خفايا وأسرار في وثائق الخارجية البريطانية لعام 1975
[align=center] بريطانيا تقدم اقتراحات لعلاج صدام من آلام في ظهره [/align]

[align=center][/align]

نعرض في هذه الحلقة مجموعة من الوثائق الجديدة للخارجية البريطانية التي أفرج عنها، مؤخراً، إعمالاً للقانون الخاص الذي يسمح برفع السريّة عن الوثائق التي طال حجبها ثلاثة عقود.


وتتحدث هذه الوثائق عن الوضع في العراق في ظل نظام البعث بقيادة الرئيس أحمد حسن البكر وتتضمن شرحاً مفصلاً لايديولوجية وسياسات حزب البعث الحاكم ودور نائب رئيس مجلس قيادة الثورة في العراق صدام حسين.


تتناول أولى الوثائق التي نعرض لها هنا الوضع الصحي الذي يعاني منه صدام حسين وحرص الخارجية البريطانية على إطلاع سفارتها في بغداد على الرأي الطبي فيما يتعلق بسبب علاج الآلام التي يعاني منها صدام في ظهره وفرص نجاحها.


ويعكس هذا الاهتمام البريطاني مدى الأهمية التي كان يوليها البريطانيون لهذا الرجل في ظل الحالة الصحية المتدهورة للرئيس العراقي وقوة نفوذ صدام في أوساط مجلس قيادة الثورة وحزب البعث.. وفيما يلي نص الوثيقة:


[align=center]

«سرّي»


من: مكتب وزارة الخارجية والكومنولث


لندن


إلى: جيه. أيه. جراهام


بغداد


التاريخ: 10 يناير 1975


عزيزي جوني،


الموضوع: صدام حسين



[align=center][/align]

ـ في رسالتكم المؤرخة في 23 ديسمبر 1974 والمرسلة إلى مايكل وير نقلتم آراء السفير الفنلندي حول العلاج الذي ينبغي أن يخضع له صدام لإزالة آلام في ظهره.


وكنا مهتمين بتصريحه بأن إجراء عملية جراحية سيؤدي إلى ترك صدام مقعداً مدى الحياة بنسبة 95% وطلبنا من المستشارين الطبيين للخزانة أن يقدموا رأيهم في ذلك.


ـ وقد أبلغت أنه، إذا كان صدام يعاني من قرص مكسور يضغط على العصب الوركي، فهناك عملية تدعى استئصال الصفيحة الفقرية، وهي تجرى بانتظام ونجاح في مستشفيات عديدة بالمملكة المتحدة.


وهناك فرصة جيدة جداً من خلالها بالشفاء التام. وإذا فشلت هذه العملية، فإن الأطباء ينصحون عادة بإجراء عملية أخرى هي الاندماج الفقري. وإذا فشلت الأخيرة أيضا، فإن ذلك يعني عادة بأن هناك تشخيصا خاطئا في المقام الأول.


ـ هذه كلها أمور مشجعة، وبينما لا أقترح بأي شكل ان نقدم النصيحة لصدام حول توفر هذا العلاج في المملكة المتحدة، فإنكم قد تجدون المعلومات مفيدة في حال تلقيكم اتصالا من العراقيين بهذا الخصوص.


المخلص


تي.جي.كلارك


دائرة الشرق الأوسط [/align]


الوثيقة المهمة التالية التي نعرضها عبارة عن رسالة من السفارة البريطانية في بغداد إلى دائرة الشرق الأوسط بوزارة الخارجية والكومنولث في لندن.


وهي تتحدث عن احتفالات الذكرى السنوية لتأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي والخطاب الذي ألقاه الرئيس العراقي أحمد حسن البكر حول إخماد العصيان في كردستان العراق واعتباره تعزيزاً لموقف حزب البعث على الصعيد الداخلي ولسياسة صدام حسين.


وتتضمن الرسالة بعض الانجازات التي حققتها الحكومة العراقية خلال العام المنصرم وبعض المشاريع التطويرية التي بدأ العمل بها مع الاحتفالات بالذكرى السنوية الثامنة والعشرين لتأسيس الحزب. وهنا نص الوثيقة:


[align=center]

«سرّي»


من: السفارة البريطانية في بغداد


إلى: آي.ماكلوني


دائرة الشرق الأوسط


مكتب وزارة الخارجية والكومنولث


لندن


التاريخ: 12 أبريل 1975


عزيزي إيان،


الموضوع: الاحتفالات بالذكرى السنوية لتأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي


ـ رفعنا لكم تقريراً بالاحتفالات التي نظمت بمناسبة الذكرى السنوية الثامنة والعشرين لتأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي في 7 ابريل 1974 في برقيتنا رقم 179.


؟ كان خطاب الرئيس البكر عشية السادس من ابريل في الأساس أنشودة مديح وإشادة بالجيش والحزب، ولكن في الوقت نفسه كان خطاباً صريحاً للغاية.


فقد تم الاعتراف بخطورة التمرد الذي حدث في كردستان، فقد عانت «من الاضطراب وعدم الاستقرار وتكرر الأعمال العدائية»، إلى جانب الحظر الذي كان ماثلاً بحدوث مواجهة بين العراق وإيران، «فالأمور تدهورت وبلغت حداً خطيراً هدد تقريباً بإشعال حرب بين الدولتين».


ـ وجدت أن الخطاب مثيراً للاهتمام، وذلك عائد في الأساس إلى الرواية الرسمية التي تضمنها للأحداث في كردستان بدءاً من يوليو 1968.


لقد ارتكب الفصيل الكردي، وهو «سلطة قمعية واستبدادية»، خطأ الاعتقاد بأن النظام الحالي غير قادر على مواجهته. «معتمداً في هذا الحكم على التجارب مع أنظمة سابقة»، بمعنى أن نظام البعث يعتقد أنه يختلف نوعياً عن الأنظمة السابقة له. وحتى اندلاع القتال في ابريل 1974، كانت المشكلة مع الأكراد مشكلة «آراء مختلفة»..


ولكن بعد أن بدأت الأعمال العدائية، أصبح من الواضح أن الأكراد ينفذون «مشروعاً إمبريالياً و،اسع النطاق»، وبالتالي ما كان من الضروري تصفيته «بأي ثمن»، ولكن العامل الحاسم في هذه الجولة من القتال كان إيمان الجيش بالقضية التي يقاتل من أجلها، لأن ثورة 17 يوليو (1968) نشأت «من الأعماق الداخلية للشعب».


النقطة الأخرى المثيرة للاهتمام هي الإشارات الدينية المتكررة في خطاب البكر. فهو لم يكتف بافتتاح خطابه بالبسملة، وإنما هناك فقرة كاملة يشكر الله فيها على تحقيق النصر على الأكراد. وهذه الإشارة الدينية تتناقض مع خطب صدام حسين، التي لم ألحظ فيها ولو حتى البسملة.


بمناسبة الاحتفالات والنصر على الأكراد، أعطيت عطلة مدتها يومان. وقد تم تزيين جميع الدوارات في بغداد تقريباً بالأعلام وسعف النخيل والسماعات التي صدحت بالموسيقى على مدار يومين (وبدا أن الموسيقى قد جرى تنظيمها من داخل خيم صغيرة نصبت على الدوارات).


واحتفالاً بالمناسبة، تم تخفيف الأحكام بالسجن بنسبة 15 في المئة وأطلق سراح أولئك الأشخاص الذين قضوا عشرة أعوام أو أكثر من فترة حكمهم (ولكن التخفيض لم يطبق على الجرائم المالية).


وكان هناك تجمع حاشد في 7 أبريل تكلم فيه كل من شبلي العيسمي (مساعد الأمين العام للقيادة القطرية لحزب البعث الاشتراكي) وعزيز عقراوي (زعيم الحزب الديمقراطي الكردي ولكنه في هذه المناسبة كان يمثل الجبهة القومية الوطنية التقدمية).


خلال عطلة اليومين، تم تدشين أو افتتاح عدد كبير من المشاريع: فقد تم وضع حجر الأساس لمقر جديد لجريدة الثورة، ولمبنى سكن الطلاب في جامعة بغداد ولمصنع للصناعات الإلكترونية ولـ 22 مدرسة، و8 مبان للشرطة في بغداد، ولخمس مدارس ثانوية وأربع مدارس إعدادية في البصرة .


ولمحطة كهرباء الناصرية التي يتم بناؤها من قبل السوفييت بتكلفة مقدارها 88 مليون دينار عراقي وستكون طاقتها الإنتاجية 840 ألف كيلو واط. وفي 8 أبريل، تم افتتاح محطة بث جديدة لحزب البعث في بابل لنشر أفكار الحزب على المواطنين في جميع أنحاء الوطن العربي. وقد تكونون مهتمين بالحصول على التفاصيل الفنية كما نشرت (وقد يهمكم تمريرها إلى جهات أخرى في لندن معنية بهذا الأمر):


تتألف المحطة من عدد غير محدد من أجهزة البث على الموجة المتوسطة وكل واحد منها بقدرة ألف كيلو واط، وهناك 4هوائيات ارتفاع كل واحد منها 150 متراً تسلط بثها إلى شمال إفريقيا، ويقال ان البث في النهار سيغطي العراق، الأردن وفلسطين.


وخلال الليل سيصل إلى الجزائر؛ وفي العام المقبل، سيبدأ جهازان للبث على الموجة القصيرة قدرة كل واحد منهما 500 كيلوواط مع 7 هوائيات ببث برامجهما ليبلغ مداهما جميع أنحاء العالم.


أرى ان احتفالات 7 أبريل للعام الحالي كانت أكبر بكثير من احتفالات 7 أبريل الماضي أو احتفالات العيد الوطني في 17 يوليو التي جرت في العام الماضي، ويبدو أن هناك شعوراً حقيقياً بالنجاح والثقة


ومما لا شك فيه، إذا تم حل المشكلة الكردية بالفعل، فإن ذلك يعتبر إثباتاً حقيقياً على صحة سياسة حزب البعث وبخاصة سياسة صدام حسين، وسيغذي هذا النجاح ثقة متعاظمة في الحزب.


المخلص


كيه. دي. تيمبل


نسخة: السفارة في طهران


نسخة: السفارة في الجزائر


مذكرة تفصيلية [/align]


الوثيقة التالية التي نرى ضرورة عرضها بمثابة رسالة موجهة من السفارة البريطانية في بغداد إلى دائرة الشرق الأوسط في الخارجية البريطانية في لندن وتتضمن ملخصاً لمذكرة مرفقة بالرسالة حول حزب البعث العربي الاشتراكي العراقي من حيث نشأته واختلافه عن حزب البعث السوري الذي يرى معد الرسالة أنه يتلخص في الأساس في حقيقة أن الحزب في العراق يتألف بصورة أساسية من مدنيين يمارسون السيطرة على القوات المسلحة بينما الأمر معاكس تماماً بالنسبة لسوريا.


وتتحدث الرسالة عن المنهج الذي اتبع في إعدادها من حيث التركيز على الأيديولوجية والسياسات التي كان الحزب ينتهجها في تلك الفترة. وفيما يلي نص هذه الوثيقة:


[align=center]«سرّي»


من: السفارة البريطانية في بغداد


إلى: إيغور تي. إم لوكاس


دائرة الشرق الأوسط


مكتب وزارة الخارجية والكومنولث


التاريخ: 28 يونيو 1975


عزيزي إيغور


الموضوع: حزب البعث العراقي


ـ بعد أن وعدت في الرسالة التي حوت انطباعاتي الأولى ان أتبعها برسالة أخرى حول البعث في العراق، فقد كنت أهم بدراسة مسودة هذه الرسالة عندما سبقني ديفيد روبرتس بمذكرته المثيرة للإعجاب حول حزب البعث السوري، المرفقة برسالته رقم 1 ـ 2 بتاريخ الأول من أبريل، في يوم ميمون، إلى آلان أورويك. وفي ظل هذه الظروف.


وحيث أنني واع بقدر ديفيد للقيود المفروضة على الاطلاع بفعل الوقت والمكان والرغبة والمعرفة (وأنا هنا أتحدث عن نفسي)، فقد قمت بتعديل الشكل الخاص بدراستي، وهو الأمر الذي أدين في جانب كبير منه إلى كين تيمبل، وأنا أرفقها الآن على شكل مذكرة ـ ولقد اعتمدنا كذلك على مذكرة ديفيد روبرتس.


وبخاصة بالنسبة للجانب التاريخي وأنا أمر بموجبه بهذا الدين. وقد تشعر دائرة البحوث أن من المجدي تحديث المذكرة التي بحوزتها رقم 6/5 والمؤرخة في 16 أغسطس 1971.


ـ هناك مبرر لدراسة منفصلة لحزب البعث العراقي نظراً لأن الحزب تطور بطرق مختلفة تماماً في العراق وسوريا. وفي حين أن السبب الجوهري للصراع بين الحزبين هو السلطة، ومن سيتولى القيادة.


وهناك فروقات مهمة في المواقف وفي السياسات العملية. وقد يكون الأهم بينها، والذي تنبع منه الفروقات الأخرى، هو حقيقة أن البعث في العراق يعتبر في الأساس حزباً من المدنيين الذين سيطروا على القوات المسلحة، بينما في سوريا يبدو العكس هو الصحيح.


ـ في صياغتنا للمذكرة المرفقة تبنينا منهجاً مختلفاً بعض الشيء عن نهج ديفيد روبرتس وحاولنا التركيز أكثر على الآيديولوجية والسياسات الحالية والتقليل من تركيزنا على التاريخ.


وبقيامي بهذا العمل، وجدت نفسي على اختلاف معه حول نقطة رئيسية واحدة، فهو يقول في الفقرة 7 من مذكرته إن «البعثية تتجنب الشيوعية نظراً لأن الإلحاد يعتبر أمراً غريباً على الشخصية العربية». أنا شخصياً أعتقد أن هذا صحيح جزئياً في أحسن الظروف. وعلاوة على ذلك، فإنني أعتقد أن هذا تفكيراً خطيراً ينم عن التمني.


والحقيقة برأيي هي أن البعثية حركة عالمية، وفي وقت يشهد الدين تراجعاً تحت تأثير التعليم الغربي الفني والإنساني، فإنها تجد من ينجذب إليها، بسبب يعود في جانب كبير منه إلى أنها تقدم فلسفة مثالية أكثر أو أقل تماسكاً، تجمع نظرياً المسلمين والمسيحيين، ومن يدري، ربما اليهود أيضاً في يوم من الأيام. وإذا كان الإلحاد غريباً على الشخصية العربية، فإن البعثية تستغل هذه الحاجة الروحية.


واذا كانت البعثية معارضة بشكل أصيل للشيوعية، كما اعتقد أنها كذلك، فإن السبب في ذلك يكمن في ايمانها بالأمة العربية أولاً وقبل كل شيء وفي جميع الأوقات، وليس بأي متطلب ديني موروث في الشخصية العربية.


وبسبب الاخلاص «للعروبة»، فإنه لا يسمح للتأثيرات الخارجية، مهما كانت وديّة، ومها كانت متشابهة في مثلها، بأن تسيطر.


*على غرار ديفيد روبرتس، فإنني أرحب بالتعليقات والملاحظات.


فالبعث هو حركة غامضة وغريبة محاطة بسحابة من الكلام المزعج والخالي من المعنى في بعض الأحيان، وإن دراسة موثوقة ومتعمقة ستساعد كثيراً.


المخلص


جيه. ايه. ان جراهام


نسخ إلى السفارات في العواصم التالية:


دمشق، بيروت، القاهرة، عمان، تل ابيب، موسكو وواشنطن» [/align]


تنتهي هذه الرسالة هنا، والتي تظهر الفرق بين حزبي البعث في العراق وسوريا من منظور السفير البريطاني في بغداد. ونحن نجد أن من الأهمية بمكان عرض الوثيقة التالية التي هي عبارة عن مذكرة مرفقة بالرسالة السابقة تتحدث بشكل مختصر عن نشأة حزب البعث في العراق وطبيعة النظام الذي شكله هناك وهيكلية الحزب وعضويته وايديولوجيته. وفيما يلي نص المذكرة:


[align=center]«سرّي»


حزب البعث العربي الاشتراكي في العراق


ـ تأسس حزب البعث العربي الاشتراكي (أو البعث) بشكل رسمي كحزب في ابريل 1947 على يد ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار، وكلاهما مثقفان سوريان، وبهدف رئيسي هو الوحدة العربية، مع أنه وكما أشار سفير الملكة في دمشق في مذكرة أرسلت إلى الدائرة في الأول من ابريل 1975 فإن أصوله كمجموعة نقاش تعود إلى سنوات سابقة.


ومنذ البداية كانت الحركة سرية، وكانت مستعدة إذا اقتضت الضرورة للعمل بشكل سري. وقد انجذب الطلاب العراقيون في دمشق إلى جمع الحزب بين القومية والاشتراكية وفي عام 1952 تم الاعتراف بفرع الحزب في القطر العراقي من قبل القيادة القومية السورية.


وفي أعقاب الثورة التي أطاحت بالنظام الملكي العراقي في 14 يوليو 1958، سرعان ما أصبح حزب البعث العراقي متحرراً من وهم سياسات النظام الجمهوري الجديد بقيادة عبدالكريم قاسم وفي عام 1959، قامت مجموعة من البعثيين بمحاولة فاشلة لاغتياله.


وضمت هذه المجموعة صدام حسين الذي يشغل حالياً منصب نائب رئيس مجلس قيادة الثورة ونائب الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي العراقي، الذي فرّ وهو مصاب إلى المنفى في مصر.


غير أنه في فبراير 1963، قام البعث بانقلاب ناجح وشهد العالم العربي أول تجربة لحكم البعث، شغل فيه جندي هو أحمد حسن البكر، الرئيس العراقي الحالي، منصب رئيس الوزراء (جلب انقلاب موازٍ في مارس 1963 حزب البعث إلى السلطة في سوريا..


وهو نظام بقي بصورة أو بأخرى إلى اليوم). وكانت تلك حركة غير موحدة انهارت في نوفمبر من العام نفسه، والكثير من أولئك الذين اشتركوا فيها هربوا إلى المنفى.


وهذا أوصل الناصري عبدالسلام عارف إلى السلطة، وأدى فشل البعثيين في العراق إلى إعادة تفكير في السياسات وفي عام 1966 حدث انقسام كبير في الهيكلية القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي، مع قيام ما وصفوا بالبعثيين «اليساريين» بالاستيلاء على السلطة في دمشق من «المعتدلين» القيادة القومية» الذين يقودهم أمين الحافظ.


وقد تمسك البعثيون العراقيون بالأخير ومع عودتهم إلى السلطة في العراق في 17 يوليو 1968، كان البعثيون السوريون المنفيون هم الذين شكلوا القيادة القومية الجديدة تحت رعاية عراقية، بتنافس مع القيادة السورية.


وإلى يومنا هذا، كانت العلاقة بين نظامي البعث في دمشق وبغداد، على الرغم من المسميات المشتركة، غير ودية في أفضل الأحوال، وعدائية في أسوأها.


ـ الكثير من الأمور تعتبر حقيقة تاريخية، ويمكن جمعها بسهولة من أي مرجع حول السياسة في الشرق الأوسط. أول انطباع حول العراق بقيادة البعث هو أنه دولة بوليسية مع كافة المصطلحات والعادات، وعلى ما يبدو، الايديولوجية الخاصة بالشيوعية، فحركة البعث ليست حزباً سياسياً فحسب، وانما تتمتع أيضاً بالمزايا العاطفية ومتطلبات الفداء الخاصة بالأيديولوجية.


ومن بين المقالات الكثيرة حول حزب البعث والتي ملأت الصحف في بغداد بمناسبة الذكرى السنوية الثامنة والعشرين لتأسيس الحزب في أبريل 1975.


والتي ظهرت على اللافتات في بغداد باسم عيد ميلاد الحزب، يبرز الوصف التالي للحزب: «كانت حركة تحضيرية شاملة حقنت دماء جديدة في حياة الأمة».


وبحسب قادتها، فإن اعتناق البعثية يمكنه ان يحقق الفوائد الروحية التي زعم المسيحيون الانجيليون بأن اعتناقهم لمبادئهم حققها لهم، وهكذا قال السوري شيبلي الأيسامي:


«إن جماهير أمتنا تمتلك طاقات وإمكانات هائلة.. وهذه الطاقات يمكنها، اذا ما نظمت وأطلقت بشكل مناسب،أن تحطم كافة السلاسل والمعوقات. إن عبارة «أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة» هي شعار إيماني يعني أن الإيمان بالعروبة هو قوة موحدة.


ـ وإلى جانب هذه الحماسة الإيمانية، يؤمن البعث من حيث المبدأ بالمرونة التكتيكية من أجل تحقيق الأهداف الاستراتيجية. وفي حين أن الحزب لم يتخل عن هذا بالتأكيد، إلا أن هناك أيضاً براغماتية متنامية في عقيدة الحزب والتي تدين بشكل أقل على الأرجح لمبدأ «الغاية تبرر الوسيلة» وبشكل أكبر إلى الاقرار أن السياسة هي من الممكن.


وكما أوضح صدام حسين في خطاب حديث له: إذن أمامنا كتابان، كتاب «الممكن» وكتاب «الطموح» (بغداد أوبزرفر بتاريخ 21 يونيو 1975).


الخصائص التنظيمية


ـ من الصعب اختراق ما هو تحت السطح بالنسبة للبعث ولم ينشر شيء محدد في العراق حول هيكليته، فالعراقيون ليسوا مستعدين للنقاش فيما يعرفونه، وحتى هوية أعضاء الحزب غير واضحة.


وهذه السرية ناشئة في الأساس عن ماضي الحزب السري، ولكنها أيضاً راجعة إلى تجربة الحزب في عام 1963 ونسبة الفشل حينها إلى الارتباط في النظام بعناصر غير بعثية. وفيما يلي ملخص للمعلومات القليلة المعروفة.


ـ العضوية في حزب البعث في العراق كانت محدودة على الدوام. ويزعم الحزب بأنه يتحدث باسم «الجماهير العريضة» ولكنه يفعل ذلك بصفته حزب النخبة.


وهذه النخبة هي في غالبيتها من العرب (لاحظ الوصف العنصري في اسم الحزب)، ولكن هناك قلة من الأتباع من بين الأقليات الكردية الآشورية والتركمانية في العراق. والعضوية مستمرة بشكل أساسي من المسلمين السنة الذين يشكلون أقل من نصف سكان العراق، ولكنهم مثلوا تقليدياً غالبية المؤسسة السياسية.


(الغالبية الشيعية قد تكون خائفة من المضامين القومية للبعث في حال اتحد العراق مع دول عربية سنية أخرى في المنطقة وقد يتخوفون أيضاً من تأثير التعليم التقدمي للبعث على مبادئهم البدائية نسبياً. ومهما كان السبب، فإن مراكز الشيعة في الجنوب قد وفرت أساس مقاومة سلبية للبعث). عفلق... الرجل المؤسس[/align]

http://www.albayan.ae/servlet/Satell...tail&c=Article