النتائج 1 إلى 6 من 6
  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Nov 2005
    المشاركات
    13

    افتراضي الشيخ السهلاني حياته وشعره

    الشيخ
    محمد جواد السهلاني
    حَياتُهُ ، وشِعرُه
    دراسة نقدية وتحليلية مختصرة في شعر الشيخ السهلاني
    مع أهم أشعاره التي قالها في أغراض الشعر المختلفة

    ح (1)
    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف المخلوقين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين



    المقدمة


    في جدب الغربة القاحل بعيداً عن الفراتين العذبين ـ دجلة وحبيبها ـ كانت السنينُ العجاف تنحت أجمل ذكريات العراق ، فإذا بالمدى الأخضر يتسرّب من بين أصابع الذاكرة ، وهي تنماث في أسيد اللهفة إلى بلد الرافدين .
    غربلتُ ذاكرتي التي بها ولها وعليها أعيش ، وراعني هذا التصحّر الذي بدأ يطرأ بأشكال متنوعة ، وهموم شتى ..
    ولاح لي وجهٌ عراقيّ قرأتُ في ملامحه ملامح أهلي وأعمامي وجيراني ، وتملّيتُ في قامته الشامخة المكابرة ـ رغم المرض والألم ـ تملّيت قامات نخيل العراق ، ونخيل البصرة تحديداً .
    وعاشرته ، فإذا هو ماء الفرات رقةً وصفاءً وعذوبةً ورِيّاً وحين علمتُ أنّ له ( أمواجاً ) مشتتة هنا وهناك ، طغت في عروقي رغبة جامحة : أن أجمعها في تيّار ، يعيد لي تشكيل صورة عراق منتصف القرن العشرين ، وما بعده بعقود .
    كان ـ هو ـ ذكرى وذاكرة ، هل أقول عنها أنها يتيمة ؟
    وكان لا بدَّ لي ـ وأنا أخوض الأمواج ـ أن أُركِن جانباً متبنياتي وقناعاتي الشعرية – الفنيّة ، لأفهم ما تريد أن تهمس به في روجها التقليديِّ الترائي ، وهو يعكس أشعة شمس الإحتراق الشعري في لحظات توهّج القافية ، وصهيل الوزن .
    قرأتُ ، إذن ، مرةً أُخرى من خلال نثار شعره المتبقّي شعرَ الآباء والأجداد ، ووقفتُ على همومه وهمومهم الصغيرة والكبيرة ، وأُسلوبه الذي لم يكن غريباً عليّ ، خاصةً وانني قد ربيتُ في أُسرة تتعاطى الأدب والشعر قديمه وحديثه كما تتعاطى شرب الماء .
    ولذّ لي ذلك ، دون أن يُعكّر صفو مزاجي المستسلِم للماضي هبوطٌ هنا ، أو تكرار هناك ، حتى انتظمتْ أغلب الأمواج ، وهي تستعيد ما بين أصابعي شكلاً قريباً من شكلها الأول ، حينما جمعه ديواناً منذ كان في العراق ، قبل أن تبعثره أوراقاً ( موجةً ، موجةً ) يد الزمن الرديء .
    فإذا استوى على سوقه وأعجب ، وقدّمته إلى قوام نخيل العراق (الجواد السهلاني) فرِح به ، وكأنّ زمناً هارباً وأياماً غاربة من العمر عادت طوع يديه .
    وكان لا بدّ من أن يبدي ملاحظاته وإضافاته ، فكانت صوراً ووثائق ونثراً له ولغيره ، أراد لها الشيخ السهلاني أن تُعانق نبضه الشعري حتى في ديوانه ، وفاء لذكرى خلاّنه وأبناء حُبّه وإخوة دربه . ولم أكتمه عدم رغبتي في ذلك حفاظاً على منهجية الكتاب ورشاقته ووحدة موضوعه ، لكنّه أصر بلطف ، وسكتُّ بحياء ، وكلي احترام لذلك الشعور الفيّاض الذي يُكنّه لأصدقاء ماتوا وخلّفوه ، فأبى إلاّ أن يعيشهم كلّ آن ويحضنهم بشعره وشعوره إلى الأبد .

    وبعد :
    فمع كلّ ما بُذل من أجل جمع شعره ، إلاّ أنّ الذي ضاع أو فُقد أو حوصر كثير ..
    ومع أنّ التباين واضح بين بعض القصائد وبعضها الآخر، إلاّ أن ذلك البعض الذي هو دون صنوه الأول كان نتاجاً في أيام الكبر والمرض ، أو بالأحرى في أيام قهر الكبر والمرض لأنه عندما يُطلق بوحه الشعري ، فإنه يقول : لا للمرض والوهن والسكوت .. نعم للشباب والحياة والأمل .
    هذا الشعار الصارخ بمباشرته هو نفسه شعره الصارخ بمباشرته ، لكنه دليل على عطاء لم ينضب بعد .
    وهذا ما جعلني أُكبره ، وهو يتفجّر بحيوية شبابية مفقودة من كثيرين ، فإذا بي أُنشد مرتجلاً :

    شيخَ الشبابِ : عرائسُ الشِعْرِ


    تفديك بالأرواحِ والعمرِ



    وهّجتَ في دمها ائتلاقتَها

    وسكبتَها في مطلعِ الفجرِ


    فإذا بها حلُمٌ وقافيةٌ

    وعميقُ نجوى في فمِ الزهرِ


    تهفو إليك .. فضُمَّها شَفَقاً

    وانشرْ جدائلَها على الدهرِ



    عبد المجيد فرج الله
    جوار السيدة زينب ـ دمشق 12/ربيع الأول /1422







    الرحلة إلى عالم السهلاني


    على ضفاف شطّ العرب ، وعلى أنغام أمواج الخليج العربي ، وعلى ذكريات المربد البصري ، كانت أصداء القافية العربية مهرةً أصيلة تتواتر في جنبات ثغر العراق الباسم . وكان شعراء فحول يتتالون على منصتها فيتمايل السعف المكتظ ، ويشف البلح اللؤلؤي ، ويتراقص قوام الحنّاء الرشيق ، وتصغي الأرواح وتصيخ الأسماع وتطرب القلوب لبيت من هذا ، أوقصيدة لذاك . وكان الشيخ السهلاني واحداً منهم فكما عرفته البصرة عالماً وكيلاً للمرجعية الدينية ردحاً من الزمن ، عرفته كذلك أديباً شاعراً مطبوعاً شنّف أسماعها وأسماع أبنائها بقصائد كثيرة فعلت فعلها في ذاكرة الأجيال البصرية ، ومعها النجفية ؛ حيث كانت في النجف الأشرف ولادته (1330هج ، 1911م) ودراسته الدينية التي باشرها منذ نعومة أظفاره ، حتى توافر على حصيلة مهمة جداً من علوم الدين والعربية .
    ولقد كانت سحنته البصرية التي هي الطيبة والبساطة والرقة الحانية والوداعة الشفيفة بادية لكلّ من عاشره وعايشه واستمع إليه ونهل منه . وأنت أمامه يتملكك شعور عميق بأُبوّة هذا الرجل ، لكنك لن تحسّ به إلا صديقاً حميماً ، بروحيته الشابة الشفافة ، ولطافة مجلسه الأريحي .
    وقد كتب عنه وترجم له أكثر من واحد من مترجمي رجالات العلم والأدب فهذا الأُستاذ علي الخاقاني في كتابه شعراء الغري يقول عنه :
    " من الشباب الروحي الذي عني بالأدب زمناً ثم عركه الدهر فانتحى عنه جانباً ، وهو أحد لداتنا الذين نشأنا معهم في الجامع الهندي ، ومن أُسرة رمقها المجتمع ، وقد واصل الدراسة في النجف منذ النشأة على يد أساتذة فضلاء ، فنال قسطاً من العلوم ، ونصيباً من الفضل ، وهو اليوم يعيش في ماركَيل من لواء البصرة كمرجع ديني " [1].
    وذكره الشيخ الأميني في معجمه قائلاً :
    " عالم روحي ، وكاتب مبدع ، متتبّع ، عني بالأدب ، وتعاطى النظم ، ونال قسطاً منهما ، انتقل إلى البصرة واستوطنها " [2].
    وقد اقتطفت مجلة الموسم في عددها الأول سنة 1989 من مستدرك شعراء الغري ترجمة وافية للشيخ محمد جواد السهلاني ، منها :
    " هو الشّيخ محمد جواد بن الشيّخ علي بن الشّيخ عبد الرّضا بن الشّيخ جواد الحاج جبر السّهلاني الحميري النّجفي.
    عالم جليل ، وشاعر أديب من مشائخ العراق المعروفين، وأعلامه المبرزين.
    ولد في النّجف الأشرف ، بمحلّة الحويش ، سنة (1330هج/1911م) ، وبهذه الحاضرة العلميّة الكبرى تربّى ونشأ، وفي ظل أسرته العريقة شبَّ بين لداته ، وامتاز بين أقرانه رجل علمٍ ، وأدبٍ ، وفضيلة.
    وآل السّهلاني من عشائر العراق المعروفة بالقوّة والعدد ،ترجع بنسبها العربيُّ الوضّاح إلى (حمير) القبيلة الشهيرة الّتي نزحت فيمن نزح من الجزيرة العربيّة إلى العراق ابان الفتح الإسلامي المظفّر، وتتحد العشائر الحميريّة في جنوب العراق خاصة فيما بعضها باتحادات عشائريّة، وأهمّها عشائر آل سهلان وينضوي تحت هذا الإسم :آل ازيرج ، وأسماء أخرى مثل :البو حواله ، والبو حميرة ، والبو خضير ، والبو ناصر، والبو وطيوط ، والبو يوسف . وهناك عشائر أخرى تمت لهذا الاتحاد بالنّسب الواحد، مثل : طفيل، والسّواعد، وغيرهم الكثير من العشائر الّتي يصعب تعدادها حيث أن العديد من العشائر العراقيّة في الجنوب وحوض الفرات تنتسب إلى حمير .
    أمّا فروع آل السّهلاني خاصّة، فإنَّ منها:
    آل جمعة ، والبوكريدي ، وآل صبيح ، والخميسات ، وآل حرامي ، والمدليات ، والجابر ، وعبادة ، والمخاصيم ، والبو عقيب.
    ويتّصل نسب الشّيخ السّهلاني ببيت من أشراف السّهلانيين ومشائخهم كان يقيم في منطقة (أم الفطور) التابعة إلى (الناصريّة) ، ومكانهم الأساسي كان(المنتفق) وقيل موضع (النيل) في الحلّة عند الفرات الأوسط ، ثمَّ انتشروا في الناصريّة والعمارة و ضواحيهما ، فحوالي سنة (1155هـ /1742م ) نزح من أراضي (البدعة) التّابعة لقضاء (الشّطرة) ـ عطوان بن ربيع بن محمود ـ من آل ازيرج ، مع أُسرة آل محمود ، وآل سهلان ، والبو سعد ، والعبيات ، ولهذه الهجرة سبب واحد ، هو أنَّ إمارة المنتفق كانت تخشى من قيام إمارة الموالي على جانب دجلة الأيمن ، فصارت تشجّع عشائر (الغرّاف) على النّزوح لهذا الجانب تعزيزاً لقوّتها ، فسكنت تلك الأسر الأربع بالقرب من المجر الصّغير ، وبعد مضي زمن غير قصير نشأت خصومات بين هذه الأُسر الأربع المهاجرة ، فعاد إلى (الغرّاف) كل من (آل السّهلان) و (البو سعد) .
    والأراضي التّابعة لهذا الإتّحاد العشائري، كانت حتّى أواسط هذا القرن تشمل ذنائب (المجر الصّغير) ، وقناة (البتيرة) التي تشمل المستنقعات التي تزرع الشّلب ، وتقع معظم الأراضي في الدّاخل بعيدة عن نهر دجلة ، وتزرع الحنطة والشّعير والذّرة أيضاً ، وكان من المشائخ المعروفين عندهم ( سلمان المنشد ) و(شواي الفهد) . وفي النجف الأشرف من السهلانيين العديد من البيوتات ، وبيت المترجم له كان من ارفعها عماداً ، وأكثرها اشتهاراً بتعاطي الأدب والعلم ، مع أسرة آل سبتي الذين هم أبناء عمومتهم ، ونبغ منهم الشاعر النابغة الخطيب الشهير في عصره الشيخ كاظم آل سبتي السهلاني (1258 ـ 1342هج / 1842 – 1923م) الذي برع بالخطابة الحسينية وتقدم فيها حتى لم يكن في وقته من يماثله أو يشاكله في سعة الخبرة وطول الباع وعلو الكعب في الضبط وغزارة المادة وحسن الإلقاء وانتقاء المواضيع ، واختيار الصحيح المأثور .
    وممن ذكر الأسرة المؤرخ الشيخ جعفر آل محبوبة ، ومما قال عنها: " من بيوت الأدب العربية المنحدرة من أصل عربي صحيح ، من عشائر الفرات المعروفة ، وهم آل سهلان ، وتوجد منهم أفخاذ كثيرة ذات عدد وافر في لواء المنتفك ، وهم أهل نجدة وبأس ، وآل سهلان الطائفة الفراتية التي تشغل قسماً كبيراً من فرات الكوفة قطنت الفرات من عهد قديم ".
    ومنهم بيت السهلاني في محلة المشراق في النجف ، اشتهر منهم الشيخ علي السهلاني ، وهو من أهل العلم البارزين ، عُرف في الفضل ، واشتهر بالعلم ، وكان من مشاهير أهل الصلاح ، وله بقية حتى اليوم . وأوّل من نزح إلى النجف من أُسرة المترجم له هو والد جدّه الشيخ جواد ، وكان من أهل العلم ، غير أنّ ولده الشيخ عبد الرضا ( جد المترجم له ) بلغ من العلم ما لم يبلغه والده ، وقد ولد سنة 1235هج ، وكان من أهل الفضل الموصوفين بالنباهة والفطنة ويعد في طبقة الشيخ جعفر البديري والسيد صالح السيد حمد الحلي ، وممن أدركه المؤرخ الراحل الشيخ جعفر محبوبة ، وقال في وصفه : "هو شيخ كبير حسن الشكل نظيف الثياب معتدل القامة ، يعلوه وقار وهيبة ، تخرج بعد وفاة الشيخ كاشف الغطاء على العلاّمة الشيخ محمد حسين الكاظمي والشيخ محمد طه نجف والآخوند الخراساني صاحب الكفاية ، ثم سافر مدّة وسكن عربستان بقصد الهداية والإرشاد ، وهو من المجاهدين جاهد مع جملة من عربستان وحارب الإنجليز في الحرب العالمية الأُولى ، ولما تفرّقت الجيوش الإسلامية عاد إلى النجف حتى انقضت الحرب ، وعاد إلى مقرّه الأصلي ، ثم سكن العمارة وغيرها من البلدان . قضى عمره الشريف بالإرشاد والهداية إلى أن توفّي في البصرة سنة ( 1361 هج ـ 1941م ) ، ونُقل إلى النجف الأشرف ودفن في حجرة الصحن الشريف من جهة القبلة ... أنبه أحفاده الشيخ محمد جواد بن الشيخ علي يقيم في ماركَيل ، وهو من أهل الأدب والكمال " ذاق السهلاني مرارة اليتم وهو في الخامسة من عمره الشريف ، فقد انتقل والده الشيخ علي السهلاني إلى جوار ربّه سنة (1335 ـ 1916) عن عمر يناهز الأربعين ، مخلّفاً ولدين وبنتين ، الولدان هما الشيخ محمد جواد (المترجم له) والشيخ محمد تقي السهلاني المتوفى سنة 1400 هج ـ 1980م ، وكان الشيخ علي من أوائل المحصلين في العلوم الدينية ومن الشخصيات المرموقة ، ومن أقرانه العلاّمة الحجة الشيخ حسين الحلي ، وكان من زملائه في الدرس ، ومن آثاره تعليقة على حاشية الملا عبد الله في المنطق ، ومجموعة شعرية تحمل اسم (الدهر وشجونه) ، وعلى كلّ حال فقد نشأ ـ الجواد ـ تحت رعاية جدّه العلم المجاهد والحجة المفضال ، وحظي برعاية أساتذة أكفاء في العلوم الدينية والعربية في جامعة النجف الكبرى ، ومنهم الشيخ محمد تقي صادق العاملي والشيخ محمد طه الكرمي والشيخ محمد علي الدمشقي والشيخ محمد رضا آل كاشف الغطاء والشيخ محمد جواد الجزائري ، وحضر بعض الوقت ـ بحث الخارج ـ لدى السيد أبو الحسن الإصفهاني ، ومن اقرانه في التحصيل السيد موسى آل بحر العلوم والشيخ محمد جواد الشيخ راضي والشيخ عبد الوهاب الشيخ راضي والشيخ علي الخاقاني ، والخاقاني رحمه الله أشار إلى هذه الفترة من الزمالة مع شيخنا الجواد بشيء من الإكبار ...
    عانى الشيخ السهلاني صياغة النظم في سنّ السادسة عشر ، بتشجيع من المرحوم الشيخ مهدي الحجّار ، وكان يعرض ما ينظمه على أُستاذه الحجّار فيصلحه له ويهذبه ، وكان لأُستاذه دور في تنمية هذه الموهبة لديه إذ كان يُلزمه بحفظ شعر المتنبي والأرجاني ويمتحنه يومياً ويتابعه لأجل ذلك ، وكذلك فإنّ للبيئة النجفية التي جُبلت على حب الشعر وإنشاده وتعاطيه أثرها البيّن ، وأوّل ما نظمه قوله في الحنين إلى النجف الأشرف بعدما انتقل منها مع جدّه الذي اختاره المرجع الديني في عصره السيد أبو الحسن الأصفهاني ليكون ممثلاً عنه في العمارة ...
    ويضمّ ديوانه المخطوط الذي سمّاه ( الأمواج ) أكثر من أربعين قصيدة ومقطوعة ، جلّها في الإخوانيات والمناسبات ، وهناك مقاطع لا تخلو من النادرة الذكية ، كقوله في وزارة الباججي :
    سقطتْ وزارتُنا ، وشُكّلَ غيرُها

    لا خيرَ في الأُولى ولا في الثانيةْ


    الرأسُ فيها الباججيُّ ، وكلُّهم

    يتنازعون على كراعِ الماشيةْ



    ... ويعكس السهلاني نظرته لمنظوماته فلا يجانب الحقيقة ، ويبدو بواقعيته الصافية في وصف شعوره ، كصفاء روحه ، وسلامة ضميره ، وتواضعه الجمّ .
    وابان وجود السهلاني في العمارة إتجه لمزاولة الصحافة ، وعقد العزم على ذلك ، فأصدر مجلة ( المكارم ) أواخر الثلاثينيات ، وساهم فيها عدد من الباحثين المرموقين ، كالشيخ محمد رضا الشبيبي ، والدكتور مصطفى جواد وغيرهم ، وكان هذا العدد اليتيم طافحاً بالنقد للحكومة آنذاك ، وما هان على أعداء المكارم أن يرتفع مثل هذا الصوت الحر بين ظهرانيهم فأقبروا هذا المشروع وهو في أول ثمراته .
    بعد ذلك صرف نظره عن الصحافة ، إلى مجال الخدمة الدينية والإجتماعية ، وهو مجال يليق به وبأُسرته الذائعة الصيت بطيب المحتد والكرم والأصالة ، خاصة بين الأوساط العشائرية في الجنوب العراقي ، واشتغل في مجال الدعوة والإرشاد بحماس الشباب وحنكة الشيوخ ، واستطاع أن يبرز في تلك الأوساط كواحد من المصلحين المحترمين ، حتى أنّ أهالي البصرة بعثوا الوفود إلى النجف لاستحصال موافقة المرجع الديني الإمام السيد محسن الحكيم لينضم السهلاني إلى أُسرة علماء هذه المدينة الكبرى ، فلبّى نداء الواجب وحط رحاله فيها ، وقام فيها بخدمات جليلة ، ومن بوادره الخيّرة التي تعكس ولاءه الصادق لأهل البيت النبوي ـ عليهم السلام ـ تأسيسه لموكب النصر الحسيني الذي كان يؤم العتبات المقدسة في المناسبات الدينية ، وكذلك سعيه نحو الوحدة الإسلامية بخطوات عملية ، بإقامته للإحتفالات السنوية بمناسبة استشهاد الإمام علي (عليه السلام) وكان يحاضر فيها نخبة ممتازة من علماء وأُدباء العراق ؛ من الفريقين ، ثم تُجمَع هذه النتاجات ضمن كتاب يصدر سنوياً ويوزّع بالمجان . ولا ننسى مبرّات السهلاني ومشاركته في مؤسسات الرعاية الخيرية والإجتماعية .ومن آثاره الخالدة تأسيسه المسجد الكبير في محلّة الأصمعي بالبصرة ، والذي يعرف ( بجامع الشيخ السهلاني ) ويُعد من أكبر مساجد البصرة ، مساحته ثلاثة آلاف متر مربع ، وقد أنشأه سنة ( 1385هج / 1966م )وأرّخ البناء غير واحد من الشعراء كالسيد موسى بحر العلوم ، ومحمد جواد جلال ، والشيخ أحمد الوائلي ... وتعرّض السهلاني من أجل بنائه لمضايقات كثيرة من بعض المرتزقة المحسوبين على مؤسسة الأوقاف ، إلا أنه استطاع أن يتجاوز ذلك بصبر وأناة وجلَد ، وأن يُتمّ بناء مسجده .
    نفيه إلى داقوق:
    بعد عام 1958م واجه العراق فترة عصيبة من المد الشّيوعي ، ووقفت الحوزة العلميّة في النّجف الأشرف في مقابل هذا التّيار، وأصدرت الفتاوى وجنّدت كل طاقاتها وإمكاناتها ضدّه، وكان علماء الدّين في مقدّمة الّذين تطوعوا للدّفاع عن حياض الإسلام وكشف انحراف النظام وزيغ المبادئ الشّيوعية التي كاد يفتتن بها الشّباب، وطفق الخطباء يطوفون العراق من أقصاه إلى أقصاه في سبيل التّبليغ والإرشاد وحمل فتاوى النّجف وشرحها وبيان موقف المرجعيّة من المد الأحمر.
    وفي البصرة كان النّزاع على أشدّه، ونزل علماؤها إلى ميدان التّوجيه وإيضاح الموقف الدّيني وكشف التّباسات الواقع الذي كانت تحتمي به تلك الزّمر الحاقدة على الدّين، وقام السّهلاني بنشاطات واسعة في صدها عن تحقيق هدفها مما حدا بالسّلطات إلى مضايقته، فأصدر الحاكم العسكري صالح العبدي أمراً بإبعاده إلى (داقوق) من محافظة (كركوك) وفرضت عليه الإقامة الجّبريّة هنالك، وتدخّلت المرجعيّة للإفراج عنه ورجع ولكن إلى كربلاء أخذاً بنصيحة الإمام الحكيم ، وبعد أن خفّت حدّة التّوتّر رجع إلى البصرة مزوداً بكتاب للإمام الحكيم في وجوب مؤازرته ومعاضدته والإلتفاف حوله .
    آثاره :
    1ـ ديوان شعر ـ مرّ وصفه وهو بعنوان الأمواج ـ .
    2ـ الأحوال الشخصية ، ومصدرها القرآن الكريم .
    3ـرسالة موجزة في علم المنطق .
    4ـ المسائل الشّرعيّة والعقل السّليم .
    سفراته :
    سافر ثلاث مرات لحج بيت الله الحرام ، وطوّف غير مرّة في مصر، والأردن، ولبنان، وفلسطين، وإيران، وتركيّا، والبحرين، والكويت، والمملكة المتّحدة،وأمريكا .
    وغادر العراق عام1982 إلى الكويت، وبعد عام تقريباً لحق بالشّام ومازال فيها, ويقوم بمماسة بعض النّشاطات الدّينيّة والإجتماعيّة بما يناسب شيخوخته، وقدر ما تسمح بها نفسيّته المتعبة لما لحقه من الأذى والغربة بما يعبّر هو بقوله في ذلك :
    وها إنّي بليتُ بكلِّ رزءٍ


    تخرُّ لهولهِ شمُّ الجبالِ


    تكاثرت الهمومُ عليَّ حتّى

    ( تكسّرت النصالُ على النصالِ )










    ملامح عامة في شعره

    حين تفتح ملفّه الشعري المتناثر الأوراق تجد الشعر الذي يطرق أبواب عدد من الأغراض الشعرية ، دون خروج على عمود الشعر ، ودون رغبة في تجاوز بنية القصيدة العربية ، التي ينهمر الشعر فيها عفو الخاطر ، سهل الألفاظ ، مفهوم المعاني ، رتيب الإيقاع ، متوشحاً من البلاغة العربية القشيب من الحلل ، ومن الطرافة الغني من الفِكَر ، فهو شعر نجفيّ بصريّ يرشح عن مقوّمات شعر الحوزة الذي طبع شعر الغالبية العظمى من العلماء الشعراء ، وما أكثرهم .
    ثم إنّ المدرسة الشعرية التي ينتمي إليها شعر الشيخ السهلاني وهي مدرسة النجف الأشرف ـ والتي تمتلك كثيراً من السمات التي تؤهلها لأن يُصطلح عليها مدرسة ـ ما هي إلا من بنات المدرسة المحافظة التي تحترم القديم وترى فيه الكثير والوفير من القدرة على التعبير والتأثير ، وأن معينه لم ينضب بعد ، وأنه قابل لاستيعاب هموم الشعراء وحتى مشاكساتهم الإبداعية . فعمود الشعر لا يزال طريّاً نضراً ، والقافية جميلة الجرس ، والعروض غنيّ الإيقاع ، والمفردة الجزلة مؤثّرة الوقع والبلاغة غضّة الرواء ، واللغة ضخمة الخزين ، والمثقف الحقيقي مرهف الذوق ، فلا داعي إذن لتحطيم هذا العمود التراثي الصلد الذي لم ينؤ بحمل ملايين الأبيات الشعرية المختلفة الأفكار والثقافات والإبتكارات والتعبيرات والصياغات ، والذي يكون بهذا المستوى من القوة والصمود والتجدد لا حاجة لاستبداله والإستغناء عنه خاصة وأن كثيراً من الخارجين عليه فقدوا ثقافة لغوية ونحوية وبلاغية كبيرة ، أو أنهم دارَوا فشلهم في الحصول عليها بدعاوى الخروج على التقليدية ونشدان الإبداع . وهذا ما يفسر لنا عزوف كثير من شعراء مدرسة النجف عن إدلاء الدلو التجديدي أو الحداثوي ، بل بعضهم يستهزئ بهذه ( الصرعات السمجة ) أو ببعضها على الأقل ، وقد برهن أكثر من واحد على تفاهة بعض تلك الصرعات الحداثوية بكتابة نصوص موغلة في التعقيد والغموض والتجاوزات اللغوية والغرابة والهوس وأرسلها إلى أكثر من مجلة وصحيفة بأسماء مستعارة فنُشرت مع تمجيد بهذه الأصوات الجديدة المبدعة !
    وأول ما يواجهنا في شعر شاعرنا السهلاني هو تلك المحافظة على لغة النص الشعري القديم وعلى شكله ضمن نظام البيت ، وعلى مضمونه من خلال الأفكار والأغراض المألوفة ، وهذا شيء يعتز به قوم وينبذه آخرون .
    والدارس شعر الشيخ لا يجد خروجاً مهمّاً على العروض ، ولا تلاعباً بنظام البيت ، ولا مجافاةً لبلاغة الكلام العربي ؛ فمثلاً تجد الحرص على التشبيه والإستعارة والكناية والبديع والمعاني في طيات قصائده ومقطوعاته ، سواء جاءت عفويّةً سليقيةً أو مطلوبةً متقصَّدة .. من ذلك قوله في مدح آل المصطفى (عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام) :
    هم جوهرُ الأجسامِ لكن غيرُهم


    عرَضٌ ، فهل للكائناتِ قوامُ



    أو كقوله مستخدماً الإستعارة التصريحية في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) :
    هوى بدرُ أُفقٍ فوق تربةِ نينوى

    فسايرنه شهبٌ وها هم به صرعى



    أو كقوله مستخدماً الجناس :
    يزيدُ الورى في كلِّ حولٍ نياحةً

    على من يزيد لا يساوي له شسعا


    فكلمة (يزيد) الأُولى هي فعل مضارع من زاد ، وكلمة (يزيد) الثانية إسم لمن أمر بقتل الإمام الحسين ، وهو يزيد بن معاوية ، فهنا جناس تام . وفي شعر الشيخ كثير من الجناس التام وغير التام . مع كثير من الطباق :
    إذا حكّم السيفَ اليمانـيَّ فيهمُ

    بدا ضربـُه وِتْراً ومضروبـُه شفعا



    والتشبيه :
    وهذي لندن أضحت بعيني

    لبعدك مثل بوتقة الجحيمِ



    والإقتباس :
    سرت روحُهُ تبغي جوارَ محمّدٍ

    أبيهِ ، فسبحانَ الذي بهما أسرى



    وحسن التخلص :
    فصبراً أيها الأشبال ، إني

    أُعزّيكم وقلبي في اللهيبِ



    والتورية ، كما في تهنئته الشيخ أحمد كفتارو:
    وأمُّ دفرٍ لم تلد للهدى

    مثل الذي جاء به أحمدُ



    وإرسال المثَل :
    وبعد رحيلكم ضاعت حقوقٌ

    وفقد الحقّ في فقْد الزعيمِ



    وردّ الصدر على العجز :
    وصل الكتابُ فحيّهلْ

    ولأنتَ أكرمُ مَن وصلْ



    والكناية ، وما أكثر كناياته :
    ولقد قضى والمجد ملء ردائهِ

    فبكى عليه المجد والإسلامُ



    وغير ذلك من الموارد البلاغية التي تلوّن أغلب ما كتبه السهلاني ، إن لم نقل كلّ ما كتب .
    يبقى أن نشير إلى أن الشيخ السهلاني عفّ اللسان ، كما هو عفّ القلب واليد ، فلم أجد في شعره هجاء مقذعاً ، ولم أجد في أوراقه المكدّسة ومذكراته سوى بيتين قالهما في صديق له على سبيل المداعبة والملاطفة ، ولم يُسمّهِ بالإسم ، بل اكتفى بالإشارة إليه من خلال مهنته ، حيث كان قاضياً ، ومن خلال صفة من صفاته وهي كثرة الضحك . والبيتان هما :
    وقاضٍ ضاحكٍ في كلِّ حينٍ

    بلا سببٍ تكوّن أو لطيفةْ


    تراهُ محدّثاً في كلِّ فنٍّ

    بآراءٍ مبعثرةٍ سخيفةْ






    الشيخ السهلاني والدكتوراه الفخرية

    حين مُنح شاعرنا شهادة الدكتوراه الفخرية من قبل الإتحاد العالمي للمؤلّفين باللغة العربية في 25/10/1421 هج – 20/1/2001 م ، وقف الدكتور أسعد علي ، أُستاذ الأدب العربي في جامعة دمشق ، في احتفال كبير شارك فيه خطباء وشعراء ومحتفون ، وحضرته شخصيات علمية ودينية ، وقف ليشيد طويلاً بشاعرية الشيخ السهلاني ، وليبرهن على أنه يستحق بجدارة هذا الوسام ، لما له من نتاج شعري لا يستهان به ، وقد اقتنص الدكتور بيتاً من قصيدة الشيخ في حق الإمام علي (عليه السلام) ، ليجعله محور حديثه عن شاعرية السهلاني ، إذ استطاع شاعرنا الشيخ أن يحشد في هذا البيت معاني كثيرة بكلمات مختصرة في إيجاز جميل ودقيق ، حيث قال :

    قد جئتَ في زمنٍ لم يفهموك بهِ

    وكلُّ جيلٍ يحيل الفهمَ للآتي



    وأبدى الدكتور أسعد إعجابه الشديد بهذا البيت ، الذي لا ينتهي مدلوله إلا بانتهاء الأجيال ، فكلّ تلك الأجيال لم تفهم عظمة الإمام علي (عليه السلام) ، وغاية ما فعل كلّ جيل أنه أحال فهم عظمة الإمام للجيل الآتي . ومع أن الدكتور أسعد علي قد أشار إلى أن باقي شعر الشيخ لا يخلو من الترقّي الشاعري ، إلا أنّ هذا البيت كان يستحق لوحده أن يمنح هذه الشهادة الفخرية .
    وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدلّ على أن سماحة الشيخ السهلاني ، يمتلك قدرة على اقتناص المعاني الجميلة ، وتطويع الأفكار الجموح بكلّ سهولة ووضوح وسلاسة .
    وأزعم أنه لو تفرّغ للشعر ، ولم يترسّل كثيراً في مناحي الإخوانيات وما شاكلها ، لكان له صوت شعري أقوى ، ونتاج أكثر وأضخم وأهمّ . وما هذه الشهادة الفخرية إلاّ شاهداً حياً على أهمية هذا النتاج ، فكيف لو تفرّغ صاحبه وأعطاه جلّ اهتمامه ووقته وعنايته ، ثم توخّى تطوير قابليته متقصّداً الإبداع ، والإتيان بالجديد والطريف والمؤثّر .


    شعره الوجدانـي

    المتتبع للشعر العراقي ، خاصة ما يصطلح عليه النقّاد العرب المعاصرون (الشعر الكلاسيكي) ، يجد المدائح والمراثي والإخوانيّات تأخذ منه حيّزاً كبيراً ، ولذلك أسباب عديدة ؛ حيث جلّ مدائح الشاعر العراقي ومراثيه هي في الرسول الأكرم وأهل بيته الطاهرين (صلّى الله عليه وعليهم وسلّم) ، وإلى الحدّ الذي نجد فيه الغالبية العظمى من العراقيين إذا توفّي أحدهم بادر أهله والمفجوعون بفقده بإقامة مجلس الفاتحة ؛ وأهم فقرة فيه بعد تلاوة القرآن الكريم أن يرتقي الخطيب منبره ليعظ ويرشد ثم يعرج على مراثي أهل البيت (عليهم السلام) بصوت شجيّ وأطوار حزينة مبكية . ولـمّا كانت الوشائج الإجتماعية لدى العراقيين فيما بينهم أو بينهم وبين مَن يصادقون ويصاحبون على وتيرة عالية من القوّة والإخلاص ازدهر شعر الإخوانيّات كثيراً وما زال ، على الرغم من انحساره الكبير في شعر الأمصار العربية الأُخرى بعد العصر العبّاسي ، حيث كان العراق هو مركز الثقل وقلب الدولة العربية الإسلامية آنذاك ، وما يسود فيه ثقافيّاً يسري على بقية الأصقاع .
    والسهلاني العراقي المحض ليس بدعاً من أولئك الشعراء ، ولهذا نجد شعره موسوماً بهذا الميسم العراقي ، مع تطوّر في شعر المدائح والمراثي تعمّق في القرنين الرابع عشر الهجري والخامس عشر على أيدي كثير منهم ، حيث طغى البوح السياسي على مدائح ومراثي أجيال هذين القرنين متخذاً من قمم أهل البيت الشاهقة منطلقاً للتذمّر من الوضع السياسي البائس ، ومحوراً هاماً في انتقاد التردّي المريع الذي وصلت إليه أجيال الأُمة ، وقبساً يبشّر كلّ شاعر بضوئه الذي يجلو الطريق ، وبلسماً يداوي به الجراح الغائرة ، ووعياً يزرعه في العقول الحائرة والقلوب اليائسة .
    ولذا فإن من العسير لدى كثير من أُولئك الشعراء الفصل بين الشعر السياسي وحتى الشعر الإجتماعي وبين شعر تلك المدائح والمراثي ، وشاعرنا من هذا الرعيل .

    ومدائح الشيخ محمد جواد السهلاني منصبّة على سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) وآل بيته (عليهم سلام الله ورضوانه) وبعض صحابته كالصحابي الجليل الشهيد حجر بن عديّ (رضي الله عنه) . وما عدا ذلك فهو وإن ظُنّ مدائحَ إلا أنه يندرج في باب الاخوانيّات ، لأن مدحه لهذا الصديق أو ذاك الخلّ نابع من حبّ صدوق وسماحة رحيبة وأخلاق دمثة ومشاعر فيّاضة تعتمل في قلبه الكبير فيصوغها شعراً متدفّقاً يجد في الإشادة بأخلاق ذلك الصديق الوفي والخِلّ المصافي محوراً يركّز حوله بوحه الشعري ، فتخرج القصيدة بثوب المدح لكنه في واقعه شعر إخوانيّ لا يريد منه قائله جزاءً ولا شكوراً .

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Nov 2005
    المشاركات
    13

    افتراضي الشيخ السهلاني الحلقة الثانية

    الإخوانيات
    الحلقة الثانية
    من مميزات الشعر الحوزوي النجفي وغير النجفي ؛ أنه شعر إخواني في الغالب ، لقوة الروابط وشدة الأواصر التي تجمع طلاب العلم ، من خلال وحدة الدراسة ووحدة الأهداف ووحدة التطلعات والهموم والمعاناة و...
    لذا نجد الشعر الإخواني يعيش عصوراً زاهية لا يضعف ضوؤها حتى يتوهج من جديد . بل كان العلماء والطلاب يجدون في الشعر الواحة المفقودة التي تنتشلهم من إرهاق الدراسة الدائم ، ومستلزمات الجو الملتزم الشديد التقييد والتعقيد من أجل توافر أعلى درجات الإنضباط والمسؤولية لدى من يحملون أمانة كبرى كأمانة الفتيا والإرشاد والتوعية ، أو بتعبير آخر أمانة أن يكونوا الناطقين الرسميين بلسان الرسول الأكرم وأهل بيته (عليه وعليهم السلام) .
    وقد تراكم نتاج شعري هائل ، أنتجته قرائح مئات الشعراء ، إن لم نقل آلاف الشعراء المنضوين تحت لواء الحوزة الدينية في النجف الأشرف وكربلاء المقدسة والكاظمية وحتى سامراء ، وامتداداتها في البصرة وسوق الشيوخ والحلة ، وغيرها من أصقاع العراق ولبنان والخليج وإيران ، بل وحيثما حلّ رجل حوزوي الدراسةِ والثقافةِ الأدبية .
    وللسيد الدكتور مصطفى جمال الدين كلام جميل ودقيق في هذا الشأن ، إذ يقول :
    " التزمّت هو السمة البارزة في المجتمع النجفي ، فلا يوجد في هذه المدينة ما كان يوجد في غيرها من المدن ، كالمسارح ، والنوادي ، والسينمات ، وأمثال ذلك مما يلهي الشباب عن دراستهم ، أو يخرجهم عن تحفّظهم ... وهذه الميزة هي التي جعلت الشباب الديني في النجف يتطلّع إلى أولاع أُخرى يتنفس منها ، ولم يكن حينئذٍ غير ( الحفلات الشعرية ) ـ دينية وغير دينية ـ ... ولعلّ ذلك هو الذي يفسّر لنا كثرة الشعراء في مدينة صغيرة كالنجف ، فكونها تضم مائتي شاعر في عصر واحد ( ظاهرة ) ملفتة للنظر ، وإذا كان للفصحى هذا العدد الضخم من الشعراء فللغة الدارجة ما يماثله أيضاً ...
    كانت هذه الحفلات الشعرية إذن هي متنفس طلاب الجامعة النجفية ، وكانت حفلاتهم هذه متنوعة ، منها ( الموسمية ) الثابتة ، التي يرتادها عامّة الناس ، وتُقام عادة في الأماكن العامة ، كالمساجد ، والمدارس ، والصحن الشريف ، وهي الحفلات الدينية مثل : المولد النبوي ، ومواليد الأئمة ووفياتهم ، ومنها ( الطارئة ) كوفيات مراجع الدين ، وكبار العلماء ، والأُدباء ، والسياسيين ، ومنها الحفلات ( المصطنعة ) ـ ولعلّها كانت الأكثر عدداً والأجود نوعاً ـ لأنّ حضّارها في العادة من خاصة القوم ، فإذا تزوّج أحد أبناء الأُسر العلمية ، تنادى أصدقاؤه ومعارفه لإقامة هذه الحفلات في بيوتهم ، وكما يقدّم القائم بها في حفلهِ صحون الحلوى والمرطّبات ، يُقدّم أيضاً ( قصيدة ) له أو لأحد الشعراء المعروفين في موضوع ما تُختَم عادة بأبيات تهنئة بالمناسبة الخاصة ، وتُحذف هذه الأبيات عند نشر الشاعر لديوانه غالباً ، وكانت العادة في السابق أن تُقرأ هذه القصيدة بلحن مميّز من قبل أحدالخطباء المعروفين ، وحين جاء دورنا ، نحن الشباب ، كسرنا هذه الطريقة ، فأخذ الشاعر منّا يقرأ قصيدته بنفسه ، وبطريقة ( الإنشاد ) الذي اعتاده ...
    وقد يتناول الشاعر موضوعاً يختلف الآخرون معه في معالجته ، فيأتي شاعر آخر ، في الحفلة القادمة ينقض عليه رأيه ، فينتصر الشعراء الآخرون للأول أو الثاني ، وتنشأ معارك أدبية ونقائض شعرية ، قد تستمر حسب أهميتها وأهمية هذا المتزوج وكثرة المحتفلين بزواجه .
    وهناك من أُدباء النجف من يهتم بتسجيل هذه المعارك الأدبية في مجموعته ويسميها باسم مثل ( معركة الخميس ) أو ( الماشيّة ) أو ( الدارميّة ) ... وأنا أتذكّر ( المعركة السودانية ) ... ".*

    والشيخ السهلاني لم ينقطع ـ شعرياً ـ عن أقرانه ولداته ورفاق دراسته ، بل نجده ازداد أواراً بعد أن قطن البصرة ممثلاً للمرجعية الدينية هناك ، فكانت مراسلاته الشعرية مع شعراء النجف ، وكانت مساهماته في ربط الشعراء البصريين برباط الشعر الإخواني ، لا سيما وأن عدداً من علماء البصرة كانوا يتعاطون الشعر في النجف ، فما زاده ابتعاده إلى البصرة إلا وفرة في الإنتاج الشعري .
    وظلّ السهلاني على هذا الديدن حتى بعد خروجه من العراق ، وسكنه في الكويت عام 1982م ، وحتى بعد استقراره في الجمهورية العربية السورية ، بل حتى في سفراته العلاجية إلى لندن وأميركا ، والأغرب أننا نجده على فراش غرف الإنعاش وهو يجود بنفسه الشعرية ، وكأنّ الشعر رئته الأُولى التي لا يستطيع العيش بدونها .
    ونجد في شعره الإخواني كثيراً من السمات التي تميز هذا الضرب من الشعر ؛ فمن العتاب ، إلى الإعتذار ، إلى التهنئة والتشوّق والمزحة الخفيفة ... إلى تقريض الكتب والتنويه بمؤلفيها والإطراء عليهم .. وحتى آخر فكرة قد تطرأ على قريحة أخ يختلق مناسبة يفتح فيها سجالاً شعرياً مع أخٍ له شاعر وشفيق . ومن ذلك هذه النماذج :
    قال الشيخ السهلاني بعدما أهدى له الدكتور عبد الرزاق محيي الدين كتابه (الحالي والقالي) :
    وصل الكتابُ فحيّهلْ

    ولأنتَ أكرمُ مَن وصلْ


    خلّدت فيهِ مآثراً

    لذوي الفضيلةِ والنِحلْ


    كانوا فراقدَ في الدجى

    ما فيهمُ نجمٌ أفلْ


    خدموا الشريعةَ جهدهم

    وبزهدهم ضرب المثَلْ


    ملكوا القلوبَ بهديهم

    لا بالخديعةِ والدجلْ


    عاشرت ( قاسمَ )* منهمُ

    فوجدته الفذَّ البطلْ


    أعظمْ بها من أُسرةٍ

    طابت وجلّت عن زللْ


    ولأنتَ وارثُ مجدهم

    والنفحُ من ذاك الرتَلْ


    كالشمس يسطعُ نورُها

    للمبصرينَ ذوي المقَلْ


    لكَ فكرةٌ تذكي الحجا

    وتنير داجيةَ الظللْ


    ومواهبٌ لو رامها

    قسُّ الفصاحةِ لانخذلْ


    يا شاعراً أحيا برا

    ئقِ شعره عهد الأُولْ


    عهدَ الأُلى قد أسمعوا الآ

    فاقَ من فخرٍ زجلْ


    عهدَ الذين سموا بآ

    فاقِ القريض إلى زحلْ


    كم جئتَ بالدررِ الفريـ



    ـدةِ نيّـراتٍ كالشُّعلْ


    لتنيرَ دربَ الطالبيـ

    ـنَ الحقَّ في دنيا الخطَلْ


    وتقيمَ للوطنِ الكريـ

    ـمِ دعامَ عزٍّ كالجبلْ


    وقصائد لك أُلبستْ

    من رائق الفصحى حُللْ


    صيغت كحلي الغانيا

    ت على الترائب قد أطلّْ


    أو كالخدودِ تورّدت

    عن (حرِّ) لثمٍ لا خجلْ


    وكأنّ عذب نشيدها

    في الحفلِ أصوات القبلْ



    وردّ شاعرنا الشيخ بقصيدة على رسالة أرسلها إليه نخبة من أصدقائه العلماء يذكرون فيها رغبتهم بزيارة البصرة ، وكان من جملتهم [ الإمام ] الشيخ محمد رضا المظفر والسيد محمد جمال الهاشمي والسيدان علاء الدين وعز الدين بحر العلوم _ وقد كنى عنهما بالبحرين _ وهي هذه :
    لـمّا أطلَّ كتابُكم

    ثغرُ العراقِ بهِ ابتسمْ


    وغدا يُردّدُ منشداً

    أهلاً بأصحابِ الهممْ


    أهلاً عباقرةَ الزما

    نِ ، ومرحباً بذوي الشيمْ


    حييتمُ يا أُخوتـي

    ما فيكمُ إلاّ العلَمْ


    رمزُ الفضيلةِ أنتمُ

    ولأنتمُ فخرُ الأُممْ


    بوركتمُ من صفوةٍ

    بوجوهِكم تُجلى الغممْ


    فلقاؤكم فيه الشفا

    ءُ لـمَن غدا يشكو السقمْ


    هيّا لأكلِ دجاجنِا

    وأنا الجوادُ أخو الكرمْ


    أعددتُ أنواعَ المآ

    كلِ والمشاربِ و ( القيَم )*


    يا مرحباً بالهاشميِّ

    وبالجمالِ المبتسمْ


    والسيّد الفيّاضِ والـ

    ـبحرينِ أربابِ الشيمْ


    وإمامِنا الفذِّ الرضا

    من علمهِ بحرُ الخِضَمْ


    وتقيِّنا الفذِّ الحكيـ

    ـمِ أبي الفضائلِ والحِكمْ


    والشطُّ والنخلُ البوا

    سقُ والسفينةُ و ( البَلَمْ )**


    والشاطئُ المخضرُّ والـ

    ـطيرُ المغرّدُ والنغمْ


    كلٌّ يُحبُّ لقاءكمْ

    ولكم يهشُّ ويبتسمْ



    وقال الشيخ السهلاني مخاطباً الأُستاذ جعفر الخليلي في 11/4/1982م :
    عرفـتُك عبقرياً لا تُجارى

    لأوّل نظرة فيها نظرتُكْ


    منحتك يا أخا العلياء حبّي

    وإخلاصي وفزت بما منحتُكْ


    وشكرك منهلَ الألطافِ فرضٌ

    لما تسديه من لطفٍ شكرتكْ


    ولو عبد الورى شخصاً لفضلٍ

    لكنت لفضلك السامي عبدتكْ

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Nov 2005
    المشاركات
    13

    افتراضي الحلقة الثالثة

    وقال الشيخ السهلاني مجيباً رسالة الأستاذ جعفر الخليلي الذي كان يريد منه عاملة تقوم بشؤون خدمات بيته :
    فتّشتُ في كلّ بيتٍ

    وشارع وقبيلةْ


    في السوق رحتُ أُنادي

    هل من فتاةٍ جميلةْ


    أُريدها لابن ودّي

    طبّاخة لا خليلةْ


    مشروطة بشروطٍ

    عفيفة وجميلةْ


    من والدَين غيارى

    وأُمّهاتٍ أصيلةْ


    لا تعرفُ الكذب أصلاً

    كلا ولا أيّ حيلةْ


    لها الفضيلة رمزٌ

    ونعم رمز الفضيلةْ


    تنـزّهت عن نفاقٍ

    وخدعةٍ ورذيلةْ


    نقيّة الجيبِ فيها

    لكلِّ خيرٍ وسيلةْ


    هيفاء تشرق حسناً

    كزهرةٍ في خميلةْ


    مَن شمَّ طيبَ شذاها

    روّت بعرف غليلةْ


    الخصر من ثقلِ ردفٍ

    يشكو إليها نحولَهْ


    ترى لها حين تبدو

    براءةً للطفولة


    حديثُها العذب يشفي

    منا النفوس العليلة


    تصفو وتعمل لكن

    ليست لقومٍ عميلة


    بعيدة عن نضالٍ

    وعن صفات البطولة


    ولم تكن في الليالي

    للماجنين خليلة


    من لي بها إنّ هذي

    في عصرنا مستحيلة



    فأجابه الخليلي قائلاً :
    أخا الوفا يا ابن ودّي

    يا ربَّ كلِّ فضيلةْ


    وافى كتابك يحكي

    من الورود الخميلة


    وكان قلبي كليماً

    يعدو وراء وسيلة


    والرّوح مما عراها

    كئيبة وعليلة


    إذ ليس ثمّة مصغٍ

    وليس من أشتكي له


    فزال همّي ولاحت

    به الحياة جميلة


    أبا علي وحق

    الذّكاء ان تنتمي له


    أعيذ حذقك بالله

    أن يضلَّ سبيله


    فتحسب العنـز فيلاً
    وتحسب الشاة فيله


    من قال قلبي صابٍ

    للحسن أن يستميله


    وأن نفسي تهفو

    إلى العيون الكحيلة


    وتشتهي ذات دلَّ

    تمسي بقلبي دليلة


    هيفاء تشرق حسناً

    كزهرة في خميلة


    من شمَّ طيب شذاها

    روت بعرف غليلة


    حديثها العذب يشفي

    منها النفوس العليلة


    الخصر من ثقل ردف

    يشكو إليها نحولهْ


    من قال يومي كأمس

    بصبوة ورجولة


    قد كان ذلك حقّاً

    فيما مضى أن تقوله


    قد كان ذاك فأرخى الـ

    ـماضي عليه سدوله


    أفنى الشباب وأفنى

    أهواءه وميوله


    فإن يكن ثَمَّ شيءٌ

    باق فذلك حيله


    يا من يعزّ مثيلاً
    ماقلت إذا أردت مثيله


    ما قلت جد لي عروساً
    للأكرمين سليلة


    وكلّما ابتغيه

    خدّامة لا خليلة


    وكل دنياي منها

    أن لا تكون كسولةْ


    ليست بأُمّ المزايا

    ولا بأُمّ ( الشحولة )



    وقال وقد أهدى له السيد محمد باقر الحكيم حقيبة خالية :
    شكراً أُخيُّ على الهديةْ


    يا صاحب النفس الزكيةْ



    شكراً للطفك ذي الحجا

    وابن الإمام على البريةْ


    مَن حاز في شرخ الشبا

    بِ على الصفات العبقريةْ


    العلم بعض صفاتهِ

    وكأنه فيه سجيّةْ


    أهديتَ لي يا ابن الإما

    مِ حقيبةً كانت فتيّةْ


    في شكلها وجمالها

    تزري بليلى العامريةْ


    جادت بها كفّ امرئٍ

    طابت خلائقه الرضيّةْ


    كفٌّ إذا ما مدّها

    لندى به أضحت سخيّةْ


    وإذا أُريد نوالُها

    في الناس جادت بالعطيّةْ


    وإذا استجار المستجيـ

    ـر بها لخطبٍ أو رزيّةْ


    ألفيتها كالصارم الـ

    ـبتّار يطفح بالمنيةْ


    أو كالعصا بيد الكليـ

    ـم يهزّها فتصير حيّةْ


    كم قد فرحت ( بجنطتي )

    وفخرتُ في هذي الهديّةْ


    وفتحتها في لهفةٍ

    والإرتعاشةُ في يديّهْ


    قد كنتُ أحسب أنها

    تحوي الغوالي العسجديّةْ


    تُجبى لكم كلُّ العطو

    رِ من البلاد الأجنبيّةْ


    من عطر شيراز الشذيّ

    وطيب مسك اللاذقيةْ


    قد كنتُ احسب أنها

    ملأى بأعلاق سنيّةْ


    من خير ما ملكت يدا

    ك من الهبات الأريحيةْ


    فإذا بها ( حجّام سا

    باطٍ ) تعلل بالنسيّةْ


    ما كان فيها من لذيـ

    ـذ أو نفيس أو هنيّةْ


    كلا وما فيها نقيـ

    ـر أو فتيل أو نويّةْ


    ما لي حرمتُ من الهبا

    تِ وفاز غيري بالعطيّةْ


    أين المساواة التي

    فيها تُطالبنا الرعيّةْ


    إني سأعقد مجلساً

    للحكم في هذي القضيّةْ




    ثمّ طلب الشيخ السهلاني من المرحوم السيد مصطفى جمال الدين أن يكون مدعياً عاماً لتشكَّل محكمة أدبية للبت في هذه القضية برئاسة السيد محمد جمال الهاشمي وعضوية كلٍّ من السيد محمد بحر العلوم والشيخ المامقاني ، فأرسل السيد جمال الدين إلى هيئتها القضائية وعلى رأسها السيد الهاشمي محمد جمال :
    مرحى أبا حسنٍ لعد

    لِك وهو يحكم بالقضيّةْ


    وتجلّةً لسدادِ رأ

    يكَ في مشاكلنا العصيّةْ


    وسماح فكرِك – وهو مِن

    طبعٍ به – جزلُ العطيّةْ


    يا حاكماً رضيتْ بهِ

    للشرعِ والشعرِ الرعيّةْ


    أُهديك من سعفات هذا

    ـ النخل آلاف التحيّةْ


    من موج هذا الشطِّ .. من

    أخلاقِ أهليهِ الرضيّةْ


    من نسمةٍ عبرتْ إليّ

    مع الشذى خجلى حييةْ


    ووراءها سوطٌ من ( الـ

    ـشرجيِّ ) ملتهبُ الحميّةْ


    ناسٍ يلفُّ بجمرهِ

    متعَ الضفافِ السندسيّةْ


    فتعلّقت خوفاً بأذ

    يالي وشدّتْ في يديّهْ


    حتى إذا أنقذتُها

    مِن كفِّ ظالمِها القويّةْ


    نبّئتُ أنَّ أبا عليٍّ

    قد تشرّفَ بالهديةْ


    مرّتْ على سوقِ ( السرا

    ي ) بجانب ( المستنصريّةْ )


    عجلى كأنَّ ( مخايطاً )

    ومُدى تطاردُها عتيّةْ


    ما استوقفتها في ( الرشيـ

    ـدِ ) مخازنٌ ملأى غنيّةْ


    لا ( ساحةُ التحريرِ ) تُعـ

    ـجبُها ولا ( سوقُ الزويّةْ )


    وكأنّما ( بغدادُ ) أصـ

    ـفى نبعُها و ( الكاظميّةْ )

    ( فتدعْبلتْ ) للبصرةِ الـ

    ـفيحاءِ ناصعةَ الطويّةْ


    لا شيءَ فيها ـ غيرُ تقـ

    ـوى اللهِ ـ من هبةٍ سنيّةْ


    وأتتْ إلى الشيخِ الجوا

    دِ فتاهَ فخراً بالعطيّةْ


    فرأى الجوادُ ، ورأيُهُ

    حقٌّ ومحنتُهُ عصيّةْ


    أن يرفعَ الشكوى إليـ

    ـكَ وللأُلى ( أهلِ الحميّةْ )


    فمحمّدٌ ( بحرُ العلو

    مِ ) وساحلُ القيمِ العليّةْ


    والشيخ ( محيي الدين ) والـ

    ـدنيا وإن كانت دنيّةْ


    فالدينُ لولا صولةُ الـ

    ـديّانِ راحَ بغيرِ ( جيّةْ )


    واختارَ منكم مجلساً

    للحكم في هذي القضيّةْ


    وعجبتُ كيفَ هداهُ سو

    ءُ الحظِّ محتكماً إليّهْ


    فاختارني لـ ( الإدّعا

    ءِ العامِ ) من دون ( الرعيةْ )


    وأنا كما تدري ويد

    ري العارفونَ بلا ( هويّةْ )


    لا لي ( بنو العبّاس ) تحـ

    ـميني ولا أنا من ( أُميّةْ )


    لكنّ عدلَكَ فوق ( فبـ

    ـركتي ) لتوجيهِ ( الشكيّةْ )


    فاحكمْ إذا كنتَ الشجا

    عَ كحكمِ جدّكَ بالسويّةْ



    وتطول المحاكمة ويدلي كثيرٌ من الشعراء بدلائهم فيها بكلِّ أريحيّة الأدب العراقي النجفي والبصري ، وأخيراً يُصدر السيد محمد جمال الهاشمي حكمه الشعري في القضية في ربيع الثاني عام 1388هج ، وهذا نص الحكم :
    للإدعاءِ العامِ أر

    فعُ هذهِ الفتوى الفتيّةْ


    حكمٌ بهِ حقّقتُ للـ

    ـظرفاءِ حلمَ العبقريّةْ


    حكمٌ بهِ انبثقتْ لأفـ

    ـكاري عيونُ الشاعريّةْ


    وظننتُ أنّي قد بعد

    تُ عن المراعي العاطفيّةْ


    فإذا بروحي ثورةٌ

    نكباءُ من هذي القضيّةْ


    وإذا بأمسي ساحبٌ

    يومي لدنياهُ النديّةْ


    الشعرُ يغمرُها بألـ

    ـوانٍ ممتّعةٍ شهيّةْ


    والحبُّ يعمرُها بأضـ

    ـواءٍ مشعشعةٍ زهيّةْ


    شكراً لفضلِ أبي عليٍّ

    حين قدّمَ لي الشكيّةْ



    إنّي حكمتُ على الهديّـ

    ـةِ أنْ يُقدّمَها إليّهْ


    للشرعِ يرجعُ في الهويّـ

    ـةِ كلُّ مجهولِ الهويّةْ


    من مِلكِ ( .... )* أُخرجتْ

    للغيرِ مُذ بُعِثتْ هديّةْ


    وأبى الجوادُ قبولَها

    لـمّا إليهِ أتت خليّةْ


    بقيتْ ولا مِن مالكٍ

    تُنمى إليهِ من البريّةْ


    فلذاك تغدو للشريـ

    ـعةِ بعضُ ثروتها السنيّةْ



    ولكي نصونَ أبا عليٍّ

    من عواصفهِ العتيّةْ


    نقضي على الشهمِ الزكيِّ

    ابنِ المطهّرةِ الزكيّةْ


    إرضاءهُ بحقيبةٍ

    تُهدى لحضرتِهِ مليّةْ


    بمسائلٍ دينيّةٍ

    ورسائلٍ تهدي الرعيّةْ


    فالأصمعيُّ * بحاجةٍ

    أبداً إلى هذي العطيّةْ

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Nov 2005
    المشاركات
    13

    افتراضي الحلقة الرابعة

    وكتب إليه سماحة السيد حسين بحر العلوم حينما كان الشيخ في العراق :
    جواد الخصال ؛ عداك المرضْ

    إلى كلِّ مَن في مداك اعترضْ


    إلى كلِّ منتفجٍ في السماح

    ويومَ الكفاح تلوّى وغضّْ


    إلى كلِّ مَن تخذوا مجدَك الـ

    ـأثيلَ إلى الرشقِ أقصى الغرضْ


    جوادَ الخصالِ ويا روعة الـ

    ـوجودِ بكلِّ قضيضٍ وقضّْ


    سموتَ بجوهرك المنتقى

    فهان لديك فضولُ العرضْ


    لقد عمّت البشريات الحسا

    ن ثغر العراق كبرقٍ ومضْ


    إذا انتجع ( الأصمعيُّ ) الربيع

    فماج العبيرُ بهِ وانتفضْ


    وعادَ إلى الغابِ ليثُ الشرى

    فهشَّ العرينُ لهُ وانتهضْ


    ودغدغت الأمنياتُ العِذا

    بُ إحساسهُ الرخوَ بعد المضضْ


    فمرحى بعودك نحوَ الحمى

    وأهلاً بمقدمِك المفترضْ


    ودم ( للعلاء ) شموخ الفخار

    شموخُ الوجود لديك انخفضْ


    ولا زلتَ ( للفضل ) غيثَ الندى

    وغوثَ الصلاح بيومِ الحرضْ


    وعش مبرمَ الرأي سامي الذرى

    ورأي عداك عليها انتقضْ


    وخذْ من أخيك جزيلَ الثنا

    عواطفَ ودٍّ قديمِ النبضْ


    عواطف عنّت لها الذكريات

    فلم أبغِ إلا رضاها غرضْ



    فأجابه الشيخ :
    كتابُ أبي عليٍّ كان سلوى

    لقلبٍ موجَعٍ بالنائباتِ


    فما يومٌ يمرُّ عليَّ إلاّ

    رأيتُ بهِ المصائبَ ماثلاتِ


    تنوءُ بحملِ آمالي جبالٌ

    وأهزأُ بالجبالِ الراسياتِ


    ولي صبرُ الصبورِ على الرزايا

    إذا ما الدهرُ حطّمَ لي قناتي


    فوا عجبي أُخيَّ أبا عليٍّ

    أتشكو من دماملَ تافهاتِ


    ومنها ترتضي أعذارَ وهمٍ

    لتُعفى عن أداءِ الواجباتِ



    وكتب إليه السيد حسين بحر العلوم معزّياً :
    " تحيات موقرة كما يقتضيها مقامكم الموقّر ، وعواطف نبيلة كما تشتهي عواطفكم النبيلة ، وعتب (مدغدغ) حسبما يفرضه علينا هجركم الممض ، وإن نبع عن دغدغة ووداعة ، وأخيراً عزاء وتسلية انصياعاً مع القواعد المألوفة ، وتمشياً مع الأعراف السادية بين الإخوان ، فلقد أفلت الشمس قبل أوان الغروب ، وارتاع الشباب البض وهو في ريعان الصبا والجمال ، وحطّت القافلة عصا الترحال وهي لا تزال في أوائل السير ومقتبل الحياة . وبالحرف الواحد ؛ لقد انتقلت إلى رحمة ربها المأسوف على شبابها الموّار وصباها الضاحك ، فعزاء لكم وسلوة بوجودكم المبارك ، وتهنئة لمعشر الحور والولدان في رحب الجنان الواسعة ، فقد انفتل إلى آفاقها الراقصة شفقٌ من الحياة يفيض حيوية وحداثة ورضاً بقضاء الله وبقدره ، وأثناء كتابة هذه الرسالة حضرني من الشعر هذه الأبيات :
    (عجوزٌ تمنّت أن تكون فتيّةً


    وقد يبس المتنان واحدودب الظهرُ)


    فهبّت إلى روضِ الجنان ورَوحِها

    عساها ترى مَن فيه ينتظم النثرُ


    فللحور والولدان في الخُلدِ زفّةٌ

    لمقدمها الزاكي ، وقد عمّها البشرُ


    وألبسها رضوانُ من حُللِ الهنا

    جلالاً توشّيهِ المهابةُ والطهرُ


    وللحزنِ من حزنِ الفراقِ نوادبٌ

    تَفايضُ من آماقِها الأدمعُ الحُمرُ


    فلا غروَ إن كنت المعزّى بفقدِها

    فنارُ أساها في الفؤادِ لها سعرُ


    ولا غرو إن كنتَ المهنّا بفوزِها

    لها ولكم لطفٌ من اللهِ والأجرُ



    وكتب إليه السيد حسين بحر العلوم قصيدة بعنوان (ما ضاع حقٌّ وراءه مطالب) :
    أبا عليٍّ ليَ العتبى مع العتبِ

    مدبّقٌ بشجونِ الدبسِ والرُّطَبِ


    للهِ تمرك مِن تمرٍ عُرفتَ بهِ

    أنّ ( الجواد ) سليلُ الغيثِ والسُحُبِ


    عشنا بطعمتهِ وفراً ، فخالطهُ

    ما يشبه البخلَ مِن شحٍّ ومن جدَبِ


    ماذا حدا بكريمِ الطبعِ مِن جَنَفٍ

    ماذا جنى الحقلُ إذ يظما بلا سببِ


    قصُّ الخشوم ولا قطع الرسوم لنا

    لا يشرق العدل إلا من شبا القُضُبِ


    إن كنتَ شهماً فكنْ صدراً وواجهةً

    لأسهمي حينما تنقضُّ كالشهُبِ


    وانزلْ لمعركةِ الميدانِ في كلِمٍ

    تنفضّ عن واقعٍ بالثأر ملتهبِ


    لا يدرأ الخطبَ إلا التمرُ يُصقلهُ

    معسّلُ الدبسِ مشفوعاً مع الأدبِ


    فيا لثاراتِ حقٍّ ضاع في وضَحٍ

    من النهارِ ، بلا حامٍ ولا طلَبِ


    ... إلى اللقاء معاً في مهمهٍ وعِرٍ

    من القريض ، ألا يا فرصةُ احتطبي


    ...... إلى أن يخمد الدم المطلول .......

    وهذه مقاطع قصيدة للشيخ عبد الحسين القرملي ، وهو من العلماء الأعلام أرسلها بمناسبة زواج الشيخ السهلاني الأول:
    ... ولما رأى ألف العارضين

    تقوّس لاماً بخدّيك لامْ



    من الغور تلمح لي البارقات

    فتشغل قلبي إليها هيام


    تذكّرني أعصراً ماضيات

    ترى السعد يفترّ فيها ابتسام


    بآفاق عالمنا ساطعات

    وفي الدهر منها إليها ارتسام


    كعرس ( الجواد ) فتى المكرمات

    بهيّ المناظر بدراً تمام


    فتىً مدّ باعاً لنيل العلى

    وما بلغ السن منه الفطام


    وأخلاقه الغرّ مهما انجلى

    تجلّت كبدر الدجى للأنام


    رقى فغدت دونه النيّرات

    ومن باذخ المجد حلّ السنام


    وفي جدّه استخدم السائرات

    وقد أمّ مأمومها والإمام



    أممتطياً من بنات النسيم

    عَصوفاً لها البرق أضحى زمام


    تخالط في سيرها المشرقين

    ويقدح صلد الصفاة اضطرام


    أنخ بفناء معالي الرضا*

    وقف والثم الكفَّ منه احترام


    ورتّل لعلياه آي الهنا

    وصغ لفظ مدحك فيه انسجام


    وشِد في ثناه صروح النشيد

    وصرّح به فهو أسمى مقام


    وزن فيه نظمك مهما استطعت

    كما تمّ للفضل فيه النظام


    همام أبى غير نهج الإباء

    وشهم يحافظ فينا الوئام


    يجوب البطاح يدير الصلاح

    يريد النجاح ويهوى السلام


    ولست أُطيق أعد الصفات

    فإن لها في لساني ازدحام


    وألسنُ أقلامنا قاصرات

    ومَن ذا يحيط بقطر الغمام


    وتلك فضائله في السماء

    نجوماً تقلدها كالوسام


    ألا دمتمُ يا بني الأكرمين

    بدور الهدى في دياجي الظلامْ



    وكتب إلى الشيخ محمد مهدي شمس الدين :
    لـمّا عرفتك للأخلاق عنوانا

    أنشدتُك الشعر ألحاناً فألحانا


    ورحتُ أدعو لشمس الدين مبتهلاً

    الله يرعاه أزمانا فأزمانا


    قد كان فينا وأيم الحقّ مفخرةً

    كم قد أشاد إلى العلياء أركانا


    هو الإمام لشعبٍ فيه مبتهل

    فالشعب يهتف للمهديّ جذلانا


    يسعى لإنقاذ لبنان بحكمتهِ

    اللهُ ينقذ في مسعاهُ لبنانا



    وقال فيه :
    أشمسَ الدينِ والدنيا

    ويا مفخرةَ الدهرِ


    عداك الغمُّ من شيخٍ

    عظيمُ الشأن والقدرِ


    حباك الله أخلاقاً

    ترينا طلعةَ الفجرِ


    بأخلاقِك قد باهت

    رجالُ العلمِ والفكرِ


    أيادٍ لك بيضاء

    تنيرُ الدربَ كالبدرِ


    شكرنا لك معروفاً

    وسجّلناه في الشعرِ


    ليبقى العرفُ مرفوعاً

    على الهامةِ والصدرِ


    ومَن ينكرُ معروفاً

    تراه خاملَ الذكرِ


    وربُّ الخلقِ قد أوصى

    بشكرِ المحسنِ الحرِّ


    ومن يشكر أحساناً

    حباه اللهُ بالاجرِ


    لقد أحسنتَ لي صنعاً

    وهذي شيمةُ الحرِّ


    وكن عوناً لأقوامٍ

    رمتهم أسهمُ الغدرِ



    وربُّ العرفِ موصوفٌ

    بآياتٍ من ( العصرِ )



    وكتب له صديقه الشيخ عبد الغني الخضري معاتباً قصيدة مطلعها :
    ومن العداوة ما ينالك نفعُهُ

    ومن الصداقةِ ما يضرّ ويؤلمُ



    فأجابه الشيخ السهلاني :
    ماذا لقيت من الضررْ

    يا ابن الغطارفة الغررْ


    فصداقتي لك جُنّةٌ

    وحصانةٌ من كلّ شرّْ


    تشكو إليّ صداقتي

    إذ كلّ ما فيها دررْ


    وأنا الجواد محاسني

    شعّت كأنوار القمرْ


    عفواً غنيُّ فإنني

    لك كالفرند من الذكرْ


    أنسيتَ هاتيك العهو

    د وما حوته من سمرْ


    أيّام كنّا نجتني الـ

    ـلذّات من ثقب الإبرْ


    أيّام كان يمدّنا

    موسى* بآياتٍ غررْ


    وحديث حبّ ساحر

    نلهو به وقتَ السحرْ


    وقصائد غرّاء تجـ

    ـلو من مباسمه الدررْ


    أعظمْ بهِ إذ أصبح الـ

    ـيوم الإمامَ المعتبرْ


    ذا لحيةٍ بيضاءَ تبـ

    ـدو كالصباح إذا سفرْ


    وعمامة سوداء كالـ

    ـليلِ البهيم المعتكرْ


    فتخاله في زيّهِ

    ملكاً على العرش استقرّْ


    أيام كان أبو رجا

    ء** بيننا العلم الأغرْ


    وكأنه بوقارهِ

    كالطود يسخر بالقدرْ


    نأوي إليه ونستظلّ

    بظلّهِ عند الخطرْ


    كنّا إذا جار الزما

    ن وغام أُفقٌ واكفهرّْ


    نلهو بما يوحي المسرّ

    ة والهناءة والبطرْ


    لا نستغيث ولا يمزّ

    قُ شمل وحدتنا كدرْ


    ما كنتُ أحسب أنني

    لـمّا عزمتُ على السفرْ


    أنكرتني وأكلت حقّـ

    ـي أكلَ طمّاعٍ أشرْ


    وأبيتَ إلا أن تقا

    ضيَ صاحباً لك ذا خطرْ


    هذي أُخيُّ صداقتي

    ويلٌ لمَن فيها كفرْ



    فكتب إليه الشيخ عبد الغني الخضري في 8/11/1387:
    لك مِن أبي الطهرِ الأبرّْ


    بعضَ التحيّاتِ الغررْ



    مثلَ الفراقدِ نيّرا

    تٍ في البداوةِ والحضرْ


    والشمسُ لولا ضوؤها

    لم يزدهر وجدُ الفخرْ


    زفّت من النجف الأغرِّ

    لمربدِ الأدبِ الأغرّْ


    سبحانك اللهمّ كيـ

    ـف تربُّ مَن أمسى كِسرْ


    فتعيدهُ خلْقاً سويّـ

    ـاً بعدما ضاع الأثرْ


    المربدُ الأدبيُّ في الـ

    ـشعرِ الرصينِ قد ازدهرْ


    فكأنه عاش القرو

    نَ المستطيلةَ ما اندثرْ


    أضفى على شرفات كيـ

    ـوانٍ وطالَ على المجرّْ


    أ أبا عليٍّ كن بعيـ

    ـداً بالحصافةِ والنظرْ


    لا لا تظنَّ بأننا

    ننسى سويعاتِ السمرْ


    لك مبتدى لم ننسهُ

    والله أعلمُ بالخبرْ


    لكنني ما رحتُ ألـ

    ـعبُ كالشبيبةِ بالاكرْ


    حاشا وقاري أن يعيـ

    ـشَ بخفّةٍ بينَ الزمرْ


    إقرارُ نظمِك حاكمٌ

    والمرءُ يُحكَمُ إن أقرّْ


    ما سرت يوماً بالخفا

    ء وما وجلت من الإبرْ


    أسفرتُ في رأيي لأصـ

    ـحابي ومَن يسفرْ ظفرْ


    فاعرف حقيقةَ صاحبٍ

    ما خان قطُّ وما غدَرْ


    موسى أمامٌ مثلما

    قد قلتَ في شتى الصورْ


    قد خطَّ سطراً واحداً

    ومشى على ما قد سطرْ


    والمرء يُرفع باستقا

    متهِ ويخفض من طفرْ


    أمّا ابنُ فيّاضٍ فكم

    فضلٍ لعلياه انتشرْ


    بخلائقٍ عربيّةٍ

    عزّت على جلِّ البشرْ


    يخطو كما يخطو الحكيـ

    ـمُ وفكرهُ فوقَ الفِكَرْ


    فإذا تحدّث هادياً

    ملأَ المسامعَ والنظرْ


    سافرتَ لـمّا إن وعد

    تَ وحيطَ وعدُك بالخطرْ


    فنـزعت ما قد كان عنـ

    ـدك من غرورٍ أو كبرْ


    وفررت ما فرَّ الجبا

    ن للثمهِ خوف الحجرْ


    وتركتنا في حيرةٍ

    مما يجيء بهِ القدرْ


    لكَ سيرةٌ معروفةٌ

    قد خالفتْ كلَّ السِيَرْ
    ْ
    فاذهب وأُشفقُ أن أقو

    لَ إلى الجحيمِ إلى سقرْ


    وقال فيه الدكتور محمد حسين الصغير حين التقيا في دمشق سنة 1999بعد فراق دام عشرين عاما :
    أهلاً بطلعتِك البهيّةْ

    وبنورِ شيبتِكَ الزكيّةْ



    يا أيها العلمُ الجوا

    دُ كرُمتَ أخلاقاً زكيّةْ


    فكأنّها في رقّةٍ

    فيحاءُ عاطرةٍ نديّةْ


    أبقيّةَ السلفِ الكريـ

    ـمِ ورمزَهم في الأريحيّةْ


    رجلُ الصباحةِ والسما

    حةِ والهدى والعبقريّةْ


    روحُ الشبابِ تفجّرتْ

    في حكمةِ الشيخِ العليّةْ


    والمنطقُ الجزلُ الوقو

    رُ ينمُّ عن صدقِ الطويّةْ


    واللطفُ والترحيبُ بالـ

    ـخلصاءِ من حُسنِ السجيّةْ


    ومشاعرُ الحبِّ البريءِ

    تُدافُ بالبسماتِ حيّةْ


    فعليك من قلبي السلا

    م ومن عواطفيَ التحيّةْ



    فردّ الشيخ السهلانـي قائلاً :
    شكراً حسينُ على الهديّةْ


    يا صاحبَ النفسِ الزكيّةْ



    الشعرُ خيرُ هديّةٍ

    تُهدى لـمَن فهمَ الهديّةْ


    الشعر يبقى خالداً

    ما دام في الدنيا بقيّةْ


    كم خلّدَ الشعرُ النفيـ

    ـسُ شويعراً في الجاهليّةْ


    صوّرتني فيه الحكيـ

    ـمَ وراعياً أرعى الرعيّةْ


    هذا أُخيّ تفضّلٌ

    ولأنتَ رمزُ العبقريّةْ


    إني عرفتُك مصلحاً

    في كلِّ مُعضلةٍ خفيّةْ


    هذا تراثُكَ من أبٍ

    جلّتْ مواهبُهُ السنيّةْ


    كنتَ المنارَ لصفوةٍ

    طابت نفوسُهمُ السخيّةْ


    أنتَ الحسينُ بشعرهِ

    بزَّ الأُلى في الشاعريّةْ


    هذا شعورُ محبِّكمْ

    أولاك في هذي التحيّةْ



    وقال مخاطباً ولده الشيخ هيثم السهلانـي حين أزمع على العودة إلى محل إقامته في لندن أواخر نيسان 2001 :
    أ هيثمُ إن بعدتَ عن الشآمِ

    فقلبي هاتفٌ لك بالسلامِ


    فإنّك فلذةٌ من قلبِ شيخٍ

    أُعدّتْ للنبالِ وللسهامِ


    وكم لاقيتُ من دنيايَ جَرحاً

    فلم أجد الدواءَ من السقامِ


    ولكن كنتُ للإصلاحِ نهلاً

    وفيّاً كنتُ في حفظِ الذمامِ


    وإنّ فراقَكم أدمى فؤادي

    وكان بوقعهِ ألـمَ الحمامِ



    وأرسل إلى ولده مهند من أميركا :
    أ مهنّدٌ فارقتَ والدك الذي


    قد كان في عللٍ وفي أشجانِ


    فبكيتُ من ألمِ الفراقِ بلوعةٍ

    في ليلةٍ ليلاءَ من أحزانِ


    لا لا بنيَّ فإنني في لهفةٍ

    للقاء شخصك نبعة الريحانِ


    هيا بنيَّ إلى لقاءٍ عاجلٍ

    كيما أعود لصحوتي وأماني



    وقد جارى السيد حسين الصدر شيخنا السهلاني في هذا المنحى ، فقال :
    سرْ فالطريقُ معبدْ

    يا ابنَ ( الجوادِ ، محمّدْ )


    واروِ المكارم عنهُ

    في كلّ نادٍ ومشهدْ


    في مقلتيك بريقٌ

    يشي بأنّك فرقدْ


    ماذا أ أكثرَ من أن

    نثني عليك ونحمدْ


    ( الصدر ) ينبوعُ حبٍّ

    ثرٍّ ، وهيهاتَ ينفدْ


    لو قيل من فاق فتيا

    ننا لقلتُ : مهندْ


    وقال حين أهدى للأُستاذ محمد محجوب كتاب عهد الإمام علي لمالك الأشتر ، وكان محمد محجوب محافظ البصرة آنذاك ، قبل أن يشغل وزارة التعليم العالي :
    تقبّل ابا أحمدٍ من أخيك


    كتاب عليّ إلى الأشترِ


    فعهد عليّ عليه السلام

    منار أناف على المشتري


    فكم فيه من درر غاليات

    وليس سواك لها يشتري


    عهدناك فذّاً بسوس البلاد

    بحكمة ذي همّة عبقري


    فيا والياً راح ثغر العراق

    يفاخر في عهدهِ النيّرِ


    أقم رايةَ العدل مسترشداً

    بعدل أبي الحسن الأزهرِ



    وقال :
    أ أخي هذا شعوري نحوكم

    وهو أغلى من لآلٍ وجواهرْ


    قد عرفناك أميناً صادقاً

    حسن النية للمظلوم ناصرْ


    وصفا منك ضمير طاهرٌ

    يا وقانا الله من سود الضمائرْ


    لستُ أخشى لائماً إن لامني

    إنما اللائم خدّاع وفاجرْ


    شيمتي في كلّ أفعالي الوفا

    ليس يرضينيَ مَن للفضل ناكرْ


    لك في كلِّ مكان أثرٌ

    خالد باقٍ على رغم المكابرْ

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Dec 2005
    المشاركات
    186

    افتراضي

    تحية طيبة

    الله يطول عمر الشيخ السهلاني

    ويدميه ذخرا لأهله وللعراقيين كافه

    تحياتي العاطرة بورود البصرة

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Nov 2002
    المشاركات
    4,192

    افتراضي

    الفرق بين العمالقة وغير العمالقة نجده في هذه السيرة. السيرة التي تتحرك في افق التسالي والمطاردات الشعرية وتبادل الهدايا. وفيما كان يلهو الأكثر بهذه الأمور، التي لم تقدم أو تؤخر في الواقع الإجتماعي أو الديني أو السياسي على مدى عقود، معتمدة في تمويلها على أموال الخمس كان محمد باقر الصدر يؤلف كتباً عملاقة مثل إقتصادنا وفلسفتنا، وكان يؤسس أكبر تحرك إجتماعي وسياسي ينتهج الإسلام في تاريخ العراق الحديث. تريدون فهم أسباب الضعف في الواقع الشيعي تابعوا سير هؤلاء!

    ألا تلاحظون الفرق الذي يقترب بين الأرض والسماء!
    "أن تشعل شمعة خير من أن تلعن الظلام"
    كونفوشيوس (ع)

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
 
شبكة المحسن عليه السلام لخدمات التصميم   شبكة حنة الحسين عليه السلام للانتاج الفني