تزوجت زواجاً متوافقاً من جميع المقاييس ، كان زواجاً ناجحاً في السنوات الأولى ، وبعد فترة من الحياة الزوجية شعر كلاهما بالرتابة والملل ، وهو مشغول في عمله صباحاً وغارف في عمله الخاص مساء ، وهي موظفة صباحاً ثم تعود لتستلم مهام جديدة ، فهي أمّ وسائق في آن واحد ، تتسوق وتجلب الحاجات المنزلية ، وتصحب اطفالها في زيارات متكررة للطبيب ، إلى جانب ذلك فهي المسؤولة عن شراء حاجات الزوج لكثرة مشاغله.
كانت سعيدة ، فقد أعطاها الثقة في إدارة المنزل وشؤونه ، وأعطاها صلاحيات مطلقة ، ولم يمانع كثرة خروجها ودخولها ، وهي رضيت بحمل هذه المسؤوليات الكثيرة ، حتى جاء اليوم الذي احست فيه بإرهاق شديد اقعدها أياماً في السرير تشكو صداعاً ، وارتفاعاً في ضربات القلب ، وشحوباً في الوجه ، نهضت من السرير ذات صباح متثاقلة ، ووقفت أمام المرآة فرأت وجها قد غزته التجاعيد وبدا عليه اثر الإنهاك والذبول ، أين ذلك الوجه النضر بشهادة صديقاتها وزوجها ، لقد كانت فتاة جميلة لها ملامح مليحه ، فأين تلك النضارة والحيوية ، أخذت تقلّب ملابسها ، فلاحظت أن ذوقها تغيّر فما عادت تلك المرأة الأنيقة في هندامها ، ولم تعد تهتم بإختيار الوان ملابسها ، واصبحت ترتدي اي ثياب ، المهم عندها هو ان تلبي حاجات زوجها ومسؤوليات أبنائها ، واهملت شكلها وراحتها ظلت تلك الليلة في أرق وتفكير دائمين ، وأهمها شعور أنها لم تعد تلك المرأة المليئة بالحيوية والنضارة والمرح ، وانها كبرت عشرين عاماً وهي لم تزل في الثلاثينات من عمرها.
رددت في نفسها : يا إلهي أشعر أنني أقوم بكل شيء ، نعم كل شيء في هذا البيت ، ليس عيباً أن أقوم بدوري زوجة واماً ، ولكنه أين دوره هو ؟ حقاً ثم أطلب منه ان يساعدني ، ولم اتذكر يوماً أنني تذمرت أمامه أو أشعرته بالتقصير ، أو طلبت مساعدته ، إصراري وحماسي في انجاز المهام المنزلية ومتطلبات الأولاد جعله يلقى بكل شيء ويبتعد ويطرح المسؤولية التي رحبت بها سعيدة ، أصبح يتململ عندما أطلب منه أن يذهب بأحد الأبناء إلى المدرسة أو المكتبة أو الطبيب ويقول : ما الذي حصل دائما أنت تقومين بهذا ما الجديد ؟
كنت أسكت على مضض حتى بدأ القلب يتعب ، والجسم يكل ، وبدا ذلك على جسدي الناحل ، ووجهي الشاحب وفقدت أمور كثيرة ، فقدت ذاتي وفقدت لغة التحاور مع زوجي ، فما أقل اللحظات التي نجلس معاً لنتكلم وأن تحدثنا فأول قضية هي الأولاد ومشكلاتهم ثم ينقلب كل طرف ، بكل برود ملقياً بجسده المتعب المتهالك على الفراش منتظر يوماً لا يختلف عن الأيام السابقة ما أقسى أن يبتعد الإنسان من أقرب الناس إليه ولكنه لا يستطيع ان يصل إليه.
منقول