النتائج 1 إلى 2 من 2
  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Mar 2005
    الدولة
    العراق
    المشاركات
    365

    افتراضي الامام المغيب موسى الصدر

    الأمام المغيّب ُ موسى الصدر


    نسب الإمام السيد موسى الصدر

    هو ابن السيد صدر الدين ابن السيد إسماعيل ابن السيد صدر الدين ابن السيد صالح شرف الدين من جبل .عامل

    أ. السيد صالح شرف الدين (جدّه الأول):

    وُلد السيد صالح شرف الدين سنة 1122 هـ في بلدة "شحور" في جنوب لبنان، وأقام فيها، وكان عالِماً دينياً جليلاً، وكان يملك مزرعة اسمها "شدغيت" بالقرب من بلدة "معركة" (في قضاء صور)، وفي تلك المزرعة وُلد ابنه السيد صدر الدين.

    تعرّض السيد صالح شرف الدين لاضطهاد أحمد الجزّار في إطار حملة الأخير الشاملة لاضطهاد العلماء المسلمين الشيعة في جبل عامل، فأقدم جنود الجزّار على قتل السيد هبة الدين (الإبن الأكبر للسيد صالح) أمام منـزل والده في "بلدة شحور" وبحضوره، ثم اعتقلوا السيد صالح، فبقي تسعة أشهر في معتقل عكّا، الى أن تمكّن من الفرار الى العراق حيث أقام في النجف الأشرف، ثم تبعه أخوه السيد محمد الذي ألحق به زوجته وولدَيه السيد صدر الدين .والسيد محمد علي

    ب. السيد صدر الدين الصدر (جدّه الثاني):

    وُلد السيد صدر الدين سنة 1193 هـ في بلدة "معركة"، وكان من جهابذة علماء الدين في العراق.. تزوّج ابنة المجتهد الأكبر الشيخ كاشف الغطاء، ثم هاجر الى أصفهان التي كانت تُعتبر في ذلك الزمان مدينة العلم وعلماء الدين، واشتغل هناك بالتدريس والقضاء والفتوى بصفته مرجعاً من الدرجة الأولى، وقد استفاد من محضره العلمي عدد من مشاهير العلماء أمثال الشيخ مرتضى الأنصاري، وأخوه (صاحب "الروضات")، والسيد محمد شفيع (صاحب "الروضة البهية").

    ومن الجدير ذكره أنّ هناك صلة قربى تربط بين عائلتَي شرف الدين والصدر، فهم أبناء عمّ، وقد برزت عائلة الصدر عندما انعقدت المرجعية العامة للشيعة للسيد صدر الدين بن صالح.

    وأنجب السيد صدر الدين خمسة علماء دين، وأصغرهم سنّاً هو السيد إسماعيل.

    ج. السيد إسماعيل الصدر (جدّه الأخير):

    وُلد السيد إسماعيل سنة 1258 هـ في أصفهان، ثم قصد النجف الأشرف، فانعقدت له المرجعية العامة للشيعة، وكان من تلامذته الميرزا محمد حسين النائيني والسيد عبد الحسين شرف الدين.

    أنجب السيد إسماعيل أربعة علماء دين الدين: أوّلهم السيد محمد مهدي، والذي كان من مراجع الدين الكبار في الكاظمية، وثانيهم السيد صدر الدين (والد الإمام السيد موسى الصدر).

    د. السيد صدر الدين الصدر (والده):

    وُلد السيد صدر الدين سنة 1299 هـ في الكاظمية، نال درجة الاجتهاد، وقاد إبّان شبابه حركة دينية تجديدية، وارتبط اسمه بالنهضة الأدبية في العراق، ثم هاجر الى مشهد المقدسة، وتزوج من السيدة "صفية" كريمة المرجع الكبير السيد حسين القمي، ثم توجّه الى قم المقدسة بناءً على دعوة من مرجعها الأعلى ومؤسس الحوزة العلمية فيها الشيخ عبد الكريم الحائري اليبزدي ليكون معاونه وخليفته.

    يُعتبر السيد صدر الدين من مراجع الدين العظام في عصره، وقد تولّى زعامة الشيعة بعد وفاة آية الله العظمى الحائري الى جانب علمَين آخرين هما: آية الله العظمى الخونساري، وآية الله العظمى حجت، واستمر ذلك الى ما قبل زعامة آية الله البروجردي، وقد قدّم السيد صدر الدين خدمات علميّة واجتماعيّة وصحيّة بالإضافة الى تربية عدد كبير من العلماء.

    أنجب السيد صدر الدين سبع بنات وثلاثة صبيان، هم: المرحوم آية الله السيد رضا، والسيد علي أصغر، والإمام السيد موسى الصدر.

    إنتقل السيد صدر الدين الى الملأ الأعلى سنة 1954 م، ودُفن داخل حرم السيد فاطمة المعصومة في قم المقدّسة.

    هـ. السيد الشهيد محمد باقر الصدر (إبن عمّه):

    هو العالِم والمرجع الإسلامي الكبير الذي قاد الثورة الإسلامية في العراق واستشهد تحت التعذيب والإجرام الصدّامي ومعه أخته المجاهدة الكاتبة اللامعة بنت الهدى، وذلك بسبب مواقفهما الصلبة في مواجهة الحكومة البعثية في العراق ونصرته للثورة الإسلامية في إيران وقائدها الإمام الخميني (رض)..

    و. السيد حسين الطباطبائي القمّي (جدّه لأمّه):

    وُلد آية الله السيد حسين الطباطبائي سنة 1282 هـ في عائلة دينية من الدرجة الأولى، وتولّى المرجعية العامة للشيعة بعد وفاة السيد أبو الحسن الأصفهاني.

    وكان اسم السيد حسين الطباطبائي يترادف مع مفاهيم التضحية ومواجهة الظالمين، وكان عالِماً مقداماً رفَع راية الجهاد في زمن حُبست فيه الأنفاس وبلغ ظلم رضا خان أوجه، فتصدّى السيد لمؤامرة نزع الحجاب وغيرها من مفاسد الحكّام، وجسّد العنفوان الحسيني بين صفوف الشعب في إيران، وقاد تحركاً تاريخياً نادراً ضد الغزو الثقافي الغربي الذي تعهّده رضا خان، وانطلق السيد في ذلك نتيجة إحساسه بتكليفه الشرعي، فتحرّك سريعاً، وقال للمترددين الذين اشتبه عليهم الأمر: "أعتقد بجواز التصدّي لمؤامرة نزع الحجاب ولو أدّت الى قتل عشرة آلاف إنسان وأنا واحد منهم".

    ز. السيدة صفية (والدته):

    تزوّج السيد صدر الدين الكريمة المؤمنة الطاهرة للسيد حسين الطباطبائي القمّي، وهي السيّدة "صفيّة"، وكانت بمثابة شمعة تحمّلت مع زوجها كافة معاناة المرحلة الدراسيّة، وكانت زوجة مضحّية وأمّاً رؤوفة ومربّية صالحة، واشتهرت بين معارفها بـ"صفيّة الصالحة"، وقد نالت احترام وتقدير كافة علماء الحوزة الكبار الذين .عرفوا فيها الوقار والعظمة

    نشأة وعلوم وأساتذة السيد القائد:

    أ. ولادة موسى:

    عاشت المدن الإيرانية وشعبها المعذَّب تحت وطأة وظلم السلالة المتفرعنة التي سعت بكل قدراتها لإبعاد إيران عن تعاليم السماء ونداءات الفطرة الإنسانية، ومع ذلك فقد ثبت هذا الشعب وانتظر تلاميذ موسى الذين ما زالوا في بطون أمهاتهم.

    خلال تلك الظروف، وُلد السيّد الكريم في أحد أحياء قم (في محلّة جهار مردان) في زقاق "عشّاق علي" عليه السلام (عشقعلي) في أحد البيوت الصالحة، فانتشر خبر ولادة سليل الأنبياء (ع) وسط أجواء من البهجة والسرور، وكانت عقارب الزمان تشير إلى الرابع من حزيران من العام 1928 م.

    بعد عدة أيام انتخب له والده اسم موسى، نعم.. موسى.. كم هو اسم جميل ومناسب لتلك القامة، اسم يشير عند سماعه الى مواجهة الكفر والظلم، ويعيد الى الأذهان ذكريات مقارعة الطواغيت والجبابرة.

    ب. مدرسة في مدرسة:

    انتسب السيد موسى الى مدرسة "الحياة" الابتدائية في قم سنة 1934 م، وبرز أثناء الدراسة شغفه للتعلّم، فالتحق في نفس الوقت بمدرسة ثانية لينهل منها الدين والالتزام وغاية الحياة، وكان ذلك برعاية جدّه السيّد الطباطبائي (صاحب القلب الذي حضَن التاريخ، والروح التي عانقت الشمس، والقامة التي نسجت صلابتها من أركان السماوات السبع).

    ج. نهاية المرحلة الثانوية:

    حاز السيّد موسى على الشهادة الثانوية من مدرسة "سنائى" في قم، وكان لتلك الشهادة في ذلك الزمان أهمية خاصة لتأمين متطلبات العيش والحياة المرفَّهة، لكنه قرّر أن يُتحف أمّته المعذَّبة بصيانة كرامتها وتحقيق سعادتها على خطى أجداده الأطهار، وأراد لوجوده أن يكون شمعة أمل توقظ الغافلين وتبعث النور في قلوب المحرومين والمعذَّبين.

    د. الالتحاق بحوزة قم المقدّسة:

    كان السيّد موسى يتلقى الدروس الحوزوية الى جانب دراسته الابتدائية والثانوية، لكنه قرّر (سنة 1941 م) التفرّغ للدراسة في حوزة قم العلميّة، وقد امتدت دراسته الحوزوية لأكثر من عقد من الزمن، وبعد اجتيازه مرحلة المقدِّمات (والسطوح المتوسطة والعالية) شارك السيّد في حلقات بحث الخارج في الفقه والأصول بالإضافة الى الفلسفة عند أساتذة الحوزة المشهورين، ومن أبرز أساتذته في حوزة قم العلمية:

    في مرحلة السطوح:

    - آية الله علوي أصفهاني

    - آية الله المحقِّق الداماد

    - آية الله السيد رضا الصدر (أخوه)

    في مرحلة الخارج في الفقه:

    - آية الله الإمام الخميني

    - آية الله السيد أحمد خونساري

    - آية الله حجت كوه كمره اى

    - آية الله السيد صدر الدين الصدر (والده)

    - آية الله المحقِّق الداماد

    في مرحلة الخارج في الأصول:

    - آية الله المحقِّق الداماد

    في الفلسفة:

    - آية الله السيد محمد حسين الطباطبائي

    - آية الله السيد رضا الصدر (أخوه)

    وقام السيّد خلال دراسته بتدريس المقدِّمات والسطوح والفلسفة، وقد تمتّع بأسلوب شيّق وجذّاب في بيان المسائل المهمة والمعقدة، فنال إعجاب طلبته، وتمكّن بجهده الدؤوب من إثبات وجوده أستاذاً مميّزاً بين أساتذة الحوزة خلال مدة قصيرة.

    هـ. الدخول الى الجامعة:

    إنتسب السيّد الى كليّة الحقوق في جامعة طهران سنة 1950 م، وتابع دراسته الجامعية الى جانب دراسته وتدريسه في الحوزة، وكانت عِمّته أول عمامة تدخل حرم تلك الجامعة، فنال شهادة الليسانس في الحقوق الاقتصادية سنة 1953 م.

    إستفاد السيّد من قدراته الذاتية وهمّته العالية، وتعلَّم اللغتين الإنكليزية والفرنسية بعدما أتقن الفارسية والعربية، واغتنم الفرص الثمينة في مرحلة شبابه، وبحَث عن كل علم ومهارة تساعده على حل مشاكل الناس ومواجهة التخلّف الفكري والسلوكي عند البشر.

    و. الهجرة الى النجف الأشرف:

    بعد وفاة والده (في سنة 1954 م)، ومن أجل الاستفادة من الفيض العلوي والأخلاقي للأساتذة العظام في حوزة النجف الأشرف، وبعد استئذان وتأييد آية الله العظمى البروجردي، قام الإمام بالتوجه الى العراق، حيث بقي فيها حتى سنة 1959 م، وقد حضر خلال تلك الفترة دروساً عند العديد من المراجع.

    ومن أبرز أساتذة السيد موسى في النجف الأشرف:

    - آية الله السيد محسن الحكيم

    - آية الله الشيخ مرتضى آل ياسين

    - آية الله السيد أبو القاسم الخوئي

    - آية الله السيد عبد الهادي الشيرازي

    - آية الله الشيخ حسين الحلّي

    - آية الله الشيخ صدر بادكوبه

    - آية الله السيد محمود الشاهرودي

    ز. فقيه عارف بزمانه:

    حافَظ السيد موسى في النجف (كما كان في قم) على تفوّقه بين زملائه في الدراسة والمباحثة، فأدهش جميع معارفه بنبوغه وذكائه، ونال احتراماً لدى مراجع وعلماء النجف لشخصيته الجامعة، وكانوا ينظرون إليه بعين العظَمة والأمل، حتى أنّ بعضهم لم يكن يسمح لأحد بطرح الإشكالات أثناء إلقاء درسه، إلا للسيد موسى، وكانوا يسمعون مداخلاته بدقة عالية.

    تدلّ هذه المكانة على درجة الاجتهاد العالية للسيد موسى، وليس الاجتهاد الذي اعتاد عليه الكثيرون، بل استلهم جهاده من الفقه التقليدي ومناهج الجواهري والمحقق الأردبيلي والشيخ الأنصاري..، فكان فقيهاً عارفاً بزمانه مدركاً لشؤون الحياة ومتطلباتها وتحلّى بملكات الإخلاص والتقوى والزهد الضرورية لكل مجتهد..

    ح. جمعية "منتدى النشر":

    شارك السيد موسى في الهيئة الإدارية لجمعية "منتدى النشر" في النجف الأشرف، والتي كانت تـهتم بعقد الندوات الثقافية ونشرها.

    ط. زيارة السيد موسى الى لبنان:

    قدِم السيد موسى الى لبنان (أرض أجداده) لأول مرة في سنة 1955م، وذلك بعد سنتين من إقامته في النجف الأشرف، فتعرّف على أنسبائه في "صور" و"شحور" و"معركة"، وحلّ ضيفاً عند العلامة الجليل السيد عبد الحسين شرف الدين.

    وقد شاهد السيد موسى (خلال زيارته هذه) وقائع مهمة سبق وقرأ حولها في الكتب، وسمع عنها من والده وعائلته، فشعر بمسؤوليته التاريخية تجاه ما رآه من التخلف الثقافي والاقتصادي.

    وقد برزت شخصية السيد (خلال زيارته) وتقدّمها العلمي والأخلاقي والسياسي بشكل تجاوز رجال الدين والسياسة في لبنان، إضافةً الى مواقفه الشجاعة ودوره الساطع والأساسي في تعبئة الشعب اللبناني ضد المستعمرين.

    ي. التكليف التاريخي:

    جاءت زيارة السيد الى لبنان في وقت كان العلامة السيد عبد الحسين شرف الدين يستعد لوداع الدار الفانية ويبحث عن خليفة ينوب عنه، فاكتشف أثناء حواره مع السيد موسى نبوغه ومزاياه العلمية وسجاياه الأخلاقية وجدارته القيادية التي أثبتت له (إضافةً لما عرفه عنه أثناء وجوده في قم والنجف) أنه وجد ما كان يبحث عنه، فانتجبه قائداً مستقبلياً في لبنان، وأخذ يتحدث حول لياقته ويعرّف الناس على شخصيته الجامعة..

    بعد زيارته القصيرة الى لبنان، عاد السيد الصدر الى النجف، وذلك لمتابعة تحصيله العلمي.

    ك. ميثاق الزواج:

    فكّر السيد الصدر (في سنة 1956 م) بتشكيل أسرة وانتخاب زوجة لائقة تضفي السكينة والعزيمة على حياته الحافلة بالمعاناة، لأنّ العالِم الربّاني المدرِك لمسؤولياته يعيش دوماً في خضمّ الحوادث ويمضي معظم أوقاته في مقارعة الجبابرة ويتعرض للسجن والإبعاد، فلا بد للمرأة أن تتمتع بروحية عالية ومزايا تمكّنها من العيش مع هذا النوع من الرجال..

    وهكذا، تزوّج السيد الصدر وله من العمر 28 سنة، وأنجب هذا الزواج المبارك أربعة أولاد، وهم: صدر الدين، وحميد، وحوراء، ومليحة.

    ك. ثقة زعيم الحوزة العلمية آية الله البروجردي:

    لم يكن السيد عبد الحسين شرف الدين العالِم الحكيم الوحيد الذي أُعجب بعظَمة السيد موسى، بل جذب بشخصيته الجامعة الكثير من المواقع الدينية والجامعية، فحاز سماحته على ثقة المرجع البصير آية الله العظمى السيد البروجردي لتمثيله المطلق في إيطاليا حين أعدّ لائحة تضم شخصيات لامعة في الحوزة لتكليفهم بهذا النوع من المسؤوليات.

    وبعد وفاة السيد عبد الحسين شرف الدين (في سنة 1957م) كتب أنصاره رسالة الى الإمام الصدر دعوه فيها الى لبنان، وحاول مشيّعو جثمانه الطاهر الى النجف اصطحاب الإمام الصدر معهم الى لبنان، وقد أشار إليه المرجع البروجردي لتلبية الدعوة.

    ل. تأييد المرجع الكبير السيد محسن الحكيم:

    بعد وفاة السيد عبد الحسين شرف الدين، نتج عن ذلك فراغ كبير في لبنان، فبادر المرجع الأكبر السيد محسن الحكيم إلى ملئه عبر إقناع الإمام الصدر (تلميذه آنذاك) بتلبية الدعوة والذهاب الى "صور"، وأرسل معه رسائل عديدة إلى وجهاء الشيعة وأعيانهم يخبرهم فيها عن ميّزات ومواهب الإمام الصدر.

    هجرة الإمام الصدر إلى لبنان:

    مقدّمة:

    هاجر السيد الصدر للمرة الثالثة الى لبنان سنة 1960 م، ولمدة شهر واحد، ليتعرف أكثر على ظروف الناس، وبعد اطلاعه على مستوى الحرمان شعَر بعظَمة التكليف وقرر البقاء في لبنان خلافاً لرغبته الخاصة.

    وكان من الجلّي للجميع أنه لو استمر الإمام بنشاطه في الحوزات العلمية (بالكفاءات والاستعدادات التي يتمتع بها) لأصبح من المراجع والمفكّرين الهام في عالم التشيّع، لكن هول المأساة في لبنان أقلقه وهزّ كيانه، فضحّى بكل آماله وتحمّل أعباء هذه المسؤولية التاريخية لإنقاذ المجتمع اللبناني بكل طوائفه الإسلامية والمسيحية.

    أ‌. إمامة مسجد الإمام شرف الدين:

    بعد وصوله الى لبنان، إختار السيد موسى الإقامة في مدينة صور، وباشر مسؤوليته التاريخية بإمامة مسجد المجاهد الأكبر آية الله السيد عبد الحسين شرف الدين، والذي كان لا يزال يعبق بعطر خطبه ومواقفه الجيّاشة، فوضع السيد موسى بذلك نهاية لانتظار العلامة شرف الدين وأحيا في مسجده دور الهداية والجهاد.

    ب‌. مواجهة الحرمان الثقافي:

    إكتشف السيد الصدر بعد دراسة معمّقة لظروف الحرمان أنّ سببها الأساسي يعود الى التخلّف الثقافي والاقتصادي، فبدأ مباشرةً في إعداد خطة لمواجهة الحرمان الثقافي بالإضافة إلى التدريس في الكلية الجعفرية (صور) والكلية العاملية (بيروت)، وألقى المحاضرات المنتظمة في المراكز الثقافية والاجتماعية والتربوية، واهتم بإقامة علاقات مباشرة مع الشباب والمثقفين.

    ج. الحضور في المراكز المسيحية:

    إهتم السيد بزيارة المراكز المسيحية الدينية والثقافية، فألقى الخطَب في الكنائس، وحاور الشخصيات المسيحية الدينية والعلمية والسياسية، وتمكن خلال مدة قصيرة أن يجذبهم الى التشيّع وشخصيته الاستثنائية.

    د. مواجهة الحرمان الاقتصادي:

    إعتقد السيد موسى بوجود علاقة مباشرة بين الحرمان الثقافي والاقتصادي، وأنّ لهما تأثيراً كبيراً على القضايا الفكرية والأخلاقية والسياسية والعسكرية، ويقول سماحته في هذا المجال: "ما يدعو للتعجّب أنّ الإسلام يعتبر طلب العلم فريضة واجبة، لكن أكثر الأمّيين هم من المسلمين!، والإسلام يعتبر أنّ النظافة من الإيمان، بينما أكثر الأحياء والأسواق وساخةً هي أحياء المسلمين وأسواقهم، فيكف يصدّق الناس ادعاء المسلمين (بأنّ الإسلام يضمن سعادة الدنيا والآخرة) وهم يغرقون في الجهل والفقر والمرض ويسيطر الفساد والانحراف على سلوك نسائهم وشبابهم وتجّارهم وزعمائهم"؟!..

    إنطلاقاً من هذه الوقائع، ومن أجل اقتلاع جذور هذه المعضلات وأبعادها المختلفة، فإنّ نشاط الإمام لم يقتصر على المسجد والمدرسة والجامعة، بل بادر سماحته الى تأسيس مراكز ومؤسسات أخرى ذات أهمية..

    هـ. جمعيّة "البِرّ والإحسان":

    إهتم الإمام الصدر في العديد من المشاريع والجمعيات الخيرية والثقافية، وأعاد تنظيم جمعية البِرّ والإحسان" في مدينة صور، وتولّى نظارتها العامة، ونجح في القضاء إلى التسوّل والتشرّد في المدينة، وتمكّن من شدّ أواصر الأخوّة والتعاون بين المواطنين من مختلف الطوائف.

    و. تفعيل دور المرأة:

    كان وضع النساء والبنات آنذاك مأساوياً، ولم يكن مطروحاً يومها أمر الحجاب أو عدمه، بل كانت الخطورة في خلاعة المرأة التي فاق فسادها في لبنان كافة الدول الأخرى في الشرق.

    ويقول الإمام في هذا المجال: "إكتشفتُ أنّ السبب الرئيسي لهذا الانحراف هو الضياع الفكري والأميّة والابتعاد عن التعاليم الدينية، فقرّرتُ في البداية رفع مستوى الوعي الديني والأخلاقي، لكنّني واجهت عقبتين كبيرتين: 1) ضعف مشاركة النساء في النشاطات العامة، 2) اهتمامهن بالأزياء والموضة وأدوات التجميل.. فلم يكن ممكناً بدايةً دعوتهن لارتداء الحجاب الإسلامي، لذا قرّرنا اعتماد أساليب غير مباشرة، فأعلنت جمعية البِرّ والإحسان عن استعدادها لقبول عضوية النساء ومشاركتهن في نشاطاتها بفعالية، وهكذا، انتسبت للجمعية خلال مدة قصيرة أكثر من مئتي امرأة، وانتخبن ثمانية منهن كأعضاء شكّلن هيئة إدارية نسائية في السنة الأولى. وتطوّر نشاط النساء في الأعمال الخيرية نتيجة حُبّ التضحية والعطاء، فنالت إحداهن جائزة أفضل عضو فعّال في الجمعية لسنة 1960م، ولتطوير علاقتهن بأهداف الجمعية تم تكليفهن بتوزيع المساعدات الشهرية وزيارة العائلات الفقيرة، فأدّت هذه المهمّة الى تحقيق الارتياح النفسي وإحياء الأصالة الإنسانية في نفوسهن، وأدركن أنّ الحشمة والعفّة هي مقوّمات أساسية تضفي على شخصيتهن الحياء والعظّمة.

    ز. "بيت الفتاة":

    أسّس السيّد الصدر مؤسسة "بيت الفتاة" لتعليم بنات الفقراء الأشغال اليدوية والخياطة، وبعد تخرّجها من الدورة تعود الى منـزلها بروحية عالية ومهنة شريفة وتعمل في منـزلها لتؤمّن احتياجاتها واحتياجات عائلتها.

    ح. معهد التمريض:

    أسّس السيّد الصدر معهد تمريض خاص بالنساء يؤهّلهن لنيل شهادة رسمية في مهنة التمريض ويساعدهن للعمل في المستوصفات والمستشفيات ويحقّق لهن مكانة اجتماعية مرموقة واكتفاءً ذاتياً ويقوم بدور فاعل في خدمة الفقراء والمحرومين.

    ط. "مؤسسة حياكة السجّاد":

    قامت المؤسسة بتعليم حياكة السجّاد لأكثر من ثلاثمائة بنت من بنات جبل عامل، وكانت المؤسسة تؤمّن أدوات الحياكة لكل متخرّجة لتعمل في منـزلها مقابل أجر محدَّد، كما تولّت المؤسسة بيع السجّاد في معارض خاصّة

    ي. "مؤسسة جبل عامل المهنية":

    أسّس الإمام الصدر "مؤسسة جبل عامل المهنية" بهدف إزالة فقر الناس وجهلهم المتراكم منذ عشرات السنين، وتركّز اهتمامها على المحرومين والأيتام الذين استشهد آباؤهم وأمهاتهم بسبب الاعتداءات الإسرائيلية، وكانوا يدرسون نهاراً ويبيتون ليلاً بشكل مجّاني، وكانت المؤسسة تمنح طلابها شهادات رسمية في اختصاصات مختلفة وتساعدهم على تأمين متطلبات حياتهم.

    ولم تقتصر المؤسسة على تحقيق التفوّق العلمي، بل شكّلت مصنعاً فكرياً لإعداد الكوادر من خلال إقامة صلاة الجماعة والمحاضرات والنشاطات الإسلامية المختلفة.

    وبسبب الاعتداءات الإسرائيلية (المستمرة) كان أساتذة المؤسسة وطلابها يتدربون على فنون القتال ويواجهون إسرائيل في المواقع الأمامية، فقدّموا العديد من الشهداء.

    ك. "معهد الدراسات الإسلامية":

    تُعتبر الحوزة العلمية في مدينة صور (معهد الدراسات الإسلامية) التي يترأسها سماحة العلامة المجاهد السيد علي الأمين ، من المشاريع الأساسية التي أسّسها الإمام الصدر تلبيةً لحاجات الناس الضرورية والدائمة للعلماء والمبلّغين الذين يتمتعون بالبصيرة وتحمّل المسؤولية، فاهتمت بإعداد طلبة العلوم الدينية اهتماماً شديداً، وكان يدرس في المعهد إضافةً الى الطلبة اللبنانيين عدد كبير من أبناء أفريقيا وأندونيسيا والصين وأفغانستان واليابان.. حيث نهلوا من مدرسة أهل البيت (ع) وعادوا الى بلدانهم لنشر رسالة الإسلام والتشيّع فيها.

    مسيرة السيد القائد الجهادية الطويلة:

    في بدء ولايته عمل الإمام الصدر على تأمين مقرّ للمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في بناء لائق من أربع طبقات على عقار مساحته 6475 متر مربّع، ويحتوي على قاعات واسعة للاجتماعات العامة، ويقع في محلة "الحازمية" بضاحية بيروت الشرقية الجنوبية، وسُجّلت ملكية هذا العقار بإسم أوقاف الطائفة الشيعية.

    كما عمل سماحته على تمليك أوقاف الطائفة عقاراً ثانياً بضاحية بيروت الغربية الجنوبية (محلّة "خلدة") مساحته 7904 متر مربّع، ويقوم عليه بناء مؤلف من سبعة طبقات، وأُطلق عليه اسم "مدينة الزهراء الثقافية والمهنية"، وتقوم مؤسسات الطائفة باستخدامه، كذلك، أمّن الإمام لمشاريع المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الانتفاع من قطعة أرض مساحتها 15034 متر مربّع من مشاعات بلدة "الغبيري" في ضاحية بيروت الغربية الجنوبية (محلّة الجناح)، وأنشأ عليها "مستشفى الزهراء" التابع للمجلس.

    وحقّق سماحته شراء 190 ألف متر مربّع من الأراضي في "الوردانية" (طريق صيدا-بيروت) لتشييد مؤسسات اجتماعية وثقافية ومهنية عليها، وسجّل ملكية هذه الأراضي بإسم أوقاف الطائفة.

    كما حقّق الإمام لـ"جمعية البر والإحسان" في صور (التي يتولى نظارتها العامة) شراء 900 ألف متر مربّع في بلدة اللبوة (بعلبك) لإنشاء مدرسة فنيّة زراعيّة ومشاريع أخرى عليها، وعمل على توسيع منشآت وتجهيزات لـ"جمعية البر والإحسان" في صور (وهي من مؤسسات الطائفة ذات المنفعة العامة)، وذلك تحقيقاً لتوسيع المؤسسات المهنية التابعة للجمعية ولإنشاء المدرسة الفنية العالية للتمريض (التي استحدثها)، كذلك أقام سماحته مبرّة الإمام الخوئي لرعاية أبناء الشهداء في برج البراجنة (ضاحية بيروت الجنوبية) وفي بعلبك والهرمل. كما أقام الإمام مراكز صحية في برج البراجنة وحيّ السلّم (ضاحية بيروت الجنوبية)، وأيضاً في مدينة صور حيث أقام مدرسة للتعليم الديني.

    م. المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى:

    بدأ الإمام الصدر الرعاية الدينية والاجتماعية موسِّعاً نطاق العمل الديني من خلال المحاضرات والندوات والاجتماعات والزيارات متجاوزاً سلوك الاكتفاء بالوعظ الديني الى الاهتمام بشؤون المجتمع، فتحرّك في مختلف قرى جبل عامل وبعلبك والهرمل والشمال، وعاش سماحته حياة أهل هذه القرى ومعاناتهم من التخلف والحرمان، ثم تجوّل في مختلف المناطق اللبنانية متعرفاً على أحوالها ومحاضراً فيها، وأقام العلاقات مع الناس من مختلف فئات المجتمع اللبناني وطوائفه داعياً الى نبذ التفرقة والطائفية باعتبار أنّ الأديان واحدة في البدء والهدف والمصير، ودعا سماحته الى تفاعل الحضارات الإنسانية ومكافحة الفساد والإلحاد.

    وبعد وقوفه على أحوال الطائفة الإسلامية الشيعية ظهرت للإمام الحاجة الى تنظيم شؤون هذه الطائفة، فأخذ يدعو الى إنشاء مجلس يرعى شؤونها أسوةً ببقية الطوائف، ولقيت دعوته معارضة من داخل الطائفة وخارجها، لكن ذلك لم يمنعه من متابعة دعوته، فعقد مؤتمراً صحفياً بتاريخ 15-8-1966م عرض فيه آلام الطائفة ومظاهر حرمانها بشكل علمي مدروس معتمداً على الإحصاءات، وبيّن الأسباب الموجبة لإنشاء المجلس وأعلن أنّ المطلب أصبح مطلباً جماهيرياً تتعلق به آمال الطائفة..

    وهكذا آتت الدعوة ثمارها وأقرّ مجلس النواب اللبناني الاقتراح بتاريخ 16-5-1967، علما أنّه سبق وأُقر مرسوماً مشابهاً للطائفة السنيّة في سنة 1955م، وللطائفة الدرزية في سنة 1962 م.

    وبتاريخ 23-5-1969 م إنتخبت الهيئة العامة للمجلس الإمام موسى الصدر أول رئيس للمجلس، وأعلن سماحته عن برنامج عمله لتحقيق أهداف المجلس، وقد تضمن الخطوط الرئيسية التالية:

    - تنظيم شؤون الطائفة وتحسين أوضاعها الاجتماعية والاقتصادية.

    - القيام بدور إسلامي كامل فكراً وعملاً وجهاداً.

    - عدم التفرقة بين المسلمين، والسعي للتوحيد الكامل.

    - التعاون مع الطوائف اللبنانية كافة، وحفظ وحدة لبنان.

    - ممارسة المسؤوليات الوطنية والقومية، والحفاظ على استقلال لبنان وحريته وسلامة أراضيه.

    - محاربة الجهل والفقر والتخلف والظلم الاجتماعي والفساد الخلقي.

    - دعم المقاومة الفلسطينية، والمشاركة الفعلية مع الدول العربية الشقيقة لتحرير الأراضي المغتصبة.



    ن. "هيئة نصرة الجنوب":

    على اثر العدوان الإسرائيلي على القرى الحدودية الجنوبية والذي ألحق خسائر جسيمة بأرواح المواطنين الأبرياء وممتلكاتهم وتسبّب بنـزوح أكثر من خمسين ألف مواطن من ثلاثين قرية حدودية، على اثر ذلك بادر الإمام بتاريخ 13-5-1970 الى دعوة الرؤساء الدينيين في الجنوب من مختلف الطوائف وأسّس معهم "هيئة نصرة الجنوب" التي أولت رئاستها للإمام الصـدر ونيابة رئاستها للمطران خريش (أصبح فيما بعد بطريركاً

    للموارنة)، وتبنّت هذه الهيئة مطالب الإمام الصدر لحماية الجنوب وتنميته.



    س. "مجلس الجنوب":

    طالب الإمام الصدر السلطة اللبنانية مراراً لتقوم بواجباتها في دعم الجنوبيين، لكنها لم تتجاوب بالشكل المطلوب، فأعلن هجومه ضدها ودعا الى إضراب وطني عام بتاريخ 26-5-1970، فلبّى الإضراب مختلف فئات الشعب، واجتمع مجلس النواب مساء ذلك اليوم وأقرّ تحت ضغط التعبئة العامة مشروع قانون يقضي بإنشاء مجلس الجنوب مهمته المساهمة في تعزيز صمود الجنوبيين والتعويض عن أضرار الاعتداءات الإسرائيلية والإنفاق على مشاريع وخدمات عامة.



    ع. مطالب الطائفة:

    بعد التأجيل والتعثّر (لأسباب معروفة) لم يبق أمام الطائفة سوى أسلوب المطالبة الضاغط، وقد حصل اجتماع برئاسة الإمام في 8-2-1974م (عاشوراء 1393 هـ) وأقرّ المطالب التالية:

    - في حقل الوظائف العامة: وعلى أساس العدالة التي يؤكّدها الدستور، نجد أنّ الطائفة الشيعية تشغل في الوقت الحاضر وفي الفئة الأولى على سبيل المثال 19 مركزاً من أصل استحقاقها البالغ 30. هذا مع العلم أنّ الطائفة محرومة من أي مركز في الوظائف العليا الإدارية والقضائية إضافةً للحيف اللاحق بها في مراكز الجيش وقوى الأمن الداخلي، فضلاً عن رؤساء كل مجالس إدارات الدولة. إنّ المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى يطالب بإنصاف الطائفة الشيعية بشكل سريع عن طريق تعيين أصحاب الكفاءات من أبناء هذه الطائفة في أحد عشر مركزاً من مراكز الفئة الأولى.

    - بالنسبة لنوعية المراكز: يرفض المجلس تصنيف المواطنين طائفياً، ويؤكّد بقوّة مطالب القائلين برفض طائفية الوظيفة وضرورة تبادلها بين مختلف الطوائف حسب كفاءاتهم.

    - إنّ مسألة الدفاع عن حدود الوطن وعن سلامة المواطنين في أرجاء البلاد هي المسؤولية الأولى للسلطات، وفي هذا الحقل يحتجّ المجلس على إهمال قضية الدفاع عن الجنوب، ولا يمكنه القبول بأعذار ومبررات غير صحيحة أو غير كافية.

    - إنّ الألوف من المواطنين في مناطق بعلبك والهرمل والشمال ومناطق أخرى لا يملكون بطاقة هوية لبنانية، وبالتالي يُحرمون من كافة حقوق المواطنية، إنّ هؤلاء لا يمكن التشكيك في لبنانيتهم أو ولائهم الوطني، ولكن ظروفهم الحياتية وسكنهم في مناطق نائية جعلتهم من المكتومين والمعلَّقين.

    - في حقل الإنماء: يؤكّد المجلس على ضرورة تنفيذ مشاريع إنمائية في المناطق المحرومة والمتخلفة، وذلك عن طريق قوانين وبرامج ولحظ اعتمادات في الموازنة العامة لكي تصبح المناطق اللبنانية متقاربة المستوى ويطلب المجلس في هذا المجلس تحقيق ما يلي: تنفيذ مشروع ري الجنوب من مياه

    الليطاني بإنهاء الجدل حول منسوب المياه واعتماد الدراسات الدقيقة التي وُضعت بهذا الخصوص / إصدار التشريعات اللازمة لتأمين اعتمادات التنفيذ / إلغاء جر مياه الليطاني الى بيروت، والاستعانة بمياه نهر بيروت ونهر ابراهيم / اعتبار الليطاني مشروعاً وطنياً اجتماعياً الى جانب كونه ذا صفة اقتصادية.

    - تنفيذ المشروع الجاهز للبحيرات الاصطناعية الذي يروي الأراضي الواقعة في قضائي صور وبنت جبيل (مثلّث يارين-كفرا-يارون) والتي لن تستفيد من مشروع الليطاني.

    - تنفيذ مشروع القاع-الهرمل في المرحلة الأولى من الاعتمادات المرصودة منذ العام 1962، وإصدار التشريع اللازم لتامين الاعتمادات اللازمة لإنهاء شبكات الري في المرحلة الأولى وضخ المياه في المرحلة الثانية بحيث يتم تأمين ري سبعة آلاف هكتار (يجب إنشاء عمليات الضم والفرز بحيث تنتهي مع نهاية تنفيذ المشروع للتمكن من الإفادة بصورة صحيحة).

    - لحظ الاعتمادات اللازمة لإنشاء الخزّان الواجب تنفيذه في بحيرة اليمّونة القديمة لتأمين ري أربعة آلاف هكتار إضافية مع ما يلزم من اعتمادات لإتمام شبكة الري في الأراضي الواقعة بين دير الأحمر والكنيسة حتى شمسطار.

    - تنفيذ مشروع السدود في نحلة-وادي سباط-جنتا-يحفوفا-شمسطار ومشروع ري سهل بعلبك من مياه رأس العين، وري الأراضي من حوش تل صفية وإيعات من نبع عدوس ومشروع منخفض عيحا، ومشروع ري مرجحين- جباب الحمر من عيون ارغش ومشروع مياه اللبوة، وتقويم مجرى الليطاني في أراضي حوش الرافقة-بدنايل-تمنين التحتا، وتزويد بعلبك بمياه نبع البغل ونبع اللجوج.

    - إعطاء الأولوية في إنشاء المدارس الرسمية والمهنية ودور المعلمين والمعلمات في الجنوب والبقاع وعكّار، وعدم اللجوء الى تمرير المشاريع المدرسية في المناطق المتقدمة تدريجياً كما هو الحال الآن.

    - إنشاء المستشفيات والمراكز الصحيّة في المناطق المحرومة، وتحسين وضع مستشفى الهرمل، وتخصيص الأموال الموجودة في مصلحة التعمير لإنشاء شبكات المجارير في تلك المناطق، وذلك بموجب قوانين نافذة تمنع التصرف الكيفي بأموال مصلحة التعمير.

    - تنفيذ مشروع أوتوستراد بيروت-صيدا-صور، وأوتوستراد بيروت-شتورا-بعلبك-الحدود السورية، وتنفيذ مشروع طرق القرى المحرومة.

    - تصحيح أوضاع مزارعي التبغ وإنهاء مأساتهم.

    - زيادة اعتمادات المشروع الأخضر، ووضع قانون لإعطاء الأولوية للمناطق المحرومة.

    - إنماء الثورة الحيوانية، وتعميم المشاتل الزراعية، وتصنيع الزراعة، وإنشاء مصانع لتأمين تصريف المنتجات الزراعية بعد تصنيعها.

    - رصد الاعتمادات اللازمة لإنهاء التنقيب عن الآثار في مدينتَي بعلبك وصور خلال مدة عشر سنوات، وإنشاء فندق سياحي في بعلبك مع مشاريع سياحية في كافة المناطق الأثرية.

    - إعداد دراسة شاملة للمناجم في مختلف المناطق، وبصورة خاصة النفط الذي تؤكد الدراسات وجوده في لبنان.

    - تصحيح قانون توزيع أموال البلديات بحيث يؤمّن العدالة والازدهار لمختلف البلاد اللبنانية.

    - العفو العام عن مخالفات البناء لكي يستفيد سكّان ضواحي بيروت وغيرهم من المياه والكهرباء.

    - تصحيح أوضاع ضواحي بيروت، وبصورة خاصة الكرنتينا والنهر وحي السلّم وبرج حمّود وتلّ الزعتر وبرج البراجنة.



    ف. حركة المحرومين:

    لم توافق السلطات اللبنانية على مطالب الإمام التي تفاعلت وبلغت ذروتها في سنة 1973م، وأخذت وسائل الإعلام ومحافل السياسة تتناقل هذه المطالب، فأعلن سماحته عن تصميمه على المواجهة السلبية بحال لم تتجاوب السلطة مع المطالب، ولكن في تشرين الأول 1973 حصلت الحرب بين العرب وإسرائيل، وكان لا بد آنذاك من توحيد كافة الجهود في الداخل لمواجهة العدوان الخارجي.

    وبعد نهاية هذه الحرب أعلن الإمام معارضته للحكّام لأنهم يتجاهلون حقوق المحرومين، وصعّد حملته بمهرجانات شعبية عارمة كان أضخمها مهرجان بعلبك بتاريخ 17-4-1974 م، ثم مهرجان صور بتاريخ 5-5-1974م، وضمّ كل منهما أكثر من مائة ألف مواطن أقسموا مع الإمام على متابعة جهادهم وأن لا يهدأوا حتى لا يبقى في لبنان محروم واحد أو منطقة محرومة، وهكذا وُلدت حركة المحرومين التي رسم الإمام الصدر مبادئها بقوله: "إنّ حركة المحرومين تنطلق من الإيمان الحقيقي بالله وبالإنسان وحريته الكاملة وكرامته، وهي ترفض الظلم الاجتماعي ونظام الطائفية السياسية، وتحارب بلا هوادة الاستبداد والإقطاع والتسلّط وتصنيف المواطنين، وهي حركة وطنية تتمسك بالسيادة الوطنية وبسلامة أرض الوطن، وتحارب الاستعمار والاعتداءات والمطامع التي يتعرض لها لبنان".

    تابع الإمام الصدر تحركه وعقَد لقاءاتٍ مع شخصيات البلاد ورؤساء الطوائف، وبعد حوار مع نخبة من المفكّرين اللبنانيين من مختلف الطوائف وقّع 190 مفكّراً على لائحة تضم المطالب العشرين التي أعلنها..



    ص. أفواج المقاومة اللبنانية "أمل":

    بعد انطلاقة المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى وتأسيس حركة المحرومين وازدياد الترحيب الشيعي بهما يوماً بعد يوم، ومن أجل مواجهة الاعتداءات الخارجية على لبنان والتصدّي للاعتداءات الصهيونية، كان لا بد من تشكيل جناح عسكري لحركة المحرومين.

    وبتاريخ 20-1-1975 م (في ذكرى عاشوراء) ألقى الإمام الصدر خطاباً ثورياً دعا فيه الشعب اللبناني الى تشكيل مقاومة لبنانية تتصدى للاعتداءات الصهيونية والمؤامرات التي تدبّرها إسرائيل، وقال سماحته: " إنّ الدفاع عن الوطن ليس واجب السلطة وحدها، وإذا تخاذلت السلطة فهذا لا يلغي واجب الشعب في الدفاع".

    وهكذا، بدأ الإمام الصدر منذ ذلك اليوم وبشكل سري بناء أسس الجناح العسكري لحركة المحرومين، الى أن عقد مؤتمراً صحفياً بتاريخ 6-7-1975م أعلن فيه رسمياً عن ولادة أفواج المقاومة اللبنانية "أمل" وقدّمها بأنها أزهار الفتوّة والفداء ممن لبّوا نداء الوطن الجريح الذي تستمر إسرائيل في الاعتداء عليه من كل جانب وبكل وسيلة، فيما لم تقم السلطات المسؤولة بواجبها الدفاعي مقابل تلك الاعتداءات التي بلغت ذروتها على الوطن والمواطنين.

    وجاء هذا الإعلان على اثر انفجار لغم بدورة عسكرية أدى الى استشهاد 26 وجرح أكثر من 70 في معسكر "عين البنّية".

    ويقول الشهيد د. مصطفى شمران في هذا المجال: "منذ ذهابي الى لبنان في سنة 1971م نظّمتُ دروساً في الثقافة الإسلامية، وانتخبتُ من كل قرية واحداً أو اثنين من المعلّمين الملتزمين، فبلغ مجموعهم حوالى 150 شخصاً، واستمر نصفهم حتى النهاية ليشكّلوا النواة الأولى لحركة المحرومين في الجنوب وبهذا الأسلوب نظّمنا نخبة الشباب المؤمنين الذين أصبحوا فيما بعد كوادر حركة المحرومين وأفواج المقاومة اللبنانية "أمل"، وقد توجّه الشيعة أفواجاً أفواجاً للالتحاق بهذه النهضة الرسالية القائمة على أساس العقيدة الإسلامية ومدرسة علي والحسين (ع)، لكننا امتنعنا عن استقبالهم جميعاً لأننا لم نكن بقادرين على استيعابهم، فقرّرنا استقبال المعلّمين والطلاب لنصنع منهم الكوادر لأننا كنّا نعتبر أنّ جميع الشيعة أعضاء في حركتنا ولا داعي لتسجيل أسماءهم في سجلاتها، كما أنّنا لم نشأ أن تتحول الحركة الى دكّان يدخل إليها ويخرج منها كل فكر وإنسان متى يشاء، لا سمح الله تصبح عندها مثل بقية الأحزاب اللبنانية الفاسدة التي تعتمد على الكذب والاتهام وفرض الخوّات وسرقة أموال الناس والدولة وتوزيع المنافع والغنائم.

    وقد أكّدتُ منذ البداية بأنّنا أسّسنا حركة وليس حزباً، وأردناها لتهذيب النفس بالدرجة الأولى وليس من أجل المنافع المادية والمصالح الشخصية، وذكرنا الأساس الفكري في البند الأول من ميثاق الحركة (الإيمان بالله..)، فطالما أنّ الإنسان لم يعرف الله ويؤمن به إيماناً حقيقياً لا يمكن أن ينضم الى صفوف الحركة، وأردنا انضمام الإنسان الذي يهدف من حياته لرضا الله، ويقاتل في سبيل الله، ويسعى ليكون خليفة الله في الأرض، وأن تكون صفاته وأعماله مظهر صفات الله وأعماله وباختصار أردنا نموذجاً يمثّل عليّ والحسين (ع).

    فعقيدة الحركة هي العقيدة الإسلامية التي أصبحنا الممثلّين لها والمجسّدين لتعاليمها، وليس إسلام المشايخ الجامد وإسلام الإقطاعيين وإسلام العجائز والإسلام التقليدي.. وقد انتشر هذا الفكر وهذه الحركة بسرعة، وأقول بصدق أنّ استمرار هذا الفكر وتقدّمه يعود لبركة وجود الإمام موسى الصدر.

    لم يكن يهدف السيد القائد في عمله هذا إلى اعتلاء منصب أو زعامة بل جعل من قلوب الناس عرشاً له يذكره الصغير والكبير في زمن لم يره أكثر العشاق من محبيه ومواليه لم يكن مستغلاً للناس باسم الدين والدنيا بل كان المجاهد الأكبر لا بل سيد المجاهدين وأول المقاومين لقد جعل عمله الجهادي المتواصل عبر الزمن الذي عاش بيننا فيه زمن العمل والجهاد لم يعرف الملل ولا الكلل أحبه كل مؤمن وبغضه كل منافق أليس من نسل جده علي ومحمد ؟



    صور الأمام
    قصة تغييبه
    خطاباته

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Mar 2005
    الدولة
    العراق
    المشاركات
    365

    افتراضي الشهيدة انتة الصدر بنت اهدى

    الشهيدة آمنة الصدر (بنت الهدى)



    الولادة والنشأة

    ولدت الشهيدة الخالدة آمنة بنت آية الله السيد حيدر الصدر (بنت الهدى) عام 1356هــ 1937م في مدينة الكاظمية، في بيت عريق في العلم والجهاد والتقوى. وكانت أصغر شقيقيها واختهما الوحيدة.

    ولم يختلف حالها عن حال باقي أسرتها في مكابدة الفقر والحرمان، وتحمل الصعاب والمشاق، بروح غمرها الإيمان والقناعة بأدنى ضروريات الحياة.

    لم تر بنت الهدى أباها و لا تتذكره وكأنها ولدت يتيمة، إلا أن الله عز وجل عوضها عن ذلك بأخويها المرحوم السيد إسماعيل الصدر وشهيدنا الغالي السيد الصدر ــ رضوان الله عليهم جميعاً ــ فقد أغدقا عليها حناناً ومحبة تفوق ما يتوقع اليتامى، وربّياها بما لم يربّ أب فلذة كبده.

    تعلمها القراءة والكتابة

    تعلمت الشهيدة بنت الهدى القراءة والكتابة في البيت على يد والدتها ــ رحمها الله ــ فكانت الأم هي المعلم الأول، وكانت والدتها تثني على ابنتها وقدرتها على التعلم و الاستيعاب والفهم، ثم استكملت مراحل تعليمها القراءة والكتابة على يد أخويها، وشمل ذلك علوم العربية في أكثر جوانبها، حتى تمكنت من كتابة الشعر في السنوات المبكرة من عمرها.

    وكانت الشهيدة بنت الهدى ــ رحمها الله ــ حريصة على تثقيف نفسها ثقافة إسلامية رفيعة، سواء في مراحل حياتها الأولى أو فترة ما قبل الاستشهاد.

    فتمكنت من توسيع أفق ثقافتها توسعاً شاملاً متعدد الأبعاد، وكتاباتها في مجلة الأضواء في تلك الفترة (1966) تعكس لنا جوانب من تلك الأبعاد، ذلك أن مجلة الأضواء التي كانت تصدرها جماعة العلماء في النجف الأشرف لم تكن منبراً إلا للنتاجات المتميزة فقط، وكانت بنت الهدى ــ رحمها الله ــ من أبرز من كتب فيها بل كانت الرائدة الأولى في الكتابة و التأليف.

    واذا لاحظنا الكتابات الإسلامية التي تستهدف المرأة المسلمة ثقافياً وتربوياً فسوف نجد فراغاً كبيراً ليس من اليسير ملؤه، إذ لا توجد كاتبات ولا كتابات إسلامية موجهة للمرأة تعالج مشاكلها الدينية والإجتماعية وتنهض بها ثقافياً وسياسياً، وتخلق فيها حالة من الوعي لما يجري حولها يحصنها من الانحراف والضلال، من ملاحظة تلك الأمور يمكن أن ندرك أهمية الوعي الذي امتازت به الشهيدة بنت الهدى والذي جعلها تقدم على خطوة جريئة ورائدة في مجال الكتابة الموجهة والهادفة لتثقيف المرأة المسلمة بما يضمن لها كرامتها ويحصنها من الانحراف والضياع.

    سلوكها داخل الأسرة

    من الأمور التي يجب أن تعرف عن بنت الهدى سلوكها داخل البيت والأسرة، لأنها كانت نمودجاً قل نظيره في ما سطرته من خلق رفيع خلال معايشة طويلة مع والدتها وأخيها وابنة عمها أم جعفر حفظها الله، وللحق كانت السيدة أم جعفر نمودجاً ضم الخصال الحميدة والخلق الرفيع في جانب، والتقوى والورع في جانب آخر، وكيف لا تكون كذلك وهى قرينة سيدنا الشهيد الصدر ــ رضوان الله عليه ــ وسليلة العلماء الأبرار.

    كان على الشهيدة بنت الهدى أن تقوم بعدة مهام في بيت أخيها، وهي:

    1 ــ المهام والوظائف التي تقوم بها تجاه السيد الشهيد الصدر، أو ما قد يكلفها به في مجالات متعددة، من تدريس أو إقامة ندوات، أو إشراف مباشر على مدارس دينية أو غير ذلك.

    2 ــ دورها في استقبال الضيوف من النساء، والاهتمام بتلبية حاجاتهن الفقهية والفكرية، والمساهمة في حل مشاكلهن العائلية والزوجية.

    3 ــ دورها في تربية بنات السيد الشهيد تربية لائقة وصحيحة.

    4 ــ دورها في خدمة والدتها المعظمة ــ رحمها الله ــ فقد كانت بحاجة إلى المزيد من العناية والاهتمام بسبب كبر العمر ولما تعاني من أمراض متعددة.

    5 ــ دورها في القيام ببعض شؤون البيت بالمساهمة مع أم جعفر حفظها الله.

    دور الشهيدة الثقافي والتبليغي

    كان للشهيدة ــ رحمها الله ــ عدة أدوار رئيسية على صعيد الجهاد الثقافي والتربوي والتبليغي، نستعرضها هنا باختصار..

    أولاً: مدارس الزهراء (عليها السلام)

    تعتبر السيدة الشهيدة بنت الهدى من المؤسسين أو المساهين في إنشاء مدارس الزهراء (ع) في بغداد والكاظمية والنجف ــ وكان ذلك في عام 1967م ــ ولم يكن الهدف منها سد حاجة المجتمع من المدارس الإبتدائية والثانوية فإن المدارس الحكومية كانت كافية لاستيعاب كل ما هو موجود من طالبات، وإنما كانت هناك ضرورات اقتضت إنشاء هذه المدارس، منها مواجهة الثقافات المادية التي تدعو إلى الفساد والانحراف والتردي الأخلاقي، ومنها السعي لنشر الثقافة الإسلامية الصحيحة والوعي الذي يجب أن ترقى إليه المرأة.

    إن مما لا شك فيه إن (المدارس) من أفضل الأساليب التي يمكن من خلالها تربية الأجيال وتثقيفهم، وهي الأسلوب الذي يناسب العصر ويلبي متطلباته.

    لقد استحصلت الموافقة على إنشاء هذه المدارس واعتمدت نفس المواد الدراسية في المدارس الحكومية، سواء في الابتدائية أو الثانوية، لكي لا يعيق ذلك الطالبات من مواصلة دراستهن بعد إنهاء الدراسة في مدارس الزهراء (ع)، وأضيف إلى ذلك عدة مواد منها دروس في العقيدة والتربية الإسلامية بشكل مكثف ورصين.

    ولقد امتدحت الأخت وجيهة الصيدلي وهي مديرة لمدارس الزهراء (ع) السيدة الشهيدة في مقال لها في (المنبر، العدد 24، ص 8) حيث لعبت دور المشرف والموجه لهذه المدارس حيث كانت تأتي ثلاثة أيام في الأسبوع فيما كانت الأيام الأخرى تقضيها في مراكز التعليم في النجف الأشرف... ولقد أثمرت جهود الشهيدة بنت الهدى فكان نتاجاً طيباً مباركاً رغم قلة الامكانات، ورغم المضايقات الأمنية والسياسية والإجتماعية حيث تقول السيدة وجيهة في نفس المقال: ومن المفرح أن أرى هنا في بريطانيا ــ وكذلك في الخليج ــ مجموعة من خريجات مدارس الزهراء، وأنا مسرورة لأنهن حققن أمل الشهيدة ــ كم كانت تتمنى أن ترى الزهور اليانعة في المدرسة أمهات رساليات وزوجات مجاهدات ــ جهاد المرأة حسن تبعلها، بل تأكد وتحقق ما عملت من أجله بل وضحت بنفسها الزكية. لقد أصبحت الزهور اليانعة موضع افتخار وشاهد عيان على تجربتها في مدارس الزهراء (عليها السلام) الأهلية...

    ثانياً: التدريس وإقامة الندوات

    كان للسيدة الشهيدة بنت الهدى ــ رحمها الله ــ منهج واسع في المجال التثقيفي، ويعتبر التدريس من أهم فقراته.

    والمشكلة التي كانت تعترض الطريق طبيعة الكتب الحوزوية التي لم تكتب للتدريس والمفتقرة إلى منهجية واضحة تعين الطالب على استيعابها وفهمها، إضافة إلى الطباعة السيئة والكتابة المتشابكة وهو ما يصطلح عليه بــ (الطباعة الحجرية).

    إلا أن الشهيدة بنت الهدى استطاعت أن تتغلب على تلك المشاكل بقربها من أخويها المرحوم السيد إسماعيل الصدر، وشهيدنا الخالد السيد الصدر ــ قدس الله سرهما ــ فاستطاعت أن تتجاوز كل تلك المشاكل بجدارة، وتمكنت من الإحاطة بالمواد العلمية الحوزوية ــ الفقهية والأصولية خاصة ــ مما مكنها من التدريس بكفائة عالية.

    وكان الهدف الحقيقي من إقامتها لحلقات التدريس في البيت ليس فقط تثقيف طالباتها وإنما إعدادهن لتحمل المسؤولية في المستقبل لممارسة نفس الدور، وخلق طاقات علمية نسائية قادرة على إيجاد حوزات علمية نسائية تتحمل دوراً كبيراً في نشر الثقافة الإسلامية من مصادرها النقية الصحيحة

    وإلى جانب التدريس نظمت الشهيدة ندوات ثقافية دينية عامة تطرح فيها الأفكار الإسلامية بأساليب تنسجم مع متطلبات العصر ومقتضياته، وقد نالت ندواتها نجاحاً منقطع النضير، وإقبالاً من مختلف الطبقات النسوية.

    كما كانت تأمل في إعادة النظر في الاحتفالات التي تقام في مناسبات الزواج بحيث تنسجم مع الأخلاق والآداب الإسلامية وتكون مناسبة جيدة لفهم حقيقة الزواج في الإسلام وأهدافه وما يجب أن يكون عليه الزوج وكذلك الزوجة من أخلاق عالية وانسجام كامل وعدم اهتمام بالأمور المادية بشكل يحافظ على طابع السرور والفرح الذي تتسم به تلك المناسبات،.

    ثالثا: الكتابة والتأليف

    تعتبر الشهيدة بنت الهدى الرائدة الأولى في الكتابة والتأليف واستعمال الأسلوب القصصي في إيصال الأفكار أو التوجيهات. وأقول إنها (رائدة) لأننا لم نعهد في النجف ــ بالرغم من أنها تضم الحوزة العلمية والمرجعية الدينية ــ كاتبة إسلامية سبقت الشهيدة بنت الهدى في هذا المجال.

    وهي مع ذلك كانت متواضعة بسيطة لم تستهدف الشهرة والظهور، وما يؤيد هذه الحقيقة إن الشهيدة السعيدة آمنة الصدر اختارت اسماً لها هو ما نعرفه بها (بنت الهدى) تجنباً للشهرة والرياء وحب الذات، ولم يكن هناك ضير في كتابة اسمها الحقيقي لا شرعاً ولا عرفاً. كما لم يكن ذلك بسبب الظروف الأمنية لأن (جهاز مراقبة المطبوعات) في العراق لا يتعرف إلا بالاسم الحقيقي لإصدار إجازة الطبع، والسبب فقط هو نكرانها لذاتها وعزوفها عن الشهرة. ولقد بدأت الشهيدة كما قلنا سابقاً الكتابة في مجلة الأضواء التي تصدرها جماعة العلماء، وكذلك في مجلة الإيمان التي أصدرها المرحوم الشيخ موسى اليعقوبي.

    وقد تميزت فيما كتبت، فنجد كتاباتها تحمل روحاً جديدة وفكراً واضحاً وسلاسة وعذوبة ومعالجات لمشاكل معاصرة، وابتعدت كل البعد عن مظاهر الاستعراضات الفارغة التي تستهدف إبراز الشخصية وحب الظهور.

    مؤلفات الشهيدة بنت الهدى:

    1 ــ الفيلة تنتصر.

    2 ــ الخالة الضائعة.

    3 ــ امراتان ورجل.

    4 ــ صراع.

    5 ــ لقاء في المستشفى.

    6 ــ مذكرات الحج.

    7 ــ ليتني كنت أعلم.

    8 ــ بطولات المرأة المسلمة.

    9 ــ كلمة ودعوة.

    10 ــ الباحثة عن الحقيقة.

    11 ــ المرأة مع النبي.

    ولها مؤلفات أخرى مخطوطة صادرتها السلطة الحاكمة في العراق عند مصادرتها لمحتويات بيت السيد الصدر ــ رضوان الله عليه ــ بعد استشهاده وقد يكون بعضها محفوظاً.

    رابعا: رحلاتها للحج

    وكان قلب الشهيدة بنت الهدى ــ رحمها الله ــ يهوي البيت الحرام والمشاهد المشرفة في تلك الديار المقدسة، كانت إذا حانت أيام الحج تأخذها حالة من الشوق عجيبة وفرحة غامرة تملأ جوانحها فتراها مشدودة بصدق إلى الله عز وجل وكأنها تريد أن تستذكر بسرعة أيام الإسلام الأولى في مهده الطاهر وتعيش مع المسلمات في عصر الرسالة أعباء حمل الرسالة، وتستمد العزم والتصميم منهن.

    فكانت الشهيدة تذهب إلى الحج كمرشدة دينية في إحدى "الحملات" التي تذهب إلى الحج من بغداد أو الكاظمية، تعلم النساء مسائل الحج وأحكامه فكانت من الناحية الفقهية محيطة بفتاوى العديد من المراجع، وكانت تجيب كل حاجّة على وفق من تقلد من المجتهدين، وقد يحدث أن تقع مسائل نادرة وغير موجودة في الرسائل العملية للفقهاء وفي هذا الفرض كانت تتصل هاتفياً بالسيد الشهيد الصدر ــ رحمه الله ــ لتتلقى منه الحكم الشرعي. وإلى جانب ذلك كانت تسعى إلى التعرف على أوضاع المسلمين في مختلف أنحاء العالم، وتنشر الثقافة الإسلامية الصحيحة بما يناسب الأوضاع حينها.

    خامساً: دور الرابط بين المرجع والمراجعات

    كان للسيدة الشهيدة دور كبير في الربط بين سيدنا الشهيد وبين القطاعات النسائية، فكانت تنقل بأمانة ما يعرض للنساء من مسائل فقهية قد يترددن بسبب الحياء من توجيهها إلى السيد الصدر مباشرة، تعينها في ذلك بعض الأحيان السيدة الطاهرة أم جعفر ــ حفظها الله ــ بحسب المناسبة وطبيعة الموضوع.

    ولم يكن هذا فقط، فقد كانت مهتمة بكل القضايا التي تشغل الساحة ومنها القضايا السياسية والثقافية، وأخصها بالذات خطوات الحزب الحاكم وحكومة البعث للسيطرة على المجتمع النسوي من خلال أطروحات وقنوات أعدتها كاتحاد النساء والطلائع والفتوة والجمعيات النسائية وأمثالها، وكان أهم تلك القضايا هو مسألة الانتماء لحزب البعث كشرط فرضته السلطة للقبول في المؤسسات والجامعات أو التوظيف الحكومي.

    إن هذه المشكلة كانت من الهموم الثابتة في قاموس الشهيدة بنت الهدى فهي تعرف معنى انتماء المرأة لحزب البعث وما يتبعه من التزامات ومظاهر تسخط الله تعالى، وتعرف كذلك ما تعنيه استقالة الموظفة المسلمة المؤمنة التي ترفض الانتماء لحزب البعث، وما يسببه لها من مشاكل مادية ومحاسبة أمنية، إذ إن عدم الانتماء يعتبر جريمة كبيرة، فلا حياد، فإما معي وإما ضدي، وهذه هي لغة السلطة الحاكمة في العراق وأسلوبها.

    وكان للسيدة عدد من المؤمنات ممن كن قد انتمين إلى حزب البعث انتماء صورياً في زمن لم يكن يعرفن إن الانتماء حرام، فكن ينقلن للشهيدة تفاصيل ما يجري في الحزب من مخططات ومؤامرات يحوكها ضد المرأة العراقية والمتدينات منهن على الخصوص، وكانت الشهيدة تنقل ذلك للسيد الشهيد بدقة.

    وبهذا الصدد تقول السيدة وجيهة في نفس مقالها السابق عن أمثال هذا النشاط ما يلي:

    "يخطئ من يقول أو يظن أن الشهيدة اقتصر عملها على التوجه التربوي والاجتماعي بل كانت تعمل في المجال السياسي بشكل واع ودقيق لظروفها والمرحلة التي تعيشها، حيث كانت تتحرك ضمن رؤية واضحة المعالم؛ فكانت تقوم بشرح الموقف السياسي المطلوب آنذاك لجميع من يعمل معها وتعبئة النساء على مقاومة النظام ومخططاته وأساليبه التي تدعو وتضغط على النساء عموماً بالانخراط لحزب البعث، وبالتالي التخلي عن القيم والمفاهيم الإسلامية. وساهمت في تربية المرأة على الورع عن محارم الله تعالى، وفي تكوين الروح الجهادية ضد أعداء الإسلام..."

    وكانت السيدة الشهيدة تستمد رؤيتها السياسية النهائية من السيد الصدر نفسه، وكانت في أحيان كثيرة تناقش المواضيع والأحداث معه بصراحة ووضوح، وكان ــ رحمه الله ــ يستمع إليها بدقة ويحترم وجهات نظرها.

    شريكة المسيرة والمصير

    إذا كان لأحد أن يعتز بمشاركته لسيدنا الشهيد الصدر ــ رضوان الله عليه ــ في مسيرته الجهادية فلا يعدو ذلك الشهيدة بنت الهدى رحمها الله. لقد كتب لها ذلك، وكانت أهلاً له......

    شاركته اليتم والفقر والحرمان في مراحل الطفولة الأولى، وشاركته ما كابد من هموم ومشاكل ليس بمقدور كل أحد استيعابها، وشاركته الصراع المرير مع سلطة جبارة عاتية كفرت بكل القيم والموازين فوقفت معه في صف المواجهة الأول في انتفاضة رجب عام 1979م، وشاركته شرف الاستشهاد في غرف الأمن العامة في بغداد، وشاركته قبره الشريف في النجف الأشرف.

    إذ لها كل الحق ــ للأمانة التاريخية ــ أن تعتبر شريكة السيد الشهيد الصدر رضوان الله عليه.

    بدأت مسيرة المواجهة الجهادية للسيدة الشهيدة منذ الاعتقال الأول للسيد ــ رضوان الله عليه ــ عام 1971م (1392) هــ.

    ثم جاءت انتفاضة صفر عام 1977م (1397)هــ فتعرض السيد الشهيد للاعتقال، وكانت تلك الأيام من الأيام العصيبة في تاريخ النجف حيث عم الخوف والرعب كل مكان، وكانت حشود السلطة في كل مكان تعتقل كل من يقع في قبضتها. أما بنت الهدى فكانت البطلة التي وقفت دون خوف في رباطة جأش وشجاعة غريبة حتى عاد السيد الشهيد ــ رضوان الله عليه ــ من بغداد.

    عندما خرج السيد مع مدير أمن النجف خرجت معه وسبقتهما إلى حيث تقف السيارة وخطبت في الجموع منددة بجلاوزة النظام وما يفعلونه صارخة ومرحبة بالموت إذا كان في سبيل الله.

    وفي صباح يوم السابع عشر من رجب 1399هــ (1979)م، تم الاعتقال للشهيد فقامت الشهيدة بنت الهدى بالذهاب إلى حرم الإمام أمير المؤمنين بالنجف الأشرف ونادت بأعلى صوتها:

    "الظليمة الظليمة يا جداه يا أمير المؤمنين لقد اعتقلوا ولدك الصدر.. يا جداه يا أمير المؤمنين، إني أشكوا إلى الله وإليك ما يجري علينا من ظلم واضطهاد"

    ثم خاطبت الحاضرين فقالت:

    "أيها الشرفاء المؤمنون، هل تسكتون وقد اعتقل مرجعكم، هل تسكتون وإمامكم يسجن ويعذب؟ ماذا ستقولون إذاً لجدي أمير المؤمنين إن سألكم عن سكوتكم وتخاذلكم ؟ اخرجوا وتظاهروا واحتجوا.."

    يا له من خطاب يدل على شجاعتها وقوتها وعدم خوفها من النظام الحاكم وأتباعه.

    وبعد لحظات نظمت تظاهرة انطلقت من حرم الإمام علي (ع) ساهمت فيها المرأة مع الرجل، وأدت إلى إجبار السلطة على الافراج عن السيد الشهيد الصدر.

    وكان من أثر هذه التظاهرة أن أفرج عن السيد بعد ساعات قليلة من اعتقاله.

    شهادتها ودفنها

    الاجرام والوحشية.. القسوة والارهاب.. صفات وخصائص النظام العفلقي الحاكم في العراق، لم يتورع النظام من استعمال كل وسائل الارهاب في معالجة مشاكله مع الشعب العراقي أو مع الدول المجاورة للعراق.

    هل يمكن لحاكم يعيش في بلد الحضارات وفي القرن العشرين أن ينهج نهجاً قمعياً لفرض سيطرته على الشعب ؟

    نعم هذا ما فعله صدام مع جيرانه من البلدان حينما قصف المدن الإيرانية بالصواريخ وقتل المدنيين فيها، وكذلك عندما قصف حلبجة بالغازات السامة "وحلبجة مدينة عراقية لا اسرائيلية". ثم هجومه على الكويت آخر ضحية لهذا الطاغية، فما جرى لشعبها من قتل وتعذيب وانتهاكات للقيم والأخلاق وحتى لأبسط المبادئ الإنسانية لا يمكن أن يصدق لولا الوثائق الدامغة التي لا تقبل الشك.

    وبقيت مأساة العراق في جانبها الأعظم غير موثقة، وهي مأساة لا نظير لها في تاريخ البشرية.

    لقد قام المجرم التكريتي بقتل السيد الصدر وأخته بنت الهدى ــ رضوان الله عليهما ــ بنفسه؛ فهو الذي أطلق النار عللقد كانت حليمة عاقلة تقابل الإساءة يهما بعد أن شارك في تعذيبهما.

    يتحدث صاحب كتاب الشهيدة بنت الهدى كيف روت له ثلاثة مصادر كيفية حدوث المأساة كما يرويها أحد قوات الأمن ممن كان حاضراً في غرفة الاعدام، قال:

    "احضروا السيد الصدر إلى مديرية الأمن العامة فقاموا بتقييده بالحديد، ثم جاء المجرم صدام التكريتي، فقال باللهجة العامية: (ولك محمد باقر تريد تسوي حكومة)، ثم أخذ يهشم رأسه ووجهه بسوط بلاستيكي صلب.

    فقال له السيد الصدر: (أنا تارك الحكومات لكم). وحدث جدال بينهما عن هذا الموضوع وعن علاقته بالثورة الإسلامية في إيران، مما أثار المجرم صدام فأمر جلاوزته بتعذيب السيد الصدر تعذيباً قاسياً. ثم أمر بجلب الشهيدة بنت الهدى ــ ويبدو أنها كانت قد عذبت في غرفة أخرى ــ جاءوا بها فاقدة الوعي يجرونها جراً، فلما رأها السيد استشاط غضباً ورقّ لحالها ووضعها. فقال لصدام: إذا كنت رجلاً ففك قيودي. فأخذ المجرم سوطاً وأخذ يضرب العلوية الشهيدة وهي لا تشعر بشيء. ثم أمر بقطع ثدييها مما جعل السيد في حالة من الغضب، فقال للمجرم صدام (لو كنت رجلاً فجابهني وجهاً لوجه ودع أختي، ولكنك جبان وأنت بين حمايتك)، فغضب المجرم وأخرج مسدسه فأطلق النار عليه ثم على أخته الشهيدة وخرج كالمجنون يسب ويشتم".

    وفي مساء يوم التاسع من نيسان عام 1980 م وفي حدود الساعة التاسعة أو العاشرة مساءً، قطعت السلطة التيار الكهربائي عن مدينة النجف الأشرف. وفي ظلام الليل الدامس تسللت مجموعة من قوات الأمن إلى دار المرحوم الحجة السيد محمد صادق الصدر ــ رحمه الله ــ فطلبوا منه الحضور إلى بناية محافظة النجف، وهناك سلّموه جنازة السيد الشهيد وأخته الطاهرة بنت الهدى، وحذروه من الإخبار عن شهادة بنت الهدى، ثم أخذوه إلى مقبرة وادي السلام ووارهما الثرى.

    ذهبت شهيدتنا الغالية إلى ربّها راضية مرضية لتحيا عند أمها الزهراء، وتشكو لها عذاب تسعة أشهر ما أقساها، وسياط المجرمين وتعذيبهم وما أشدها، وتقطيع جسد طاهر نذرته لرسالة جدها (ع)، لتشكو لها خذلان الخاذلين، وسكوت الساكتين، وشماتة الشامتين، وتفرج المتفرجين.

    ذهبت بنت الهدى وبقي دمها في أعناق الجميع أمانة ما أثقلها في ميزان حساب الأمم عند الله تعالى وعند التاريخ.

    سلام على بنت الهدى يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حية.

    والحمد لله رب العالمين

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
 
شبكة المحسن عليه السلام لخدمات التصميم   شبكة حنة الحسين عليه السلام للانتاج الفني