((يتعدى الأطر الشكلية المرسومة، فيصبح إدراكها الشكلي والمنطقي منها واضح والجوهر يدرك حقيقة الموضوع.)) محمد العبيدي
قد يكون فن الفخار أقدم الفنون الإنسانية، فيما إذا تأملنا اختراعاته وتكويناته في حياة الإنسان الرافديني الأول، واصف تلك اللحظة التي واجهه بها الطبيعة خالياً من أي شيء سوى التفكير. بعد أن كان يحاكي الطبيعة عبر تقليداتها من خلال الحركات والأصوات، ومن ثم تطور ذلك الى رقص وأداءات معبرة حملت ثنايا اللغة الرمزية وتنتقل معه الى الأداء الفردي ذات الطقوس الشعائر والتي تطورت مع الزمن ((لتنظيم جميعاً في الأسطورة))(1). وبهذا فنون الفخار بعد التطور الفكري مع الزمن وانسلاخه من الاستخدامية والاستعمالية وبفعل السياق الفكري والأدائي والتقني واللغة الرمزية تم نقله على الأواني والنتاجات الفنية، التي بدأت تأخذ بعداً روحياً أساسياً تجلى بشكل حاسم في الرؤية لهذه الاداءات الاجتماعية على هذا الفن. ويرى الباحث إذا كانت الأسطورة قد صاغها الإنسان الأول صياغة فنية، إلا أنها من حيث المبدأ هي قصة أو مجموعة قصص نظمت بخط فني أدائي عبر هو الآخر عن مهارة المبدع في طرائق تكوينات فنية وثم القدرة على التعبير على هذا الخيال والعواطف العالية في تلك المرحلة المبكرة.
ومن هنا وبفعل السياق اكتسب فن الفخار الرافديني أهمية بالغة منذ ذلك الزمن نظراً لارتباطه بحياة الإنسان، وكان وسيلة فعالة لرسم كل الفعاليات الاجتماعية والشعائر والطقوس الأدائية على الفخاريات الطينية، ودائماً ما كانت تلك القصص تستعاد لحظات من أدائها للتقرب من الآلهة في سياقها الطقوسي، وكذلك الفعاليات والاحتفالات التي شكلت معادلات نصية في لغة الفنون وحركة الشخوص المرسومة على تلك الفخاريات ((شكلت المعادل الدرامي الحركي للنص الأسطوري))(2) فكانت دق الطبول والنساء الراقصات بنزول المطر كلها مثلت أساطير التكوين الرافدينية القديمة. هذه كانت لوحدها محددات عامة حددت بفعل السياق الذي أعطى لفن الفخار مفهوم أتصل بالمادة الحكائية والفعالية وتجلياتها المختلفة، بل ومن حيث الحضور للشخوص وتكويناتها المرسومة كانت ذات أجناس بشرية تارة وحيوانية تارة أخرى ومن ثم الإنصراف لمفردات الطيعة. وبهذا تستطيع تصنيفها في حقل السياق ((نظراً لأنها ألفت من حيث الأساس لغايات محددة بأسلوب حدده السياق))(3).
وهنا نستطيع القول أن البنية الفكرية المناهجية التي يبثها فن الفخار، خطاب فكري للتعبير عن البيئة الطبيعية الرافديني وضغوطها السايكولوجية، وكذلك فكرة بلورة مفاهيم المعتقدات الدينية المكومة بالأسطورة، ذات الدلالات المبينة في تشكيلات الفخار. وهذا يضاف له الطابع الساسيولوجي المنطلق من سياق الكلام وأسلوبه في الأداء التقني، هذه الاتفاقات النصية مع وصفيات الإنسان السائدة كانت محكومة بقوانين ذات تراكيب للقواعد الفنية دخلت في حقبة معينة من الزمن حددت بذلك مفهوم لسياق ((الوصفية الملموسة التي توضع وتنطق من خلالها المقاصد، تخص الزمان والمكان وهوية المتكلمين وكل ما نحن في حاجة إليه، من أجل فهم وتقويم ما يقال))(4).
•1. ومن هنا تتجلى أهمية السياق التي تنقل إلينا من خلاله المقاصد عبر وسيط مكون من حالات قد تبدو معزولة، ولكن فن الفخار من خلال الرسوم والإضافات على القطع الفخارية، بدأت تحدد فعل الوعي على أساس مبدأ القصدية، بل يمكن القول أن القصد به تفترض أن يكون الوعي دائما عن شيء ما، ولذلك كانت افضل طريقة أن تتصور بها الوعي هو وجود أفعال قوية ذات قصص واقعية الحدث على الفخار أي ((يعني أو يتخيل أو يتصور))(5). وبهذا كانت كل الشخوص المتعددة بمستويات فنية أو تقنية الأداء، وكانت فعاليتاتها ذات طابع معتقدي كهنوني، أو اجتماعي مقترن بفعاليات البيئة، هي الأخرى تؤكد الحضور القصدي المحتكم بفعل السياق، ولابد بهذا الصدد أن تثبت تلك القصص تهدف بالغالب الى أهمية العلاقة بين الإنسان وبيئته حيث تأخذ مواضع مناسبة مأخوذة من أساليب فنية مسبوقة بأعمال قبلها، ومن ثم السياق ينهض مع فنون بلاد الرافدين والفخار واحد من تلك الفنون بدعامتين اساسيتين:
•1- أواني ونتاجات فخارية تضم أحداث مسجلة التعيين.
•2- تعيين الطريقة الأدائية والتكوينية التي تحاكي المجتمع من خلال المعتقد أو الشعائر أو الفعالية. كل هذه اساسيات أعتمد عليها السياق في التمييز بين أنماط الوعي والقصد بأشكاله الأساسية. وبهذا لابد من الإلمام بهذا الجانب مادام هو مجموعة من الدعامات ذات المحركات المركزية التي تنظمها قوانين ترى اساساً في العمل الفني الفخاري، وبحقه الزمانية والمكانية اشتركت ايضاً مقومات ((إلا أننا لا تستطيع أن ندرك مغزاه منهو من الغموض والميوعة والنسبية ما يجعله عاصياً على الفهم))(6). ولكن السياق قد تمثل بمحركات افتراضية بالزمن كشفت هذا الغموض، وبدأت تقاس عليها الأشياء المتحدة والخارجة والداخلة، وبمعزل واضح عن أي تأثيرت طارئة تكون دخيلة على العمل الفني وبدون افتراضات وبهذا يتم تحديد المفردة المتغيرة في فاعلية الأداء الفني والتقني ويقول سازنر:
((إذا كان وعي الذات لقصد خلق الصورة الذهنية هو الذي يعوض عن سمة الاشيء للموضوع الذي يتخيله المرء فمن الصعب علينا أن نزعم أن الذات تمحو نفسها))(7). ومن هنا فأن كل رسوم مضافة أو أشكال منحوته تضاف على الفخار، لابد وأن هناك قصة، تحتاج الى راو أو سارد، أو الإنسان يتخيل ما رأى من فعالية، بالإضافة الى أن هناك متلقي هو الآخر يتخيل ما حدث هذه العلاقة القائمة حددها السياق بمصداقية لا تقبل الشك، يمكن تلخيص ذلك بالمخطط التالي:
مخطط رقم -2-
في فخار بلاد الرافدين المقسم بأدواره في كل دور هناك حالة وعي أو قصد، وبالمقابل هناك بدائل تفترض وجود فواعل للفعاليات القائمة، وهذه بالطبع لا تتوقف عند حدود بل تتحرك في اتجاه مكونات لغة متبادلة محكومة بقانون أدائي وفي تلك الحالة هناك نصوص عديدة تداخلت مع رسوم الفخار، أو أشكاله النحتية، كانت فرصة لتمرير أخبار عديدة. ((اللغة العلمية واللغة القانونية، اجهدتا نفسيمها على الدوام، في ايجاد (مقاصدهما) التي هي عبارة عن نصوص مكتوبة في القالب -لتمرير كل الأخبار السياقية للفهم الجيد عما يعبر عنه.))(8)
هذه الفواعل واللغة المتبادلة عززت العلاقة الثلاثية ما بين الفكر والإنسان والمنتج الفخاري، حيث اسست لكل ما ينتمي الى معالم التعبير، فكانت ربماالرقصات تعبيرية، والأفعال واقعية لم تكن تمثيلية، لأنها انطلقت بالضرورة من لحظات تكوينها التي تموضعت في معالم سياقية سعت تقديمها الى متلقين وليس مشتغلين فحسب، وإنما الموجود في اللوحة الفخارية أو الرسوم والمنحوتات المضافة هي محصلة مفعلة واساسية لهذه المعالم، والتي تمايزت في أدوارها بعضها عن بعض ولكن بفعل الزمن التطور وليس لموضوع أو آخر، كونها اعطت إمكانية للسياق بأن يجعلها بمثابة داينمو ناظم لهذه الأعمال الابداعية. وفيها في نفس الوقت جملة من وظائف وعلاقات محكومة بقوانين خاصة وظفت بها كلمات وفعاليات لأدائيات معينة ووفقاً للسياق المرتبط بالواقع الذي بدوره يؤثر حالة المعنى، ويعذر حالات التربط فيما بينها. ((ولهذا كان هناك ترابط بين اللغة والواقع فهي علاقة المعنى التي تتجه في تسميتها للأشياء ووصفه لها.))(9).
وتأسيساً على ذلك يرى الباحث أن السياق أخذ يزيح الحدود والعوائق ويصل الى حدود استكمالات مع الأخذ بعين الاعتبار المؤثر الذي يغير اجتياز الحدود سواء على المستوى الفكري أو التقني بالأداء، كون الإنسان الرافديني له حدود في انه يعيش ثقافة واحدة هي بالتأكيد ثقافة المعتقد، وهي بالتأكيد تنهض كل النهوض بحاجات الإنسان المختلفة.
وبطبيعة الحال فأن التأثيرات السياق على فنون بلاد الرافدين هي مثلت أوج الصراع بين منظومتين مهمتين، كانت المعتقدات الدينية وكانت الفعاليات الاجتماعية، ومن ثم السياق قرب الحدود والمسافات حتى بين الفنون نفسها وذلك من خلال اللغة المشتركة المؤدية الى لغة الوعي الجديد المقترن بالتطور الاحق سواء في الفكر أو التقنية ومما لاشك فيه أن المعطيات البيئية للمفرداتها، والمعطيات الاجتماعية ذات الفعاليات بانت تشكل حضوراً كبيراً في المشهد الفني والمنتوج الفني سواء في الرسم أو النحت أو الفخار، هذا بالإضافة الى اهتمام الإنسان الأول بنفسه من خلال تقديمة رؤى فكرية فنية راقية في اللون، والعمل ساهمت هي الأخرى الى حد كبير في أن تكون الفخاريات بمستوى متتبع لأحداث وانتظار واضح على مستوى عال من التكوين بعيد عن المحددات السابقة.
هذا جعل بل وتوجب علينا، أن نفضل نتاج الفنان عن سياقه المعرفي وسياقه الفني المرتبط بقوانين جديدة، يدمج بها السياق الثاني الى حد ما ولا يبدو فيه أي تاثيرات بالمحيط الفني نفسه وحتى يصل الى الحد في اهميته الوظيفية من خلال علاقه مع نظم الزمان والمكان نفسه ((وعلينا استخدام الصورة المفاهيمية النظام الاجتماعي الذي هو اساس كل تحليل سسيولوجي، كيفما كان حجم النظام المرجع واهميته الوظيفية في علاقته مع أنظمة أخرى.))(10) ومن ثم فصل النتاج الفني العام والفخار بصورة خاصة عن سياقه، سوف يؤثر فيه، فلا بد ان يستمر بحركته في الوقت الذي يتجه النتاج الفني الى نوع من الاستقرار لأنه يأخذ شكلاً مبتكراً قريب من الأنظمة الاجتماعية التي تبدو بها المفردات الفني أكثر شمولية وأكثر وضوح من باقي الأنظمة ((أنه نموذج من نظام اجتماعي يراقب الفعل على نحو أكثر شمولية من الأنظمة الأخرى ولهذا السبب يمتلك خصائص محددة تتطلب تحليلاً محدداً))(11). وبما أن النظام الاجتماعي هو عبارة عن شبكة من العلاقات المتبادلة، وغير المنفصلة عن السياق العام ولا عن المعايير المتمثلة بالقيم وٍالتقاليد لتشمل الجميع، بمن منها تأثيرات البيئة، والمعتقدات الدينية، والفعاليات الطقوسية والشعائر ذات النهج المعتقدي الإلهي، وكذلك الفعاليات المرتبطة بمجتمع بلاد الرافدين القديم، وبالرغم من أن هناك بعض التغيرات أحدثها السياق وأنت كانت من مدينة الى أخرى ولكنها أعطت تركيبة الدويلات، هذا العامل يساعد في ضبط كل عمليات التحول في المجتمعات ومن ضمنها مجتمع بلاد الرافدين كما اسلفنا، الذي بدأ يتدرج وينمو من خلال فنونه، مرافقاً لكل التحولات الواجبة، وعلينا الإهتمام بهذا الجانب ((نمو المجتمعات وتطورها على مستوى الكيانات الكلية.))(12).
ويرى الباحث أن نتاجات فنون الفخار الرافديني حدود البحث، يعطي للوظيفة اسس معرفية جديدة تسمح بتمييز النظام عن غيره من الأنظمة، وبدورها تكون سياقات جديدة قادرة على اثبات تلك النظام والذي يحدث تحولات في المفاهيم الفكرية المحيطة بكل شيء يخص الإنتاج الوظيفي، وبالرغم من ذلك كانت هناك تأسيسات واضحة وتبادلات، وشعائر مصنوعة بغير النظام المتعارف عليه، بدأ يتعلق بالنظام الرمزي وينتمي الى نظام الدلالة بالرغم من عدم وضوحه في بادئ الأمر، ولكن تحصيل حاصل كان نظام لغة مستفرق وجوده في تكويناته وشاهد اثبات للتحولات التي تحتاج، الى اثباتات جديدة تقع ضمن دراسة ربما تجسد حالات الرمز والدلالة، ولكن من خلال ذلك كشفت آلية خطاب جديدة متمثلة بلغة مرافقة للمعرفة وتصبح مقبولة بفعل السياق الذي انجح الوظيفة بالرمز ودمج اللغة بمقدار كاف يلزم المتلقي بالوصول الى حالات من الوعي، بعد أن كان يعمل ضمن دائرة الاوعي الضمنية، وبهذا هناك نوع من الحصول على مبدأ تحليلي وتفسيري يدخل بمسار جديد يماشي الفكر ويحدد مفردات معرفية أكثر من النتاجات الفنية السابقة ((الوظيفة الرمزية التي تعبر عن نفسها من خلال اللغة، وإن كان الأمر كذلك فأنه يلزم ويكفي أن تتوصل إلى مؤسسات أخرى وأعراف أخرى، بشرط واحد طبعاً هو أن تندفع بالتحليل بما فيه الكفاية))(13).
في فخار بلاد وادي الرافدين وفي أدواره. جرمو، حسونة، سامراء، حلف، العبيد، وكل نتاجاته كانت اللغة لها دور الأكثر ايضاحاً لتكون مهيئة للتعبير عن تكويناتها أكثر من وظيفتها الاستعمالية أو الاستخدامية او حتى المعبدية في بعض الاحيان، كونه نظم القوانين المعمولة بها تواجدت في الممارسات الاجتماعية بصورة مجتمعة فكانت تأثيراتها السياقية منطلقة من تأثيرات المفردات كونها احدى متطلبات فهم المجتمع فاللغة اجالة أفكار تأخذ طريقها الى العمل، يأخذ منه السياق ويحل منه ويساعده ويعمل على تحويل التوجه الى داخل العمل الفني الفخاري، وبالتالي أعطى رسالة بالإمكان المتلقي من إعطاء تفسيرات وهو ضمن الواقع الذي لا تقبل حتى الشك في ذلك. يرى الباحث أن العديد من تلك الفخارية كانت إشارة لرسائل ما بين الإنسان الفنان والمتلقي وعمل ضمن سياق يدرك ما موجود في النتاج الفني. ((الرسالة تقتضي أتصالاً بين المتكلم والمخاطب وقد تكون شفوية أو بصرية -ويجب أن تشير الرسالة الى سياق يفهمه كل من المخاطب الباث والمتلقي سياق يمكن من الرسالة من أن تعني شيئاً))(14).
من خلال نستطيع القول أن هناك مشهداً فكرياً ذهنياً، قد انغرس في مفردات العمل الفخاري وقد تحقق فعلاً وفقاً لمنظومات السياق، الذي خلق مجاميع متعدة ومتنوعة ومشتركة في أكثر من عمل كلها تعمل وفق علاقات متنوعة تعمل هي الأخرى بين تلك المفردات ((أن الارتباطات الفكرية تخلق مجاميع أخرى فضلاً عن المجاميع التي تستند الى المقارنة بين العناصر التي تشترك في صفة أكثر، فالعقل يدرك طبيعة العلاقات التي تربط هذه العناصر، ثم يخلق عدداً من المجاميع الايحيائية، يساوي عدد العلاقات المتنوعة الموجودة يبين العناصر.))(15) ومع ذلك ترتبط نهايات الأسس التي تستند الى وجود قيمة مشتركة، وخصوصاً ين مفردات العمل الفخاري، يتحدد قيام تلك العناصر بوظيفة واحدة وهكذا ربما يكون كافياً لأن يخلق ارتباطات تؤسس في الوقت نفسه سياقات كاملة فكرية وفنية، وما نرى من خطوط ذات اتجاهات محددة لا يمكن تغييرها لأن التغيير يفقد المعنى، ولهذا نظم الاشارة تكون ثابتة واهتماماتها مشتركة بالرغم من وجود، فوارق وتباعدات ترافق الطرق المنطلقة نحو الاداء، وتشق طريقها عبر التقاءات في أماكن متقاربة تتمثل ((بالخطوط والاتجاهات والاهتمامات المشتركة وراء التباعدات والبحوث المترافقة والطرق المنطلقة نحو نفس الآفاق تشق طريقها عبر التقائها في مكان متقارب، وضمن بؤرة من التقاطعات العديدة.))(16). هنا نظام الخطوط والاتجاهات المعمول على سطوح الآنية الفخارية المرسوم منها، أو المضاف، قد يحطم التمثيل التشكلي لأن الرؤية الأدائية واحدة، والجمالية واحدة، في نفس الوقت أعطت تلك الخطوط يرسومها مكاناً للتحليل في نظم العلاقات الذي أوجد معها نظام تأليفي يعرض نفسه بدون فوضى، لأن كل مشهد طبيعي يعرض نفسه في البداية يعطي اعتبارات فوضية هائلة يترك لنا، حرية اختيار المعنى لذي يعطيه للملتقي وبهذا تكون السياقات الفكري والفنية تشكل عنصر ضاغط، على الإنسان الأول والفنان بأن لا يتعدى الأطر الشكلية المرسومة، فيصبح إدراكها الشكلي والمنطقي منها واضح والجوهر يدرك حقيقة الموضوع.
أن السياق مرتبط بحدود الزمان ويشكل محكم وخاص، وهذا المبدأ ذو أهمية كونه غير منفصل عن التاريخ ولا يمكن فهم إحدهما فهماً صحيحاً دون الآخر، والسياق المرتبط بالزمان له حالة مفاهيمية يؤرخ ويؤرشف من خلال الفن ((مجرد من الزمان حتى يكون الزمان كتابي غير موجود، وحين يكون الزمان كتابي غير موجود، وحين يكون الزمان موجوداً تكون كتاتيبك سريعة الزوال.))(17)، وقد يكون تعاقب التشكلات في الفعاليات الاجتماعية وارتباطها بالزمان، اعطت خطاب مؤسس على تحليل مفهوم السياق في انساقه الفاعلة المنتجة داخل منظومة العمل الفني، وفي ضوء ذلك يمكن القول ظاهرة الزمان هي عبارة عن تأويلات فمن الممكن الإفصاح والتعبير عنها بمفهوم واحدج وإذا توفرت علاقات متبادلة فعالة التركيز على الخصائص التاريخية وامتدادها الزمني، الذي يؤثر في إعادة تفاصيل مكانية تعمل هي الأخرى في دائرة المنظومة الفنية ((للمكان باعتباره منظومة شاملة من العلاقات المبثوثة عبر البنية المادية- رمزه الخارجي، بوصفه دالاً، وهذه البنية بمتغير فعال -الإنسان مؤسساً ثنائية العلاقة الوجودية.))(18) كل ارتباطات المكان تكون محصلات مهمة في نتاج فنون الفخار، وعبر الزمن هناك إمكانية لتوليد تأثيرات متعددة، يتدخل السياق هنا بصفته نظام مؤثر اسلوبياً في الزمان والمكان، وهنا أصبح من الواضح نجاح اسلوب العمل الفخاري من ناحية الفكر والأداء، ويعطي زخماً مؤثراً على وظيفة المرجع ((تتغلب الوظيفة الاسلوبية باستمرار على الوظيفة المرجعية.))(19)، وهنا سوف تكون ردود الافعال محصلات مهمة في نتاجات الفخار الرافديني، عبر زمنها المتمثل بأفكار التكوينات، وبإمكان نظام التكوين الفني بمفردات أيضاً يؤثر اسلوبياً في توضيح معان عدة في العمل الفني أي أن هناك ((أهمية السياق في ايضاح المعنى))(20) وفي المعنى هناك دلائل تواصلية وليس فهم اللغة وحسب وإنما هناك خوض مؤثر في الددلالة والرمز، وهذا يعود بدوره الى الأهمية القصوى التي احتلها فن الفخار في الحياة اليومية للإنسان الرافديني، وقد كانت كل الرسوم والاشكال النحتية، جعلته بعيد النظر في الأداء الفكري، والتقني وصولاً الى خيالات، يفكر فيها وينقحها ويتحكم في استخدامها وصولاً الى حالتها الواقعية وبهذا لابد من حصر دائرة الاهتمام في العلاقات القائمة، بين دلائل التكوين الشكلي، ودلائل التكوين الفني، لأن الكثير من العناصر الاساسية سابحة في فضاء العمل وتحتاج الى معالجة فكرية أولاً، وبعدها معالجات تقنية تنور العمل نفسه المتسم بأشياء عليها توزيع المفردات، وبصورة كاملة وترك المبهمات أو الإشارات دون استخدامها مرة أخرى وقد ألتفت الى ذلك السياق الذي يتحطى تلك العواقب والآخر بنظر الاعتبار العناصر النفسية والاجتماعية، والتي لا يمكن بدونها الوصول الى فهم مناسب للعمل الفني ولذلك الأعمال الفخارية حققت مع السياق جعل من المعنى سهل الانقياد الى تحليلات موضوعية وابتعدت عن فحص الحالات الفعلية الداخلية.