النتائج 1 إلى 2 من 2
  1. #1
    تاريخ التسجيل
    May 2006
    المشاركات
    4

    افتراضي قراءة نقدية لمقالة ( لماذا نصوص معاصرة )

    المشهد الثقافي
    قراءة نقدية لمقالة ( لماذا نصوص معاصرة )
    الحلقة الأولى
    إن الحديث عن المشهد الثقافي عموماً ذو شئون وشجون إلا أنه من الصعب أن نتحدث عن هذا المشهد أو ذاك دون أن نتذكر العناصر المكونة للمشهد الثقافي عموماً ومن ثم نقوم بتطبيقها على العينة التي نروم دراستها وهذه العناصر عديدة ولعل من أبرزها
    1- الخطاب الديني ( العقدي – القانوني )
    2- الخطاب اللغوي
    3- المشهد الأدبي ( الشعر – القصة – المسرحية )
    4- المشهد الفني ممثلاً بالفنون الجميلة ( الرسم – الخط – النحت )
    5- الخطاب الاقتصادي( النظرية الاقتصادية – المذهب الاقتصادي)
    6- المشهد الاجتماعي
    7- المشهد السياسي
    فهذا الخليط بكل ثوابته ومتغيراته هو الذي يرسم لنا المشهد الثقافي لأي بيئة نروم دراستها وأي دراسة تغفل واحدة من هذه المفردات فإنها في الحقيقة لا تقوم بقراءة موضوعية للمشهد الثقافي مهما كانت بيئته فإذا أخذنا الخطاب الديني مثلاً نجد أنه يختزل سلسة من الصراعات والتوافقات التي تقوم بتلوين المشهد الثقافي لأي أمة من الأمم سواء كان ذلك عبر الخطاب القانوني ممثلاً في الفقه السماوي أو الوضعي أو كان ممثلاً في الخطاب العقدي ومثله الخطاب اللغوي بلهجاته وبناه النحوية والصرفية وأمثلته الشعبية بل حتى بحروفه ومنهجيته في الكتابة لأن هذه القوالب تقوم باختزال مناهج التفكير العامة وتعكس حجم المثقافة التي عاشتها هذه اللغة في أي حقبة من حقبها الزمنية والمكانية فلو نظرنا إلى المعاجم اللغوية ولاحظنا التطور الدلالي لأي مفردة من مفردات هذا المعجم سنكتشف حجم التطور والتغير الذي طرأ على هذا المجتمع فلو أحصينا أسماء الأسلحة ومعدات القتال في معجم ما وبدأنا بقراءة هذه المفردات من الفي عام مضت وتدرجنا في القراءة صعودا إلى العصر الراهن فإننا سنكتشف الحركة النوعية والتغيرات الجوهرية التي طرأت على هذا المجتمع في ميدانه العسكرية محددين حقبتها الزمنية ومتى بدأت التفاعل مع هذه المكونات فعلى سبيل المثال لو نظرنا إلى مصطلح السلاح النووي سنلاحظ أن هذا المصطلح لا وجود له في الخطاب العسكري العربي بينما نجد له حضوراً في الخطاب العسكري الغربي قبل مائة عام مما يكشف لنا حجم التطور التقني والفاصل الزمني بيننا وبين الآخر ولو نظرنا إلى الحرف العربي والذي استطاع أن يخترق الثقافة الفارسية وحددنا متى بدأ المجتمع الفارسي الكتابة بهذا الحرف لتمكنا من خلاله أن نعرف حجم المثاقفة بين المجتمعين ولتمكنا أن نحدد عصر هذه المثاقفة بل ومن خلالها نتعرف على عمق وقوة النفوذ العربي بثوبه الإسلامي في المجتمع الفارسي وهكذا في كل حقل من الحقول ولو نظرنا إلى المشهد الأدبي فإننا إذا توغلنا في أعماقه عرفنا ماذا يعالج الشاعر أو الكاتب المسرحي من هموم فإنهما معاً يمثلان صدى الموقف الاجتماعي و السياسي والثقافي وغيرها فمن خلالها نتمكن من تكوين رؤية ما عن الطبيعة الفكرية والبنى الاجتماعية لأي شعب من شعوب العالم وعلى العموم لا أريد أن أفيض كثيراً في ضرب الأمثلة والتوضيح فهذه المكونات هي الأهم لدراسة أي مشهد ثقافي لأي أمة من الأمم ولكن أحب التأكيد على أهمية هذه العناصر وأن الدراسة التي تغفل أي واحد من هذه المفردات لا تعدو أن تكون دراسة مشوهة وناقصة لا تحتفظ لنفسها بأمانة تصوير المشهد الثقافي لأي أمة من الأمم فمن الخطأ أن نعتبر الخطاب الديني هو اللبنة الوحيدة المكونة للمشهد الثقافي لدى شعب من الشعوب بل لا بد من سبر أغوار هذه المكونات ولهذا السبب يحق لنا أن نعتبر المشروع المقترح لنقل المشهد الثقافي الإيراني والذي اضطلعت به مجلة نصوص معاصرة في عددها الأول مشروعاً ناقصاً وأنا أعتقد شخصياً أن الكاتب لم يحط بعناصر المشهد الثقافي ولم يعرفها حق معرفتها ولهذا قام باختزال المشروع الثقافي الإيراني في زاوية ضيقة من زوايا الخطاب الديني فراح يسرد نماذج وشواهد لسلسة من الممارسات الاجتهادية التي كسرت رتابة الفقه الإمامي كما يدعي الكاتب علماً بأن التركيز على الخطاب القانوني ممثلاً بالفقه في مقام قراءة المشهد الثقافي الإيراني لا يمثل اختصاصاً بالمشهد الثقافي الإيراني بل هو يعكس صورة جزئية عن المشهد الثقافي العربي في الحقيقة وهذا ما يحتاج إلى مزيد إيضاح سنقف عنده قريباً إن شاء الله ولنبدأ المشوار من خلال عرض هيكلي لمقالة الكاتب ( حيدر حب الله ) ثم نقف معه عند المحاور المفصلية لمقالته التي صدّر بها العدد الأول من مجلة (نصوص في الثقافة والفكر ) حيث بدأ الكاتب مقالته بعرض تصوره عن آلية نقل المشهد الثقافي الإيراني ملخصاً إياه بتصوير تيارين أو اتجاهين على حد تعبيره والآن علينا أن نساير الكاتب لنرى معالم هذين الاتجاهين على حد قوله فهو يرى أن هناك اتجاهاً تقليدياً تدعمه أغلب الشخصيات الدينية التي تصدت لمقام المرجعية أو بعض أساتذة الحوزات العلمية في مدينة قم بالخصوص وهناك اتجاه تجديدي إصلاحي وهو ينقسم إلى قسمين وهما:
    أولاً : التيار التجديدي الداخلي وقد حصره بالتيار التجديدي من داخل الحوزة العلمية وقد قام بسرد نشاط هذا التيار ضمن النقاط التالية:
    1- تيار تطوير لغة الخطاب وبرنامج هذا التيار هو تجديد لغة الخطاب وقد مثّل لهذا التيار بكتابات السيد الصدر في الفتاوى الواضحة واقتصادنا وكتاب الشيخ مغنية فقه الإمام جعفر الصادق وذكر رموزاً تمارس هذا النشاط فذكر منها الشيخ مكارم والشيخ قراءتي والراي شهري
    2- تيار التطوير المراحلي للمفاهيم الفقهية وهو يعتبر السيد محمود الهاشمي رئيس القوة القضائية أحد أعلام هذا المشروع لما يمتلكه من مشاريع تطويرية جريئة على حد تعبير الكاتب وإن لم يأت بمثال على هذا التوجه ومن أعلام هذه المرحلة الشيخ حسن الجواهري ويعتبر حيدر حب الله كتاب الشيخ الجواهري بحوث في الفقه المعاصر نموذجا يمثل هذا الدور
    3- تيار التجديد الفقهي ويرى أن القائمين على هذا المشروع يؤمنون بضرورة التجديد الفقهي العاجل وليس المتأني ومن رواد هذا التيار بنظر الكاتب الشيخ الصانعي والشيخ الطهراني
    ثانياً : التيار التجديدي الخارجي ( خارج الحوزة ) وهذا التيار بنظر الكاتب هو مزيج من المثقفين الذين تعاطوا العلوم الحوزوية وغيرها ومطلبهم هو التجديد الفكري القائم على أساس التناغم بين جميع من يتعاطى الفكر والثقافة ويقول الكاتب أن هذا التيار يعتمد آليات لا تنتمي إلى الموروث المعمول به داخل الحوزات ومن أبرز رواد هذا الاتجاه السيد محمد حسين المدرسي الطباطبائي والشيخ محمد مجتهد شبستري والسيد محمد جواد الأصفهاني والدكتور عبد الكريم سروش والدكتور مصطفى ملكيان وغيرهم الكثير
    بهذا العرض الفج والقشري حاول الكاتب أن يرسم لنا حدود نقل المشهد الثقافي ولكي نقرأ هذه التجربة بعين النقد الموضوعي لابد وأن نقف عند نقطتين رئيستين
    النقطة الأولى : في نقد تصور الكاتب لطبيعة المشهد الثقافي الإيراني
    حيث نلاحظ ومن خلال التقسيمات التي قدمها والنماذج التي استشهد بها أنه خالي الوفاض غير قادر على تصور المشهد الثقافي أصلاً حيث قام بتحييد المشهد الثقافي الإيراني ضمن نقطة ضيقة جداً وهي النقطة المرتبطة بالخطاب الديني وقد حصره في زاوية ضيقة من هذا الخطاب وهو ما يرتبط بالخطاب القانوني ( الفقه وأصوله) وكأن الخطاب القانوني بكل أداواته يختزل المشهد الثقافي الإيراني مغيباً كل العناصر التي ذكرناها في صدر هذه المقالة وكأن البنية الإجتماعية والإقتصادية والسياسية واللغوية والفنية لا دخل لها بصناعة المشهد الثقافي الإيراني
    هل يعقل أن نختزل مجتمعاً توالت عليه سلسة من الحضارات بسلسلة من المتغيرات الفقهية التي تمارس هنا أو هناك أين هي الديانات التي سبقت الإسلام وأين ميراثها الفني والأدبي واللغوي
    هل قطع المجتمع الإيراني كل ما له من علاقة بماضيه الفني واللغوي والديني
    هل أصبحت الجامعات لا تقرأ في قاعاتها غير الخطاب القانوني ؟ هل تناسى هذا المجتمع كل مكوناته الحضارية وأعلن البراءة منها وطلقها ثلاثاً لا رجعة له فيها ؟
    تساؤلات حيرتني وأنا أقرأ هذه المقالة والعجب أن تكون هذه المقالة هي المقالة التصديرية للعدد الأول لمجلة رام القائمون عليها ممارسة فكرية واسعة النطاق ؟
    لست أمتلك هنا سوى الدهشة والاستغراب
    النقطة الثانية : وهي تكشف عن ضحالة المقالة وعدم استيعاب الكاتب لمفردات المشهد الثقافي ولن نتكلم هنا عن حصره المشهد الثقافي بالخطاب الفقهي بل سنتعداه إلى نقطة أكثر أهمية وأبعد عمقاً وهي مرتبطة بنقده للمثال الذي اختاره ليطبق عليه نظرياته فالخطاب الفقهي في الحقيقة لا يعكس المشهد الثقافي الإيراني بقدر ما يعكس المشهد الثقافي العربي فهذا الخطاب وبشيء من التأمل والتفكير ترجع كل أدواته إلى البيئة العربية ومجرد ممارسة غير العربي للفكر العربي لا تعني أنه صار سمة من سمات ذلك المجتمع ولتوضيح الفكرة نأخذ مثالاً يعرفه الجميع وهو علم المنطق بثوبه الآرسطي حيث نجد أن جمهرة من الثقافات تتعاطى هذا الخطاب ولم يدع أحد أن علم المنطق بصياغته الآرسطية صار علماً عربياً أو إيرانياً أو حتى إسلامياً فهو لا زال يحافظ على هويته ويعكس صورة التلاقح الثقافي اليوناني مع البيئات الثقافية الأخرى والفقه من باب أولى يظل منتمياً لليئة الثقافية العربية ووجه الأولوية هو أن المنطق وغيره من العلوم باتت عالمية بسبب عمومية القيم والنتائج التي يقدمها المنطق وهكذا الرياضيات أما الخطاب الفقهي فهو وإن كان مشروعاً عالمياً لإسعاد البشرية ولكن أدواته لا زالت لصيقة بالبيئة الثقافية العربية فإذا نظرنا إلى العنصرين الرئيسين في صناعة الخطاب الفقهي سنجدهما يلتحمان بالثقافة العربية أكثر من التحامهما بأي بيئة ثقافية أخرى فالعنصر الأول وهو المتمثل بالمادة الأولية لصناعة الخطاب القانوني الفقهي ممثلة بالكتاب والسنة هي وليدة الخطاب العربي ولازالت ولن تتحرك من محلها حتى لو لعبت الترجمة دورها فسوف يظل الفقه مرتبطاً بالكتاب والسنة ما دام متسماً بصفة الفقه الإسلامي وكذلك العنصر الثاني ممثلاً بأدوات الاستنباط وهي سلسة المباحث الأصولية حيث نجد أن نصفها يقبع تحت عنوان مباحث الدليل اللفظي وهذه البحوث ليست إلا علاجاً لكبرويات التعامل مع اللغة التي صيغت بها المادة الأولية فكيف يصح ان يجير الفقه بكل مفاصله على المشهد الثقافي الإيراني رغم أن الحوزة العلمية لا زالت تتعاطى هذا الخطاب وفق آلية لغوية خارجة عن بيئة المشهد الثقافي الإيراني ومجرد كون المزاولون لصناعة هذا الخطاب من المجتمع الإيراني لا يعني هذا اختصاص المشهد الثقافي الإيراني بهذا الخطاب فكلنا يعلم أن أبرز علماء النحو والصرف هم من العجم فهل يصح لنا أن نعتبر النحو العربي بكل ما له من خصائص وبنى سمة من سمات المشهد الثقافي الإيراني أم أن هذا خلط في أدوات القراءة الثقافية ولله در الصاحب بن عباد حيث طلب من بعض الأدباء أن يأتيه بشيء من تراث الأندلس الأدبي فلما احضروه وقرأه أطلق كلمته الشهيرة هذه بضاعتنا ردت إلينا
    نعم كأن بأرباب الفكر والثقافة عندما يطلعون على هذا المشهد الذي يدعي الباحث بأنه مشهد للثقافة الإيرانية سيقولون هذا فقهنا إعيد إلينا فهذا هو ما ورثناه من أيام زرارة ومحمد بن مسلم مروراً بشيخ الطائفة وابن ادريس والعلامة والشهيدين والمحقق الكركي وانتهاء بمدرسة الجواهري وأضرابهم فهل هذا مشهدنا قد اُعيد إلينا أم ماذا جرى ؟!
    ولئلا نبقى عند هذا المستوى من المعالجة سوف أقف وقفة عامة على مجمل النماذج التجديدية المقترحة من قبل الكاتب ولن أقف عند تفصيلاته التي اقترحها للتجديديين من الداخل والخارج فلم ألمس أي صورة للتجديد بقدر ما لمست خلطاً في التقسيم مما يعكس سطحية الكاتب وقشريته في فهم المشهد الثقافي الفقهي عموماً سواء كان إيرانياً أو غير إيراني والسؤال الأهم في المقام يدور حول التعرف على أسس التجديد في الخطاب الفقهي
    فهل أن التجديد الفقهي يأتي من خلال الخروج بنتائج على خلاف المسار العام للفقه ؟
    أم أن التجديد يكمن في تجديد آليات الاستنباط وتنويع طرقه ؟
    إذا كان المهم هو أن نخرج بنتائج جديدة فالفقه منذ يومه الأول وهو يشهد نتائج مخالفة للمذاق الفقهي العام هنا وهناك ولعل سلسة فتاوى ابن الجنيد وابن أبي عقيل العماني تعتبر رائدة في هذا الباب فلماذا أغفل العلماء تراث هذين الفقيهين
    هل تم إهمال هذا التراث وعدم التعاطي معه بجدية في صناعة القرار الفقهي لأنهما خالفا غيرهم في ما انتهوا إليه من فتاوى ام أن الأمر أعمق من ذلك كما قد صرح به كل من تعرض لفتاوى هذين العلمين حيث نجد نقد البنية الأصولية لديهما واتهامهما بأنهما تأثرا بالمدرسة السنية مما يعني أن معالم التجديد على مستوى الخطاب الفقهي لا تأتي من خلال فتوى جريئة كما يعبر الكاتب بل إن مركز التغيير والتطوير والتجديد في معالم التراث الفقهي يقف خلفها التنويع والتغيير والتجديد في أصول الاستنباط فكلما اتسعت دائرة المعالجة في الأصول انعكست على المنظومة الفقهية قسراً ولئلا يبقى القارئ بعيد عن التطبيق نسوق مثالاً بسيطاً وله أن يقيس عليه فمثلاً مبحث السيرة العقلائية هذا المبحث عندما شق طريقه إلى علم الأصول واتضحت معالمه بدأ ينعكس على الخطاب الفقهي حيث نجد له حظوراً واسعا في مجمل أبواب الفقه ولو أننا رجعنا إلى الوراء قليلاً ولمدة ثلاثمائة عام فقط سوف لن نجد هذا التأثير الواسع للسيرة العقلائية وهكذا بحث الإجماع فإنه كان يحتل مساحة واسعة في الاستدلال الفقهي ولكن عندما تطور علم الأصول وقام بمناقشة مجمل الأدلة أسقط الاجماع من حسابه وبات الإجماع لا يشكل أكثر من مؤيد للنتائج التي ينتهي إليها الفقهاء اليوم فتجديد الفقه لا يأتي من خلال الخروج على النتائج الفقهية التي تتعاطاها المدرسة الفقهية ولن يستحق مثل هذا الخروج أن يوصف بأنه تجديد بقدر ما يوصف بأنه خلط وخروج عن المذاق العام للنظرية الفقهية وختاماً لهذا النقطة أقول على الباحث أن يعيد قراءة النماذج التي اقترحها كشواهد على التجديد في الخطاب الفقهي فإنها ما لم تستند إلى تغيير في مناهج البحث الفقهي (علم أصول الفقه ) لن نقبل بها كنماذج تجديدة بل سنجعلها في طابور الفتاوى الخارجة على المذاق العام للفقه وهذا لا ينبع من كوننا نتغنى بالتقليدية والضدية للتجديد بل لأننا لن نقبل إلا ما كان متسماً بالأصالة والأصالة تعني استناد الفتوى إلى آليات تم نقدها وتجربتها واختبارها ولن نقبل بنظريات هشة يتلاعب بها البعض هنا وهناك
    ثم لماذا يصر الباحث على أن هذه نماذج تجديدية وما هو مقياسه في التجديد هذا ما لم ولن نعرفه لأن الكاتب ومن خلال رؤيتي لا ينطلق من بنية فكرية عميقة قادرة على ملاحظة هذا التلاحم بين الخطابين الأصولي والفقهي فهو يرى الفقه بمعزل عن الأصول ويعتبر تطور الفقه منفصلاً عن الأصول وهذا من السطحية بمكان
    فرق بين التجديد والقراءة في ميادين جديدة
    ما كنت عابئاً بكل النماذج والفتاوى التي اقترحها الكاتب كشواهد على التجديد ولكن استرعى انتباهي البعض منها وهي تصلح شاهداً على سطحية الكاتب وقشرية أطروحته وتكشف أنه كان يكتفي بسماع مقولات عن التجديد والتطوير دون أن يفحصها فحصاً دقيقاً ومن هذه النماذج
    الأنموذج الأول – اقتصادنا هذا الكتاب الذي سطرته أنامل العبقري الفذ آية الله الشهيد الصدر (قده) حيث اعتبره الكاتب أحد نماذج التجديد على مستوى اللغة ولعمري لقد انتقص من قدر الكتاب وكاتبه بهذا التصنيف وقد زج بهذه الأطروحة في غياهب الظلام عندما اعتبرها محاولة لتجديد لغة الفقه وهذا إن كشف عن شي فإنما يكشف عن ضحالة الرؤية التي ينطلق منها هذا القلم فالسيد الصدر عندما قدم مشروعه هذا كان يهدف إلى رسم معالم المذهب الإقتصادي في الفكر الإسلامي ولم يكن بصدد تجديد لغة الخطاب حتى يقاس هذا الكتاب بغيره من الكتب التي حاولت تيسير المعلومة وتبسيطها عبر نقلها بلغة توائم العصر وتواكبه ولو أن الكاتب جشم نفسه عناء النظر إلى عنوان الكتاب لعرف أن السيد الشهيد لم يكن بصدد تيسير لغة الفقه بل كان بصدد رسم معالم المذهب الإقتصادي الإسلامي وقد صرح رضوان الله تعالى عنه بهذا بل وأكثر من ذلك حيث أفاد في طوايا كتابه أنه لما كان بصدد رسم معالم المذهب الإقتصادي الإسلامي فليس من الضروري أن تكون مجمل الفتاوى التي جاءت في الكتاب مستنبطة من قبله بل قد يطرح جملة من الفتاوى التي يخالفها والأعجب من هذا وذاك هو ما جاء من تصريح واضح ساقه لنا السيد الصدر في مقدمة كتابه المزبور حيث قال ( وبعد فإن هذا الكتاب لا يتناول السطح الظاهري للاقتصاد الإسلامي فحسب ولا يعنى بصبه في قالب أدبي حاشد بالكلمات الضخمة والتعميمات الجوفاء .. وإنما هو محاولة بدائية مهما أوتي من النجاح وعناصر الابتكار للغوص إلى أعماق الفكرة الاقتصادية في الإسلام وصبها في قالب فكري ليقوم على أساسها صرح شامخ للاقتصاد الإسلامي ...)
    الأنموذج الثاني : أطروحة السيد القائد (حفظه الله ) والتي سطحها الكاتب وفرغها من كل محتواها حيث اعتبر هذه التجربة رائدة في الحقل الإداري لتطوير الحوزة واستشهد بفكرة إدخال اللغات وبعض العلوم الحديثة إلى منظومة الحوزة ونحن وإن كنا لا ننكر ضرورة هذه الأمور في عصرنا الراهن ولكن الخطاب الذي تقدم به السيد الخامنئي أثناء زيارته لقم المقدسة قبل بضع سنوات كان يصب في تطوير الهيكلية العامة للحوزة وقد ركز سماحته على فكرتين رئيسيتين في برنامجه التطويري
    الفكرة الأولى : التركيز على مسألة التخصص وقد أوضح ذلك بأن تصنيف الطلاب وفق قابلياتهم الذهنية والنفسية وإيضاح معالم الفكر التخصصي سيعود على الحوزة خصوصاً وعلى الفكر الإسلامي عموماً بخيرات واسعة حيث لا حظ سماحته انهماك الطلاب بعد الفراغ من السطح بطي مراحل الدراسات في أبحاث الخارج في ميداني الفقه والأصول دون مراعاة قدراتهم الذهنية على إكمال هذا المشوار وأفاد بأن مسيرة الفقه ما لم تنه إلى الاجتهاد فإن الطالب يكون قد أهدر طاقاته في هذا الميدان دون أن يتحول إلى منتج داخل الخطاب الفقهي بل سيبقى مقلداً ولكنه أكثر حذاقة وفهما لعملية التقليد من غيره بينما لو توجه إلى تخصص آخر كالدراسات التاريخية مثلاً فهو إن لم يوفق لمواصلة البحث في كل مفاصل التاريخ إلا أنه سيكون قادرا على الانتاج في الحقبة التاريخية التي تخصص بدراستها فلو أنه تخصص بدراسة صدر الإسلام فسوف يتمكن من مزاولة النقد التاريخي لتلك الحقبة حتى ولو لم يتسنى له أن يقرأ التاريخ الحديث بخلاف الفقه فإنه لن يكون منتجاً إلا من خلال الاجتهاد ومراد السيد بالانتاج هو الانتاج داخل المنظومة الفكرية وليس مراده التبليغ فأكد سماحته على التخصص من أجل اثراء كافة الميادين بالمتخصصين هذه هي الفكرة الأولى التي ركز عليها سماحته وانا اختصرتها ولم أذكر كل ما تطرق له لأننا لسنا بصدد بيانها مفصلة
    الفكرة الثانية : وتهدف إلى تطوير المنتج الحوزوي وتعميقه وأتذكر هنا أن سماحته تكلم عن التصنيف العام للشيعة بنظر المجامع العلمية حيث يعتبر الشيعة من حيث المساهمة في تطوير الخطاب القانوني أقل من الأباضية وهذا لا يرجع إلى عدم وجود تراث للشيعة في هذا المجال بل هم أكثر من كتب في هذه الحقول ولعل انتاجهم يعادل إن لم يزد على كل ما أنتجته الشعوب في هذا المضمار ولكن سبب تصنيف الشيعة بعد الأباضية يرجع إلى عاملين وهما عدم ترجمة هذا التراث إلى اللغة الإنجليزية ومن هنا جاء التأكيد على إدخال اللغات والعامل الثاني هو عدم تنظيم عمليات الإجازة التي يقدمها المجتهد لطلابه الذين بلغوا هذه المرتبة حيث إن الحوزة لا زالت تمارس الأسلوب القديم القائم على أساس المناقشة الشفهية والتي تمتد لفترة زمنية طويلة وهنا لا يريد السيد القائد استبعاد هذه المنهجية بل هذه المنهجية ضرورية جدا لمعرفة ما إذا كان الطالب قد بلغ مرتبة الاجتهاد أم لا ولكنه يؤكد على أن الإجازة ينبغي أن تأخذ مساراً آخر فبعد أن يقتنع الأستاذ باجتهاد هذا الطالب عليه أن يكلفه بإعداد دراسة فقهية في فرع لم يتم إشباعه أو لم تتم دراسته من اجل تطوير المنتج الفقهي وعدم الاقتصار على الأبواب المتعارفة فهناك مساحة فقهية واسعة تحتاج إلى الدراسة والتأصيل هذا مجمل ما طرحه السيد القائد ولم يتكلم سماحته عن تطويرات سطحية وقشرية
    الأنموذج الثالث : وهو التجربة الجزئية التي خاضها الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في مسألة رمي الجمار حيث اعتبرها الكاتب تجديداً وأظنه لم يقرأ الرسالة التي عالج الشيخ من خلالها هذه المسألة حيث لم يخرج سماحة الشيخ الشيرازي عن ما هو المألوف أو المعروف في مقام معالجة النصوص والفرق بينه وبين غيره فيما يمكن أن يستظهر من النصوص وإلا فمجمل المعالجات التي برهن بها على هذه الفتوى هي ضمن المنظومة الأصولية المتعارفة في الحوزة ولا أعرف كيف صارت هذه الفتوى أو غيرها من الفتاوى مظهراً لتجديد الخطاب الفقهي ومن شاء أن يعرف تبرير ذلك فليتوجه إلى كاتب المقالة فعله أحاط بما لم يحط به غيره
    بهذا نكون قد وقفنا على المفصل الأول من مفاصل هذه المقالة وقبل أن ننتقل إلى المفصل الثاني لا بد لنا من إيضاح فكرة نختم بها هذه النقطة وهي التعريف بمراحل نمو وتطور الفقه خطاباً وفكراً لئلا تبقى هذه المقالة خالية عن القراءة النقدية البناءة فنحن وإن كشفنا عدم صحة ما جاء في مقالة ( حيدر حب الله ) ولكن يلزمنا التأسيس والتأصيل كذلك حتى يكتمل البحث فنقول :
    إن ممارسة التجديد داخل الخطاب القانوني (الفقه ) تارة يأتي على مستوى الخطاب وأخرى ياتي على مستوى الفكرة
    والمراد بتجديد الخطاب الفقهي هو مجمل الناتج الفقهي الذي يهدف إلى إعادة صياغة التراث الفقهي سواء عبر لغة عصرية أو عبر تبويب حديث فمثلاً اطروحة السيد الصدر في الفتاوى الواضحة كانت تمثل أنموذجاً جيداً لتيسير المعلومة وكذلك كتاب الشيخ مغنية وهناك العديد من النماذج في هذا الباب ولكن هذه التجارب لا تعد تجديدا للفكر الفقهي بل لعل هناك نماذج في هذا الميدان هي أكثر إشباعاً فكتاب السيد الحائري ( فقه العقود ) هو واحد من اهم التجارب الرائدة في هذا الميدان حيث استطاع حفظه الله أن يبلور الأبحاث الكبروية لفقه العقود عموماً ولعل هذه التجربة في حقل تطوير الخطاب الفقهي تحتاج إلى تعميق ومزاولة أوسع فإننا اليوم بحاجة ماسة لممارسة هذه الرؤية في سبيل تحقيق جملة من الأهداف فلو أننا قمنا بوضع كتاب في عموميات باب الصلاة وكذا الزكاة والخمس وكل ابواب الفقه لاختصرنا مسافة كبيرة ولطوينا شوطاً واسعاً في الفقه وهذه النماذج لا أقول أنها غير موجودة ولكننا بحاجة إلى تدوينها وتجميعها فقط وإلا فقد بحث الفقهاء عمومات التكليف وعمومات فقه الفضولي وعمومات فقه الصبي وغيرها الكثير التي تحتاج إلى إخراجها في مدونة واحدة ومن النماذج المهمة والتي مارسها الفقهاء في حقل تطوير الخطاب الفقهي ما يعرف بدراسة القواعد الفقهية والتي تمثل عمومات فوقانية لمجمل الفقه أو لأكثر من باب في أغلب الأحيان وإن اختص بعضها باب دون أخر وهناك تجارب عديد وصياغات متنوعة لتجديد الخطاب الفقهي فقد بدأت الساحة الفقهية تشاهد عودة الروح لكتب المصطلحات والتي لم تكن جديدة على البيئة العلمية في الأوساط الحوزوية فهذه النماذج بكل أطيافها وأشكالها إنما تهدف إلى تجديد الخطاب الفقهي سواء من زاوية لغوية بحتة أو من خلال إعادة تبويب هذه المناهج وللحق أن هذه النماذج وإن كانت ترقى بلغة الفقه وتنوع طرق عرضه وتقديمه للباحث والقارئ ولكنها لاتسهم في تطوير العملية التعليمة داخل منظومة الحوزة وقد كتبت فيما مضى من الزمن مسودة عمل لتطوير العملية التعليمية في مجال الفقه داخل الحوزة لكن لم تشق طريقها إلى الواقع العملي وأرجو أن ترى النور عبر الأجيال الآتية ومحصلها أن منهجية الدرس الفقهي وإن كانت ثرية من حيث سبل المعالجة وفيها من العمق ما لا يمكن تصوره إلا لمن مارس هذا الدرس بحرفية وإتقان ولكن هذه الممارسة تفتقر إلى تطوير مهاراتها التعليمية حيث نجد الباحث (المجتهد ) يتبع هيكلية المتون الفتوائية في مقام التدريس والحال أن الكتب الفتوائية تم تصنيفها وتبويبها على أساس فني يختلف عن الأساس الفني المتبع في بحوث الخارج فكتب الفتوى صنفت على أساس حاجة المستفتي فتجد أحكام الوضوء تحت باب واحد وكذا الطواف وغيرها ولكن فنية البحث في خارج الفقه ينبغي ان لا تسير وفق هذا الترتيب بل عليها أن تسير وفق منهجية أخرى تعتمد على إبراز الكليات الفقهية ثم تطبيقها على المسائل حيث يقوم الفقيه بتأسيس المبنى ثم يبحث عن موارد تطبيقه في كل الأبواب أو في بعضها لأن مقام الخارج مقام تعليمي وليس مقاماً للفتوى وهذه الآلية ألصق بالتعليم منها بالآلية التقليدية المتبعة في أبحاث الخارج فمثلاً لو حرر الفقيه كبرى موجبات الضمان وأخذ بتطبيقها على أبواب البيع والإجارة والرهن والقرض وغيرها من الأبواب لتمكن الطالب من ممارسة التطبيق والتنظير الواسع في آن واحد ولهذه المنهجية أثرها الواسع على مسيرة الطالب ونضجه العام كما أن لها أثراً في اختزال الحقبة الزمنية
    وأما ما يرتبط بتطوير الفكر الفقهي فهذا بحث طويل الذيل نختصره بكلمة وهي ان سر التطوير الفكري في الأبحاث الفقهية رهين بتطوير الأدوات الأصولية وكل ما نشاهده من معطيات في هذا الباب إنما هو صدى لما يمر به علم الأصول من تأصيل وتجذير وإن كانت هناك بعض النماذج التطويرية التي مورست داخل بنية الفكر الفقهي ولكنها تظل صغيرة جدا إذا ما قورنت بحجم التطور الناجم عن تطور المنهج الأصولي وبهذه الكلمات نختم الحلقة الأولى والتي كتبناها رداً على ما جاء في مجلة نصوص بقلم رظیس تحریرها تحت عنوان (لماذا نصوص معاصرة ) وترقبوا الحلقة الثانية في القريب العاجل إن شاء الله وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
    منقول


  2. #2
    تاريخ التسجيل
    May 2006
    المشاركات
    4

    افتراضي

    بسم الله الرحمن الرحيم

    عن قريب نسجل الحلقة الثانية انشاء الله

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
 
شبكة المحسن عليه السلام لخدمات التصميم   شبكة حنة الحسين عليه السلام للانتاج الفني