بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الخلق والمرسلين النبي الاكرم وآله الطاهرين .

لقد استطاعت الحوزة العلمية الشريفه ان تتصدى لكثير من الجوانب الاجتماعية والسياسية والشرعية في ظل غياب السلطة التي اعقبت سقوط الطاغية صدام في العراق، غير ان قياس درجة تأثيرهم يظل امرا صعبا خاصة في ظل الانقسام الحاصل بينهم وبين بعض القوى الاسلامية الموجوده في النجف الاشرف ، ولايخفى على المراقب ان يلاحظ بوضوح تنافس قد يصدق عليه شريف وتارة يبتعد عن الاخلاق والتنافس الاسلامي الشريف ، وليس هناك ضيرا او مشكلة في التنافس في العمل الاسلامي وخدمة المجتمع والوطن ، وهذا مااشار له القران الكريم بقوله (( وفي ذلك فاليتنافس المتنافسون )) ، واما التنافس على الزعامة السياسية للشيعة الذين يشكلون الغالبية من سكان العراق فهو امر مرفوض شرعا وعرفا .
فمثلا الحوزة العلمية الشريفة استطاعت من خلال عملها الدؤوب في خدمة المجتمع على المستوى الديني من خلال اقامة صلوات الجمعة وتنظيمها وادارتها بشكل فاعل في مناطق العراق منذ زمن الامام الشهيد الصدر قدس الله نفسه الزكية الى يومنا هذا ومثال على هذا التنظيم الرائع هو ان امام الجمعة لايبقى في منطقه اكثر من ثلاث اسابيع . فمثلا سماحة الشيخ العبادي قبل ثلاث اسابيع كان امام جمعة كربلا ، وفي الجمعة السابقة انتقل الى مدينة الصدر ، وهذه الخطة كان معمولا بها في زمن الامام الشهيد رضوان الله تعالى عليه ، وعندما سال عن ذلك اجاب : نحن ليس لدينا وسيلة اعلامية معتد بها ، ورايت ان هذه الطريقة هي الافضل في ربط الجماهير بقادتهم وعلمائهم ، والتعرف عليهم عن قرب .
اما على مستوى الخدمات الاجتماعية بعد سقوط النظام استطاعت الحوزة العلمية الشريفة ان توجد لها ممثلين
في بعض المستشفيات ومنها مدينة الصدر، الضاحية المظلومة في بغداد، فهم يتولون الامن واحيانا دفع الرواتب ومراجعة الحسابات ومراقبة التصرف.
وفي كربلاء لهم دور فاعل في تنظيم المدينة من الناحية الامنية وبعض الخدمات الاجتماعية الاخرى .
وفي مدارس البصرة عينت الحوزة العلمية مديرين جددا واعادوا الحياة للنظام التربوي، كما افاد جيفري كيل من صندوق الامم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، الذي اعتبر هذه الظاهرة ليست مفاجئة بالمرة. واوضح قائلا: "ان رجال الدين كانوا ينشطون اجتماعيا في ظل النظام السابق. وفي ظل الفراغ الذي اعقب سقوط نظام صدام حسين كانوا السلطة الوحيدة التي بامكانها التحرك". مما اثارت هذه الظاهرة مخاوف الاستكبار العالمي الذين وجدوا انفسهم امام واقع اسلامي منظم والتفاف جماهيري واسع النطاق مع الحوزه الشريفة ، مما حدى بوزير الدفاع الامريكي ان يطلق تحذير شديد اللهجة الى هذه الجهة التي تعمل بجد ونشاط : " لانسمح بقيام نظام اسلامي في العراق " وهذا الكلمات لم تاتي من فراغ اطلاقا وانما خرجت من فاه هذا الرجل المتغطرس بعد ان راى ملامح الدولة الاسلامية في البصره .
وابرز هذه الملامح هو قيام الحوزة العلمية بفريضة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر في اغلب مناطق العراق والدعوة الى ذلك بالحكمة والموعظة الحسنة كما اشار سماحة حجة الاسلام والمسلمين السيد مقتدى الصدر في احدى خطب الجمعة ن وكذلك الدعوة التي اطلقها أئمة الجمعة والجماعة في كافة مناطق العراق ، وكان اقواها تصريحا خطبة سماحة العلامة المجاهد الشيخ جابر الخفاجي الذي حذر بشكل صريح من الفساد وانتشار الرذيلة تحت عنوان الحرية وامر بتشكيل لجان تهتم بفريضة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر .
ولقد كان ثمرة هذا العمل الصالح هوالالتزام بالاداب الاسلامية والابتعاد عن المنكرات ، ولعلكم شاهدتم او سمعتم الاخبار التي تتحدث عن مدينة البصرة ، انها التزمت بنصائح الحوزه الشريفة ، فقد اغلقت حانات الخمور ، والتزم الشباب والشابات من طلبة الجامعات وغيرها بالحجاب الاسلامي .
قد يتصور البعض ان الحوزة العلمية الشريفه تريد من تلك الاعمال الاجتماعية والدينيه ان تحقق لها مكاسب سياسية ، وهذه الشائعات والاتهامات نفتها الحوزة العلمية جملة وتفصيلا وذلك من خلال اللقاء الذي اجري مع سماحة السيد مقتدى الصدر ، وكذلك من خلال مسؤول مكتب اعلام الحوزة في بغداد سماحة الشيخ حسين البدري الذي قام بدوره في نفي كل هذه التهم وقال اننا لا نسعى الى اي مكسب سياسي من تحركنا وانما نحن نقوم بدور تقديم النصح وبدور تربوي. الناس يريدوننا، وهم يتعاملون بريبة شديدة مع اولئك القادمين من الخارج ويدركون اننا نقوم بكل ما في وسعنا من اجلهم. نحن معهم وفي قلوبهم .
وهذا الدور العظيم الذي تقوم به الحوزة العلمية الشريفة ليس جديدا وليس طارئا حسب التعبير على الشعب العراقي وانما كان قائما في زمن النظام البعثي البائد ، ولكن يترواح بين مد وانكماش حسب الظروف والمعطيات في ذلك الوقت العصيب ، فمثلا : الامام الشهيد اقام مكاتب القضاء الشرعي ، وكان المجتمع يرجع اليه في حل النزاعات والمشاكل الاجتماعية ، مما حدى بطاغوت العراق صدام الى القيام بااغلاق المكاتب ، وكذلك قيام الامام الشهيد باسلمة القوانين العشائريه، واصدر كتابا فقهيا خاصا اسماه فقه العشائر وجلس معهم واتفق معهم على ان تكون العشائر مرجعها في حل النزاعات هي الحوزة الشريفه .
وعليه نستطيع ان نقول : ان الدور الذي تقوم به الحوزة الشريفه انما هو دور مكمل للمشروع الكبير الذي قام بوضع اسسه الامام الشهيد ليث العراق الابيض الامام محمد محمد صادق الصدر رضوان الله تعالى عليه .
هذه هي الحوزه العلمية الشريفه وهذا هو المنهج الذين تسير عليه في الحياة ، رجالها ليسوا طلاب دنيا وانما يطلبون الاخره ، فمنهم من قضى نحبه في سجون الطاغية ومنهم من ينتظر ، ونسال الله ان لايبدلوا تبديلا ، جزاهم الله خير جزاء المحسنين عن الاسلام والمسلمين .