البعثيون عائدون ، حقائق جديدة - رسالة مفتوحة الى السيد رئيس الوزراء



كتابات - محمد العبدلي



السيد رئيس وزراء الجمهورية العراقية المحترم

لم أسمكم ، سيدي ، رئيسا لمجلس الوزراء بدلا من رئاسة الوزراء ، فمجلس مثل هذا غير موجود اذ كل وزير يغني على ليلاه و يفعل ما يأمره به حزبه .

ليس هذا ، على كلٍ ، بيت القصيد أو مربط الفرس كما يقولون ، و لا هذا هو الموضوع الذي اود أن احدثكم عنه و إنما شيء آخر تماما .

إني أرى ، سيدي ، البعثيين عائدين بمعونة الامريكان الى سدة الحكم في العراق ، و إذا ما حصل هذا ، لا سامح الله فسيكون الذنب ذنبكم كما سأبين في السطور التالية ، و أراكم ، سيدي ، و رهطكم تحزمون حقائبكم ، ولكن هذه المرة الى ايران ، فلم تعد سوريا مكانا آمانا إذ تدور عليها الدوائر ، و اراكم سيدي و رهطكم ستغادرون هذه المرة الى الابد ، و سيضمن لكم الايرانيون بكل تأكيد و لرهطكم دفنا لائقا ، بعد عمر طويل بطبيعة الحال ، سيدي ، ستقضونه في كتابة مذكراتكم .

لا تضحك و تسخف ما أقول ، يا سيادة الرئيس ، و أقرأ هذه السطور ، فانا ايضا لست بالساذج ، و كان بإمكاني أن اكون مثلكم رئيسا للوزراء لو إنني أجاري مهازل الزمن و نكاته .

في مأمني من بطش الآخرين تصلني الاخبار من محافظات الوسط ، من تكريت ، و ديالى و الموصل ، و أطراف كركوك و طبعا الرمادي و أجزاء واسعة من بغداد ، بل وحتى من بعض محافظاتكم ( الآمنة ) ، إن البعثيين قد أقاموا انتخابات داخلية شبه معلنة لإنتخاب كوادرهم للمواقع الحزبية ، وقاموا بإجراء اتصالات مع رؤساء القبائل لكسب ودهم بالترهيب او الترغيب او بالمال و قد بدئوا بتصعيد تكتيكاتهم و نشاطاتهم و إغتيالاتهم أمام انظار السلطات المحلية و بعجز مطلق من بعضها ، و هم يحظون الآن بتعاطف الاهالي من الناس الذين ضاقوا ذرعا بجيش المهدي و قوات بدر و استهتارهم و أفراد أجهزة المخابرات الايرانية الذين يسرحون و يمرحون وخصوصا في المحافظات والمناطق الحدودية و بتغطية من الميليشيات الشيعية ، و إنهم ـ أي البعثيون ـ يقومون بدور حماية الناس من المليشيات المستهترة بأرواح الناس و يواجهون التدخل الخارجي ، و لن يمضي وقت طويل حتى يفرضون انفسهم على الناس كمنقذين بعد أن عجزتم عن كل شيء تقريبا ، و فتحتم الباب على مصراعيه للنفوذ الايراني المقيت .

و لن يمضي وقت طويل حتى يفرضون انفسهم على الامريكان أيضا كقوة سياسية معترف بها ، بل و بمباركة و دفع منها بعد أن عضضتم اليد التي امتدت اليكم و انقذتكم من صدام حسين و بطشه ، ولن يغفر لكم الامريكان أن تسلموا العراق الذي قتل على ارضه من جنودها اكثر من 2500 من خيرة شبابها و صرفت عليها مليارات الدولارات من أموال دافعي الضريبة الامريكان أن تسلموه الى ايران هدية بعد ان سمحتم بتصاعد النفوذ الايراني و نفيتم بكل حماس وجوده .

و اذا كانت تراودكم الشكوك في قدرة الولايات المتحدة على مواجهة التحديات و اذا ما كنتم تنساقون الى الوهم القائل بقرب هزيمتها في المنطقة فإنكم ترتكبون خطأ فاحشا ، وستكونون على خطى خامنئي و احمدي نجاد و نصر الله و قبلهم صدام حسين الذين يرون إن الله ناصرهم على أعدائهم .

لا يا سيادة الرئيس إن الله لا ينصر الأغبياء و الذين يسيئون التقدير ، فما كان انتصار الرسول بأمر من ربه ، و الا لقال للشيء كن فيكون ، و لكن العقل و التدبير و ميزان القوى و الواقع على الارض و الذي أحسن الرسول حسابه هو الذي نصره ، و الا فما قولك في التخطيط و التكتيك و المعاهدات ؟

إن تحالفا قائما بين البعث و الاكراد و القوى العلمانية و حتى قوى شيعية ضاقت ذرعا بالفساد و السرقات و اكل المال الحرام و السحت و الرشوة والفساد و بمباركة من الامريكان و دعم منهم بات أقرب من حبل الوريد و سيبدو امرا قائما لا محالة اذا ما بقيتم على اصراركم بربط مصير العراق بالنفوذ الايراني و قوى الظلام و المرجعيات المتخلفة التي تعيش على و قود بائس من القرون الغابرة و اذا ما بقيتم مصرين على ابقاء العراق ساحة لأزلام طهران يسرحون فيها و يمرحون حتى و صلوا الى منطقتكم الخضراء ( الآمنة ) ، و اذا ما بقيتم على اصراركم على غرار تصريحات سلفكم السيد الجعفري بعدم وجود تدخل ايراني في الوقت الذي كان النفوذ الايراني قد و صل الى ما تحت سراويله .

و اذا ما غرتكم قواكم ، و رأيتم ما تعتبرونه تأييدا شعبيا في الحشود التي تحضر مواسم العزاء و الحسينيات ، فاني اقول لكم ان هذه الطائفة المنكوبة التي اعتادت البكاء و الهزيمة و الظلم ، والذي رسخه رجال الدين لدينا ، سوف تتخلى عن اية مقاومة و تصطف مع السلطة الجديدة بعد أن رأت ما رأت من فساد و سرقة للمال العام و بعد أن اعتادت أن تكون لعشرات القرون مهزومة باكية لطامة نائحة ، بمجرد ان يعلن على الملأ البيان رقم واحد من محطات التلفزيون و الاذاعة عن انقلاب عسكري بإسم الحكومة و رئيسها و بإسم السيد رئيس الجمهورية ، و لن يكون ذلك اليوم الذي سوف نشاهد السيد رئيس الجمهورية محاطا بضباطه الكبار و النياشين و النجوم تلتمع على أكتافهم وهو يعلن أن الامر لم يعد يحتمل بسبب تدهور الأوضاع و تفاقم التدخل الايراني و يعلن ان جنوب العراق منطقة محتلة من قبل ايران و الميلشيات التي تسرق المال العام و يعلن حالة الطوارئ و بدء العمليات العسكرية المدعومة بالطيران و الصواريخ الامريكية . و سوف يقولون للشعب أنكم قد وقعتم على وثائق مع الامريكان بأن تكونوا شركائهم في مواجهة الارهاب ، ليس الارهاب القاعدي فقط ، بل الارهاب بكافة اشكاله ومنه الشكل الايراني أيضا ، ولكنكم خرقتم الاتفاق و دعمت الارهاب الايراني .

و لكن واحسرتاه عليك سيدي فلن تظهر في المشهد التلفزيوني الدراماتيكي هذا ، بل ستكون مقيدا معصوب العينين مقادا من قبل ثلة من جنود امريكان ، حينذاك لا ينفعك أن تنتف زغب اللحية و تصرخ : " وا ذلاه " و ستظهر على شاشة التلفزيون لتدلي بإعترافاتك كعميل إيراني حين ينقلب عليك و ضدك حتى انصارك كما انقلبوا على من هو اشرف و أنبل منك أبي عبد الله الحسين ، كما تعرف من تاريخ العراق .

و لن تدوخ السلطات في العثور علىمن سيقوم بمطاردتك و مطاردة انصارك إن أفلتت من قبضتهم إذ سيطاردك و يطارد انصارك الشيعة انفسهم الذين خدموا صدام حسين وشكلوا أغلبية في حزب البعث ثم تابوا و انتموا الى صفوفكم ، سيتوبون هذه المرة لصدام حسين و البعث و الامريكان و سيسحل الاوباش أنفسهم والذين تعرفهم من خلال التاريخ العراقي القريب و البعيد رجال الدين المعممين من لحاهم صائحين هؤلاء هم عملاء إيران .

و اذا ما فاتك قنص التطورات الاخيرة في محاكمة صدام حسين و الذي دارت فيه الأمور دورة كاملة لتصب في مصلحته فانا سأقرأ لك الأحداث : يريد الأمريكان أن يوصلوا لكم الرسالة التالية : " هذا صدام حسين وهذا البعث ، بمقدورنا أن نحولهم الى ابطال محررين ، من النفوذ الإيراني المقيت لكل عراقي " . وسيجري الامر وفق السيناريو التالي : سيسمح الأمريكان للنفوذ الإيراني أن يتفاقم أمام سمعهم و بصرهم حتى يستغيث الناس و يصيحون الويل طالبين منقذا ما ، سوف يحتفظون بالوثائق الدامغة عن التدخل الايراني بالاسماء و الوقائع و لا يعلنونها و سوف يتركونكم تتمادون في ظنكم انهم جاهلون بما يجري ، و ستتصورون انهم غافلون على غرار ما اعتقد صبيكم صولاغ ، ثم يدمغونكم بالوثائق .

أخرج من منطقتك الخضراء سيدي و أسمع ما يقوله الناس ، فحتى الذين يبغضون صدام حسين ، بل وحتى ضحاياه قد بدئوا الآن يترحمون على أيامه و يتمنون عودته ، و اذا ما خافك و خاف من ميلشياتك الناس و امتنعوا عن الادلاء بمثل هذا التصريح فانني أوكد لك ، رغم انني لست احد مستشاريك ، ان الناس بدأت حتى من الطائفة الشيعية تترحم على أيام صدام حسين ناهيك عن اتباع الديانات الاخرى الذي تمارسون ضدهم كل أنواع الابادة .

اتعرف سيادة الرئيس ماذا فعلوا بالعسكري الامريكي الذي خالف الاوامر و داهم أوكار صولاغ الذي يديره أزلام المخابرات الايرانية ؟ لقد حصل على توبيخ شديد لأنه خالف الاوامر ، و قالوا له : " نحن نعرف كل شيء لا تتحرك بدون أوامر ! أترك للساسة هذه التوقيتات فهذا ليس شأن العسكر !

و سيكون المنقدون جاهزين : البعث و الاكراد و العلمانيين و الحركات القومية العربية و الدول المجاورة بدعم من الآلة العسكرية الامريكية ، و ستدور عليكم الدوائر ، وسوف يحضى الامريكيون هذه المرة بدعم كبير من عدة جهات : دعم شعوبهم و دعم الدول الاوربية التي ستنظر الى وصول ايران الى السيطرة على اكبر احتياطي للنفط في العالم على أنه خط أحمر ، و سيحاربكم في ذلك حتى السويسريون المسالمون حين تكون القضية قضية حياة أو موت . كما ستدعمهم الانظمة العربية و تركيا و حتى السوفييت و الصينيون الذين يرون تنامي الارهاب القاعدي الذي يهدد الصين و جنوب روسيا و مناطق القفقاز .

أتعتقد ، ياسيادة الرئيس ، أن الامريكان الذين قارعوا القوة السوفييتية القاهرة و المدرعة بالسلاح النووي و التي غزت الفضاء و سيطر نفوذها على مساحات شاسعة من كوكبنا و كانت الاكثر نفوسا بين العالم سوف يعجزون عن مواجهة ايران و نفوذها في اخطر المناطق ستراتيجية في العالم و إنهم سوف يتركون العراق هدية لألد أعدائها و اعداء العالم المتمدن ؟

و اذا ما راودت الأوهام سيادتكم في جدية الموقف الأمريكي ، و اذا ما اعتقدتم بأن أمريكا سوف تتردد في توجيه ضربة قاصمة لإيران و نفوذها في المنطقة استنادا الى الموقف الروسي و الصيني فأذكركم بنفس أوهام صدام حسين و تعويله على الموقف الروسي ، و الرحلات المكوكية الخائبة لوزير خارجية روسيا مرتين ، مرة في حرب الخليج الثانية حرب تحرير الكويت ومرة في الحرب الاخيرة ، و اذكركم ايضا بما ليس بوسعكم أن تنكروه : إن المصالح المشتركة للروس و الصينيين من جهة و أمريكا من جهة اخرى في مجال معاداة الارهاب و المصالح الاقتصادية المشتركة هو اكبر بكثير مما بين هذين الطرفين و ايران ، و ان الولايات المتحدة هي المستورد الاول للبضاعة الصينية .

و اذا ما كنت مثل أحمدي نجاد تعتقد أن المهدي المنتظر سوف يهرع لنجدتكم ، فانني اذكرك بما رآه الخميني نفسه بان المهدي المنتظر ما هو الا رمز لمنقذ ارضي يتدبر الامور الواقعية و ليس هبة من السماء ، و اذا ما بقيت مصرا على ظهورة و مترقبا مقدمه الميمون فسوف تنتظر كثيرا ، كثرا جدا يا سيادة الرئيس بدون فائدة .

و اذا ما أعتقدت اخيرا أن السيد اية الله العظمى السيستاني سوف يهرع لنجدتك بفتاواه التي يحرك بها الملايين فانك ستكون واهما ، فهذا السيد الجليل و الحكيم قد عرف كيف يعيش في زمن صدام و يحافظ على نفوذه و حياته فيما تساقط زملاؤه الواحد بعد الآخر ، سيتخلى عنك مؤثرا عزلته معلنا انه رجل دين لا يتدخل في السياسة .

و سترون انه نجح في استخدم نفوذه لإخراج أتباع مقتدى من العتبات المقدسة لأن ذلك كان متطابقا مع الرغبة الامريكية .

سيشكل الأكراد و البعثيون و أحزاب اسلامية سنية و شيعية منها حزب الفضيلة مثلا و القوة الأمريكية الضاربة جبهة يسمونها جبهة تحرير الجنوب المحتل بعد أن تفشلوا قطعا في إدارة الأمور في جنوب البلاد اذا ما اخترتم طريق التحالف مع ايران و عملائها .

و قبل هذا ، أي قبل وقوع الكارثة سيخيركم الامريكان و حلفائهم أن تتركوا اتباع النموذج الايراني ، و يعدونكم إن وافقتم على شروطهم في مستلزمات تطور البلد ، الاقتصادي أو على غرار تركيا و اندماجها بالمجتمع الدولي . إن ما تكرهونه إكراما لإيران ليس سوى النموذج الامثل الذي سيدعونكم لإختياره : دول الخليج التي قدمت النموذج الحقيقي للتنمية و الاستفادة من الموارد النفطية

سيدي رئيس الوزراء : اذا ما قررت أن لا تستمع للنصيحة و تمتنع عن مد يدك للمحررين و تفضل عليها اليد الايرانية فانا بشخصي المتواضع أقدم لك النصيحة المجانية التالية :

احرص على ان تأخذ معك معطفا سميكا فالطقس في ايران بارد ، و حاول ان تعتاد على الذل ، فلا أحد يكره العرب بقدر ايران .



[email protected]