اللعبة السياسية تنظيمات عميلة لأنها جاءت الى العراق في غضون دخول القوات المحتلة ، وهو تشويه مقصود يراد من خلاله سلب شرعية العمل المعارض ليس لنظام صدام فقط وإنما يمتد ذلك ليشمل كل المعارضات التي تمارس دورا سياسيا من أجل تخليص بلدانها من ربقة الانظمة الدكتاتورية.

لقد تحول هذا التشويه الى إشكالية كبرى لم تتحرر منها الى الآن بعض الخطابات الإعلامية والسياسية لدى بعض الحكومات والجهات الأخرى، ولا تريد تلك الجهات التحدث بصورة واقعية نتيجة تشابك الأسباب التي منها الإستفادة المالية السابقة من نظام صدام والتي منها الخوف من تكرر السيناريو الذي سقط فيه صدام في دول أخرى ، ومنها البعد القومي الذي يسيطر الى الآن على بعض العقول العربية، ومنها أسباب طائفية مقيتة وكثير من الأسباب الاخرى الكامنة وراء خلق تلك الإشكالية وتعزيزها في الذهنية العربية والعراقية،لذلك ليس من المتصور زوال هذه الإشكالية أو الفهم الخطأ المتعمد لدى تلك المنظومات بسرعة بل سيستمر وربما يثبت إستمرار ذلك الفهم المتعمد الخطأ هو السعي الذي تبديه الجامعة العربية في سبيل إحتضان أطراف متورطة في الإرهاب الذي يفتك بالبلد وتقديمها الى العالم العربي على انها ممثلة للمقاومة العراقية من اجل تحرير قطر العراق!

كل ذلك يتضح منه مدى البشاعة التي تعرض لها العراق وشعبه وما زال يتعرض لبعضها نتيجة السلوك المشار إليه سابقا، ولكن وحتى نصل الى كيفية تولد ذلك السلوك لا بد من فتح بعض اوراق الفترة المظلمة عندما كانت عصابة العوجة تتحكم بمصير البلد وتعبث بأمن الشعب. ولكي لا ننسى أيضا تلك المآسي ونستفيد منها الدروس الكبيرة حتى نقطع الطريق امام أية دكتاتورية يمكن أن تنشأ على حين غفلة وخلط للأوراق.

الفترة المظلمة مليئة بما يجب ان ينشر ويظهر للعلن ويوثق، فليس كافيا ان تدرج تلك الحقبة السيئة في ملفات خاصة بالقضاء يحاكم وفقها رجال تلك الفترة ، بل لابد من جعلها أرشيفاً يوثق تضحيات الشعب وزاداً مليئا بالعبر للأجيال القادمة، وتصويرا حياً لطبيعة الإجرام والى أي حد يمكن أن يصل ومدى إنعدام الضمير والمسؤولية في الذهن الدكتاتوري.

هي أوراق توثق مشاهدات حية وأخرى مسموعة من أفواه من مروا في دهاليز العذاب وعانوا الامرين من إجرام وذبح وتهميش وسلب للحقوق، وهي اوراق أرجو ان تفتح قريحة كتابنا على مختلف تصانيفهم من أجل ان يسلطوا الضوء عليها لينتج من ذلك الزاد الفكري والأدبي والثقافي والسياسي وغير ذلك.

فليس لفترة إستمرت خمسة وثلاثين عاما شهد فيها العراق أصعب المحن وامر الظروف وأعتى الجرائم ان تمر مرورا عابرا، دون أن تكون موثقة بمختلف انواع التوثيق، وهي مسؤولية اخرى تقع على عاتق الكتاب والمثقفين كجزء من الوفاء لهذا البلد الطيب، وشعبه النبيل.

ربما كتب البعض من العراقيين عن لمحات من تلك الفترة وإقتبسوا بعض الصور منها وأشاروا الى شواهد فيها ، غير أنّ ذلك ليس كافيا، فنحن نريد عملاً جبارا لا يغادر صغيرة ولا كبيرة من مآسي الشعب إلاّ أحصاها، حتى يعرف العالم الحجم الحقيقي للكارثة التي مرّ بها بلد من بلدان العالم الثالث إسمه العراق، وحتى يعرف العالم أيضاً السبب الذي جعل العراق صيدا سهلا للدول الاخرى وكيف توزعت أبناؤه البلدان وتناهبت اموله العصابات السياسية والثقافية ، وكيف ولدت منظومة مشوهة همها تسخيف مبدأ حرية الشعوب وتبجيل الكراسي و الإستهانة بالدماء وبالأبرياء من اجل عيون الدكتاتورية.

وحتى لا يظنّ المحبون لنا اننا ننسى تراثنا و نهدر ثرواتنا ونبيع دماءنا ونهمل رصيدنا من جبال الضحايا ، ونعزف عن ملاحمنا البطولية التي أثبتنا فيها عدم قدرة الطغيان على أن ينتصر على إرادة الشعوب، فتلك الملاحم التي سطرها العراقييون في جهادهم الطويل ضد الظلم والطغيان هي صفحات مشرقة يجب ان تزدان بها صفاحات تأريخ العراق ويجب ان تدخل المناهج الدراسية حتى تعرف الاجيال أية بطولة أبداها الشعب في مقارعته البطولية للدكتاتورية.

أوراق سأتحدث عنها في حلقات قادمة تسلط الضوء على بعض ملامح تلك الفترة وتعيد الى الأذهان بعض صور السلوك الصدامي مع الشعب وترسم فكرة في ذهن من لم يكن حاضرا فيها عن فداحة الألم والمعاناة والإضطهاد.

ربما أوفق وهو منتهى الامل بعد التوكل عليه سبحانه وإستمداد العون والتوفيق منه ، وربما أفشل وهذا لا يعني إعفاء الآخرين من مهمة التوثيق أو النشر في الصحف عن تلك الفترة، فنحن متهمون بأننا أضعنا (بطل العروبة)، وادخلنا الاجنبي الى ارضنا وبلدنا، حتى نزيل ذلك الإتهمام ولو أن بعض العقول مصرة عليه حتى لو رأته بأم عينها ولكن حتى لا يتوارث التأريخ ذلك ونظل سبة على لسان التأريخ الذي يكتبه الحاكم عادة.

فهي دعوة لي ولغيري أرجو ان اجد من يساعدني فيها وعلى الله التوفيق.