تضييق الفجوة بين الواقع السياسي والعلم: مركز ودرو ويلسون الدولي للباحثين



تقرير واشنطن - أندرو ماسلوسكي

تحدث سعد الحريري نجل رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري هذا الأسبوع خلال جولة له في واشنطن أمام حشد كبير من المهتمين بالشأن اللبناني في العاصمة الأمريكية واشنطن في مركز ودرو ويلسون www.wilsoncenter.org. ويستضيف المركز بصورة شبه يومية أحد المسئولين المهمين العرب أو الخبراء والمحللين للتحدث عن قضية أو موضوع هام. ولا يقتصر نشاط المركز على التعامل مع قضايا وشخصيات من الشرق الأوسط، بل يشمل الاهتمام كل بقعة على وجه الأرض.ويروق للمرء أن يفترض أن مسئولي الحكومة وغيرهم من العاملين في عالم السياسة لديهم قدر كبير من العلم والمعرفة بكثير من القضايا التي يتعاملون فيها. فالمنطق يقتضي أن من يعمل في الشئون الدولية لابد أن يتوفر له الفهم الشامل للقضايا المتعلقة بالمنطقة التي يتعامل معها. ويقوم مركز ودرو ويلسون الدولي للأبحاث بتوفير إطار متكامل للدراسات الدولية المتخصصة بما يخدم ذلك من أهداف هامة تتعلق بالتقارب بين عالم الفكر وعالم السياسة، وذلك من خلال رعاية الباحثين والمؤتمرات والندوات والمطبوعات التي تعالج نطاقا من القضايا علي الصعيدين الدولي والمحلي.

تاريخ المركز
تأسس مركز ودرو ويلسون عام 1968 بموجب قرار صادر عن الكونغرس تخليدا لأعمال وحياة الرئيس الأمريكي ودرو ويلسون، ويذكر للرئيس ويلسون أنه قاد الجهود الأمريكية خلال الحرب العالمية الأولي، كما يذكر له أيضا صياغته "للأربع عشرة نقطة " وهي سلسلة من التوصيات سلمها للكونغرس وتناول فيها خطط إعادة إعمار أوروبا بعد الحرب. كما اشتهر الرئيس ويلسون أيضا بأنه الرئيس الأمريكي الوحيد في تاريخ الولايات المتحدة الحاصل علي درجة الدكتوراه في الأبحاث الاجتماعية، حيث حصل عليها من جامعة جون هوبكينز، وركز فيها علي العلوم السياسية . وكان ويلسون الذي لقب " بأستاذ العلوم السياسية" يعرب دائما عن رغبته في تضييق الفجوة بين عالمي السياسة العامة والعلم والنظريات.

نظام العمل في المركز وتمويله

من الناحية الفنية يعتبر مركز ويلسون جزءا من مؤسسة سميثون، وهي مؤسسة تعليمية مقرها العاصمة واشنطن. وتشتهر بإداراتها للعديد من المتاحف العريقة في العاصمة الأمريكية. ويشرف علي إدارة المركز مجلس أوصياء منفصل عن إدارة المؤسسة. ويقوم رئيس الولايات المتحدة بتعيين مجلس إدارة المركز كل ستة أعوام، وهو المجلس الذي يضم في عضويته عددا من المسئولين الرسميين مثل وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس، ووزيرة التعليم مرغريت سبلنغس، وأمين مكتبة الكونغرس جيمس بيلنغتون. ويرأس مجلس الأوصياء حاليا جوزيف غيلدنهورن، الذي عمل سفيرا للولايات المتحدة في سويسرا فيما سبق. أما المدير الحالي للمركز فهو " لي هاميلتون" عضو الكونغرس المخضرم السابق الذي دامت عضويته فيه لمدة 34 عاماّ.
يتلقي المركز تمويله من عدة مصادر مختلفة، وتمثل أموال دافعي الضرائب الأمريكيين حوالي ثلث الموازنة الكلية له حيث يخصص الكونغرس له حوالي 9 مليون دولار أمريكي من حصيلة الضرائب السنوية. ويأتي الجزء الباقي من تمويل المركز من المؤسسات والمنح والهبات الخاصة والاشتراكات المدفوعة مقابل مطبوعات المركز.

ماذا يفعل المركز
يدعم المركز الدراسة الموضوعية لكل من الشئون الدولية والشئون الداخلية، ويشجع علي بناء صلات قوية بين عالمي المعرفة والشئون العامة. ويعمل المركز على تحقيق أهدافه في المقام الأول عن طريق جلب الباحثين من كل أنحاء الكرة الأرضية إلي واشنطن لإجراء البحوث وممارسة الحوار مع غيرهم من الباحثين والمسئولين الرسميين. ويقدم منحا للبحث والدراسة لعدد يتراوح بين 20 و25 دارسا وباحثا سنويا.
ويعمل طاقم العاملين في مركز ويلسون في برامج متخصصة وفقاّ لمجالات خبراتهم العلمية. كما يعقدون ندوات، ويجرون بحوثا، ويؤلفون كتبا ومقالات في نطاق عريض من الموضوعات التي تهم الولايات المتحدة سواء علي المدى القريب أو البعيد. ويستغل المركز وجوده في العاصمة واشنطن لتشجيع الدعوة إلي اللقاءات بين الباحثين والمسئولين الرسميين بهدف تنمية التواصل الفعال بين عالم الأكاديميين وعالم السياسيين.
كما يحتوي المركز علي مطبعة تتولي طباعة دورية ويلسون الربع سنوية، وهي دورية علمية يطلع عليها حوالي 60000 مشترك. وقد تضمن آخر أعداد الدورية مقال بقلم "مارك لينش" الأستاذ المساعد للعلوم السياسية بكلية ويليامز بعنوان "مشاهدة قناة الجزيرة "، حيث ناقش لينش في مقاله ضرورة اعتبار هذه القناة الإخبارية الفضائية الواسعة الانتشار في الدول العربية حليفا حقيقياّ للولايات المتحدة ولدعاة الإصلاح العرب، حيث تعمل علي فتح ساحة عامة للرأي تعرض نطاقا واسعا من الآراء ووجهات النظر في العالم العربي.
ويقوم المركز بالإضافة إلي إصداره للدورية ربع السنوية بتقديم برنامج إذاعي أسبوعي بعنوان "الحوار" ويقدم فيه مناقشات تستمر لمدة نصف ساعة مع مسئولين رسميين، ممن يتمتعون بتأثير قوي, في كثير من القضايا المختلفة –الثقافية والاقتصادية والتاريخية والسياسية والاجتماعية. وسيستضيف البرنامج في حلقته هذا الأسبوع الروائي التركي "أورهان باموك" والكاتب والأستاذ الجامعي الإيراني "أزار نفيسي".

المركز وشئون الشرق الأوسط
في فبراير من عام 1998 أسس مركز ويلسون برنامجه الشرق أوسطي لإجراء البحوث وتشجيع الحوار حول القضايا الثقافية والسياسية والاجتماعية في الشرق الأوسط . ويهتم المركز أيضاّ بالعلاقات بين هذه المنطقة والولايات المتحدة الأمريكية.
ويركز العمل في برنامج الشرق الأوسط علي دلالة التطورات بعيدة المدى في المنطقة. ويتناول بصفة خاصة الأحداث الحالية، وقضايا التمييز ضد المرأة، وقضايا الشباب، والعلاقة بين الإسلام والديمقراطية والمجتمع المدني. ويعقد البرنامج كثيرا من المؤتمرات والندوات حيث يتناقش الباحثون والمسئولون الحكوميون وغيرهم حول هذه الموضوعات وغيرها من القضايا البارزة.

والمدير الحالي للبرنامج هي "هاله اسفندياري" الخبيرة في الشئون الإيرانية. وتشارك المركز في نشاطه "جيلان فرومكين" التي تركز في أعمالها علي الدور الذي تؤديه المرأة في عملية التطور. ومن الباحثين الآخرين المشاركين في البرنامج حاليا "مروان كريدي" الذي يعد مشروعا بعنوان " شاشات الصراع : التليفزيون العربي وتحديات الحداثة "، وكذلك "لورانس روسن" الذي يعرف مشروعه باسم "الأسس الثقافية للحكم عند العرب", والباحث "هادي سماطي" الذي يعد مشروعا بعنوان" سياسة الولايات المتحدة تجاه إيران بعد 11سبتمبر 2001: السياسة الخارجية للولايات المتحدة والتحول الديمقراطي في الشرق الأوسط . "
وقد كتب الباحثون في برنامج الشرق الأوسط ونشروا كثيرا من المطبوعات من خلال مركز ويلسون وكان من بينها بحوث مثل "أفضل الممارسات: قانون الأسرة المتطور في البلدان الإسلامية " وبحث "بناء عراق جديد" وبحث "تقييم للانتخابات الرئاسية الإيرانية ".

وبالإضافة إلي الدعم المادي الذي يقدمه برنامج الشرق الأوسط للباحثين ومساعدتهم في نشر أبحاثهم يقوم البرنامج كل شهر باستضافة كثير من اللقاءات العامة. وتضم هذه اللقاءات الباحثين البارزين والمسئولين الحكوميين، ويحضرها جمهور عريض من الناس حيث استضاف البرنامج في الشهور القليلة الماضية عدداّ كبيرا من اللقاءات.
كما شارك مركز ويلسون في السادس من سبتمبر 2005 بالتعاون مع المؤسسة القومية للديمقراطية في رعاية ندوة بعنوان "من التيار الإسلامي إلي الديمقراطية الإسلامية: التحديات ذات المضمون السياسي في البلدان الإسلامية." وتحدث في هذا اللقاء كل من أنور إبراهيم نائب رئيس وزراء ماليزيا السابق ، وسعد الدين إبراهيم رئيس مجلس إدارة مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية في القاهرة, وفالي ناصر الأستاذ بكلية نافال للدراسات العليا.

وفي الرابع والعشرين من شهر أكتوبر 2005 شارك المركز بالتعاون مع برنامج مبادرة العالم الإسلامي بمعهد الولايات المتحدة للسلام في رعاية ندوة بعنوان "مشاركة الإسلاميين: الجدل السياسي الناتج عنها "وشارك في هذه الندوة كل من دانيال برومبرغ الأستاذ المساعد للعلوم السياسية بجامعة جورجتاون, وعمرو حمزاوي الخبير بمؤسسة كارنيجي للسلام الدولي Carnegie Endowment for International Peace وعبد السلام مغراوي مدير برنامج مبادرة العالم الإسلامي بمعهد الولايات المتحدة للسلام ومني يعقوبيان الاستشارية بمعهد السلام أيضا.

وفي السادس والعشرين من شهر أكتوبر2005 قام المركز برعاية ندوة بعنوان "إسرائيل والفلسطينيين: الطريق بعد تنفيذ خطة فك الارتباط في غزة " وتحدث في هذا اللقاء كل من "شلومو بروم" النائب السابق لمستشار الأمن القومي الإسرائيلي، والباحث الزائر المقيم حاليا في معهد الولايات المتحدة للسلام, وغالب دارابية المستشار السابق للشئون السياسية والتشريعية للبعثة الفلسطينية في الولايات المتحدة, وشاي فلدمان مدير "مركز التاج لدراسات الشرق الأوسط بجامعة برانديس", وخليل شقاقي الأستاذ المساعد بقسم العلوم السياسية بجامعة "بير زيت " ومدير "المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في رام الله".
في الثاني من شهر نوفمبر 2005 قام المركز برعاية ندوة بعنوان "سوريا عند مفترق الطرق: هل ستنعم دمشق بالربيع القادم؟" وتحدث في هذه المناسبة صديق العظم الأستاذ الزائر بقسم دراسات الشرق الأدنى في جامعة برنستون.


تقرير واشنطن
العدد 43، 28 يناير/كانون الثاني 2006