[align=center]فقه النفاق بفكر البعث وسجية الأعراب[/align]



حمزة الجواهري

[email protected]

لو لم يكن صدام قد فهم عقلية الذين اعتمد عليهم بتنفيذ جرائمه لما استطاع أن يقتل بعوضة، لا يهم من هو الذي اعتمد عليه، أو ما هو منصبه، أو مستوى تعليمه، كل هذا غير مهم، لكن المهم هو أن يكون منافقا أولا ومن ثم الغرابة بالتصرفات والغرور والتهور والسادية والهمجية بالسلوك والبهيمية بردود الفعل مع فقدان القدرة على التفكير الإنساني السليم، هذه هي الصفات التي كان على الجميع أن يتحلوا بها كي تكون لهم مكانة مرموقة بين القوم. وهكذا أيضا تربى ثلاثة أجيال من البعث. ومن المعروف أن نظام صدام قد قام بعدة حروب على الساحة العراقية وضد دول الجوار، كل واحدة منها أخذت وقت محدد، لكن الحرب التي استمرت على مدى سنين حكم البعث هي حرب الإجهاز على المنظومة الأخلاقية وإبدالها بثقافة النفاق، لذا فإن فقه النفاق كان له الدور الأكبر في بناء النظام الأخلاقي البعثي، أو الهدم، بتعبير أدق، للمنظومة الأخلاقية للعراقي والعربي ايضا.

لو لم يكونوا كذلك، لما استطعنا أن نفسر وجود هذا العدد الهائل من المقابر الجماعية؟ ولما استطعنا تفسير ما نعرفه عن جرائم البعث، أو تلك المشاهد التي يعرضها التلفزيون يوميا عن أشكال التعذيب الوحشي. ولو لم يكونوا كذلك، لما استطاع سائق دراجة ان يصبح قائدا لأكثر من نصف الجيوش العراقية، أو أن بائع الثلج يصبح نائب القائد العام للقوات المسلحة في العراق مع خمسة مناصب أخرى غاية بالحساسية. ولو لم يكونوا كذلك، لما استطاع احد أن يفهم كيف يمكن أن يصبح محمد سعيد الصحاف وزيرا للإعلام!!!!!! أو إن مزبان خضر هادي قائد لأربعة فيالق في الجيش العراقي، أو إن العوجة تحكم بغداد!!!!!

فلو ذهبنا مع مقامة ""لو"" هذه، لما إنتهينا أبدا، لأن كل مافعله النظام البعثي المقبور كان يقع ضمن عالم اللامعقول، فقد كان حقا مسرحية دامية من مسرح اللا معقول، كل شيء يجب أن يفهم بالمقلوب بالنسبة لهذه المخلوقات الأغرب من الخيال، لكن يبقى هناك ما هو أغرب من ذلك، وهو إتفاق العربان معهم بكل شيء من قبل أن يسمعوا أو يفهموا أيضا!!! حيث ليس لجنة ممثلي المغيبين وحدهم من رفض المسودة قبل أن يقرأوها كما صرح بذلك واحدا منهم، فقد قال أحدهم أن المسودة لا تعبر عن رأي الشعب العراقي وأردف، ونحن لم نشترك بكتابتها ولم نرها على الإطلاق!! طبعا لا داعي للسؤال عن سبب رفضه لها قبل قرائتها حسب هذه النظرية، ولا داعي أيضا للسؤال عن رفض العرب لها من قبل قرائتها أيضا، لأنهم متضامنين مع البعث، لكن الذي لا يمكن أن نفهمه، أن كيف يتضامن العربي مع صدام بعد أن شاهد كل تلك المقابر الجماعية والأهوال التي مر بها الشعب بظل النظام البعثي؟ فمن لا يرى، لابد أنه يسمع، ومن لا يسمع لابد أنه يقرأ، ولابد له مشاعر انسانية، وله قدرا ولو بسيطا من الذكاء أن يرفض القتل بهذه الهمجية، فهل العرب بهذا القدر من الهمجية وإنعدام الحس والشعور الإنساني لكي يقبلوا كل هذه الأفعال؟!

أكاد أن أتذكر كل يوم وصف القرآن الكريم للأعراب بأنهم الأكثر نفاقا؟؟ فأنا شخصيا قد عاشرت ناسا ينتمون لأكثر من مئة جنسية، حقا لم أرى أمة منافقة بقدر ما رأيت ولمست عند العرب الذين أنتمى لهم!!!! وكأن النفاق لديهم قانون عام من يخرج عنه، يكون قد خرج عن ثوابت الأمة!!!!

عمرو موسى الذي تأججت لديه المشاعر القومية والحمية العربية إلى الحد الذي خرج به عن حدود اللياقة الدبلوماسية وراح ينعت مسودة الستور بأنها ""وصفة للفوضى""، دون النظر لواقع العراق وتكويناته القومية والدينية المختلفة! حقا إنه قدر العراق أن يكون متعدد الأديان والطوائف والقوميات والتيارات السياسية، ولا دخل للعراقي به، فهو هكذا وجدناه حين ولدنا، وحين غيبت الحكومات الطائفية والعنصرية السابقة معظم الأطياف العراقية، بل وذهبت لما هو بعد من ذلك بكثير فانتهجت سياسات التطهير العرقي وسياسات أخرى لتغير البنية السكانية في أماكن مختلفة من العراق، وصاحب ذلك حملات تصفيات جسدية ومقابر جماعية وحروبا مختلفة في معظم مناطق العراق، وأستخدمت فيها الأسلحة المحرمة ضد تكوينات مختلفة من العراق، حتى أن بعضا منها يعتبر الطيف الأوسع، كل ذلك جرى بظل الأنظمة المركزية دون أن تحرك الجامعة العربية ساكنا! ودون أن تعترف أصلا بهذه الجرائم! فكيف تعرتف بها على أنها جرائم إبادة ضد الإنسانية؟ ولم تكتفي الجامعة العربية بهذا ولا بذاك، فراحت تدافع بضراوة عن أسوأ نظام عرفته البشرية منذ أن خلق الإنسان على الأرض، نظام البعث الهمجي البهيمي، واليوم فقط تذكرت الجامعة العربية أن لها شعبا عربيا في العراق تعتز به!!! أي نفاق هذا!!!؟؟؟ ولا ندري ما إذا كان قصد الجامعة العربية هو تصفية ما تبقى من العراقين من أجل إنجاح مشروعها القومي العروبي الخائب الذي اعتمد على أنظمة فاسدة قاتلة عنصرية وطائفية؟ أم إنتصارا لفلول البعث ظنا منها أنهم سوف يعودون؟ ولا ندري لماذا لم تعترض الجامعة العربية على النظام الفدرالي في السودان؟ والذي نصت الإتفاقية على أن يكون من حق الجنوب أن ينفصل عن البلد الأم بعد ستة أعوام فيما لو لم تلتزم الحكومة ببنود الإتفاقية؟! والأشد غرابة في سجية الأعراب المنافقة هذه، هو أن الجامعة قد أعتبرت أن الإتفاقية بين الجنوب والشمال في السودان نصرا مؤزرا لها؟! في حين أن مسودة الدستور العراقي الحالية، والتي بها أكثر من ضمان لوحدة العراق أرضا وشعبا، تعتبرها وصفة لإثارة الفوضى!!! ولا ندري أيضا لماذا لم تلتفت الجامعة العربية إلى دولة الإمارات العربية المتحدة كونها دولة كونفدرالية، ومدى نجاح هذا النظام بتطور الدولة الفتية، ومدى تمسك أبناءه بوحدة البلد أرضا وشعبا؟؟!! ولا ندري لمذا تكون الفدرالية ناجحة في أكثر من ئمة بلد في العالم وغير ناجحة في العراق؟! بالرغم من أن النظام الفدرالي ما وجد إلا لكون تلك البلدان فيها أثنيات أو أديان مختلفة كما هو الحال في العراق؟! لكن الجامعة العربية تعتقد أن وصفة النظام الفدرالي جيدة لكل شعوب الأرض ومميتة للعراق فقط! أي بؤس بالتفكير هذا!!! وأي نفاق خرج عن حدود المعقول!!! حيث بهذه التصريحات للأمين العام لجمعة العربية أستطيع أن أتبين معاني الآية الكريمة بكل تجلياتها والتي تصف الأعراب بأنهم الأشد نفاقا.

أعود إلى النفاق البعثي العروبي، فمظاهرات بعقوبة أو كركوك وتكريت التي حمل بها أتباع البعث صور صدام ويهتفون بأنهم يفدونه بالروح والدم، لم تختلف كثيرا عن صورة عمرو موسى وهو يدلي بتصريحاته، وبالرغم إننا نعرف تماما أن الدماء التي يفدون بها صدام ليست دمائهم، وإنما هي دماء الأبرياء من أبناء الشعب العراقي، لكن الذي يجلب النظر هو أن مشهد المظاهرة كان أحد مظاهر الديمقراطية، في حين كانت المتظاهرين يريدون عودة النظام الدكتاتوري!! والأكثر نفاقا من هؤلاء، هو أعضاء مجموعة الخمسة عشر الذين شاركوا في لجنة كتابة الدستور، يقاتلون بإستماتة من أجل إعادة تأهيل البعث! وذلك بحجة أن الديمقراطية تعني مشاركة الجميع في السلطة!!! والمقصود من ذلك هو مشاركة البعث بالسلطة! ويريد البعثي أن يكتب الدستور الذي يعتبر أحد أهم دعائم النظام الديمقراطي!! وحتى أن أحدهم قد اقترح أن يتضمن الدستور شعار البعث "وحدة وحرية واشتراكية"!!! ولكي يكونوا ملكيين أكثر من الملك، يريدون المصدر الأساسي والوحيد للتشريع هو الدين الإسلامي!!! ربما المقود هنا الإسلام السلفي تحديدا!! لم لا، بضربة واحدة، يريدون لنا نظاما بعثيا وطالبانيا في آن واحد بحجة أن العراق ديمقراطي!!!!

ومن طرائف النفاق البعثي العروبي أيضا، هو أن كل متفاوض من مجموعة الخمسة عشر، الذي اعتبروهم يمثلون المغييبين، جميعهم يعتبرون أن أمريكا دولة محتلة ويدعمون ما يسمونه بالمقاومة، لكن بذات الوقت جميعهم كان قد تقاضى أجرا وقدره خمسون ألف دولار من أجل أن يشارك في كتابة الدستور!!!! لكن في الواقع عملوا جميعا على إعاقة عملية كتابة الدستور حتى آخر لحظة، ومن نفاقهم أيضا، ما فتئوا يدعون أنهم يشاركون في العملية السياسية بإيجابية، وبذات الوقت يريدون إدخال العملية السياسية في متاهات لا يعلم بها إلا الله سبحانه وتعالى!!!! لا أحد يعلم ما هو الذي يطالبون به لحد هذه اللحظة، هناك من يقول ثلاثة مطالب، وآخر يقول، لا، إنها خمسة مطالب، وكان بالأمس متحدث من مجموعة الخمسة عشر على شاشة الفضائية العراقية قد طالب بأكثر من ذلك، مرة حدد عدد المطالب بخمسة، وبعد قليل وفي نفس المقابلة ارتفع العدد إلى سبعة مطالب، وبقي الرقم يتصاعد فوصل بسرعة شديدة إلى عشرين، وختم حديثه بعبارة أنها لا يمكن أن تعد!!!! إن مفهوم الوطنية لديهم هو أن يكون الإنسان بعثيا، ويؤيد المقاومة التي تقتل الناس!! أما مسألة تبرير قتلهم للأبرياء هو: "مادام الأمريكان يقتلون العراقيين، فهم، أي البعثيين العروبيين، أولى بقتل الناس؟؟؟!!!! هذه هي الأحكام الشرعية للفقه البعثي على سجية الأعراب الأكثر نفاقا من أي أمة على الأرض.

عارضوا الانتخابات وفعلوا المستحيل من أجل إعاقتها وإفشالها، وحين ذهب ثمانية ملايين ونصف نحو الصناديق بظل التهديد قتلا بالسيارات المفخخة أو الأحزمة الناسفة أو العبوات الناسفة أو القنص ووسائل كثيرة جربوها مع الشعب لقمعه، لكن حين تحداهم العراقي وذهب لصناديق الانتخابات، قالوا أنها مزورة، وقالوا أنها غير شرعية دون أن يعطوا أسباب لعدم شرعيتها!!! وحين مضت العملية السياسية وأدركوا أنهم لم يستطيعوا أن يكسروا إرادة الشعب، قالوا كنا مغيبين!! وهنا نسأل، من الذي غيبهم؟ هل الذي غيبهم هو تلك السيدة التي حملها أحفادها في عربة بيع الخظار لكي تدلي بصوتها يوم الانتخابات؟ أم ذلك الشيخ الأعمى الذي إقتاده أبناء الحي لكي يشارك ويدلي بصوته رغم التهديد؟ بالرغم من أن الجميع يعرف أن السبب وراء عدم مشاركتهم بالانتخابات هو الإرهاب البعثي الزرقاوي، لكن حين ساهموا بالعملية السياسية كان البعثيون والأزارقة من تحدت بالنيابة عنهم عنوة بتهديد السلاح!

فأي نفاق لا يحد! وأي وصف دقيق وصفهم القرآن الكريم!!!!!

حين يقتل العراقي على يد الإرهابين، يقول الأعراب أنها مقاومة شريفة!!!!! وحين يقتل أحدا منهم على يد نفس المجرمين، فهو شهيد!! وهذا ما نسمعه كل يوم.

نحن شعب يقتل كل يوم منذ ما يقرب من أربعين عام دون توقف، فقد أعتدنا على القتل، وأعتدنا أن ندفن شهدائنا بصمت، وأعتدنا على البكاء من أمد بعيد جدا، لكن الذي لم يخطر ببالهم أن القتل سوف يكون واقعا موضوعيا يعيش بينهم كما العنقاء، لكن آن ذاك علينا أن نسأل، ما هي لغة الخطاب الجديدة التي سوف يتحدثون بها؟ وهل ستبقى منافقة كما هي اليوم؟؟ وهل يحق لنا الشماتة والتشفي بهم ؟ .