النتائج 1 إلى 3 من 3
  1. #1

    افتراضي هل يتواصل التجنيد في «القاعدة»؟

    فارس بن حزام


    لعل هذا السؤال هو العنوان الأبرز بعد أيام العنف التي شهدتها السعودية في المواجهة بين تنظيم «القاعدة» وقوات الأمن، فمع التساقط المستمر لمطلوبين مرتبطين بالتنظيم، سواء بالقتل أو بالانتحار أو بالقبض، يظهر السؤال مكرراً: ألم ينته هؤلاء؟
    بكل تأكيد أن التنظيم يحمل عدداً معيناً ومعروفاً لدى سلطات الأمن، نتيجة للتحقيقات المستمرة مع المقبوض عليهم والذين يتساقطون على الدوام، كما أن هناك إيماناً بوجود خلايا أخرى نائمة لم تستيقظ، وقد تستمر في سباتها دون أن تفكر في الاستيقاظ عندما تصل كل خلية إلى قناعة تامة بأن التنظيم انتهى ولا مجال أو جدوى للظهور بحثاً عن تنفيذ أي عمل، ولهذه الخلايا النائمة فرصة في أن تتراجع عن مواقفها باستقلالية، فسلطات الأمن لا تعلم عنها، فتتفكك وتنتهي بشكل سري كما بدأ تشكلها سراً.

    هذا العدد يواجه أزمة نمو، بدأت منذ عمليات المطاردة والتضييق على عناصره، إلى جانب أزمة تقلص، نظراً للأسباب المذكورة أعلاه، ويكمن ضعف النمو في أمرين، أولهما ضعف التعاطف الداخلي مع منهج التنظيم الذي أخذ في التبدل والتحول من استهداف العسكريين الأمريكيين إلى المدنيين الغربيين وصولاً إلى الجنود من المواطنين المدنيين فاقتصاد البلاد، وثانيهما فقدان الثقة في المجندين الجدد، خشية اختراق التنظيم من عناصر أمنية تتوشح عباءة «القاعدة».

    في السببين السابقين، يتضح أن أحدهما أتى بإرادة التنظيم والآخر من دون إرادته، ولكنهما جاءا مجتمعين في آن واحد، ولعل السبب الثاني كان الأهم والأكثر فاعلية في توقف التجنيد المباشر في التنظيم.

    ومن هنا كان للتنظيم خطوة أخرى سعى من خلالها إلى التجنيد غير المباشر الذي بدوره لا يمنح المجند أي ارتباط عضوي بالتنظيم، ولكنه يضعه ضمن الدائرة الفكرية لأهدافه، وذلك عبر نشر «ثقافة القاعدة الميدانية» من خلال إصدار مجلة إلكترونية على الإنترنت تحمل اسم «معسكر البتار»، وهو اسم لأول معسكر تدريبي أقامته «القاعدة» في السعودية، وتولاه مؤسس التنظيم فيها يوسف صالح العييري، وهذه المجلة تقوم بنشر برامج تدريبية مفصلة في اللياقة البدنية التي يتطلبها العنصر «المجاهد»، وأساليب القتال الميداني وحرب العصابات والخطف والاغتيال واحتجاز الرهائن، والأهم بين ذلك كله الكيفية في تشكيل خلية أو أكثر وربطها ببعضها البعض، وكل ذلك يتم عبر نشر أدق التفاصيل الصغيرة والكبيرة التي تساعد أي قارئ على القيام بها دون أن يكون هناك موجه أو مدرب متصل به، فمذاكرة ذلك بشكل جيد ومكثف وبتركيز عال تكفي صاحبها لاستيعاب المضمون، ليتبقى أمامه البدء في التنفيذ، كما أن هذه المجلة دعت الأشخاص المستهدفين في مشروعها إلى أن يتولوا تدبير أمورهم المادية واللوجستية في توفير كل متطلبات العمل الميداني، لعلمها أن طريق النهاية للعمل التنظيمي المباشر مع «القاعدة» قد بدأ.

    هذا ما أرادته «القاعدة» في السعودية من خلال نشر تلك المجلة بمعدل نصف شهري، فلا مجال لديها في الحفاظ على نشاط التنظيم إلاّ عبر هذه الخطة الذكية التي قدمت بعناية فائقة وبنشر برامج وأفكار كانت تتزامن مع المشهد العام للحدث، ومتوافقة مع اتجاه بوصلة المواجهات.

    ولكن، مع ذلك كله، هل أثمرت تلك الخطة عن عمليات منفذة، أم أنها بقيت ضمن حدود القراءة والاطلاع والتعاطف الوجداني بين أنصار التنظيم؟

    الإجابة على مثل هذا التساؤل تتطلب العودة إلى سجل المواجهات والعمليات التي نفذتها «القاعدة» في السعودية طوال الفترة الماضية، ليتم التعرف من خلالها إن كانت هناك عمليات نفذت من غير العناصر المرتبطة مباشرة بالتنظيم، وهي الإجابة الواضحة والمباشرة: لا، فكل عنف مسجل ضمن هذه القضية كان منفذوه من العناصر المطلوبة والمسجلة لدى وزارة الداخلية كمطلوبين مرتبطين مباشرة بالتنظيم، أي أن التجنيد غير المباشر لم يثمر شيئاً، ولكن هل سيستمر هذا الأمر طويلاً دون أن تبرز عمليات من مجندين غير مرتبطين مباشرة بالتنظيم؟

    النظرة بواقعية إلى المشهد، تتطلب منح هذا التساؤل شيئاً من الوقت لضمان الإجابة بالنفي، فقد لا يبرز هؤلاء المجندون إلاّ بعد تلاشي عناصر التنظيم، وتحوله من تنظيم إداري إلى تنظيم فكري إيديولوجي مفتوح، أما النظرة العاطفية فستكون الإجابة من خلالها بالإيجاب.

    ولقطع الطريق أمام تشكل مثل تلك الخلايا المجندة بطريقة غير مباشرة، يتطلب الأمر مواصلة التضييق على كل من يُؤمن ب «فكر العنف» أو يتعاطف مع أصحابه، حتى لو انتهى وقضي على التنظيم، فهؤلاء المتعاطفون هم الأسرع في التجنيد والارتباط غير العضوي المباشر، والأهم أن يكون مثل هذا التضييق مستمراً ليس لأعوام، بل لعقود من الزمن.
    *نقلا عن جريدة "الرياض" السعودية
    العربية

  2. #2

    افتراضي القاعدة وصلت الى الضفة الغربية وقطاع غزة طامحة إلى موقع حماس

    في عمان كلام كثير عن اقتراب موعد وصول «القاعدة» الى الضفة الغربية. تعزز هذا الكلام بعد التصريحات الأخيرة للرئيس الفلسطيني محمود عباس الى «الحياة» والتي اشار فيها الى معلومات عن انشطة لهذا التنظيم في الضفة الغربية، ولفت الى ان هذا سيعرض المنطقة كلها للأهتزاز.

    لكن للفلسطينيين حكاية طويلة مع «القاعدة» او مع الجماعات «السلفية الجهادية» منذ بدء نشاط الأفغان العرب، مع ملاحظة ان الداخل الفلسطيني وخلافاً لباقي المجتمعات العربية «تأخر» في استقبال هذه الظاهرة.

    «الحياة اللندنية» اعدت ملفاً رصدت فيهما معلومات امنية وديبلوماسية حول بعض انشطة «القاعدة» المستجدة في مدينة غزة واحتمالات وصول جماعاتها الى مناطق الضفة الغربية. واسباب توقيت الكلام عن ذلك بعد فوز حركة حماس في الأنتخابات التشريعية الفلسطينية. وحلقة اليوم تتناول «القاعدة» في الشتات الفلسطيني ووجوه «القاعدة» و«الجهاد العالمي» الفلسطينيين بدءاً من صالح سرية وصولاً الى ابو انس الشامي.

    عندما كان أبو عبدالله الفلسطيني وهو من الأفغان العرب الذين بكّروا في الذهاب الى «الجهاد» في افغانستان، يعبر سلسلة جبال الهندوكوش البالغة الوعورة، راوده سؤال لم يجهد نفسه بالبحث عن اجابة له: أليس الوصول الى فلسطين اسهل من عبور هذه الجبال؟ انه السؤال الذي سيلازم كثيراً من الفلسطينيين الذين خاضوا تجارب «الجهاد الأممي»، خصوصاً ان هؤلاء لعبوا ادواراً مؤسسة في حركة «الجهاد» خارج فلسطين، لا بل يمكن القول ان الفلسطينيين كانوا الوقود الراديكالي لمعظم الحركات الاسلامية التي انخرطوا فيها بدءاً من مصر ومروراً بالأردن وانتهاء بأفغانستان والشيشان والعراق.

    يكاد «تنظيم القاعدة» يشكل استثناء فريداً لجهة «انعدام الوطن» في دعاواه. انه فكرة (على ابتذالها) بلا وطن، وهو فعل مجرد من اي ادعاء محسوس. وفلسطين بالنسبة الى فلسطينيي الشتات اكثر من وطن واقل من ارض. انها بمعنى ما فكرة قد تراود الفلسطيني اثناء عبوره جبال الهندوكوش. لا ارض لكي يتذكرها، ولا قرية ولا مدينة. وما راود ابا عبدالله في بلاد الهندوكوش لم يكن اكثر من فكرة عابرة. قد تفسر هذه المعادلة بعضاً من جوانب ظاهرة انخراط فلسطينيي الشتات الكثيف والمبكر بالجماعات السلفية الجهادية ولاحقاً بـ «تنظيم القاعدة» وبما تفرع منه وتماهى به من عُصبٍ وجماعات. اما الالتحاق المتأخر لجماعات من فلسطينيي الداخل في الضفة الغربية وغزة بـ «القاعدة» والذي اشار اليه الرئيس الفلسطيني محمود عباس في حديث نشر في «الحياة» فهو وان ارتبط بمعادلة فلسطينيي الشتات يبقى خاضعاً لمعطيات الداخل الفلسطيني ومندرجاً في سياقاته.

    قبل فترة قصيرة (اقل من شهرين) ضبطت الشرطة الاسرائيلية مكالمة هاتفية بين احد فلسطينيي الضفة الغربية وآخر من ابناء المخيمات الفلسطينية في الأردن واستنتجت من الحديث الذي التقطته اجهزة تنصتها ان ثمة من يعد لانشاء خلية «قاعدية» في الضفة الغربية. ابلغت السلطات الأردنية باسم المتصل من المخيم الفلسطيني واسماء اخرى وردت في الحديث الهاتفي، واعتقلت هي بدورها المتصل من الضفة الغربية ورجل آخر معه. السلطات الأردنية باشرت تحقيقها في الموضوع وتبين ان الأمر ليس اكثر من ابداء نيات وليس نقاشاً في خطوات عملية، وهذه من القضايا التي يتعامل معها الأمن الأردني كمادة للمراقبة والتعقب لا كفعل ينبغي التصدي له. اما السلطات الاسرائيلية فقد اعلنت بعد وقت قليل انها اوقفت ناشطين في خلية تابعة لـ»تنظيم القاعدة» في الضفة الغربية.

    تُدعم التوقعات بنقل «القاعدة» نشاطات لها الى مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة بالكثير من الوقائع والتحليلات. فقد اكدت مصادر امنية غربية لـ»الحياة» ان مجموعة تكفيرية مؤلفة من نحو عشرة اشخاص تعمل في غزة تحت اسم «تنظيم القاعدة» وهي في مرحلة الإعداد وجمع الأموال. واشارت المصادر الى احباط عملية خططت لها هذه المجموعة كانت تستهدف مرفقاً حيوياً في مدينة غزة. ليست هذه المعلومات الإشارة الوحيدة الى بدء «القاعدة» نشاطها في مناطق غزة بالدرجة الأولى ثم مناطق الضفة الغربية وصولاً الى الخط الأخضر، فالإنتخابات الفلسطينية الأخيرة سبقتها هدنة اعلنتها حركة «حماس» التي فازت في الإنتخابات البرلمانية الأخيرة، والهدنة تلك، كما المشاركة في الإنتخابات الفلسطينية اثارت في الجناح العسكري للحركة (كتائب عز الدين القسام) ردود فعل متفاوتة، خصوصاً ان الهدنة تعني اقصاء التنظيم العسكري لـ «حماس»، كما يعني الدخول في الإنتخابات والفوز فيها تغليباً للخيار السياسي الذي لم تُعِد «حماس» تنظيمها العسكري له. والأخبار التي يرصدها الأمن الأردني والقوى الفلسطينية والأردنية في عمان بدأت تتواتر عن ملامح انشقاقٍ او خلاف بين القيادة السياسية للحركة وبين الجناح العسكري في غزة بقيادة محمد الضيف. ورأى مصدر فلسطيني في عمان ان اشارة محمود عباس الى تقارير امنية تفيد بأن «القاعدة» وجدت موطىء قدم لها في الضفة والقطاع انما تعني ضمناً ورود معلومات عن اتصالات بين الضيف ومسؤولين عسكريين في «حماس» مع قنوات «قاعدية» في الأردن والعراق.

    لكن وصول «القاعدة» الى قطاع غزة والى الضفة الغربية، الذي تقطع معظم المصادر المتابعة بحتمية حصوله، هو نتيجة وليس بداية لمرحلة جديدة. انه نهاية سياق من الانخراط الفلسطيني في «السلفية الجهادية» منذ نقلت الأخيرة نشاطها من المجال الدعوي الى العمل العسكري في اواسط سبعينات القرن المنصرم. وربما كان الغريب هو هذا التأخر في الوصول الى الضفة والقطاع، بعد ان عمت نشاطات الفلسطينيين في هذا التيار جهات الأرض الأربع. فإذا كان الشيخ الفلسطيني عبدالله عزام هو من اسس «بيت الأنصار» في مدينة بيشاور الباكستانية الذي يعتبر النواة الفعلية لـ»تنظيم القاعدة» في اواسط ثمانينات القرن الماضي، فإن الفلسطيني صالح سرية كان سبق عزام بأكثر من عشر سنوات الى «جهاد الأنظمة» من خلال ما سمي «تنظيم الفنية العسكرية» في مصر والذي اعدم معظم اعضائه. والغريب ان سرية وعزام ربطتهما علاقة بتنظيم الإخوان المسلمين وبحركة «فتح» قبل ان يعملا بشكل مستقل.

    قبل نحو سنتين، وبعد نحو خمسة عشر عاماً من عودته من تجربته «الجهادية» الأولى في افغانستان، قرر ابو عبدالله الفلسطيني المقيم في الأردن، تكرار التجربة في العراق. خلال فترة الخمسة عشر عاماً التي فصلت «خروجه» الأول عن «خروجه» الثاني، كانت فلسطين قريبة وكان الزمن يمر سريعاً خلافاً لما كان عليه في افغانستان، اذ يقول ابو عبدالله: «ان وسائل الاتصال والنقل السريعة تدفع معها الزمن اثناء جريانها. اما في افغانستان فقد كان الزمن يمشي بسرعة الدواب التي كانت تنقلنا». لكن جريان الزمن سريعاً علامة على الانغماس في الدنيا الزائلة، اما تباطؤه في بلاد الأفغان فيشبه انعدام اللحظة في يوم الآخرة.

    ولد ابو عبدالله عام 1963 في احدى بلدات الضفة الغربية ونزح مع اهله عام 1967 الى الأردن كما هي حال كل الفلسطينيين في الأردن. عائلة ابو عبدالله كانت جزءاً من بيئة منظمة التحرير الفلسطينية وفصائلها المختلفة. وقبل احداث ايلول عام 1970 قتل شقيق عبدالله وكان شاباً وعضواً في تنظيم «الصاعقة» (الجناح الفلسطيني لحزب البعث السوري)، وكان هذا التنظيم في حينها منخرطاً في منظمة التحرير. نشأ ابو عبدالله في ظل «الخيبات المتواصلة» التي اصابت الفلسطينيين منذ 1970، وعايش فشل التنظيمات القومية واليسارية التي قادت المواجهات مع اسرائيل في فترة السبعينات والثمانينات. ويقول انه في عام 1986 قرر ان يلتزم دينياً بعد ان شعر ان «الظلم لا يُدفع الا بالقوة والبأس». وبعد اشهر قليلة غادر الى افغانستان، وامضى شهوراً هناك عاد بعدها «مجاهداً» مكرساً ومدرباً. وفي الفترة التي اعقبت عودته تفرغ للقراءة على يد مشايخ السلفية الجهادية في اكثر من مكان في الأردن، وعمل في هذه الأثناء في مهن متواضعة وغير دائمة الى ان حان موعد «الهجرة الثانية» عام 2004 وكانت الوجهة العراق.

    توجه ابو عبدالله الى دمشق التي عليه ان ينتظر فيها اياماً قبل ان يتصل به من سيؤمن له الطريق الى بغداد. في دمشق التي تجول في اسواقها قرر ان يقصد مكاتب منظمة «الصاعقة» ليسأل عن تفاصيل مقتل شقيقه في حال وجد من يعرفها. قال ابو عبدالله: «وجدت مبنى مكتب الصاعقة في دمشق كبيراً ومتآكلاً وخالياً من اي ساكن باستثناء حارس يقف ضجِراً، فسألته ان كان يساعدني في الوصول الى احد يمكن ان يعرف ما اريد، فابتسم الحارس وقال ان رجلاً واحداً يأتي الى هذا المكتب مرة كل شهر، ولا احد غيره يقصده، وانه لا يعتقد بأن ذلك الرجل يعرف شيئاً عن اخي». بعد ايام قضاها في دمشق توجه ابو عبدالله الى منطقة البوكمال على الحدود السورية العراقية، واثناء محاولته عبور الحدود القت الشرطة السورية القبض عليه وابقته شهراً في السجن ثم اطلقته على الحدود الأردنية وعاد الى المخيم الفلسطيني في عمان.

    تضيء حكاية ابو عبدالله على الكثير من جوانب علاقة «تنظيم القاعدة» باللاجئين الفلسطينيين في الأردن وغيره من بلاد الشتات. احتكاك واقعي طفيف وقديم بفلسطين، واساطير لا نهاية لها، واسقاط فكرة مكان وطن وحياة حقيقية. ولكن جوانب اخرى لا يمكن ان تتولى وقائع سريعة من سيرة «مجاهد» اضاءتها خصوصاً ان فلسطينيي «القاعدة» و«السلفية الجهادية» كانوا النواة التي بني التنظيم حولها او سارت النشاطات بدفع منهم.

    في البداية شكلت حركة «فتح» بيئة عمل لإسلاميين فلسطينيين لم تعبر حركة الأخوان المسلمين عن طموحاتهم في الانخراط في العمل العسكري. على هذا النحو التحق عبدالله عزام بالحركة قبل عام 1970 وانشأ ما سمي في الأردن «معسكر الشيوخ» الذي ضم عدداً من المشايخ الفلسطينيين الذين لم تفسح لهم حركة الاخوان المسلمين لأي عمل عسكري. وفي تلك الحقبة كان صالح سرية وصل الى الأردن من الضفة الغربية. وقعت احداث عام 1970 فأنتقل الى العراق هو و»اخ» فلسطيني يدعى عبدالعزيز شندالي، وهناك التقيا الشيخ عبدالعزيز البدري وهو من اكثر الشخصيات الاسلامية راديكالية في العراق. ولكن حزب البعث ما لبث ان قتل البدري ولاحق سرية وشندالي اللذين فرا الى مصر. وفي مصر بدأ سرية في بناء تنظيمه «شباب محمد» او ما اطلق عليه «تنظيم الفنية العسكرية» الى ان القي القبض عليه واعدم. ويرى الباحث حسن هنية «ان تأثير سرية كان كبيراً في جماعات «الجهاد» في مصر وخصوصاً في محمد عبدالسلام فرج الذي يعتبر مؤسس تنظيم الجهاد المصري، فقد زامل فرج سرية في جامعة القاهرة، وظهر تأثره به جلياً في كتابه الشهير الفريضة الغائبة».

    في هذا الوقت كان فلسطيني آخر وصل الى القاهرة هو محمد سالم الرحال الذي سيعتبر بدوره قناة فلسطينية اخرى يتغذى منها الميل العنفي للجماعات القطبية في مصر. اقام الرحال في الأزهر وراح يعمل على بث دعاواه التي تكفر الأنظمة وتحفز «المؤمنين» على جهادها الى ان اعتقلته السلطات المصرية قبل اغتيال الرئيس انور السادات بسنة تقريباً واعادته الى الأردن، وهو ما زال الى الآن في احد المصحات النفسية في عمان.

    اذاً سبق الفلسطينيون المصريين الى المجال العملاني «الجهادي» في مصر. سيد قطب كان اصدر كتابه «معالم على الطريق» عام 1966 يكفر فيه الأنظمة ويدعو الى محاربتها، لكن صالح سرية هو من تولى اطلاق العمل الميداني عبر محاولته عام 1974 اقتحام الفنية العسكرية، ولاحقاً انكشف دور الرحال في القاهرة ايضاً.

    في هذا الوقت مثل صعود حركة «فتح» ملجأ للمشاعر الوطنية الفلسطينية التي كانت هزيمة عام 1967 صدعتها. و «فتح» كانت اكثر من تنظيم سياسي او عسكري، اذ كانت صورة مجتمع الشتات الفلسطيني. وكان خليل الوزير (ابو جهاد) قناة دمج الوطنية الفلسطينية بأفكار تتعداها، تبدأ بالماوية ولا تنتهي بالفكر الديني التكفيري. وفي «فتح» بصفتها حلبة هذه الأفكار، جرت استعارات لم يسبق ان شهدتها تنظيمات الإسلام السياسي واليسار والماركسي. فالراديكالية الإسلامية التي افضت لاحقاً الى شبكات «الجهاد» وصولاً الى القاعدة، بدأت تغذي خطابها بعدد من المفاهيم اليسارية التي كانت غائبة عن الخطاب الإسلامي التقليدي ممثلاً بخطاب الإخوان المسلمين. ويعرض ابو هنية سلسلة من هذه المفاهيم والعبارات المستمدة من القاموس اليساري والمسقطة على الخطاب الإسلامي على نحو تماثلي. فالإمبريالية اصبحت طاغوتية، والأنظمة العميلة صارت انظمة كافرة ومرتدة، وعبارة «حزب ثوري متراص متين» استعيض عنها بـ «طليعة مقاتلة وجيل قرآني فريد».

    طالما كان الإسلام ركيزة في الوطنية الفلسطينية منذ بدايات تشكل ملامحها. مسجدا الأقصى والبراق هما علامتان مركزيتان في هذه الوطنية، والرموز المؤسسون لهذه الوطنية معظمهم من المفتين والمشايخ وابنائهم. فالحاج امين الحسيني كان مفتي القدس، والشيخ عز الدين القسام القادم الى فلسطين من جبلة السورية لعب دوراً اساسياً في اسلمة الوطنية الفلسطينية، واحمد الشقيري كان ابن مفتي عكا اسعد الشقيري. وعلى هذا النحو التبس في «فتح» الإسلام بالهوية الفلسطينية. لكن الإسلام الراديكالي الفلسطيني وعلى قدر صدوره في سبعينات القرن الفائت من وطنية فلسطينية، صدر ايضاً عن نفي لها من خلال استبدالها بالدولة الإسلامية اينما اتيح لهذه الدولة ان تكون. كما ان فلسطين في خطاب هذه الجماعات هدف يجب التمهيد للوصول اليه عبر اسقاط «النظام العربي» كله. وهكذا وشيئاً فشيئاً بدأ «المجاهدون الفلسطينيون» بالابتعاد عن فلسطين، وكلما اوغلوا في هذا الابتعاد تلاشت فلسطين كوطن واستحضرت كشيء مقدس او كفكرة. وربما اسهمت هذه الميول في جعل الاقتراب من هذا المقدس امراً يشبه المستحيل. فكلما سألت «مجاهداً» فلسطينياً في الأردن سبق ان ذهب الى افغانستان او الى العراق عن سبب اختياره «الجهاد» في تلك البلاد بدلاً من فلسطين اجاب ان ذلك مستحيل وان الحدود مقفلة. ففلسطين «قبلة الجهاد المؤجل»، و»المجاهدون» ذهبوا الى الشيشان وافغانستان والبوسنة واخيراً العراق استعداداً له.

    لا شيء معداً لاستقبال السلفية الجهادية ونسخها «القاعدية» كما هي معدة المخيمات الفلسطينية في الأردن. هوية متصدعة ومتنازعة بين فلسطين والأردن وفقر وكثافة سكانية كبيرة، وحضور للدين بصفته ملجأ بديلاً لكل هذه الحرمانات. وتخترق موجات التدين التقليدي عناصر اجتماعية واقتصادية لا حصر لها. فتارة يدخل الفلسطينيون العائدون من الكويت بعد حرب الخليج الثانية مكونات ثقافية جديدة على البنى الدينية، وتارة اخرى ينفخ ابو مصعب الزرقاوي الرماد عن «جمرة الإيمان» الى ان تتولى اسرائيل الخطوة الثالثة فترسل الى هذه المخيمات دفعة لاجئين جديدة تضاعف من خصوبة التطرف.

    تسعينات القرن الفائت انتجت جيلاً جديداً من «المجاهدين السلفيين» الفلسطينيين، وهؤلاء كما نظراؤهم في العقود السابقة تحولوا الى نجوم «الإسلام الجهادي» في العالم. انهم عصام البرقاوي (ابو محمد المقدسي) وعمر محمد عثمان ابو عمر (ابو قتادة الفلسطيني) وعمر يوسف جمعة (ابو انس الشامي). المقدسي والشامي كانا من ضمن الفلسطينيين العائدين من الكويت الى الأردن بعد حرب الخليج الثانية وابو قتادة غادر الأردن عام 1992 الى لندن التي استقر فيها واعتبر منذ ذلك الحين مفتي التنظيمات الاسلامية المتشددة في اوروبا واعتقلته قبل نحو سنتين السلطات البريطانية. ابو انس الشامي تحول الى المسؤول الشرعي لتنظيم الزرقاوي في العراق وقتل هناك، وابو محمد المقدسي ما زال في السجن في الأردن منذ سنوات عدة.

    انهم جيل الأفغان الفلسطينيين الذين لم تلدهم حركة «فتح»، اي ان بينهم وبين فلسطين كوطن قطيعة مكرسة. فلسطين هي احدى القبلتين بالنسبة اليهم، وعلى قدر ما هي كذلك هي بعيدة. ابو قتادة غادر الى لندن وابو انس الشامي الى العراق، وقبل ذلك غادر الثلاثة الى افغانستان بدل ان يغادروا الى فلسطين. ولكن جميع متابعي التنظيمات السلفية الجهادية في الأردن يؤكدون ان القضية الفلسطينية كانت جزءاً من هموم «الإسلام الجهادي» بصيغته السلفية و»ان ناشطي هذا التيار اينما ذهبوا كانت فلسطين وجهتهم حتى لو لم تكن». ويقول ابو عبدالله الفلسطيني «تركت فلسطين وذهبت الى العراق، فهناك شعب مسلم، والجهاد لنصرة اي مسلم هو نصر لفلسطين».

    لكن اليوم ثمة جيل جديد من «المجاهدين السلفيين»، انه جيل هجين بحسب المصادر الأمنية الأردنية. جيل غير مراقب ولم يذهب الى افغانستان. بعض ابناء هذا الجيل ذهب الى العراق. ولكن قدرات التجنيد اصبحت اكبر ولم يعد بوسع الأجهزة الأمنية الاكتفاء بوسائل المراقبة التقليدية. ويبدو ان حصة الساحة الفلسطينية في مناطق الشتات بشكل اساسي ثم في مناطق الضفة وغزة كبيرة فيه. كيفما تجولت في المخيمات الفلسطينية وفي مناطق الفلسطينيين في الأردن ستشعر بحجم تأييد هذه التيارات الراديكالية الإسلامية. وستزداد قناعة بأن المعالجة الأمنية ليست السبيل الوحيد للحد من هذه الظاهرة.

    في رسالة وجهها ابو محمد المقدسي من سجنه للزرقاوي قال فيها ان عينه اليوم على منطقة غرب النهر. الرسالة اثارت حفيضة الزرقاويين في الأردن، اذ اعتبرت بمثابة سحب غطاء شرعي عن اعمال الزرقاوي في العراق ودعوة للبدء بالعمل في الضفة الغربية وقطاع غزة. ومريدو المقدسي من فلسطينيي الأردن لطالما وجد بينهم من هو متنقل بين ضفتي النهر الشرقية والغربية، كما ان كتب «السلفية الجهادية» بدأت تتسرب الى غرب الضفة على نحو كبير، وهذا كله من علامات البداية. اما الاشارة التي التقطها كثير من المراقبين والمتعلقة ببداية عمل لـ «القاعدة» في الضفة والقطاع فهي الرسالة التي وجهها الشخص الثاني في التنظيم ايمن الظواهري الى قيادة «حماس» والتي يعتبر فيها ان الحركة انزلقت الى الديموقراطية والإنتخابات وينبئها بأن خيارات بديلة ستكون بمتناول الفلسطينيين.

    تؤكد المصادر الأمنية الفلسطينية ان «القاعدة» لم تعين اميراً لفلسطين مستقلاً عن «امارة الشام» كما هي الحال مع الزرقاوي وامارته للتنظيم في العراق، ما يعني ان فلسطين ليست هدفاً مستقلاً حتى الآن عن لبنان وسورية والأردن. ولكن هذه المصادر تتوقع ان يتم ذلك في وقت قريب. اما المصادر الأمنية الأردنية فترى فارقاً بين عمل «تنظيم القاعدة» وبين فروعه المحلية. فالأمراء الذين تعينهم «القاعدة الأم» للأقاليم مهمتهم تجنيد عناصر للعمل خارج مناطقهم، وعندما ارادت «القاعدة الأم» استهداف اسرائيل ارسلت باكستانيين لهذه المهمة، وهي سبق ان اعتمدت على الكثير من الفلسطينيين ولكن خارج فلسطين. هذا لا يعني طبعاً ان الفروع المحلية لـ»القاعدة» ستتشكل وفق المنطق نفسه، لكن وظائف هذه الفروع ومهماتها ستخضع لمنطق شبه مستقل.

    وصول «القاعدة» الى مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة لم يعد مسألة اجرائية. «القاعدة» صارت اسلوب عمل وتفكير ومن يتبنى اسلوب الاعتقاد يبقى عليه ان يعمل وهذا ليس بالأمر العسير. والمشكلة ان الخلاف مع «القاعدة» في الكثير من الاوساط الإسلامية يقتصر على اسلوب العمل وليس على الأهداف، ويبقى الأنتقال من مرحلة الاعتقاد بالتغيير الهادئ الى التغيير بالوسائل العنفية مسألة تقنية فقط. وفي فلسطين يسهل تبديد المسافة في ظل الاخفاق المتواصل لعملية السلام.

    يروي احد اصدقاء المسؤول الشرعي لتنظيم «قاعدة الإسلام في بلاد الرافدين» ابو انس الشامي ان الأخير كان سلفياً اصلاحياً ولم يكن يؤمن بالعنف وسيلة لنشر الدعوى. عملية التحول التي اصابته لم تستغرق اكثر من شهور قليلة امضاها في السجن حيث احتك بعدد من «الجهاديين» الذين تمكنوا من نقل ولائه، فخرج من السجن وانتظر فرصة للالتحاق بالزرقاوي وهكذا فعل. وابو انس وفي روايته لحكاية معركة الفلوجة الأولى عام 2004 يشير في اكثر من مكان الى ضعف ثقافته العسكرية والى خوفه وتردده، وهذه عبارات نادرة في قاموس «الجهاديين".
    :Iraq:من بريد شبكة العراق الثقافية:Iraq:

  3. #3

    افتراضي

    بعدما تناولت حلقة امس «القاعدة» في الشتات الفلسطيني ومحاولات ايصالها الى الداخل، تتناول "الحياة اللندنية"اليوم التيارات «السلفية الجهادية» داخل مدينة غزة ومناطق الضفة الغربية، وترصدً الفارق بين «الجهاد العالمي» الذي تبنته «القاعدة» والجهاد الوطني» الذي تخوضه الأحزاب والحركات الأسلامية الفلسطينية مثل حماس والجهاد الأسلامي. كما نتناول اليوم مسألة البيئة الأسلامية الحاضنة للأفكار «الجهادية»، ومعلومات عن بدايات اختراق لـ«القاعدة» في غزة.

    ترجِّح مصادر أمنية وأخرى «جهادية» في عمان ان تلعب شبكة الإنترنت دوراً كبيراً في بناء شبكات لـ «القاعدة» داخل الضفة الغربية وقطاع غزة. ويقول ناشط فلسطيني إسلامي «نحن لا نتحدث عن إيصال أفكارنا عبر الشبكة، فأفكارنا وصلت، وانما نتحدث عن بناء تنظيم وهو أمر يحتاج الى استعدادات هي اليوم متوافرة اكثر من اي يوم سابق وإمكان التفلت من المراقبة امر ممكن عبر الشبكة فقط». ويتحدث مسؤول أمني أردني عن جيل «قاعدي» جديد محترف ويتمتع بقدرات «اتصالية» عالية تمكنه من الوصول الى مناطق خارج الرقابة الأمنية.

    الباحث حسن هنية يرى ان اللحظة مناسبة لـ «القاعدة» لبدء التأسيس في الداخل لكنه يتوقع ان تستمر مرحلة التأسيس سنوات قليلة قبل بدء العمل الفعلي. ويقول: «انها طريقتهم في العمل، ففي بداية تسعينات القرن الفائت كان مناصرو القاعدة والفكر السلفي الجهادي قلة في الأردن، وبعد ان اتُخذ القرار ببدء العمل لم تمض سنوات قليلة الا وكانت القاعدة منتشرة ولها جماعات وانصار». يعزز ما قاله هنية كلام لأحد الناشطين في «التيار السلفي الجهادي» اذ قال ان «اي عمل ينسب اليوم الى «القاعدة» في الضفة وغزة سيكون بمبادرة شخصية وستقوم به مجموعات غير منظمة والفرع الفلسطيني لـ «القاعدة» لن يبدأ العمل قبل اكتمال التحضيرات».

    ولكن ما هي تلك اللحظة التي أشار اليها اكثر من مصدر؟ لماذا دقت ساعة عمل القاعدة في الضفة والقطاع؟ الإجابة الدائمة تفاوتت بين الهدنة التي أعلنتها حركة «حماس» وانخراطها في العملية السياسية وفوزها بالانتخابات. ولا يبدو هذا الكلام نظرياً او تحليلياً إنما ايضاً مبنياً على معلومات لدى اكثر من جهة امنية وسياسية في عمان تشير الى بداية تململٍ في القيادات والقواعد في الجناح العسكري لـ «حماس». خصوصاً ان الانتقال الى العمل السياسي والتفاوض يترك قطاعاً واسعاً من ناشطي الحركة للاستهداف الإسرائيلي الذي لم يتوقف، في وقت قررت فيه القيادة السياسية نقل جهودها الى صعيد آخر. فـ «حماس» التي فازت على نحو فاجأ قيادتها اصلاً لم تكن أعدت نفسها وقواعدها للدور الذي اضطلعت به اليوم. ولطالما عرّضت المراحل الانتقالية تنظيمات مثل «حماس» لارتجاجات داخلية سينجم عنها بحسب اكثر من مراقب انشقاق مجموعات راديكالية، وستعزز سياسة الاستهداف الإسرائيلية الميل الانشقاقي هذا.

    يؤكد ابو محمد ان نحو مئتين من الجناح العسكري لـ «حماس» في مدينة غزة يقودهم مسؤول عسكري معروف بدأوا اتصالات مع جهات خارج الحركة احتجاجاً على الهدنة. ويتحدث «السلفيون الجهاديون» في الأردن عن رسالة وجهت عبر موقع الكتروني من قيادة «تنظيم القاعدة» الى «المجاهدين في فلسطين» موقعة من المقداد عمر، حملت نصائح ودعوى لعدم الالتزام بالهدنة ورفض العملية السياسية. واشاروا الى ان الرسالة وُجهت الى المسؤول العسكري لكتائب القسام محمد ضيف وانه قرأها، وهي نشرت على موقع خاص بـ«القاعدة» في فلسطين هو(WW.ALOMMH.NET).

    عوامل كثيرة تجعل من الربط بين صدمة استلام حماس السلطة وبين تمكن «القاعدة» من اختراق مناطق الضفة والقطاع امراً ممكناً. اذ ان تمكن الجماعات «السلفية الجهادية» من الوصول والانتشار في البيئة الأردنية والفلسطينية حصل وفق منطق مشابه. فهذه الجماعات في الأردن هي في شكل او آخر انشقاقات راديكالية عن جماعة الأخوان المسلمين في الأردن. شيوخ ودعاة وناشطون شعروا بأن جماعة الأخوان لا تلبي تطلبهم العنفي. وشكل انخراط الإخوان في الحياة السياسية وتحالفها مع الملك ثم توزير مسؤولين فيها ولاحقاً خوضها الانتخابات النيابية لهؤلاء خروجاً عن مفهومهم للدعوة. وهذه الانشقاقات حصلت في البداية في البيئة الفلسطينية في الأردن ولم تنتقل الى البيئة الاخوانية الشرق اردنية الا في اوائل تسعينات القرن المنصرم. و «حماس» هي امتداد فلسطيني لحركة الأخوان المسلمين الأردنيين، وربما فاق الوليد والده حجماً ودوراً، ولكن جينات الوالد حاضرة في المجتمع «الحماسي». ويضاعف من قيمة هذه المعادلة حقيقة ان «حماس» نشأت بدفع من صقور الأخوان الأردنيين ومن قطبييها، وما يميز «حماس» عن تنظيمات الإسلام «الجهاد العالمي» هو ما يسميه حسن هنية «وطنية سلفيتها»، وهنا ندخل في منطقة ضيقة يسهل فيها القفز بين الفروق الطفيفة للاعتقادات.

    «حماس» هي اليوم مجتمع الاخوان المسلمين في الضفة والقطاع، كما هي مجتمعهم في المخيمات الفلسطينية في الأردن. وكما كانت هذه المخيمات (الاخوانية) المحاضن الفعلية لجماعات «الجهاد العالمي» الخارجة من عباءة الاخوان، يُتوقع ان يشكل مجتمع الاخوان في الضفة الغربية اليوم محاضن وان موضعية للخارجين عن «حماس» ممن دفعت بهم ظروف المواجهة مع اسرائيل الى التحول الى هدف محتمل للاغتيال والقتل. علماً ان ثمة معضلة فعلية تواجه عملية التسوية اليوم وتتمثل بأن مئات، وربما اكثر، من الناشطين في «حماس» وغيرها من الصعب تحولهم الى العمل السياسي على رغم دخول «حماس» في هذا العمل وتشكيلها الحكومة. ويقول مصدر امني اردني « المقدسي (عصام البرقاوي) والزرقاوي لم يعملا في السابق في الضفة والقطاع. في الفترة السابقة اقتصرت الحرب على «حماس» و «الجهاد» و «فتح» من جهة وعلى اسرائيل من جهة اخرى. لم يكن الوقت متاحاً ولم يكن هناك استرخاء لبناء خلايا عبر الكتب والإقناع. كانت أهداف «القاعدة» مصالح غربية وهو امر لو حصل في فلسطين لكان اصطدم بمصالح «حماس» و «الجهاد». والذي تغير الآن هو مشاركة «حماس» في الانتخابات الفلسطينية وتشكيلها الحكومة، وهذا الأمر سيولد تذمراً في أوساط الجناح العسكري».

    لا معلومات محددة لدى الأمن الأردني عن نشاط لـ «القاعدة» في الضفة الغربية على رغم ميل الأجهزة الأمنية الأردنية الى الاقتناع بأن الأمر ممكن. اما في غزة فتجزم مصادر هذه الأجهزة ان ثمة من بدأ يعد نفسه للإلحاق بـ «القاعدة». وكشفت هذه المصادر عن ان مجموعة العشرة ناشطين في «القاعدة» في غزة تم تجنيدهم عبر الانترنت وانهم اليوم في مرحلة الإعداد والتحضير، وان هذه المجموعة تستعمل في تحركاتها وسائل تمويه لم يسبق ان اعتمدتها تنظيمات فلسطينية مثل تكليف نساء بمهمات الاتصال ونقل الأسلحة. ولاحظت هذه المصادر تزامن ذلك مع بداية اعتماد ابو مصعب الزرقاوي في العراق على النساء في عددٍ من المهمات والتحركات. وفي سياق ربط المعلومات عن تحرك هذه الجماعات في غزة وبين ما يجرى في العراق لفتت المصادر الأردنية الى ان اسم التنظيم «التكفيري» «كتائب الناصر صلاح الدين» الذي يعمل في غزة ويقوده جمال ابو سمهدان، تستعمله ايضاً جماعة تعمل في العراق وتصدر بيانات تتبنى فيها عمليات ضد الأميركيين والجيش العراقي. وليس لدى الأمن الأردني معلومات عن علاقة بين التنظيمين ولكن الأمر بالنسبة اليهم يحتاج الى التوقف عنده، ويشير الى بداية تماه بين الجماعات في العراق وغزة.

    اما سبب تقدم غزة على الضفة في استقبال «الفكر السلفي الجهادي» وتنظيماته العسكرية والأمنية فمرتبط الى حد كبير بالكثافة السكانية العالية وبانتشار الأحزاب الإسلامية منذ بداية الانتفاضة الأولى. كما ان الرقابة الإسرائيلية على الضفة الغربية كانت اشد منها على القطاع. وهنا لا بد من الإشارة الى الدور الإسرائيلي في تعويم التيارات الإسلامية في نهاية سبعينات القرن الفائت في مواجهة «فتح» والتيارات القومية واليسارية التي لعبت ادواراً في بداية الانتفاضة الأولى. فإسرائيل كانت خبرت حركة الاخوان المسلمين وخياراتها التقليدية واعتبرت ان براغماتية هذه الحركة ربما كانت مدخلاً لتمثيل فلسطيني بعيد من منظمة التحرير الفلسطينية. لكن الإسرائيليين تفاجأوا بسرعة انتشار الحركات الإسلامية وبتحولها الى حركات مقاومة، وادركت متأخرة ان المواجهة المقبلة ستكون مع هذه التيارات وكانت الخطوة الأولى قيامها بإبعاد عدد من ناشطي «حماس» الى منطقة مرج الزهور في لبنان في مطلع تسعينات العام الفائت.

    وغزة كانت مسرح الميل الإسرائيلي الأول للتعاطي الهادئ مع الاخوان المسلمين الفلسطينيين وهي ايضاً كانت مسرح المواجهات الأولى معهم. ففي نهاية السبعينات لم تعترض السلطات الإسرائيلية على إنشاء الجامعة الإسلامية في غزة، وهذه الجامعة تحولت الى احد المحاضن الفعلية للحركات الإسلامية في المدينة. وحاولت اسرائيل استثمار ثنائية ما يسمى الداخل والخارج مراهنة على استمالة الداخل بصفته بديلاً عن منظمة التحرير الفلسطينية، والاخوان كانوا جزءاً من هذا الداخل.

    في مرحلة لاحقة اكتشف الإسرائيليون عقم رهانهم هذا، فقد اكتشفوا متأخرين ان تلك البيئة سيسهل استثمارها من قبل الراديكاليين. وطبعاً يذكر تأخرهم هذا بتأخر الأميركيين في توقع ما أفضت اليه ظاهرة الأفغان العرب التي ساهموا في تعاظمها.

    غزة تحولت مع بداية الانتفاضة الى المنطقة التي يشار الى الحركة الإسلامية فيها بوصفها الداعي الى «تعجيل الجهاد». فـ «حماس» التي ظهرت مع بداية الانتفاضة الأولى شهدت نقاشاً بين جناحين اخوانيين داخلها جناح «غزي» يدعو الى استعجال «الجهاد» واعلان إنشاء الحركة وآخر من الضفة الغربية فضل في البداية ان يسبق الإعلان عمل في التثقيف والتعليم بما يمهد لهذا الإعلان، وفي النهاية تمكن أصحاب الرأي الأول من فرض توجههم.

    لا يعني هذا العرض لبداية نمو حركات «المقاومة الإسلامية الفلسطينية» في غزة ربطاً بين البنى التنظيمية لهذه الحركات وبين شبكات «الجهاد العالمي» و»القاعدي»، ولكن البنى الأجتماعية والدينية متقاربة بحيث لا يمكن للباحث في إمكان ان تجد «القاعدة» موطئ قدم لها في غزة او الضفة الغربية إلا ان يبحث في البيئة الحركية الإسلامية اولاً. فالمسار نفسه يمكن رصده في معظم مسارات الحركات الراديكالية. ولكن وفي الحال الفلسطينية من الممكن رصد حركة معاكسة ايضاً. ففي مقابل المسار المعهود لشخصيات راديكالية اسلامية فلسطينية بدأت عملها بالقضية الفلسطينية ثم تـجاوزتها او «هجرتها» الى أفغانستان (عبدالله عزام) او «لندنستان» (أبو قتادة) اي انتقلت من «الجهاد الوطني» الى «الجهاد العالمي»، ثمة من بدأ في «الجهاد العالمي» ثم انتقل الى «الجهاد الوطني» من أمثال قادة «حركة الجهاد الإسلامي» عبدالعزيز عودة وفتحي الشقاقي ورمضان شلح. فهؤلاء ذهبوا الى مصر في بداية السبعينات للدراسة وهناك التقوا برموز الجماعات الإسلامية القطبية التي كانت بدأت تنشط في الجامعات المصرية حينها وتأثروا بصالح سرية الذي زاملهم في الجامعة، وبمحمد سالم الرحال، وكذلك بالناشطين المصريين من امثال عبدالسلام فرج.

    واعتقل المصري عبدالعزيز عودة وفتحي الشقاقي من قبل الأمن المصري نتيجة علاقتهما بـ «حركة الجهاد» المصرية. كما ارتبط لاحقاً قادة «حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين» بـ «الثورة الإيرانية» وزاروا طهران في بداية الثورة، لكنهم وعلى رغم احتكاكهم بتجارب «الجهاد العالمي» عادوا وأسسوا حركتهم «الفلسطينية» في غزة.

    ويمكن هنا تسجيل ملاحظة حول الفارق بين معتنقي «الجهاد العالمي» بعد تجارب وطنية، وبين العائدين من «الجهاد العالمي» الى «الجهاد الوطني»، هو ان معظم الأولين من أبناء الشتات الفلسطيني وتحديداً مخيمات الأردن، بينما الآخرون هم من الداخل وتحديداً من مدينة غزة.

    من الممكن سحب هذه العلاقة التماثلية بين الجهادين الوطني والعالمي على بدايات نشوء حركة «حماس» وان على نحو مختلف. فقد شهدت الحركة بحسب مقربين منها في تلك الفترة تجاذباً بين قيادات الخارج القادمة في حينها من الكويت عقب حرب الخليج الثانية (خالد مشعل ومحمد نزال وعماد العلمي وموسى ابو مرزوق) وقيادات الداخل في غزة (عبدالعزيز الرنتيسي ومحمود الزهار واسماعيل ابو هنية). قيادة الخارج كانت تريد الانتقال من «المقاومة» السلبية عبر الأطر الشعبية والتحركات الاحتجاجية، الى المقاومة «الإيجابية» اي العمل العسكري المباشر.

    اما قيادة الداخل فكانت تريد الاستمهال. اذاً لطالما كان الخارج والشـــتات اكثر راديكالية من الداخل، وهو أمر يفسر ايضاً بعض جوانب تأخر «القـــاعدة» بالوصـــول الى الداخل الفلسطيني، هذا التأخر الذي يقول بعض المــترددين على الأوساط «القاعدية» انه يسبب الكثير من الأرباك في الوسط «الجهادي السلفي» ويطرح شكوكاً واسئلة حول دور هذه الجماعات ووظيفتها.

    على نحو ما كانت «عالمية» دعاوى عبدالله عزام «الجهادية» غير منفصلة عن معضلته الفلسطينية، كذلك لا تخلو فلسطينية حركة «الجهاد الإسلامي»، وحركة «حماس» (وان بدرجة اقل)، من «عالمية» لطالما نقلت نزاعات في مناطق بعيدة من العالم الى قلب القضية الفلسطينية. وفي منطقة المراوحة هذه تجد «القاعدة» حظوظها في القضية الفلسطينية. انها المنطقة التي تضيع فيها الحدود بين فلسطين كوطن وفلسطين كوديعة مقدسة، وهذه الثنائية تكاد تكون ملمحاً ثابتاً في الهوية الفلسطينية، ولكنه ملمح يعرضها الى ضياع الأرض وبقاء الفكرة. هذا الافتراض يوازي تماماً الفارق بين «السلفية الوطنية» و «السلفية الجهادية العالمية» والتنقل بينهما، فكيف سيكون الحال اذا لم يكن للأولى اصل متين في كتب السلف واجتهادات اتباعهم؟ ربما تمثل الجواب بعد الانتخابات الفلسطينية بأن من السهل هجرها والالتحاق بـ «الجهاد العالمي».

    وبالأضافة الى سلفية «حماس» «الوطنية» لطالما انتشرت في مناطق الضفة الغربية وحتى في داخل مناطق الخط الأخضر جماعات سلفية خارج حركة الاخوان المسلمين. وحدث اكثر من مرة ان خرج عن هذه الجماعات افراد ومجموعات «جهادية» بعضها تم تفكيكه وأخرى انتقلت الى العمل الدعوي. ففي 1979 أسس الشيخ عبدالله نمر درويش وهو من عرب اسرائيل تنظيم «اسر الجهاد» ونفذ هذا التنظيم عمليات عسكرية عدة قبل ان يعتقل مؤسسه ويسجن لمدة خمس سنوات. وبعد الإفراج عنه أعلن عن تراجعه عن افكاره وأسس الحركة الإسلامية في فلسطين وانخرط في العملية السياسية الإسرائيلية. وهناك شخص آخر في الضفة الغربية هو ضياء الدين القدسي وهو ممن خاضوا التجربة الأفغانية وعاد الى الضفة واستطاع تكوين مجموعة مناصرين، لكنه اليوم معتقل ايضاً.

    يقول مسؤول سابق في السلطة الفلسطينية رفض ذكر اسمه «التفكير السلفي الجهادي الذي نعرفه بدأ يتغلغل في مرحلة متأخرة في الضفة الغربية. وبدأت مجموعات صغيرة بالتشكل في اكثر من منطقة عن طريق الإنترنت والكتب والمنشورات التي تصل من الأردن ومن مصر. هذا الأمر سيكون الشغل الشاغل للأجهزة الأمنية الإسرائيلية في السنوات الثلاث القادمة». اما المسؤول الأمني الأردني فيقول ان السلطات الأدرنية لا تتابع الجماعات السلفية الجهادية في غزة بلنا ومن المهم معرفة قنوات اتصالها بالخارج حتى يتم تحديد إمكاناتها وأهدافها».

    «السنوات الثلاث المقبلة ستكون سنوات «القاعدة» في الضفة والقطاع» يردد هذه العبارة في الأردن مسؤولون سياسيون وأمنيون ومتابعون لـ «مسارات القاعدة»، و «جهاديون». فوز حماس في الانتخابات الفلسطينية أيقظ هذا الافتراض، وكذلك انسداد أفق التسوية.

    انشقاقات إقليمية في «القاعدة» ... والزرقاوي تحدى المقدسي بتفجيرات عمان

    شرح مسوول أمني أردني لـ«الحياة» آلية عمل تنظيم «القاعدة» في الأشهر الأخيرة كما رصدتها اجهزة الأمن الأردنية، فقال إن هناك ثلاثة انواع من العمليات التي ينفذها تنظيم «القاعدة» في العالم. الأول هو الذي يصدر ايمن الظواهري اوامر مباشرة بتنفيذه، والثاني هو الذي تترك تقديراته للمجموعات والشبكات المنتشرة في العالم، والنوع الثالث هو ذلك الذي يتم الأيحاء به عبر المواقع الألكترونية «الجهادية» والتي تتضمن صفحاتها في الكثير من الأحيان رسائل مشفرة لأناس محددين تكون بمثابة تكليفهم بمهمات وعمليات.

    وأكد المسؤول الأمني ان كلاً من اسامة بن لادن وايمن الظواهري مختبئان في ولاية وزيرستان الباكستان.

    وكشف عن ان بن لادن عين أخيراً مسؤولاً للعلاقات الخارجية في «القاعدة» وهو مصري يدعى سعيد، وكان عمل سابـــقاً مسؤولاً مالياً في التنـــظيم.

    وقال ان ثمة انشقاقات شهدتها «القاعدة» في الآونة الأخيرة كان ابرزها انفصال ابو الليث الليبي، الذي استقل بمجموعة مناصرين له وفضل العمل منفرداً داخل افغانستان، ورجح ان تكون وراء هذه الانشقاقات قـــــيام بـــن لادن بتقريب المصريين اليه على حساب محازبيه من الجنسيات الأخرى.

    المسؤول الأمني اشار الى ان بن لادن اعاد تعيين امراء للمناطق، فعين اميراً لأوروبا وآخر لبلاد الشام (سورية ولبنان وفلسطين والأردن) وهو سوري يتنقل بين لبنان وسورية ويحاول تجنيد ناشطين من البلدين.

    ولفت الى ان ابو مصعب الزرقاوي هو امير العراق فقط، وان العمليات التي نفذها او حاول الأخير تنفيذها في الأردن تدخل في سياق عملية انتقامٍ خاصة للزرقاوي في الأردن.

    مصدر آخر وصف عمليات فنادق عمان التي نفذها الزرقاوي بأنها رسائل داخلية اراد الزرقاوي توجيهها الى شيخه ابو محمد المقدسي الذي سبق ان كتب رسالة للزرقاوي من سجنه المح فيها الى الحصار الذي يعانيه «الجهاديون» في الأردن جراء وضع الزرقاوي اياهم في مجال الشبهة.

    وذكر الزرقاوي بصعوبة اعتماده على اردنيين في عملياته في الداخل. ويبدو ان الرسالة خلفت مرارة بين الرجلين واراد الزرقاوي ان يقول لشيخه: «ما زلت استطيع التحرك في الأردن» وقام بتفجير الفنادق عبر عراقيين هذه المرة.

    رحلة «جهادي» فلسطيني الى جبال الـ«اندوكوش»

    في ما يأتي رواية لفلسطيني عائد من افغانستان:

    «عندما قررت الذهاب الى أفغانستان عام 1987 لم يكن قراري ناجماً عن قناعة ولدها فيّ احتكاكي بمشايخ المجاهدين. قررت الذهاب من تلقائي. كنت هنا في الأردن أتابع أخبار المجاهدين في أفغانستان واقرأ منشوراتهم التي كانت توزعها حركة الأخوان المسلمين، وكانت فلسطين بعيدة المنال. قصدت السفارة الباكستانية في عمان، وكان رئيس الوزراء الباكستاني في حينها ضياء الحق يشجع على الذهاب الى باكستان للجهاد، ولكن كان ذلك يتم عبر الجمعيات والأحزاب الإسلامية لا بمبادرات فردية. وبناء على ذلك لم تقبل السفارة في البداية إعطائي تأشيرة دخول، الى ان أعدت المحاولة مدعياً انني أريد الذهاب لأتقدم بطلب انتساب الى إحدى الجامعات الإسلامية في العاصمة الباكستانية، فنلت التأشيرة.

    انزلتني الطائرة في مطار كراتشي، ومن كراتشي استقلت طائرة أخرى الى بيشاور، وما ان وصلت الى المطار حتى اتصلت ببيت الأنصار الذي كان أعده الشيخ عبدالله عزام لاستقبال المجاهدين العرب، وكنت حصلت على رقم هاتف بيت الأنصار من احدى المجلات التي كانت تصدرها جماعة الاخوان المسلمين في الأردن. وجاء لاستقبالي احد الأخوة المكلفين تنظيم قدوم المجاهدين العرب. وصلت الى دار الضيافة التابع لبيت الأنصار حيث أمضيت اياماً قليلة قبل ان يتم توزيعنا على معسكرات التدريب ولاحقاً الى الجبهات.

    في بيت الأنصار الذي أسسه الشيخ عبدالله عزام كان هناك الكثير من الفلسطينيين، لا بل ان هذه المؤسسة قامت في البداية على أكتاف الشيخ عبدالله وانصاره من الفلسطينيين ومن بينهم مساعده عدنان التميمي وآخرون قد لا يكون مناسباً ذكرهم هنا. لقد كان واضحاً لي في البداية ان العنصر الفلسطيني في حركة المجاهدين العرب هناك طاغ، وعلمت لاحقاً ان اسامة بن لادن كان يقدم الفلسطينيين على غيرهم من ابناء الجنسيات الأخرى، حتى في شركاته واعماله التجارية سواء في السعودية أم لاحقاً في السودان.

    بعد أيام قضيتها في دار الضيافة التقيت خلالها الشيخ عبدالله عزام وزعنا على معسكرات التدريب التي كان من المفترض ان نمضي فيها ستة أشهر، ولكن تم اختصار هذه المدة الى شهرين بسبب إلحاح المهمات خارج معسكرات التدريب. وخلال هذه المدة كانت المناوشات بدأت بين الحزب الإسلامي بقيادة قلب الدين حكمتيار والجمعية الإسلامية بقيادة رباني. وكانت قوات احمد شاه مسعود تقف الى جانب رباني. أشعرتني النزاعات الأفغانية بإحباط كبير فقد كنا في الأردن نعتقد انه عندما سنذهب الى افغانستان سنجد ان الملائكة تقاتل الى جانبنا، وان جهادنا في تلك البلاد هو مقدمة لجهادنا في فلسطين.

    فرزت للعمل في ولايات نجار وطالقان وولايات الشرق والجنوب، وهناك وجدت ان القبلية والولاء للقبيلة أولوية على كل شيء. فقد كان المجاهدون الأفغان مثلاً أسروا جنرالاً افغانياً شيوعياً، وكانوا يعاملوه في شكل جيد ما أثار تساؤلاتي، ويوماً تقدمت من أحد المسؤولين وسألته لماذا لا نعدم هذا الجنرال الذي تسبب بقتل المئات من المجاهدين، فأجاب انه (اي الجنرال) ابن عشيرة كبيرة لا نستطيع استفزازها. كان الولاء للعشيرة متقدماً على اي ولاء آخر، وصفيت من طريق الجهاد الأفغاني حسابات كثيرة.

    كان على مشايخنا ان يوضحوا لنا قبل ان نذهب حقيقة الأوضاع في تلك البلاد، فذلك لن يقلل من عزائمنا الجهادية ولكنه كان سيحد من حال الإحباط التي أصابتنا جراء احتكاكنا بهذه التجربة.

    لقد عدت بعد ستة أشهر أمضيتها هناك. في البداية كنت مثقلاً بالخيبات الناجمة عن ما عاينته في أفغانستان. ولكن بعد اشهر على عودتي من هناك بدأت مجدداً بالحنين الى تلك البلاد».
    :Iraq:من بريد شبكة العراق الثقافية:Iraq:

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
 
شبكة المحسن عليه السلام لخدمات التصميم   شبكة حنة الحسين عليه السلام للانتاج الفني