نوفوتسي
بقلم: تاتيانا سينيتسينا معلقة نوفوستي

لقد تحولت "روضة من رياض الجنة" على ضفاف نهر بريبيات – كما نعتوا مدينة خبراء الطاقة عند محطة تشيرنوبيل الكهرذرية – في لمحة بصر في ليلة 25 الى 26 أبريل عام 1986 الى جهنم. وبات انفجار المفاعل الرابع من محطة تشيرنوبيل أكبر كارثة في تاريخ العصر النووي انقلبت من جراءها رأسا على عقب حياة الملايين من الناس الذين تحطمت مصائرهم وتضررت صحتهم وأصيبت نفسيتهم بإجهاد شامل. أضف الى ذلك آلاف الكيلومترات المربعة من الأراضي الملوثة والخسائر المادية الهائلة.

ونثرت الرياح الغبار المشع في أرجاء العالم كله فقد عثر على ذراته لا في أوروبا (السويد وألمانيا وبريطانيا) فقط بل وفي ولاية كاليفورنيا الأمريكية وحتى في جليد القطب الجنوبي.

وكان انفجار تشيرنوبيل – حسب تقييم الخبراء – يشبه بانفجار "قنبلة فراغية" فقد مزق سقف بناية الوحدة الرابعة وجدرانها إربا إربا وخرب حوالي ألف حجرة فيها. وكانت الصور الفوتوغرافية الملتقطة من الهليكوبترات تعيد الى الأذهان مشاهد هيروشيما بعد القصف الذري.

وأفصح بوريس غورباتشوف عالم الفيزياء النووية الذي عمل في محطة تشيرنوبيل بأن احتمال حدوث عطب في نمط المفاعلات المستعمل في المحطة كان – قبل الانفجار – ضئيلا للغاية وكان عمرها الافتراضي التصميمي يبلغ 30 الى 40 سنة من العمل المتواصل. ولكن تصميم المفاعل لم يأخذ بعين الاعتبار "العامل الإنساني" إلا بدرجة طفيفة. وعلى حد قول العالم "إن مصممي المشروع فشلوا في تزويده بتلك الوسيلة الأمنية كـ"الوقاية من الحماقة" فأتاحوا للمشغل إمكانية التدخل في عمل المفاعل الأمر الذي يستثنى حاليا على الإطلاق.

وقد تعرضت للضربة الأولى وردية من الخبراء المناوبين في قاعة المفاعل الرابع. وسقط الميكانيكي فاليري خوديمتشوك أول ضحية للكارثة وهو ذهب لمعاينة المضخات التي أخذت في الارتجاف. وقد غطاه الانفجار ولم يعثر على جثته المدفونة تحت ركام المبنى. وكان جلد رفاقه في الوردية الذين أصيبوا بالجرعة المميتة من الإشعاع يتسلخ مع ثيابهم وهم ما زالوا على قيد الحياة. وأما توابيت الضحايا فدفنوها في الأرض أعمق ما يمكن كيلا يتسرب الإشعاع النووي المنبثق منها الى السطح. وقد أودى الانفجار خلال الأسابيع الأولى التي عقبته بحياة 31 شخصا من خبراء الطاقة ورجال الإطفاء الذي هبوا الى مكافحة الحريق.

وكان الانفجار في محطة تشيرنوبيل الكهرذرية التي حملت اسم لينين بمثابة نذير شؤم بالنسبة للاتحاد السوفيتي كله الذي انتظره الانهيار بعد خمس سنوات. وبعد سنوات عديدة فقط تمكن العالمان المشهوران في العالم كله الأكاديميان الأوكراني بوريس باتون والروسي يفغيني فيليخوف إدراكا منهما لدرجة المسؤولية، من إقناع السياسيين بضرورة تضافر الجهود من أجل حل مشكلة تشيرنوبيل لأن الإشعاع لا يعرف السياسة ولا الحدود الدولية.

إن "الصومعة" الواقية هي بناية ضخمة تعادل من حيث ارتفاعها عمارة من 25 طابقا. وهي تخفي في باطنها 180 طنا من الوقود النووي. ولا يمكن أن يعيش الإنسان داخل هذه البناية سوى دقائق معدودات.

ولكن هذه الصومعة ليست محكمة لأن بناتها لم يتمكنوا من الاقتراب المباشر من ساحة البناء بسبب شدة الإشعاع مما أسفر عن بقاء فروج وثغرات كثيرة تبلغ مساحتها الإجمالية 1000 متر مربع، وقد يتسرب عبرها غبار بلوتونيوم. وثمة أيضا خطر آخر هو أن الصومعة ترتكز على التراكيب القديمة التي صمدت الانفجار والحريق والتي تثير متانتها شكوكا كثيرة. ويهدد انهيار هذا الغطاء الواقي بتكرار كارثة تشيرنوبيل لأن الغبار المشع الذي قد ينبعث من جرائه الى الجو سوف يتطاير من جديد في أرجاء العالم كله.

لقد مرت فترة أطول مما يمكن السماح به قبل ما تيسر التوصل الى اتفاق حول تأسيس صندوق خاص لصومعة تشيرنوبيل. وقد وافقت البلدان الغربية عام 1996 من حيث المبدأ على تحويل مبلغ مطلوب قدره 1 مليار دولار الى حسابه. ويتحكم البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير بموارد هذا الصندوق.

ويجري في محطة تشيرنوبيل اليوم تنفيذ مشروع "Shelter Implementation Plan" لبناء "صومعة - 2" والذي بادر إليه الخبراء الروس والأوكرانيون. وقد تم الآن إنجاز نصف العمل المطلوب تقريبا لتثبيت وتعزيز تراكيب الصومعة الموجودة. وسوف يبدأ عما قريب وضع تصاميم عمل لبناء "الصومعة – 2" ومن المفترض أن تغطى الصومعة القديمة بعد 3 – 4 سنوات بقبة محكمة جديدة تقي البشرية من أخطار تشيرنوبيل لمدة مائة سنة.


السلام الأخضر

تشرنوبيل, اوكرانيا — – كشف تقرير جديد نشرته غرينبيس عن اجمالي عواقب كارثة تشرنوبيل التي قد تبلغ 250 مليون حالة سرطان وحوالى 100 الف سرطان قاتل.

واجمع حوالى 60 عالما على مضمون التقرير الذي لم يسبق ان نشر بالانكليزية. ونقض تقرير غرينبيس تقرير مجموعة تشرنوبيل في الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي قدر 4000 الاف وفاة اضافية تعزى الى الحادث والتي تشكل تبسيطا هائلا لحجم المعاناة البشرية الحقيقية التي خلفها.

قدرت البيانات الجديدة المستقاة من احصاءات بيلاروس الوطنية حول السرطان، وجود حوالى 270 الف حالة سرطان و93 الف حالة سرطان قاتل جراء تشرنوبيل. كما خلص التقرير الذي استند الى بيانات سكانية الى ان السنوات الخمس عشرة المنصرمة شهدت 60 الف وفاة اضافية في روسيا بسبب حادثة تشرنوبيل، كما قدر ارتفاع اجمالي الوفيات في اوكرانيا وبيلاروس الى حوالى 140 الف وفاة.

كما يسلط التقرير الضوء على العواقب الصحية المستمرة لكارثة تشرنوبيل ويخلص الى ان التلوث الاشعاعي الناجم عنها دمرت حياة الناجين، فضربت اجهزة المناعة والغدد الصماء، وادت الى الشيخوخة المبكرة، وعلل قلبية وشريانية ودموية، وامراض نفسية، وعاهات جينية وتفاقم التشوهات الجنينية.