العراق الجديد بين الأجندة الأمريكية
ومؤامرات القوى العلمانية والسنية المولعة بالحكم
وبين الحوار المنطقي مع الإسلاميين الشيعة
إعداد : مركز البحوث والدراسات الإستراتيجية
حزب الطليعة الاسلامي
بغداد
http://www.al-kawther.net
[email protected]
http://www.al-kawther.net/6lee3a/index.htm
http://www.al-kawther.net/header/news2.htm

مقدمة البحث
(الحلقة الثانية)
لقد بحثنا في الحلقة الأولى من بحثنا "العراق الجديد بين الأجندة الأمريكية ومؤامرات القوى العلمانية والسنية المولعة بالحكم وبين الحوار المنطقي مع الإسلاميين الشيعة" ، حيث إستعرضنا فيه نبذة تاريخية عن تاريخ العراق السياسي والحكومات التي تعاقبت عليه بعد حكومة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام والحروب والفتن التي عصفت به ، وخلصنا الى القول الى أن ثمة خط فكري ومنهج سياسي في الحكم قد إتخذ مجراه في العراق وثبت أقدامه ، إعتمد على القوة ومنطق القوة والسلاح والإرهاب والتستر بالدين بينما حكامه يقومون بالمنكر والفسق والفجور وقد أذاقوا الأئمة المعصومين الويل والثبور لظلمهم حيث أستشهد أئمتنا على أيدي حكومات بني العباس بالسم ، وقد تعرض الشيعة وأتباع أهل البيت على حملة إبادة شعواء لم ترحم الصغير ولا الكبير ، وإستمرت الحكومات الطاغوتية القمعية حتى نظام البعث البائد.
واليوم وبعد سقوط الصنم تسعى تلك القوى السياسية التي خرجت من بوابة الحكم الى الدخول من نافذته ونافذة الإقتصاد تدعمها في ذلك الحكومات العربية التي ترى في بقاء أنصارها وأعوانها في الحكم صمام أمام لحفظ مصالحها السياسية والاقتصادية وغيرها.
لذلك تتعرض الطائفة الشيعية مرة أخرى لحملة إقصاء تقوم بها الحكومات العربية والقوى السياسية السنية والقوى العلمانية الليبرالية التي تتلقى دعم هذه الأنظمة.
ويلقى المسئولين الرسميين الشيعة صدودا كبير من بعض الأنظمة في المنطقة لأنههم لا يرغبون بمجيء حكومة شيعية في العراق تعطي بقية الشيعة في الخليج القدرة والقوة والجرأة للدفاع عن حقوقهم السياسية والإجتماعية المهضومة لسنين طويلة.
تسعى الأقلية السنية التي تشكل 12% من عدد سكان العراق الى أن تفرض سيطرتها على الحكم وتضن أنها تعيش أحلام الماضي ، ولا تدري بأن واقعا سياسيا قد فرض نفسه على الساحة السياسية في العراق وإن الطائفية السياسية والجغرافية قد إنتهت ، وإن دستورا قد صودق عليه من قبل الشعب يتيح للمحافظات إقامة نظام فيدرالي دستوري على غرار الفيدرالية في إقليم كردستان ، وإن الشيعة العراقيين متمسكين ببنود الدستور التي تقول بأن نظام العراق نظام فيدرالي.
ولذلك نرى أن القوى العلمانية والليبرالية كجبهة التوافق والوفاق الوطني وغيرها من القوى السياسية ومعها القوى السنية المتطرفة كهيئة علماء المسلمين التي يطلق عليها الشعب العراقي بهيئة علماء البعثيين ترفض قيام نظام نظام وحكم فيدرالي في الوسط والجنوب العراقي وتراه فقط في الشمال ، بينما يصر قادة وزعماء الشيعة وقادة الإئتلاف العراقي الموحد على تأسيس هذا الإقليم أسوة بإقليم كردستان العراق لكي يحفظ للشيعة الأمن والإستقرار وتمتعهم بالحرية والإستقلال وإدارتهم لمنابعهم وثرواتهم الطبيعية التي كان يسيطر عليها حنفة من البعثيين الجبابرة.
وتلقى دعوة زعماء الشيعة العراقيين إستقبالا كبيرا في أوساط أهالي الوسط والجنوب العراقي الذين يتعرضون الى حملة إبادة شعواء من القوى التكفيرية وحلفائهم جلاوزة النظام البائد ، كما أنهم سجلوا ولا يزالون يسجلون إعتراضاتهم عبر مجالس المحافظات على الخارطة الجغرافية السياسية التي رسمها النظام البعثي البائد ويدعون الى عودة المحافظات العراقية والتقسيمات السياسية الى ما هي في عهد عبد الكريم قاسم.
الولايات المتحدة لها أجندتها ومصالحها في العراق وهي تسعى بعد إسقاط النظام البعثي الى تقوية دعائم وجودها في العراق ويسعى زلماي خليل زاد سفيرها في بغداد ليلعب دور الحكومة داخل الحكومة بتدخله في الشئون الداخلية للعراق وقيامه بتصريحات أدت الى تأجيج نار الفتنة الطائفية بين أبناء الشعب العراقي.
وقد سعت الولايات المتحدة الى دعم القوى الكردية والقوى الليبرالية والعلمانية في العراق وتسعى الى تصفية حساباتها وحل مشاكلها العالقة مع النظام الإيراني الذي يتمتع بحضور سياسي وإجتماعي وإقتصادي داخل المجتمع العراقي والحكومة العراقية والقوى السياسية الحاكمة.
ولحلحلة الوضع السياسي المتأزم في العراق وجه السيد عبد العزيز الحكيم دعوة مباشرة الى إيران دعاها الى فتح حوار واضح مع أمريكا فيما يختص العراق لبحث نقاط الخلاف ، وقال رئيس قائمة الإئتلاف العراقي الموحد في كلمة له خلال مجلس تأبيني أقيم في مكتبه ببغداد حيث قال "نحن لا نقبل أن يتحول العراق الى قاعدة للتآمر أو للعدوان على الدول الأخرى ونريد أن يتخلص العراق من الجماعات المسلحة التي لها أهداف في الدول الأخرى".
وأضاف الحكيم"إنه وفي هذا المجال نطالب القيادة الحكيمة للجمهورية الاسلامية الايرانية بأن تفتح حوارا واضحا مع أميركا فيما يخص العراق ونحن نتوقع من إيران التي وقفت دائما الى جانب الشعب العراقي أن تتفاهم حول القضايا المختلفة مع أمريكا تجاه العراق.".
وقد جاء رد المسؤولين في الجمهورية الاسلامية الايرانية سريعا حيث صرح الدكتور محمد علي لاريجاني رئيس مجلس الأمن القومي بالإعلام بصورة مفصلة حول إستعداد إيران لقبول هذه الدعوة لإجراء مباحثات مع أميركا بشأل العراق خصوصا وإنها جاءت من قبل رئيس المجلس الأعلى للثورة الاسلامية في العراق وهو أحد كبار الشخصيات الدينية والسياسية ومن عائلة مرجعية في العراق نكن لها الاحترام والتقدير ، وأضاف السيد لاريجاني في مقابلة صحفية بأن أغلب القيادات العراقية الشيعية والكردية كانت في إيران وقد إستضفناهم ليقوموا بواجبهم النضالي والجهادي ضد النظام البعثي الديكتاتوري البائد الذي قام بشن حرب مفروضة دامت أكثر من ثمان سنوات على إيران ، وكانت قيادات الحركات الاسلامية والكردية تقاتل جنبا الى جنب معنا في جبهات القتال ضد النظام الصدامي ، وأثنى لاريجاني على رئيس الوزراء العراقي الدكتور إبراهيم الجعفري وقال بأنه كان في ضيافتنا في إيران مع سائر القيادات الاسلامية الشيعية في الوقت الذي عارضت أغلب الحكومات العربية المجاورة إستضافتهم.
وأشار لاريجاني الى العلاقات والروابط الوشيجة والمتينة بين الشعب العراقي والايراني ، قائلا بأن أغلب المسؤولين العراقيين في الحكومة الجديدة لهم روابط أسرية مع عائلات إيرانية ولا يمكن فصل وعزل الشعب العراقي عن الشعب الايراني الذي يرتبط بعلاقات تاريخية ووحدة الدين والمذهب المشترك.
هذا وقد رحب القادة الكبار للولايات المتحدة للموافقة الايرانية بإجراء حوار مستقيم حول العراق ، جاء ذلك في تصريح استفن هادلي المستشار الأمني لرئيس الجمهورية جورج بوش في 17مارس 2006م أمام الصحفيين ردا على تصريحات الدكتور على لاريجاني حيث قال أننا نرحب بالموافقة الايرانية لإجراء حوار مباشر حول العراق ، كما صرحت وزيرة الخارجية الأميركية التي كانت في سفر لها الى إستراليا معبرة أن الحوار مع إيران فيما يختص بقضايا العراق سيكون مفيدا.
أما السفير الأمريكي في بغداد زلماي خليل زاد فقد طالب بأن تكون المحادثات الأمريكية الإيرانية في بغداد ملمحا بأن أمريكا لن تسمح لأن يكون لإيران أي دور في مستقبل العرق.



مؤامرة التحجيم والإقصاء للإسلاميين الشيعة في العراق
ويواجه التيار الاسلامي الشيعي تحديا داخليا وخارجيا بسبب إنتصاره لمرة ثانية في الانتخابات البرلمانية ، ففي الخارج يواجه الإئتلاف العراقي الموحد ومعه كل التيارات الشيعية الأخرى تحديا ومؤامرة إقصاء وتحجيم من قبل قوى الإستكبار العالمي والامبريالية والصهيونية الدولية والدول العربية الإقليمية المجاورة للعراق وحتى سائر الحكومات العربية الرجعية ، إذ أنها لا ترغب في مجيء الأكثرية الشيعية الى الحكم ولذلك لمسنا منها الجفاء في الماضي بعدم إستضافتها للمعارضة العراقية الشيعية على أراضيها ووقوفها الى جانب النظام البعثي في حربه المفروضة ضد الجمهورية الاسلامية وتسليم المعارضين له أيام حكمه القمعي ، وإستمر الجفاء من بعض الحكومات العربية والخليجية حتى بعد غزو الكويت ومن ثم تحريرها ، وحتى بعد سقوط نظام صدام المجرم وقيام النظام السياسي الجديد نرى بأنها تلكأت في الاعتراف به ومباركة مجيء رئيس وزراء شيعي على سدة الحكم فضلا عن عدم الاعتراف الدبلوماسي بهذا النظام والرغبة في حمايته ودعم أمنه وإستقراره.
لذلك نرى أن كل السهام موجهة الى الاسلاميين الشيعة ومحاولة التشهير بهم والتحدث عن ضعف الأداء السياسي لهم وللشيعة في الحكم ، ومحاولة إبعاد الدكتور الجعفري عن رئاسة الوزراء الا أن الإئتلاف العراقي لا زال متمسك بترشيحه لهذا المنصب، بينما الحكومات التي تعاقبت على العراق بعد سقوط صنم بغداد كانت حكومات وحدة وطنية ولم يكن الشيعة هم الحكام الوحيدين ولم يكونوا مبسوطي اليد في العراق حتى يتبين ضعف الأداء السياسي والأمني والاقتصادي والتنموي لهم خلال فترة ما بعد زوال النظام البائد.
لقد كانت حكومة الدكتور إبراهيم الجعفري محكومة بوثيقة برنامجية إتفق عليها من قبل القائمتين الشيعية والكردية ولم يكن الدكتور الجعفري لينفذ أجندة شخصية بل كانت قراراته محكومة بالإطار العام الذي حددته القائمتين المتحالفتين في إطار حكومة الإئتلاف الوطني بين القائمة الكردستانية وقائمة الإئتلاف العراقي الموحد.
إن أداء وسياسة الحكومة الحالية التي أصبحت في الوقت الحاضر حكومة تصريف أعمال لم يكن إجتهادا لشخص وإنما كان محكوم بالتوافق والبرنامج الذي تم الاتفاق عليه كما أسلفنا ، وفي ظل الوضع الراهن فقد صرح قادة الائتلاف بأنهم سوف يتمسكون بترشيح الجعفري وسينفتح الإئتلاف على آراء وتحفظات الآخرين إذ أن القضية اذا كانت قضية أداء وسياسات فإنها ستكون محكومة بوثيقة برنامجية وبآلية سيتم التوافق عليها من قبل كل القوائم المشاركة في الحكومة الوطنية وبالتالي فإن رئيس الوزراء حسب رأي حسب رأيهم لن ينفذ أجندة شخصية بل سيكون محكوما بالإطار الذي سيحدد له من قبل القوائم في إطار الحكومة الوطنية ، وحتى الإئتلاف العراقي الموحد سيخضع برنامجه وخططه وسياسته للتكيف مع برنامج وخطط الآخرين لأنها ستكون برنامج وحدة وطنية وليس برنامج قائمة أو حزب وإنما سيكون برنامج وطني الذي هو خلاصة السياسات والخطط من كل القوائم ، كما أعلن زعماء الإئتلاف العراقي الموحد بأنه سيكون موحدا وليس هناك أي بوادر إنشقاق ، وينفي قادته أن هناك أي نوايا أو إتجاهات تريد أن تضعفه ولكن قد تكون هناك آراء لبعض القوائم ولبعض الكيانات داخل الإئتلاف يصرحون بها ولكن من ناحية الموقف فإن الإئتلاف متوحد في موقفه وهو خلف مرشحه وخلف رئيس كتلته ولا يوجد هناك ما يشير الى أي نوع من أنواع الإنشقاق ، كما نفى المجلس الأعلى للثورة الاسلامية في العراق دخوله في تحالف سياسي خارج قائمة الإئتلاف.
فمنذ تشكيل مجلس الحكم الانتقالي وإدارة البلاد تدار بشكل جماعي من قبل القوى السياسية المحسوبة على الشيعة والأكراد والسنة بكل أطيافهم الدينية والسياسية والعلمانية والليبرالية ، ولكن ثمة تساؤلات يطرحها الشارع العراقي والشارع الاسلامي لابد من الاشارة اليها منها:
لماذا لم يتم إسقاط وإبراز فشل الليبراليين والعلمانيين عندما فشلت وأخفقت حكومة الدكتور أياد علاوي في أدائها السياسي والأمني والاقتصادي وإفتعالها الأزمات مع الجيران والقيام بحملات أمنية وعسكرية في النجف والفلوجة والتي تسببت في مذابح جماعية ، بينما في الوقت الحاضر يتم إبراز فشل وإخفاق حكومة الدكتور الجعفري بفشل الشيعة وإخفاقهم في الحكم؟؟!!.
وهل أن الائتلاف العراقي الموحد كان مبسوط اليد في الحكم وفي إصدار القرارات السياسية المصيرية في الحكومة؟!!
فقد إشترك في الحكومة كل الأطياف السياسية والعرقية والقومية ، فرئيس الجمهورية هو كردي ورئيس الجمعية الوطنية من السنة العراقيين ، وهناك وزراء أكراد وسنة الى جانب
وزراء شيعة في حكومة الدكتور جعفري.
لذلك لا يمكن إلقاء اللائمة على الشيعة وإتهامهم بضعف الأداء السياسي والإداري وعدم تمكنهم من معالجة المشاكل الاقتصادية والأمنية والتنموية لوحدهم ، إذ أنهم شاركوا الأكراد والسنة الحكم ولم يستأثروا به بالكامل حتى نضع عليهم اللائمة في هذا الخصوص.
من هنا نجد أن العراق الجديد اليوم يواجه مؤامرات كبيرة أكبر من طاقة الشعب العراقي وإستقامته وتحدياته ، فمه جهة يواجه مؤامرة تهميش وأقصاء لقواه الاسلامية الشيعية وأكثريته السكانية في الحكم ، وسعي بعض القوى السياسية العلمانية الليبرالية ومعها القوى السنية المتطرفة لإرجاع النهج السياسي السابق لحكم الأقلية وإستئثارها بالسلطة ، ومن جهة أخرى يواجه الارهاب الشرس للتكفيريين النواصب وحلفائهم البعثيين بأفكارهم الضالة والشيطانية التي يسعون الى تكريسها وتطبيقها في العراق وسعيهم الى عودة الديكتاتورية وحكم الأقلية وتكريس الطائفية السياسية البغيضة التي إستمرت حالتها في العراق لأكثر من سبعمائة عام إشتدت ذروتها في أربعة عقود مضت من حكم البعث العفلقي الصدامي التكريتي ، ومن جهة أخرى يتعرض الى مؤامرة أميركية على مستقبله ومستقبل بلده وخيراته وثرواته وسيادته على أراضيه بمحاولة إستغلاله كقاعدة إنطلاق ضد جيرانه بحجة مكافحة الإرهاب وقوى الشر ، إضافة الى أنه يتعرض الى مؤامرة تحيكها قوى تدعي العلمانية والليبرالية بدعم من الأميركان وحكومات دول الجوار العربي التي لا يروق لها إستقرار الحكم في العراق على وضعه الحالي بحكومة ذات أغلبية شيعية بناء على الإستحقاقات الانتخابية والخارطة الديموغرافية للعراق الجديد.
الولايات المتحدة الأميركية لا تفكر بسياسة القيم المثلى وإحترام إرادة الشعوب وحريتها وكرامتها ونشر الديموقراطية وإحترام حقوق الانسان والشراكة الشرق أوسطية في الحكم والدفاع عن حقوق المظلومين وإنما هناك صراع للمبادىء والمصالح في السياسة ، ومن المؤسف فإن سياستها في الشرق الأوسط لم تتغير الى الآن فهي تسعى الى دعم الحكومات الديكتاتورية والتفكير في مصالحها الخاصة لا في مصالح الشعوب المستضعفة.
لذلك فمن جهة فإن الاسلاميين العراقيين الشيعة لهم قيمهم وثوابتهم الخاصة بهم ولا يمكن أن يحيدوا عنها ، إضافة الى إيمانهم بقضايا مصيرية في العالم الاسلامي كالقضية الفلسطينية وضرورة جلاء الكيان الصيهوني الغاصب عن الأراضي المحتلة كما لا يمكن التطبيع معه ، ومن جهة الأمريكان لديهم مشكلة مع حزب الله في لبنان والقوى الاسلامية الشيعية العراقية خصوصا القوى الاسلامية المرتبطة بإيران حيث لا زالت أزمة الثقة موجودة وتبحث عن حل ، إضافة الى أمريكا تعرف تأثيرات المرجعية الكبير على الساحة الشيعية ، كما تعرف تأثير إيران القوي على الساحة العراقية الشيعية ، لذلك فإنها لا زالت لا تثق بالقوى الاسلامية الشيعية العراقية وعلى رأسها المجلس الأعلى للثورة الاسلامية في العراق وحزب الدعوة الاسلامية والتيار الصدري وسائر القوى الشيعية الأخرى.
الولايات المتحدة قد أذعنت للواقع السياسي الراهن في العراق ، بالاضافة الى أن الاسلاميين الشيعة لم يروا حلا الا بتذويب نقاط الخلاف معها ، وهذا لا يمكن الا بأن تقوم إيران والولايات المتحدة بحوار مباشر لحل المسائل العالقة بين الجانبين فيما يخص العراق ، وإن الرد الايجابي من قبل المسؤولين الإيرانيين والأميركان سوف يسفر عن مفاجئات جديدة في العراق يكون مردودها إيجابيا بالنسبة الى الشيعة في العراق ، إذ أن القادة الأميركان قد سعوا لشهور عديدة أن يأتوا بالبعثيين والسنة والليبراليين الشيعة من جديد الى سدة الحكم ، وقد فشلوا في ذلك لأنهم إصصطدوا بأن القوى السنية المتطرفة لا زالت متشبثة بالارهابيين والتكفيريين النواصب وبقايا النظام البائد الذين ليس بإمكانهم حفظ مصالحها في العراق ، وإن الشيعة هم أهل المنطق والحكمة والصواب وبإمكانها إذا ما فتحت حوارا إيجابيا منطقيا أن تصل الى أهدافها وتجنب نفسها المستنقع الذي دخلت فيه ، وفيما لو توفقت للحوار المباشر مع الجمورية الاسلامية الايرانية فإن الكثير من الأمور الأمنية والسياسية في العراق سوف ترى طريقها الى الحل وسوف تستطيع الحكومة الجديدة في العراق أن تجتث جذور الإرهاب.
وهذا ما لمسناه بعد تصريحات المسؤولين الإيرانيين والعراقيين بقيام الجيش الأميركي والجيش العراقي والشرطة بشن حرب ضد الإرهابيين في سامراء وتكريت والمنطقة الغربية حيث يوجد أكثر من 4000 إرهابي مسلح لابد من محاصرتهم ومهاجمتهم وإجتثاثهم من تلك المناطق.
كان ذلك أولا أما ثانيا فإن السنة العراقيين لا يعترفون بالواقع الديموغرافي وإستحقاقات الانتخابات البرلمانية ويعتبرون حكم العراق حق تاريخي وطبيعي لهم ، لذلك في ظل الواقع الجديد لا زالوا مصرين على تزمتهم وتشبثهم التاريخي بالسلطة ، لذلك فهم في الوقت الحاضر لا يقبلوا أقل من أن يكونوا شريكا مساويا في الحكم ، ولا يقبلوا بأن يكونوا أقلية أوعلى هامش الحكم ، ويضغطون بإتجاه الحصول على الوزارات السيادية في الحكومة كوزارة الداخلية والدفاع وحتى الأمن ، لمعرفتهم بأن الذي يمتلك الجيش والشرطة والأمن هو الحاكم الفعلي للعراق ، تساندهم في ذلك بعض الحكومات العربية الرجعية التي ذهبت مصالحها هباء نتيجة سقوط الصنم .
وبالتالي في مقابل هذا ما هو المطلوب من الموقف الشيعي؟؟!!
المطلوب هو فرض الواقع والتأكيد على المكاسب التي حققتها الطائفة الشيعية بعيدا عن المصالح الحزبية والفئوية الضيقة لبعض الأحزاب والقوى السياسية الشيعية ، والاعتماد والثقة بالنفس والعمق المليوني الشيعي الذي قدم التضحيات والشهداء وأنهار من الدماء من أجل الحصول على الحرية والكرامة وتقرير المصير.
وهناك خيارات لابد من طرحها:
الخيار الأول : أن هناك موقف براغماتي والساحة الشيعية يجب أن تتبنى وتطرح تيار لديه قبول جماهيري وشعبي وأيضا يتصف بالقبول لدى المحتل الأجنبي خصوصا الولايات المتحدة وبعدها دول الجوار ويتصف بالخبرة والكفاءة والاعتدال ولكن بدون تنازل عن الثوابت ومنها العمل بالدستور الجديد الذي أقره الشعب العراقي بنسبة 87% خصوصا بنوده القائلة بأن النظام السياسي في العراق نظام فيدرالي دستوري ولذلك لابد من الإصرار على الفيدرالية في الوسط والجنوب لحفظ مصالح الأغلبية الشيعية وأمنها وإستقرارها في ظل إستفحال الإرهاب التكفيري ودعم بعض القوى السنية المتطرفة له ، إضافة الى أن فيدرالية الوسط والجنوب تأتي أسوة بالفيدرالية في إقليم كرستان العراق ،
بالإضافة الى الإصرار على أن تكون الوزارات السيادية لدى الأكثرية الشيعية وهو مطلب جماهيري شيعي لا يمكن التنازل عنه والتساهل فيه وهو ما أصر عليه الإئتلاف العراقي الموحد وسائر القوى الإسلامية الشيعية.
وهذا الخيار لا يأتي الى بالحكمة والتأني والوعي والإيمان بالواقع السياسي المعاصر للبلاد وضرورة التعامل مع هذا الواقع تعاملا شفافا وواقعيا ، لا العمل بسياسة الإندفاع الثوري وغير ذلك من الشعارات البراقة التي تطلق ضد الإحتلال والتي تجعل الشيعة يخسرون مكاسبهم السياسية وتفتح المجال للقوى السنية والليرالية والبعثية للتفاوض والحوار في الخفاء ووراء الكواليس لصياغة مستقبل العراق على حساب الأكثرية كما حدث في ثورة العشرين حيث أن المرجعيات والعلماء والجماهير قامت بالجهاد والحرب ضد الإحتلال وأطلاق الشعارات ضد الأجنبي وضرورة خروج الاحتلال البريطاني ، بينما القوى السنية وغيرها كانت في بغداد تنتظر من الغالب لتتفاوض معه وهي غارقة في حفلاتها الغنائية الراقصة على نهر دجلة ، وبعدها عندما إنتصر البريطانيون إتفقوا معه وإستلموا الحكم الى ما قبل سقوط صنم بغداد ، وشيعة العراق لابد لهم في الوقت الذي يرفضون الإحتلال لأراضيهم أن لا يكونوا أكثر ثورية من غيرهم ليضيعوا الوطن والحكم كما ضيعه أبائهم وأجدادهم وبقوا يتحملون جرع المصائب والألآم والمقابر الجماعية والسجون والمعتقلات والتعذيب والتهجير والتهميش في الحكم.
ويأتي ذلك بالحكمة والدعوة التي دعى اليها السيد عبد العزيز الحكيم المسؤولين الإيرانيين لفتح حوار مباشر مع الأميركان ، للتأكيد على أن الشيعة مع إحتفاظهم بالثوابت الدينية والاسلامية وحقوقهم السياسية والجوهرية كأكثرية ، فإن باستطاعتهم التعامل مع المحتل الأميركي وتحقيق رغباته كواقع دولي مع الاحتفاظ بوحدة العراق وسيادته على أراضيه وعدم جعل العراق قاعدة عسكرية للقوات الأجنبية.
الادارة الأميركية لا زالت تشكك في القوى الاسلامية الشيعية ولذلك لابد من إعطاء بعض التطمينات السياسية لها والعمل على إيجاد تقارب في وجهات النظر بينها وبين المسؤولين الأميركيين وبين الادارة الأميركية والجمهورية الاسلامية الايرانية ، وهذا ما نراه في الوساطة التي إقتراحها السيد الحكيم ولاقت قبولا وإستحسانا من قبل المسؤولين الإيرانيين.
الخيار الثاني : تبقى الحالة كما هي عليه الآن ، تعدد الفئات والأحزاب والتيارات والتصارع فيما بينها لقيادة الساحة الشيعية وبالتالي الاصطدام فيما بينها أولا ومع التيار السني بالمجمل الرافض لقيادة شيعية أصولية ملتزمة عكس الليبرالية واللادينية.
وهنا نحن نرى ضرورة تحالف القوى الاسلامية الشيعية وميليشياتها كفيلق بدر وجيش المهدي وسائر الميليشيات كميليشيا حزب الطليعة الاسلامي التي تقدر بأكثر من 8500 مسلح لتشكل قوة ضاربة مثلها مثل حزب الله في لبنان ومنظمة أمل الشيعية لكي يدافعوا عن المكتسبات السياسية للشيعة ، وأن يشكلوا درعا حصينا داخل العاصمة بغداد وضواحيها وفي مناطق الوسط والجنوب لمقاومة الإرهاب وإجتثاثه وتجفيف منابعه ، ويكونوا القوة الضاربة للحكومة في هذا الجانب تساعد القوات الحكومية والجيش على إستتباب الأمن والوقوف أمام المذابح والمجازر الجماعية التي تقام بحق أبناء الطائفة الشيعية وما رافقته من أزهاق أرواح الألوف من الأبرياء وإراقة دمائهم.
وكانت رسالتنا الى 6 ملايين شيعي في زيارة الأربعين تتحدد في هذه النقاط والتي منها أن نتحد ويكون شعارنا المركزي كشيعة في العراق :"يا شيعة العراق إتحدوا إتحدوا" ، وأن نواجه أسلاف وأعقاب بني أمية وبني العباس بأسلحتنا وبنادقنا وسيوفنا وقاماتنا ، وأن نعد العدة لإرهابهم لا أن نصبح كالشاه تذبح دون أن تحرك ساكنا.
ولو أن الأكثرية المليونية قامت بحمل السلاح وتشكيل ميليشيات مسلحة مدربة منظمة على غرار حزب الله وأمل في لبنان ، فإن ملايين الشباب والرجال والنساء المدربين على السلاح والتابعين لمرجعية دينية وسياسية واضحة ذات أهداف سياسية وشعارات واضحة ، فانها سوف تخلق المستحيل وتخلق واقعا جديد يصعب على الأقلية السنية والأكراد المماطلة والإبتزاز السياسي.
إن الشيعة في العراق وفي ظروف سياسة الإقصاء والتهميش الإقليمي والدولي لابد أن يكتشفوا قدراتهم كأكثرية مليونية ذات كفاءات سياسية وثقافية وفكرية وأكاديمية كبيرة ، تتمتع بكفاءات قتالية عالية وشباب شيعي عراقي ، ولابد أن تتحد الإرادات الشيعية في الأحزاب والتنظيمات وفق برنامج واضح يخدم أبناء الطائفة ويعزز مكتسباتها السياسية وحق تقرير مصيرها في الحكم.
الخيار الثالث : وهو الاصطدام أو التوافق مع قوات الاحتلال وبالذات أميركا ، والإصطدام مع الاحتلال سوف يجعل الولايات المتحدة تبحث عن خيارات وبدائل للحكم تستطيع التفاهم والحوار معهم وبالتالي فالخاسر الأكبر هم الأكثرية ، بينما الحكم البعثي العفلقي ذو الطابع الطائفي السياسي السني هو الذي جاء بالجيوش والطائرات الى منطقة الشرق الأوسط وأدى الى هذا الوضع المأساوي فلماذا يتحمل الشيعة تبعات الغزو والحرب والإحتلال لوحدهم ، بينما لا هم للقوى السياسية السنية وحتى المتطرفة منهم الا الوصول الى الحكم بأي وسيلة وطريقة كانت ، ولا يهمهم أن يتحالفوا مع الإحتلال على حساب الشيعة إذا ما أعطوا ضمانات بأن يكونوا هم الأقلية الحاكمة.
بالاضافة الى ذلك هناك إحتمال إذا ما فشلت قائمة الإئتلاف العراقي الموحد من تشكيل حكومة وطنية بأن الأكراد مع جبهة التوافق والقائمة العراقية وقائمة الحوار يشكلون حكومة ويطرحون قيادات شيعية علمانية لا تتوافر لديها الشعبية والمقبولية لدى الأكثرية الشيعية مما قد تجر العراق الى ويلات وصراعات تنذر باشتعال فتيل الحرب الأهلية والطائفية والإنفصال.
ولا نستبعد أن يكون هناك إنشقاق في الحالة الشيعية نتيجة ضغوط قوات الاحتلال وأميركا وإنضواء بعض أفرادها من الشيعة أو جزء منها مع حكومة جماعة الأقلية ، لذلك فلابد للشيعة أن يبدو إنعطافا ومرونة في تعاملهم مع الولايات المتحدة الأميركية لتخفيف الضغط عليهم ولكي يستطيعوا بالتالي تشكيل الحكومة الإئتلافية أو الوطنية دون إبتزاز كردي سني وذلك بأوامر أميركية لتلك القوى التي بالطبع سترضخ للإرادة الأميركية في نهاية المطاف.
ولابد هنا أن نقوم بعملية تقييم للأداء الشيعي ويلاحظ مع الأسف أن الأداء الشيعي لم يرتقى الى مستوى الحد الأدنى من الفاعلية والكفاءة بل يفتقدها ، وهنا لابد من التأكيد وتوجيه دعوة صادقة للإئتلاف العراقي الموحد بأن يبتعد عن الحالة الحزبية والمحورية الضيقة ويسعى لإستقطاب كل الطاقات والتوجهات الدينية والسياسية والمرجعية الى جانبه خصوصا القوى المجاهدة في الداخل التي لها قواها وميليشياتها المسلحة الضاربة والتي جاهدت وناضلت داخل العراق وقدمت الكثير من الشهداء وتحملت المعاناة والألآم ودخلت السجون والمعتقلات والاستفادة من طاقاتها وكفاءاتها حتى يستطيع إدارة العراق بكفاءة عالية وأداء ممتاز بمشاركة كل الأطياف الشيعية الفاعلة في الساحة العراقية.
وتجدر الإشارة هنا الى أنه قد كانت هناك حكومة إنتقالية في زمن الدكتور إبراهيم الجعفري هدفها الأول إجراء إستفتاء على الدستور وإجراء الإنتخابات في وقتها ، لذلك لا يمكن تقييم أدائها وهي حكومة مؤقتة جاءت من أجل مهام محددة ، وكنا نتوقع إنسجام بين التيارات الشيعية البارزة والمشاركة في الحكم حتى يكون أداء حكومة الجعفري أداءا مقبولا ، إضافة الى أن طبيعة الحكومة القائمة كانت على المحاصصة وبالتالي فانها لا تمثل الشيعة ولا يتحمل الشيعة تبعات أدائها السياسي والاقتصادي والتنموي والأمني لأن الهدف كان تشكيل حكومة وحدة وطنية بعيدا عن التجانس . والواقع أنه تم إثبات العكس بالزام الشيعة الفشل ، بينما هي حكومة وحدة وطنية شاركت فيها كل القوى السياسية الشيعية والكردية والسنية وكل القضايا المصيرية كان يتم بحثها معا ويتخذ القرار فيها بمشاركة كل القوى المشاركة في الحكومة ، بالاضافة الى المجلس الرئاسي.
فلماذا لم يتم إفشال وإسقاط أو إبراز فشل الليبراليين والعلمانيين عند فشل حكومة أياد علاوي في أدائها السياسي والأمني والاقتصادي وإفتعال الأزمات مع الجيران والقيام بحملات أمنية وعسكرية في النجف والفلوجة التي تسببت في مذابح جماعية بينما في الحالة الجديدة يتم إبراز فشل الدكتور الجعفري بفشل الشيعة في الحكم ، ولا نقصد هنا التجني على هذه التيارات(المجلس الأعلى وحزب الدعوة الاسلامية والتيار الصدري وسائر القوى الاسلامية الشيعية) وتاريخها النضالي ولكن للأسف هي الأخرى لم تطرح البرنامج السياسي المتكامل سواء لإعادة إعمار العراق والتخطيط الاقتصادي والتنموي والبرنامج السياسي والأمني والعلاقات السياسية والدبلوماسية مع العالم.
إن الائتلاف العراقي الموحد أمام تحدي داخلي وخارجي فخارجيا الائتلاف يواجه مؤامرة التحجيم والاقصاء من قبل الدوائر التي تم ذكرها في بداية البحث والتحدي الأبرز هو التحدي الداخلي من قبل القوى السياسية والسنية المتطرفة على وجه الخصوص التي تسعى لإفشال قيام حكومة وحدة وطنية ، وتضغط بإتجاه الحصول على وزارات سيادية لا الحصول على مقاعد وزارية.
في الحلقة القادمة سوف نبحث موضوع العراق الجديد وحقوق الأكثرية الشيعية المهضومة والتحديات التي تواجه الشيعة في العراق والعقبات التي يضعها لهم الإرهاب التكفيري وحلفائه بمباركة القوى السياسية الليبرالية والعلمانية ومعها القوى السنية المتطرفة وعلى رأسهم ما يسمى بهيئة علماء المسلمين التي يتزعمها حارث الضاري.