النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: وللنهر همومه

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Apr 2005
    المشاركات
    151

    افتراضي وللنهر همومه

    تراتيل الحب المعسول
    ( 6 )
    وللنهر همومه

    جواد المنتفجي

    تململ من مكابدات مكوثه في عربته تحت ظل شرخ جذع شجرة تفحمت من ظمأها الشديد، وبينما كان يرقب هرج الأطفال وجمهرة النسوة اللواتي تجمعن على ثنايا أجراف النهر الرملية وهن يغرفن ما تبقى من الماء في جزر قيعانه الباسطة التي بدأت تجف وتأخذ بالانحسار، داهمته تراتيل على شكل هديل حمامة انبلجت من بين أصوات تغريد حشود الطيور التي أخذت تتجمع من جديد فوق الأشجار فكأنها توقظه من وهد غيبوبته بعد أن ترجلت من نادته بها من أديم سنواته المنسية ، وفي مباغتة رفيفها من حوله..مدت جناحها اليمين لتصافحه باشتياق معسول سال لعابه من تلك السنين المكتنزة بالفرقة الطويلة
    وبعتب مر تخللته بضع نظرات الملامة حدقا أحدهما في وجه الأخر وهما يضمدان ما تيسر لهما من مدخرات ما اجتز منهما من تباريح المحبة المطوية منذ اغترابها في المحميات البعيدة ، وبين الفينة والفينة.. وبأنات طرية كانت تتهجى له حكايات ضياعها وحيدة في زحام محطاتها العصية يوم نأت بها قطارات العمر مسرعة في شتات اتجاهاتها المعاكسة .. ولم ترجع من وقتها، ومن يعلم ربما لم تغادره هي بعيدا فطالما تذكرها كلما جلس هنا من مطلع الشمس حتى غروبها! ومن يدري قد لا يكون محض وجود لغيابها في حينه! فهي قريبة دائما منه ويحس بها في كل ثانية كلما جس بيده قطعة من جسده !
    وتدرجا باستفساراتهما عن...
    نضح فوانيس الوجد الذابل ، والتي أطفأتها رياح المصادفات على غفلة منهما ..
    وهمسا في وجد بعضهما هواجس ابد البعاد في مدارات أسفار لا حّد لها غير هسهسة أوان الألم والود المبتور الذي بانت سحب شكوكه كالطلع على شيح شفتيها ..
    ونادما بعضهما عن...
    خيبة هزيمة حبهما الميئوس منه ، وشطط مقايضة استسلامها لأول عابر سبيل في حياتها، وكيف تقاسما همومهما عندما هجر أهليهما القرية بعد أن أمست مكائد توأم الغول تجفف ما حولها من ماء لتهرب حزم قصب الهور، وتذبح طيوره الصداحة..
    وكسالف عهده ومثلما كان يخبر به الآخرين ...
    أصر على أن يفسر لها سر لهثه وراء عناوينها من بعض معارفها الذين كانوا يراسلونها خلسة وهي تسكن في يباب منفاها ..
    وكسالف وده ...
    غض عنها لجة طرفه خجلا ، وانزوى ليرتشف لهفته المتناثرة عليها ليجيبها عن أسئلة فات أوانها عن أسباب خفوت مد النهر الذي كانت تقبع على ضفافه مساكن عشرتهما، ومراجيح طفولتهما التي عملها من سعف النخيل ، وأمكنة لقيا صبابتهما التي هدمت شواخصها الجناة.. وتناثرت بين ثناياها الجماجم النافقة بعد أن هجر أهليهما الطاغوت عنوة ..
    وفجأة...
    اتخذ من وطأة مسح حبات دمعتها المتدفقة بأنامله سببا للتهرب من سعير جمر ما أرادت معرفة مصدر أواره ..
    وكسالف أحوالهما في نهايات لقاءاتهما...
    ولما كانا يحسان بلظى الحمى بدأت تتجمع في وصالهما.. افلتا راحتيهما بحياء ليلقفا بهما حجرا راحا يمررانه على متناهيات جدب النهر المهموم لتشكل أدراجه دوائر وهمية طالما يلتقي سرابها في منتهى نهايتاها..
    وسرعان ما تذكرا حبكة المؤامرات التي كانوا البعض يعيقونها حولهما وهما يمارسان بعض تراتيل من طقوسهما ، وعّرف وميض كنهه شموع النذور لما كانا يصومان من مبتدأ الفجر إلى غروب الشمس ليستعينان بقرابينه في نسج عرّين وثاقهما بعيدا عن تلصص العذال ممن كانوا يراقبونهما خلسة ومن بعيد، وخوفا من أن تخطف مناديل الفتهما من غسيل حبل الهمس ، قال لها ذات مرة ...
    _ رغم كل ما يشاع عنا ..هل ستكونين لي ابد العمر ؟
    وكسالف عهدها ، ردته بضحكتها الطرية ، والإصرار ينز من ينابيع شفتيها...
    _ نعم ، وسأضيء لك العمر كله ..رغم ما سيقال عنا .
    وعلى حين غفلة ...
    انهمرت شلالات البعد من شمم أعشاشهما المزدهية بعد أن حوطا بانشطار كرات النار التي اضطرمت في القرية وبيوتها ، لحظة ائذ توارت عن أنظاره مخلفة في نفسه لوعة كل ما هو حزين مذكرا إياها بالمجادلة الكلامية مع أحد معارفها يوم زجره لما سأله عنها أخر مرة وما آلم بمصيرها ، واللوم يعبث بكلمات لا زالت ترن في صدغيه...
    - كفاك البحث عن وهمها .. وحاول جاهدا أن تطرد ذكرها من حياتك... وهل تريد أن تستغفلني بأنك آخر من يعلم برحيلها ؟ وأين هي شجاعتك وإخلاصك لحبها عندما توسدت زند أحد المغامرين ممن سرقها من أمام عينيك عنوة ؟
    يومها..لم يجرأ على نسيان ذلك ،وإنما ظل على أمل ما آمن به من شائعات قارئات الفنجان.. ومصرا على تشفعه بشرب كاس عوز نرّد ما راح تسقيه به عرافات قريته وتعاويذ عودتها له ثانية مكتفيا برمي حجراته كلما ثمل من يأسه ليجلس وحيدا إلى النهر ..
    قالت له والعبرات تتكسر بين شفتيها قاطعة سلسلة تأملاته...
    – وماذا فعلت يوم رحلت عنك ؟
    - لاشيء سوى الضجر من جلوسي الطويل هنا مفترشا بسط احتمالاتي علك في يوما ما يجلبك الحنين فتأتين لي هكذا بسرعة مثلما فعلتيه ألان فطالما شعرت بأنك قريبة جدا مني.. كلما ارتدت لهذا المكان !! وأنت اخبريني ماذا حل بزوجك ؟
    ردته بحسرة طويلة بعد أن رمت أخر حجارتها فوق حفيف جدب النهر ...
    - في يوم مطير .. انتحر تحت ركبتي فرسه الذي غشه حينما كان يلوذ بمراهناته عليه في إحدى إسطبلات الخيول.
    - وماذا ستفعلين ألان ؟
    - سأعيد بناء دكان أبي ( لسف الحصير ) لأعيش على موارده ، بعد أن عاد القصب ينبت في الهور مجددا.. وماذا عنك أنت ؟
    - كما ترين ، تزامنت بجذوة مقعدي بعدما اقتلعت أعمدة بيتنا لمتساقطة إحدى ساقيّ اثر قذيفة مدفع قصرت في مداها .
    نفضت عن كفيها غبار اللقاء ، وما لبثت ألا أن تهم مترنحة بقنوطها، متسامية بمودة كلماتها المطعمة بالوصل ملوحة له بيدها اليمنى بأمارة الوداع على أمل أن تلتقي به قريبا في ذات المكان فهمست في أذنيه قبل رحيلها …
    - عندما تستقيم الأمور سنلتقي مجددا لنجرب احتمالات صومنا من جديد فربما استطعنا أن نمهر بلسم فرقتنا التي شاخت كثيرا !!
    قالت هذا واتجهت صوب الضفة الأخرى من النهر، إما هو فقد طار فرحا من فوق كرسيه وراح يرمي حجراته السحرية فوق أمواج النهر الذي بدا يغص بالمياه ليبدد غياهب الرمل الذي زرعته يوما ما أصابع الجناة

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Sep 2005
    المشاركات
    393

    افتراضي

    كلمات اكثر من رائعة اخي جواد المنتفجي سلمت وعاشت ايدك وبالتوفيق ان شاء الله

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
 
شبكة المحسن عليه السلام لخدمات التصميم   شبكة حنة الحسين عليه السلام للانتاج الفني