مقاه ومطاعم خاصة لشيوخ «الحواسم» يتغنى فيها مطربون بـ«أمجاد» صدام

أسعار العقارات والخدمات ارتفعت على حساب ميزانية الموظف الأردني

عمان: معد فياض
بعد العمليات الارهابية الاخيرة التي طالت ثلاثة فنادق في الجانب الغربي من العاصمة الأردنية عمان، وبعد ان تردد ان الارهابيين منفذي هذه العمليات هم عراقيون، يَخشى معظم العراقيين الذين لا يتمتعون بإقامات رسمية في البلد لحملات تسفير الى العراق او خارج الأردن من غير ان تصدر حتى اليوم أية اشارات او ممارسات فعلية من قبل السلطات الأردنية لملاحقة العراقيين او تسفيرهم، بل ان الاجراءات الامنية التي اتخذت بعد الحوادث الارهابية لم تصل الى حد وضع نقاط تفتيش داخل العاصمة تسأل الناس عن هوياتهم بالرغم من انتشار سيارات متابعة الوافدين التابعة لوزارة الداخلية.
في عمان، حيث تنتشر السيارات الفارهة التي تحمل لوحات ارقام عراقية، تسمع تعليقات من اهل البلد، مثل «الشارع الأردني صار يتكلم عراقي» و«عدد العراقيين سيفوق عدد الأردنيين». واذا كان التعليق الاول يصيب زبد الحقيقة حيث ان بعض العاملين في المطاعم والفنادق الأردنية الراقية تعلموا الحديث باللهجة العراقية كنوع من المجاملة، فان الثاني أبعد ما يكون عن الواقع، اذ لم يتجاوز عدد العراقيين المقيمين رسميا وغير المقيمين ما بين 650 الفا الى 700 الف رغم ان هناك من يؤكد ان عددهم قد يبلغ مليونا. ويؤكد مسؤول أمني أردني انه لا توجد إحصائية رسمية للعدد الحقيقي للعراقيين ويجب العودة الى سجلات وزارة الداخلية للتأكد من ذلك.

وقبل الحديث عن تفاصيل حياة العراقيين في الأردن علينا ان نعرف من هم هؤلاء العراقيون وما هي انتماءاتهم وسبب وجودهم هنا.

ثمة مقاه ومطاعم في المناطق الراقية من عمان تزدحم أمامها سيارات فارهة وحديثة تحمل لوحات أرقام عراقية سوداء مكتوب عليها «العراق ـ فحص مؤقت». هذه السيارات تم تسجيلها في ملفات دوائر المرور العراقية بعد سقوط نظام صدام حسين، والعراقيون سواء في الداخل او الخارج يسمونها سيارات «الحواسم». و«الحواسم» مفردة تسخر من التسمية التي اطلقها صدام حسين على المعركة الاخيرة ضد القوات الاميركية، لكن هذه المعركة التي كان يجب ان تحدث بين القوات العراقية والاميركية لم تحدث اصلا، وحمل لقب «الحواسم» اللصوص الذين هاجموا مؤسسات الدولة والمتاحف والبنوك العراقية وسرقوها وسرقوا سياراتها وصادروا ممتلكاتها.

وليس من الصعب التعرف على «الحواسم» بل حتى الأردنيون يتعرفون عليهم بسهولة، فهم من حديثي النعمة الذين يقودون سيارات فارهة ويبذخون الأموال بدم بارد. وغالبية من هؤلاء (الحواسم) اطلقوا على انفسهم لقب «شيخ»، وهنا من السهولة ان يتحول اي عراقي الى شيخ من غير مساءلة او محاسبة، ويجمع أي من «الحواسم» الذي يرتدي الدشداشة العربية والعباءة والكوفية والعقال حوله بعض الاشخاص الذين يرافقونه في المطاعم والنوادي الليلية وينعمون بالطعام والشراب الذي يبذخ على الموائد وكذلك ببعض المنح النقدية مقابل ان ينادوا صاحب هذه المنح بلقب «شيخ». وهكذا نجد ان عدد شيوخ العشائر العراقية في عمان صار يفوق العدد الحقيقي للعشائر العراقية نفسها.

وشجع على تكريس ظاهرة «المشيخة» بعض السياسيين العراقيين الطامحين في مناصب او مقاعد في البرلمان العراقي المقبل، والذين بذخوا هنا في الأردن، وما زال البعض منهم، الأموال على هؤلاء الشيوخ المزيفين طمعا في ضمان اصوات عشائرهم المفترضة. وبذخ احد السياسيين العراقيين عشرات الألوف من الدولارات على شيوخ آخر زمن مستقبلا اياهم في اجنحة فندقية راقية.

هؤلاء يمضون جل اوقاتهم في بعض المطاعم او المقاهي او النوادي الليلية حيث يجلسون محاطين بمرافقيهم وحراسهم الشخصيين، وحيث تصدح في هذه الاماكن اصوات ما يسمون انفسهم بالمطربين العراقيين الشباب، واغانيهم هي اقرب للصراخ والعويل منها الى فن الغناء، يرافقهم عازف اورغ (كي بورد). هؤلاء يغنون، أو بالأحرى يصرخون، ممجدين الرئيس العراقي المخلوع، مثل «هلا يا صقر البيدا» و«صدام حسين يلوك النه (يليق بنا)»، وفي مواويلهم يصفون «العوجة» مسقط رأس صدام، والفلوجة والرمادي باعتبارها قلاع المقاومة والوطنية. وما ان يبدأ هؤلاء المطربون بالغناء ذاكرين صدام حسين حتى تنهال عليهم المئات من الدنانير الأردنية من قبل شيوخ «الحواسم».

العوائل العراقية الراقية، وحتى العراقيون الذين لا يريدون تدنيس انفسهم بلقب «الحواسم» يبتعدون عن هذه المطاعم والمقاهي لسوء الممارسات التي تصدر من قبل هؤلاء. وغالبا ما تنتهي لياليهم بمعركة بسبب فتاة أو محاولة «شيخ» مزيف تظاهر بأنه أغنى وأهم من آخر مثيل له. وتطورت الامور الى ان يحجز كل «شيخ» مقهاه او مطعمه الذي يمضي فيه لياليه حتى الفجر مع مرافقيه من كلا الجنسين. ويكون عادة لهذا الشيخ او ذاك مطربوه وراقصاته المفضلون الذين لا يغنون لبقية الشيوخ مقابل ما يبذخه «شيوخ الحواسم» من دنانير اردنية.

احد هؤلاء المطربين الشباب يقيم في شقة راقية في عمان الغربية ويقود سيارة فارهة، هي هدية من أحد شيوخ «الحواسم»، قال «ما ذنبي انا، هم يدفعون المئات من الدنانير الأردنية مقابل اغنية او موال عن صدام حسين، فلماذا لا افعلها واغتني قبل فوات الأوان؟».

تقول لي زميلة صحافية اردنية «نحن نحب العراقيين، فمنهم المثقفون والاساتذة والفنانون وأبناء عوائل راقية نقلوا الينا تقاليد ثقافية راقية، ونعرفهم جيدا وهم أصدقاء لنا يدخلون بيوتنا ونتفاعل مع مشاكلهم كما انهم يشعرون بمشاكلنا لكننا فوجئنا بنوع جديد من العراقيين الذين فوجئنا بممارساتهم البعيدة عن الأخلاق والذوق التي اشتهر به أبناء العراق.. كيف وصل هؤلاء الى السطح وحصلوا على كل هذه الاموال التي يعتقدون انهم يستطيعون شراء كل شيء بواسطتها؟».

«الحواسم» رفعوا أسعار كل شيء في الأردن، وخاصة في عمان، وأهمها العقارات التي ارتفعت اسعارها الى اكثر من 45%، فهم لا يساومون سماسرة العقارات او أصحابها، فإذا كان صاحب العقار الذي يقدر سعره العادي بـ50 الف دينار اردني، فإنهم يدفعون له ضعف هذا المبلغ نقدا (اذ يحمل هؤلاء نقودهم بالجوال وهذه طريقة ما عرفها الأردنيون) من اجل الحصول على شقة او بيت. ومع ارتفاع أسعار العقارات ارتفعت اسعار الخدمات. وتقول الصحافية الأردنية «نحن كشعب او كموظفين أثرت فينا ممارسات العراقيين الجدد، إذ إني لا افكر حاليا في شراء شقة ببلدي بعد ارتفاع الاسعار، بل ان مالك الشقة التي نقيم فيها طالبنا بزيادة الايجار لان هناك من العراقيين من يدفع ثلاثة اضعاف ما ادفعه انا، وهذا يضر بي كمواطنة ويدفعني لأن اقف ضد وجود ما تسمونه انتم بالحواسم».

وتضيف زميلتنا ذاكرة حادثة بسيطة حدثت لها، قائلة «تصور أن بواب العمارة تعوَّد على غسل سيارتي بين يوم وآخر مقابل أجر زهيد أَمْنَحُهُ له شهريا، لكن منذ ان اشترى عراقي ثلاث شقق في عمارتنا؛ شقة له واثنتان لشقيقه وشقيقته، صار (البواب) يرفض غسل سيارتي او القيام بخدمات التسوق او غيرها لنا. وعندما سألته عن سبب هذا التمرد أخبرني بصراحة بأن العراقي يدفع له يوميا عشرة دنانير او أكثر مقابل ما يقدمه له من خدمات، بينما ادفع له انا دينارا واحدا او نصف دينار يوميا. وعندما راجعت نفسي اعتذرت للبواب الذي يحصل على ما مجموعه 400 دينار شهريا، وهذا الرقم يفوق راتبي الشهري».


http://www.asharqalawsat.com/details...article=334233