النتائج 1 إلى 10 من 10
  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jul 2004
    الدولة
    هناك
    المشاركات
    28,205

    افتراضي الأبعاد الفلسفية للفكر الإجتماعي والسياسي عند الشهيد السيد محمد باقر الصدر

    د. محمد عبد اللاّوي


    [align=justify]
    نلاحظ، ابتداء من السيد جمال الدين الأفغاني، بروز قابلية على استحضار الفكر الاسلامي للمفاهيم القرآنية المرتبطة بالمجتمع وبالتاريخ، وقدرة على ربط حالة الأمة الاجتماعية والسياسية والثقافية بلغة القرآن الكريم.






    ثم تطور الفكر الاسلامي إلى مستوى آخر، حيث بدأ يتعامل، بشكل مباشر ومن منظور قرآني، مع المذاهب الاجتماعية والسياسية وبدأ يرصد الآيات ويستخلص دلالاتها من أجل اكتشاف إطار للمذهب الاجتماعي والسياسي والاسلامي.


    وتعبر كتابات الشهيد السيد محمد باقر الصدر، في هذا السياق، عن مرحلة جديدة في تطور الفكر الاسلامي وانتقاله من المبادىء والأفكار العامة إلى مستوى التنظير وتحديد المفاهيم ونقد النظريات والمذاهب الاجتماعية والسياسية الغربية.


    وهنا يبرز فكر الشهيد كفكر اسلامي بالمعنى الشرعي للكلمة، فهو فكر يختلف عن التيارات التي حاولت أن تصوغ فكراً اسلامياً بالاعتماد على مناهج فكرية غير اسلامية. فهذه التيارات تبرّر الواقع باسم التوفيق بين الإسلام والمعاصرة، أما فكر الشهيد فهو فكر يرفض كل تأويل أو تفسير يختلف مع مقاصد الإسلام ومضامينه.


    لقد حرص الشهيد على أن لا يسقط في فخ النزعة التوفيقية التى سقط فيها الفلاسفة المسلمون قديماً والمحدثون في العالم الاسلامي في عصرنا. انطلاقاً من هذا التحفظ المبني على التقوى ذات الأبعاد التعبدية والمنهجية، حاول الشهيد السيد محمد باقر الصدر استنباط المفاهيم القرآنية المؤطرة والموجهة لتنظير الفكر الاجتماعي ـ السياسي الاسلامي. فتصنيف الشهيد لهذه المفاهيم هو تصنيف يؤكد على وحدتها وترابطها وتكاملها. (فتصنيف الشهيد لهذه المفاهيم هو تصنيف يؤكد على وحدتها وترابطها وتكاملها). فهو يتجنب النظرة التجزيئية كما يتجنب الاسراف في التأويل والتسرع في الاستنتاج. فالفكر الاجتماعي السياسي هو جزء من كل، فالشهيد السيد محمد باقر الصدر يرى أنه من الخطأ العلمي والمنهجي فصله عن النسق العام الذي يتمحور حول العقيدة الإسلامية، فالشهيد انطلق في تنظيره للمذهب الاقتصادي الاسلامي، ولسائر القضايا الاجتماعية والسياسية والفلسفية التي عالجها ـ من استيعاب هذه القضايا في كليتها أي في ترابطها مع كل جوانب النظرة الإسلامية إلى الكون والإنسان. فالشهيد يرى أن فهمنا وتنظيرنا للحياة الاجتماعية يتوقف على النظرة الكلية إلى القرآن الكريم والسنة الشريفة لا على النظرة الانتقائية.


    أصول الفقه كاطار معرفي ومنهجي للفكر الاجتماعي السياسي


    تحرر الشهيد من العائق الإبستمولوجي المتمثل في فقه الفروع والذي وقف أمام ظهور المذهب الاجتماعي الاسلامي.


    فبفضل منهجية أصول الفقه وصل الفكر الاسلامي في المجال الاقتصادي والاجتماعي والسياسي عند الشهيد محمد باقر الصدر إلى مستوى صياغة المفاهيم كأساس ضروري للمذهب الاجتماعي.


    ذلك أن مبحث أصول الفقه هو الذي يسمح للفكر الاسلامي بطرح القضايا الاجتماعية والسياسية طرحاً كلياً لا جزئياً، فعملية التنظير الاجتماعي كانت معطلة من طرف فقه الفروع أو النزعة الفقهية التي تتناقض مع الرؤية الكلية للقضايا في الشريعة الإسلامية.


    فالشهيد، باعتماده على أصول الفقه ومنهجيته، قد اتخذ الفكر المتريث والنظرة الشمولية لصياغة المذهب الاجتماعي الاسلامي على أساس أحكام الشريعة. فالفكر الاجتماعي ـ السياسي عند الشهيد تمت صياغته ضمن فقه مُفلسف، أي ضمن أصول الفقه كاطار نظري. فمبحث أصول الفقه هو الذي جعل الفكر الاسلامي يستعد، منذ السيد جمال الدين الأفغاني، لاستيعاب مشكلات الحياة الإنسانيّة ومستجداتها والنهوض بالدور المطلوب ازاء معطيات الحضارة الحديثة.


    وقد وصل الفكر الاجتماعي ـ السياسي الاسلامي إلى أقوى درجة من العمق في كتابات الشهيد، وهذا العمق لم يكن أبداً على حساب الإسلام ومتطلباته، بل تمت صياغة الفكر الاجتماعي السياسي لدى الشهيد ضمن اشكالية العلاقة بين العقل والنص والواقع على العموم، وضمن أطر أصول الفقه على الخصوص.


    ان الفكر الاجتماعي ـ السياسي عند الشهيد لم تتم صياغته كفكر خارج عن بنية الفقه الاسلامي، فلا وجود عنده لفصل أو تمييز بين مصطلح الفقه ومصطلح التجديد. فقضية المذهب الاجتماعي طرحت عند الشهيد السيد محمد باقر الصدر في اطار العلاقة بين الثوابت والمتغيرات، بين الأحكام والأحوال.


    وهذا هو الفرق الأساسي بين الفكر الاسلامي والفكر المحدث، ذلك ان هذا الاخير قد طرح اشكالية التغيير والتجديد كمصطلحات يتم تحليلها وفق المنهج الوضعي الذي لجأ إليه المحدثون كمنهج بديل عن الفكر الاسلامي بكل مكوناته. في حين أن الشهيد يطرح القضايا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية من موقع الاستجابة الإسلامية لمستجدات العصر وتحديات الحضارة الغربية. فهو لم يُخضع الشريعة للواقع أي للانتاج القيمي والمفهومي للتفاعلات الاجتماعية المنفصلة عن شريعة الله. لأن الواقع بابتعاده عن هدى الله هو واقع فاسد بالنسبة للشهيد السيد محمد باقر الصدر، وكل لجوء إليه كقوة مرجعية أي كمصدر وحيد لتنظير هو خروج عن متطلبات الشرع واخضاع حكم الله لحكم الواقع. أي اخضاع المطلق للنسبي.


    وهذا لا يعني أن منهجية الشهيد هي منهجية أحادية الجانب تنطلق من النص دون أي اعتبار للواقع، بل على العكس فالفكر الاجتماعي ـ السياسي لديه، من حيث هو فكر اجتهادي، يعطي للواقع كل ثقله شريطة أن لا تخرج عملية التنظير عن الثوابت الإسلامية وهنا تتجلى ثورية الفكر الاجتماعي المعتمد على هذا المنهج حيث أن استجابة المفاهيم الاجتماعية والسياسية لحركة الواقع تكون دائماً من موقع تأثير الإسلام عقيدة وعبادة وشريعة في حركة الواقع لا اضفاء المشروعية عليها وتبريرها.


    وهكذا فالفكر الاجتماعي الاسلامي الذي صاغه الشهيد هو فكر تحويل لا فكر تبرير. فكل محاولة للتقدم والخروج من التخلف ليست في جوهرها ـ انطلاقاً من هذا المنهج ـ الا الرجوع إلى النص والى عصر الرسالة، أي اعادة الانتماء للحضارة الإسلامية في مسارها السابق على الانحراف.


    فالشهيد حدد مفهوم الفكر الاسلامي بوضوح ودقة وطرح البديل الاسلامي على الصعيد النظري والمنهجي. العقلانية المرتبطة بالنص هي عقلانية مفتوحة تتمتع بقوة لاستيعاب مستجدات الحركة التاريخية. فهي ليست مجرد عقلانية خطابية أو عقلانية مريحة تنمو في عالم المجردات.


    والفكر الاجتماعي ـ السياسي الموهّل لاعادة بناء الأمة والحضارة الإسلامية هو ذلك الفكر الذي يرتبط ارتباطاً كلياً بالنص وتتم صياغته في اطار العقلانية الإسلامية.


    ومعنى هذا أن الفكر الاسلامي الذي لم يصل إلى مستوى صياغة المفاهيم من منظور أصول الفقه هو فكر عاجز عن انتاج فكر اجتماعي ـ سياسي يحرر الأمة ويحدث نهضة الشعوب الإسلامية فهذا الفكر عقيم ونظرته نظرة تجزيئية تتناقض مع صياغة المفاهيم وتنسيقها. فصياغة المفاهيم هي الشرط الضروري لصياغة المشروع الحضاري الاسلامي.


    ان تطويق العلاقة بين الدين والواقع في الاطار الضيق لفقه الفروع أحدث فجوة بين الإسلام والحضارة، بين الأمة وحركة التاريخ. فالفكر الاجتماعي ـ السياسي الذي صاغه الشهيد جاء نتيجة لبعث الحياة في الفقه باستعمال وسائل الاجتهاد ومفاهيمه.


    ان الصيغة الجديدة للطرح التي تتجلى في فكر الشهيد الاجتماعي ـ السياسي تختلف عن الفكر الاسلامي المرتبط بالنظرة التقليدية للطرح الديني. لقد كان الفكر الاسلامي قديماً فكراً مجزءاً: فالفقه من جهة، وعلم الكلام من جهة أخرى، والفلسفة من جهة ثالثة. ولم يقدم المفكرون نظرة تركيبية لهذه الجوانب الثلاثة إلاّ نادراً.
    [/align]
    يا محوّل الحول والاحوال ، حوّل حالنا إلى أحسن الحال......








  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jul 2004
    الدولة
    هناك
    المشاركات
    28,205

    افتراضي

    [align=justify]والحق أن التحليل الذي تناول الفكر الاسلامي في تفاعل عناصره الفقهية والكلامية والفلسفية قد بدأ مع السيد جمال الدين الأفغاني، إلاّ أنه أخذ طابعهُ الأعمق عند الشهيد السيد محمد باقر الصدر الذي صاغ الفكر الاجتماعي ـ السياسي الاسلامي بصيغة تربط الجانب الغيبي العبادي بالجانب الفلسفي والعلمي من خلال تأكيده على ما يتضمنه الإسلام من مفاهيم عن الكون والحياة وحركة التاريخ ونهضة الحضارات وسقوطها.


    هذا الموقف ليس عنصراً جديداً ومستحدثاً، بل هو موقف نابع من عمق الإسلام فالارشادات المنهجية الموجودة في القرآن الكريم تفسح المجال للنظرة الشمولية وللتحليل العلمي وتتناقض مع تقديم الدين في صورة ضبابية تحكمها القداسة من دون أن تفتح الباب للنظرة العقلانية.


    فالشهيد باعتماده على الارشادات المنهجية القرآنية غير الطرح الذي وُضع فيه الدين من قبل الفكر الغربي والفكر المحدث في العالم الاسلامي. ففتح الباب واسعاً من الناحية المعرفية والمنهجية لصياغة فكر إجتماعي ـ سياسي اسلامي. انّه صاغ الفكر الاجتماعي ـ السياسي خارج اشكالية طرح الواقع من خلال المفهوم وطرح المفهوم من خلال الواقع. فالفكر الاجتماعي ـ السياسي كما صاغه الشهيد تم ضمن اشكالية العلاقة بين العقل والنص والواقع. وهو طرح يخلق جواً جديداً لاستنباط القرآن الكريم والسنة الشريفة في كل جوانب الحياة الاجتماعية.


    ان منهج التعال مع النص أثناء محاولة تنظير الفكر الاجتماعي ـ السياسي الاسلامي يشكل مصدراً لابتغاء الرشد. ويعتبر منهج التعامل مع النص العامل الأساسي والمصيري البديل الذي يتأسس عليه صرح المعرفة في العلوم الاجتماعية. والمشكل المطروح هنا هو كيف يمكن للفكر الاسلامي المعاصر ان يدرك المكنونات القرآنية في مضمار الفكر الاجتماعي والسياسي؟ فالقرآن الكريم بالنسبة للشهيد، لا يقف عند حد الدعوة إلى مجتمع تسوده العدالة والقيم الأخلاقية، ولكنه قدم الاطار الذي يتم فيه تحول المجتمع.


    فالقرآن الكريم منذ بداية النزول في المرحلة المكية تفاعل مع الواقع ومع الحياة في كل جوانبها وعمل على تغيير الواقع في ضوء متطلبات القيم والمفاهيم الربانية، وعليه يرى الشهيد أن التعامل مع القرآن الكريم من خلال دمج القضايا المطروحة على الأمة في اطارها الاجتماعي والحضاري سيفتح آفاقاً جديدة لعملية تنظير فكر إجتماعي ـ سياسي اسلامي. وهذا النموذج في التعامل مع القرآن الكريم من منطلق شمولي نجده في التفسير الموضوعي للشهيد السيد محمد باقر الصدر:


    «لماذا كانت الطريقة التجزيئية عاملاً في اعاقة النمو؟ ولماذا تكون الطريقة الموضوعية والاتجاه التوحيدي عاملاً في النمو والابداع وتوسيع نطاق حركة الاجتهاد؟...


    ان المفسر التجزيئي دوره في التفسير على الأغلب سلبي. فهو يبدأ أولاً بتناول النص القرآني المحدد مثلاً أو مقطعاً قرآنياً دون أي افتراضات أو أطروحات مسبقة ويحاول أن يحدد المدلول القرآني على ضوء ما يسعفه به اللفظ... العملية في طابعها العام عملية تفسير نص معين وكأن دور النص فيها دور المتحدث ودور المفسر هو دور الاصغاء والتفهم وهذا ما نسميه بالدور السلبي. المفسر هنا شغله أن يستمع لكن بذهن مضيء بفكر صاف، بروح محيطة بآداب اللغة وأساليبها... وبمثل هذا الفكر يجلس بين يدي القرآن ليستمع. فهو ذو دور سلبي والقرآن ذو دور ايجابي. والقرآن يعطي حينئذ وبقدر ما يفهم هذا المفسر من مدلول اللفظ يسجل في تفسيره.


    وخلافاً لذلك، المفسر التوحيدي والموضوعي فانه لا يبدأ عمله من النص بل من واقع الحياة. يركز نظره على موضوع من موضوعات الحياة العقائدية أو الاجتماعية أو الكونية ويستوعب ما أثارته تجارب الفكر الإنساني حول ذلك الموضوع من مشاكل وما قدمه الفكر الإنساني من حلول، وما طرحه التطبيق التاريخي من أسئلة ومن نقاط فراغ، ثمّ يأخذ النص القرآني لا يتخذ من نفسه بالنسبة إلى النص دور المستمع والمسجل فحسب، بل يطرح بين يدي النص موضوعاً جاهزاً مشرباً بعدد كبير من الأفكار والمواقف البشرية ويبدأ مع النص القرآني حواراً سؤال وجواب... لا يجلس (أي المفسر) ساكتاً ليستمع فقط بل يجلس محاوراً... وهو يستهدف من ذلك أن يكتشف موقف القرآن الكريم من الموضوع المطروح والنظرية التي بامكانه أن يستلهمها من النص، من خلال مقارنة هذا النص بما استوعبه الباحث عن الموضوع واتجاهاته.


    ومن هنا كانت نتائج التفسير الموضوعي نتائج مرتبطة دائماً بتيار التجربة البشرية لأنها تمثل المعالم والاتجاهات القرآنية لتحديد النظرة الإسلامية بشأن موضوع من مواضيع الحياة...


    اذن فهنا يلتحم القرآن مع الواقع، يلتحم القرآن مع الحياة، لأن التفسير يبدأ مع الواقع وينتهي إلى القرآن. لا أنه يبدأ من القرآن وينتهي بالقرآن فتكون عملية منعزلة عن الواقع منفصلة عن تراث التجربة البشرية، بل هذه العملية تبدأ من الواقع وتنتهي بالقرآن بوصفه القيم والمصدر الذي يحدد على ضوئه الاتجاهات الربانية بالنسبة إلى ذلك الواقع. ومن هنا تبقى للقرآن حينئذ قدرته على القيمومة دائماً، قدرته على العطاء المستجد دائماً، قدرته على الابداع لأن المسأله هنا ليست مسالة تفسير لفظ، فان طاقات التفسير اللغوى ليست طاقات لا متناهية، بينما القرآن الكريم دلت اروايات على أنه لا ينفد وصرح القرآن الكريـم بـأن كلمات الله لا تنفد»(1).


    ان منهج التعامل هذا ضرورة شرعية وعلمية وواقعية، لأن اعادة بناء الأمة الإسلامية عملية تقتضي التبصر في الأحداث من منظور تفاعل وتداخل عوامل انتاج هذه الأحداث. وهنا ينبغي التمييز بين المنهج التلفيقي الانتقائي في التعامل مع النص. وهو ذلك المنهج الذي يُخضع القرآن الكريم للواقع ولمفاهيم الفكر الغربي، وبين المنهج المبني على منطلق شمولي وتعبدي في علاقته مع النص: ينطلق من الواقع إلى النص ومن النص إلى الواقع كما أشار الشهيد السيد محمد باقر الصدر في النص السابق.


    وقد أبعد هذا الطرح فكر الشهيد عن الانبهار بالحضارة الغربية وبالمفاهيم التي تتضمنها سائر مذاهبها الاجتماعية والسياسية. فالفكر الاجتماعي ـ السياسي عند الشهيد لم يتم على حساب المفاهيم الإسلامية بل نبع منها وتشكل بفضلها.


    ومعنى هذا أن الشهيدالسيد محمد باقر الصدر قد ضبط مفهوم الفكر الاسلامي والفكر الاجتماعي ـ السياسي الاسلامي



    1- السيد محمد باقر الصدر ـ التفسير الموضوعي للقرآن ص18 إلى 23 دار التعارف للمطبوعات ـ بيروت 1981.




    ضبطاً دقيقاً حرر هذا الفكر من النزعة التوفيقية التي تميز بها الفكر المحدث في العالم الاسلامي والتي انتهت إلى مزيج عجيب بين الإسلام والاشتراكية أو بين الإسلام والرأسمالية، فالفكر المحدث بانبهاره بالفكر الغربي وصل إلى تغريب المصطلحات القرآنية عن طريق المفاهيم الغربية.


    فالشهيد صاغ الفكر الاجتماعي ـ السياسي بالاعتماد على وضع الحدود الإسلامية لمفاهيم الفلسفة الاجتماعية والسياسية. المفاهيم التي صاغها الشهيد تنطلق من ارتباطها بالحكم الشرعي فيما يمثله من الواجب والحلال والحرام. فهو قد عالج المشكلة الاجتماعية والسياسية على هذا الأساس وانتقد الفكر الاجتماعي الغربي على هذا الأساس كذلك. وقد أدى هذا إلى صياغة الفلسفة الاجتماعية والسياسية في نطاق العلاقة بين القرآن الكريم والواقع.


    وعلى عكس الفكر المحدث الذي راح يوفق بين الإسلام والنظم الاقتصادية والاجتماعية الغربية فان النموذج المعرفي الذي انطلق منه الشهيد ـ وهو نموذج تمت صياغته ضمن اشكالية العلاقة بين العقل والنص والواقع ـ جعله يواجه مشاكل الأمة الإسلامية من خلال الحلول الواقعية لا المثالية. ويتضح ذلك في المصطلحات والمفاهيم والعبارات التي استخدمها الشهيد في كل كتاباته مثل منابع القدرة في الدولة الإسلامية ومثل مفهوم «انسان العالم الاسلامي».


    فالشهيد واجه الفكر الغربي من موقع الفكر الاسلامي المؤسس على جهاز مفهومي يستطيع من خلاله أن يواجه المذاهب والنظريات الاجتماعية والسياسية خارج الشعارات العاطفية والمواقف الانفعالية.
    [/align]
    يا محوّل الحول والاحوال ، حوّل حالنا إلى أحسن الحال......








  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jul 2004
    الدولة
    هناك
    المشاركات
    28,205

    افتراضي

    [align=justify]

    كما أن التأكيد على خصوصية الفكر الاجتماعي ـ السياسي الاسلامي حرر هذا الأخير من النزعة التوفيقية بين الفكر الاسلامي والفكر الغربي، فالشهيد نقد الماركسية والرأسمالية معاً ولم يطرح أبداً اشكالية الاختيار بين هذا النظام أو ذاك. فالشهيد وقف أمام الفكر الماركسي والرأسمالي موقفاً علمياً. فقد فلسف، في هذا السياق، النظرة الاقتصادية الإسلامية وتجاوز ـ تبعاً لذلك ـ اطار الاحكام المتناثرة. لقد وقع على يد الشهيد انفتاح أصول الفقه على الفلسفة وانفتاح الفلسفة على أصول الفقه.


    ان العلاقة بين الأحكام الشرعية والمفاهيم الاقتصادية والاجتماعية هي التي أدت إلى صياغة المذهب الاقتصادي والسياسي في كتابات الشهيد(1).


    المذهب الاقتصادي الاسلامي


    المذهب الاقتصادي الاسلامي الذي صاغه الشهيد يهدف إلى التوازن بين مصلحة الفرد ومصلحة المجتمع.


    وقد انتقد الشهيد كلاّ من الرأسمالية والاشتراكية انطلاقاً من مبدأالتوازن بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة. وذلك نتيجة لتركيزه صياغة المذهب الاقتصادي على مقولتين أساسيتين: خلافة الإنسان وأن المالك الحقيقي هو الله تعالى.


    ربط الشهيد مبدأ الملكية الخاصة ذات الوظيفة الاجتماعية بهاتين المقولتين السابقتين. فالملكية الخاصة ذات البعد الاجتماعي هي تلك الملكية التي لا تتناقض مع العلاقات الاجتماعية المبنية على التضامن والتي تميز الحياة الاقتصادية والسياسية للأمة.


    لا شك أن الفكر الاقتصادي الاسلامي يولي أهمية كبرى للمصلحة العامة ويربط حقوق العباد بحقوق الله. الا أن هذا لا يعني أن المذهب الاقتصادي الاسلامي يذيب الفرد في المجتمع، فالاسلام، في نظر الشهيد، يختلف اختلافاً جذرياً عن الاشتراكية. فالملكية الخاصة وظيفية أي تلعب دوراً اجتماعياً. الا أنّها ليست ظرفية وتابعة لمرحلة تاريخية معينة، بل هي مبدأ ثابت يعبر عن قيمة الإنسان من حيث هو خليفة الله في الأرض.



    1- انظر اقتصادنا (عملية اكتشاف المذهب الاقتصادي) ص 349 ـ 390 دار الفكر ـ بيروت ـ الطبعة السادسة 1974.




    فالزكاة والمصلحة العامة وتحريم الربا، كل هذه الأحكام والمفاهيم الناتجة عنها تعبر عن التوازن بين الفرد والمجتمع. هذه الأحكام والمفاهيم صاغها الشهيد صياغة فقهية وفلسفية ليرسي عن طريقها المذهب الاقتصادي الاسلامي.


    فالاسلام، في نظر الشهيد، ينبغي أن لا تُبرر رؤيته الاقتصادية والسياسية باسم قيم وتصورات أجنبية عنه. فالمذهب الاقتصادي الاسلامي يقوم على مبادىء وقيم إسلامية، وكل محاولة للتوفيق بين الإسلام والاشتراكية أو بينه وبين الرأسمالية هي محاولة غير مشروعة ومتناقضة مع الإسلام فالملكية الخاصة تعبير عن اهتمام الشريعة بالانسان ومبادراته. هي حكم شرعي ثابت، الا انها ليست محايدة تجاه القيم الأخلاقية لأن الملكية الخاصة في المذهب الاقتصادي الاسلامي الذي صاغه الشهيد هي مشروعة ومحدودة، في نفس الوقت، بمتطلبات أخلاقية تحمل طابع الواجب الديني.


    ان ربط الاقتصاد بالأخلاق معناه أن المذهب الاقتصادي الاسلامي لا يعتبر الملكية الخاصة حقاً مطلقاً يتصرف فيه صاحبه كما يشاء، فالملكية الخاصة تتحدّد من موقع وظيفتها الاجتماعية ومن موقع مبدأ التوازن الاجتماعي.


    فطرح الرؤية الإسلامية للملكية في اطار توازن العلاقات بين الفرد والمجتمع وفي اطار العلاقة بين الحياة الاجتماعية والغيب، ادى إلى موقف نقدي رافض لكل من النظامين الرأسمالي والاشتراكي لأنهما نظامان يفصلان بين الحياة الاجتماعية والحياة الروحية في طرحهما للمشكلة الاقتصادية.


    فالشهيد طرح اشكالية تنظير المذهب الاقتصادي خارج الاطار النظري للمذهبين الاقتصاديين الرأسمالي والاشتراكي. فالمذهب الاقتصادي الاسلامي شيء آخر غير الرأسمالية والاشتراكية وذلك:


    1 ـ أنه يتمتع بمرجعية تتمثل في كلام الله الذي لا ينفد(1).


    2 ـ صياغة هذا المذهب لها حقلها النظري المتمثل في الأمة الإسلامية وانسان العالم الاسلامي بذهنيته وقيمه وتطلعاته.


    اعتمد الشهيد اذن على النظرة الكلية والشمولية لا على النظرة التجزيئية. ومعنى هذا ان الرؤية الإسلامية للاقتصاد ليست متروكة لكل التأويلات. فهي ليست مجرد انعكاس لأخلاق المسلمين وتضامنهم، بل هي رؤية مؤطرة بمبادىء عامة وأحكام شرعية دقيقة ترسم للمجتهد الطريق لصياغة فكر اقتصادي اسلامي.


    وعلى العموم، فالعقيدة وخلافة الإنسان والتسخير، الأخوة الايمانية والوظيفة الاجتماعية للملكية الخاصة، كل هذه المفاهيم تشكل معالم المذهب الاقتصادي الاسلامي كما صاغه الشهيد.


    من هذا المنظور انتقد الشهيد الأنظمة الاشتراكية في العالم الاسلامي لأنها تنظر إلى العلاقة بين الإسلام والاشتراكية نظرة تلفيقية. في حين أن الرؤية الاقتصادية الإسلامية مرتبطة شرعاً وعقلاً وبصفة جوهرية وبنيوية بالنظرة الإسلامية للكون والإنسان. فصياغة المذهب الاقتصادي الاسلامي كما طرحها الشهيد تتمُّ في اطار العلاقة بين العقل والشرع. ولهذا فالفكر الاقتصادي الاسلامي يتضمن، ضرورة، جانباً يتجاوز العقل. هو فكر اجتهادي نابع من اشكالية العلاقة بين العقل والنص والواقع.


    لا شكّ أن الفكر المحدث الذي راح يوفق بين الإسلام والاشتراكية انطلق من نفس هذه الاشكالية، لكن خارج اطار الاجتهاد لا داخله، فالفكر المحدث ينطلق من فكرة تكييف الإسلام مع التاريخ ومع الأنظمة الاقتصادية والسياسية، لا من الواجب الشرعي والتعبدي الذي يقتضي تكييف الواقع والتاريخ حسب متطلبات الإسلام


    فمن النظرة التعبدية للنص في علاقته بالعقل وبالواقع حدد الشهيد السيد محمد باقر الصدر الشروط الفقهية والمنهجية والفلسفية لصياغة المذهب الاقتصادي الاسلامي:



    1- أنظر التفسير الموضوعي للقرآن ص 22 ـ 23.




    «اننا في وعينا للاقتصاد الاسلامي، لا يجوز أن ندرسه مجزءاً بعضه عن بعض. نظير ان ندرس حكم الإسلام بحرمة الربا، أو سماحه بالملكية الخاصة، بصورة منفصلة عن سائر أجزاء المخطط العام. كما لا يجوز أن ندرس مجموع الاقتصاد الاسلامي، بوصفه شيئاً منفصلاً وكياناً مذهبياً مستقلاً عن سائر كيانات المذهب: الاجتماعية والسياسية الأخرى، وعن طبيعة العلاقات القائمة بين تلك الكيانات... وإنما يجب أن نعي الاقتصاد الاسلامي ضمن الصيغة الإسلامية العامة، التي تنظم شتى نواحي الحياة في المجتمع...


    فمن الخطأ أن لا نعير الصيغة الإسلامية العامة أهميتها، وأن لا ندخل في الحساب طبيعة العلاقة بين الاقتصاد وسائر أجزاء المذهب، والتأثير المتبادل بينها في كيانه العضوي العام.
    [/align]
    يا محوّل الحول والاحوال ، حوّل حالنا إلى أحسن الحال......








  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jul 2004
    الدولة
    هناك
    المشاركات
    28,205

    افتراضي

    [align=justify]كما يجب أيضاً ان لا نفصل بين المذهب الاسلامي بصيغته العامة، وبين أرضيته الخاصة التي أعدت له، وهيأ فيها كل عناصر البقاء والقوّة للمذهب... الصيغة العامة للمذهب ـ أي مذهب كان ـ تحتاج إلى أرضية وتربة، تتفق مع طبيعتها، وتمدها بالعقيدة والمفاهيم والعواطف التي تلائمها فلابد لدى تقدير الصيغة العامة للمذهب أن ندرسها على أساس التربة والأرضية المعدة لها، أي ضمن اطارها العام.


    وهكذا يتضح أن الاقتصاد الاسلامي مترابط في خطوطه وتفاصيله، وهو بدوره جزء من صيغة عامة للحياة... ويستقيم منهج البحث في الاقتصاد الاسلامي حين يدرس الاقتصاد الاسلامي بما هو مخطط مترابط، وبوصفه جزءاً من الصيغة الإسلامية العامة للحياة، التي ترتكز بدورها على التربة والأرضية التي أعدها الإسلام للمجتمع الاسلامي الصحيح»(1).


    وهكذا فالمسألة ليست مسألة اختيار بين الإسلام والعقلانية كما يدعي الفكر الغربي والفكر المحدث التابع له في العالم الاسلامي. بل الاختيار يتم بين عقلانية مبنية على الوضعية وهي رغم محدوديتها تطرح نفسها كمطلق، وبين عقلانية مرتبطة بالغيب وتعي، تبعاً لذلك، نسبيتها التي تشكل قوتها لأنها تجعلها عقلانية مفتوحة قادرة على استيعاب حركة التاريخ والتحكم فيها.


    وعلى العموم فالرؤية الإسلامية للاقتصاد لا تركز على مجرد نظرة أخلاقية. فالأحكام والمفاهيم المستنبطة من الشريعة عن طريق الاجتهاد تؤطر وتقود صياغة المذهب الاقتصادي الاسلامي.


    وبفضل علاقته بالجانب الروحي وبالغيب، يمكن للمذهب الاقتصادي الاسلامي أن يساهم في طبع العلاقات الدولية بطابع انساني. فمساهمة الفكر الاقتصادي الاسلامي كماصاغه الشهيد، يمكن أن تكون حاسمة تجاه الأزمات التي تعاني منها شعوب العالم وتجاه علاقة الاستغلال التي تمارس على المستضعفين من طرف المستكبرين. ذلك أن الشهيد بفضل نظرته الشمولية قد كشف عن الرؤية الأخلاقية الاقتصادية الموجودة بصفة ضمنية وصريحة في الشريعة الإسلامية تلك الرؤية التي ترى أن الإنسان هو الهدف والغاية لا الاقتصاد.


    فالشهيد قد بين أن الملكية في مفهومها الاسلامي تختلف عن الملكية في الحضارة الغربية، حيث تقوم على التصور المادي للكون، الأمر الذي ادى بها إلى الاستناد على الاسراف والتبذير وحرية التصرف اللاّ أخلاقية واللاّ انسانية. في حين ان الملكية في الرؤية الإسلامية هي ذات وظيفة فردية واجتماعية وروحية. أن ارجاع الملكية إلى الله (الله هو المالك الحقيقي) ومفهوم الاستخلاف يجعلان الملكية خارج شمولية الاشتراكية التي تذيب الافراد في المجتمع وخارج فردانية الرأسمالية: هي تقوم بوظيفة اجتماعية طالما أن صاحبها، سواء كان فرداً أو جماعة، هو مستخلف، أي مسؤولاً امام الله والمجتمع عن تصرفه. يقول الشهيد:



    1- اقتصادنا ص269 ـ 270.




    «... وأما المجتمع الاسلامي فلا تنطبق عليه الصفة الاساسية لكل من المجتمعين (الرأسمالي والاشتراكي). لأن المذهب الاسلامي لايتفق مع الرأسمالية في القول: بأن الملكية الخاصة هي المبدأ، ولا مع الاشتراكية في اعتبارها للملكية الاشتراكية مبدأ عاماً. بل انّه يقرر الأشكال المختلفة للملكية في وقت واحد، فيضع بذلك مبدأ الملكية المزدوجة (الملكية ذات الأشكال المتنوعة) بدلاً عن مبدأ الشكل الواحد للملكية، الذي أخذت به الرأسمالية والاشتراكية. فهو يؤمن بالملكية الخاصة، والملكية العامة، وملكية الدولة...


    وليس هناك أدلة على صحة الموقف الاسلامي من الملكية، القائم على أساس مبدأ الملكية المزدوجة... من واقع التجربتين الرأسمالية والاشتراكية. فان كلتا التجربتين اضطرتا إلى الاعتراف بالشكل الآخر للملكية، الذي يتعارض مع القاعدة العامة فيهما، لأن الواقع برهن على خطأ الفكرة القائلة بالشكل الواحد للملكية...


    والثاني من أركان الاقتصاد الاسلامي، السماح للأفراد على الصعيد الاقتصادي بحرية محدودة، بحدود من القيم المعنوية والخلقية التي يؤمن بها الإسلام»(1).


    لقد كانت احاطة الشهيد بالفكر الاجتماعي الغربي وافية ونقدية. ويتجلى عمق تحليله في تشخيصه لظاهرة الفردانية في النظام الرأسمالي وظاهرة الشمولية وذوبان الفرد في المجتمع في النظام الاشتراكي.


    وينتهي الشهيد إلى أن الفكر الاجتماعي الغربي لم يحل مشكلة العلاقة بين الفرد والمجتمع، كما يبرز الشهيد عجز الفكر الغربي في الميدان العلمي (العلوم الإنسانيّة)، وهو الجانب الذي فتن كثيراً من المفكرين في العالم الاسلامي دون نقد وتفكير واعادة النظر.


    وقد أكد الشهيد على المبادىء والمفاهيم الإسلامية لا في جانبها الروحي والتعبدي فحسب، بل في جانب الاستفادة منها لصياغة علوم اجتماعية وتوجيهها حسب متطلبات النص ومتطلبات انسان العالم الاسلامي.


    انّ ربط الحياة الاقتصادية والاجتماعية بالغيب يؤدي إلى نموذج للتنمية يتناقض مع النموذج الغربي الذي يكون فيه الانتاج والاستهلاك غايات في ذاتها. فنموذج التنمية، كما أرسى معالمه الشهيد، مرتبط بالقيم الروحية ووسيلة لتجسيد خلافة الإنسان لله في الأرض.
    [/align]
    يا محوّل الحول والاحوال ، حوّل حالنا إلى أحسن الحال......








  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jul 2004
    الدولة
    هناك
    المشاركات
    28,205

    افتراضي

    [align=justify]

    نموذج التنمية في التصور الاسلامي لا يخضع للعبث، بل لعقلانية صارمة تستمد قوتها من معنى الوجود الإنساني فغايات النموذج التنموي ليست في ذاتها، لأن عملية التنمية، من حيث هي جهاد، مرتبطة بالمطلق:


    «... ان اتجاه انسان العالم الاسلامي إلى السماء لا يعني بمدلوله الأصيل استسلام الإنسان للقدر واتكاله على الظروف والفرص وشعوره بالعجز الكامل عن الخلق والابداع... بل ان هذا الاتجاه لدى الإنسان المسلم يعبر في الحقيقة عن مبدأ خلافة الإنسان في الأرض فيما يميل بطبيعته إلى ادراك موقفه في الأرض باعتباره خليفة لله ولا أعرف مفهوماً اغنى من مفهوم الخلافة لله في التأكيد على قدرة الإنسان وطاقاته التي تجعل منه خليفة السيد المطلق في الكون، كما لا أعرف مفهوماً أبعد من مفهوم الخلافة لله عن الاستسلام للقدر والظروف لأن الخلافة تستبطن معنى المسؤ»لية تجاه ما يستخلف عليه... ولهذا قلنا أن إلباس الأرض اطار السماء يفجر في الإنسان المسلم طاقاته ويثير امكاناته بينما قطع الأرض عن السماء يعطل في الخلافة معناها... فالسلبية لا تنبع عن طبيعة نظرة انسان العالم الاسلامي إلى السماء بل عن تعطيل قوى التحريك الهائلة في هذه النظرة بتقديم الأرض إلى هذا الإنسان في اطار لا ينسجم مع تلك النظرة»(2).


    وهكذا يتبين بوضوح أن صياغة المذهب الاقتصادي الاسلامي لا تتمثل في عملية تلفيقية بين الإسلام والمذاهب الاقتصادية الغربية. فالمذهب الاقتصادي الاسلامي يتضمن عناصر ترتبط كلها بنظرة الإسلام إلى الكون والإنسان



    1- نفس المصدر ص258 ـ 259 ـ 260.


    2- نفس المصدر ص: (ص ـ ع).




    فالمذهب الاقتصادي الاسلامي هو جزء من كل. هو عنصر من عناصر الرؤية الإسلامية للحضارة ولحركة التاريخ وللانسان.


    وعليه، فبفضل المجتهدين من أمثال الشهيد محمد باقر الصدر الذين ساهموا في صياغة المذهب الاقتصادي الاسلامي، أصبح الفكر الاسلامي في المجال الاجتماعي له ما يقوله في ساحة صراع المذاهب والايديولوجيات.
    [/align]
    يا محوّل الحول والاحوال ، حوّل حالنا إلى أحسن الحال......








  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jul 2004
    الدولة
    هناك
    المشاركات
    28,205

    افتراضي

    [align=justify]النقد الجذري للفكر الغربي وطرح البديل الاسلامي


    ان نقد الشهيد لفكرة التوفيق بين الإسلام والرأسمالية أو بين الإسلام والاشتراكية لم يبرز من خلال نموذج صراعي محض بل انطلق من نقد عميق للحضارة الغربية كحقل نظري لكل من النظامين الرأسمالي والاشتراكي.


    وهكذا فالصراع بين الفكر الاسلامي والفكر الغربي كما يطرحه الشهيد ليس مجرد صراع انفعالي وعاطفي، بل هو صراع عن طريق القيم والمفاهيم انطلاقاً من رؤية إلى الكون والإنسان والتاريخ.


    ان الفكر المحدث في العالم الاسلامي يشبه، من بعض الوجوه، الفلسفة الإسلامية القديمة. فاذا كانت هذه الأخيرة قد انبهرت بالفلسفة اليونانية وانتهت إلى اخضاع الدين الاسلامي لمقولات الفلسفة اليونانية. فان الفكر المحدث في العالم الاسلامي قد انطلق في موقفه من الفكر الغربي من نفس الموقع الابستمولوجي(1): يحلل الفكر الاسلامي والمجتمع الاسلامي وصيرورته من خلال النسق المعرفي والقيمي الغربي. الشيء الذي جعل الفكر المحدث فكراً تابعاً ونخبوياً عقيماً لا علاقة له بالشعوب الإسلامية التي تكوّن المادة الخام لكل تنظير.


    اما الفكر الاسلامي كما طرحه الشهيد فهو، بحكم اعتماده على الاجتهاد كأداة معرفية وشرعية لاستيعاب حركة التاريخ وتوجيهها ولاستيعاب ثقافات الشعوب ومواجهة المستجدات، مؤهل لصياغة طريق جديد ـ غير الطريق الرأسمالي أو الاشتراكي ـ للتنمية والتقدم.


    فالاجتهاد بمعناه الواسع هو الاطار الذي صاغ الشهيد ضمنه نقده للفكر الغربي كما صاغ ضمنه، كذلك، الفكر الاجتماعي ـ السياسي الاسلامي.


    لقد لجا الشهيد إلى اطار مفهومي وقيمي وفر له الامكانيات التي تحرر الفكر الاسلامي من سجن الوضعية وغياب البعد الروحي من النظام المعرفي.


    فالشهيد يرى في هذا السياق ان صياغة الرؤية الاجتماعية ـ السياسية الإسلامية لا يمكن ان تبرز إلى الوجود بمجرد تصحيحات للنظام الاشتراكي أو مجرد التلفيق بين الاشتراكية والرأسمالية. يرى الشهيد ان الفكر الاجتماعي ـ السياسي الاسلامي لا يمكن صياغة إلاّ نتيجة لثورة على صعيد القيم والمفاهيم تنبع من القرآن الكريم والسنة الشريفة. ومعنى هذا أن الرؤية الاجتماعية ـ السياسية الإسلامية يلازمها نموذج معرفي يختلف جذرياً عن مسلمات وبديهيات النموذج المعرفي المؤسس على الوضعية.


    النظامان الرأسمالي والاشتراكي ينبعان، بالنسبة للشهيد، من مصدر واحد: الوضعية. فكل محاولة توفيق بين الإسلام وأحد هذين النظامين معناه ادماج الإسلام في الرؤية الوضعية لحركة التاريخ.


    وهكذا بيّن الشهيد ان نشاط الفكر الاسلامي من خلال النموذج المعرفي للفكر الغربي يؤدي إلى التلفيق والتكرار بلاّ من الابداع والابتكار اللذين يحتاج اليهما العالم اليوم.


    ان فكر الشهيد كمحاولة للبحث خارج الرؤية الغربية للمجتمع والتاريخ. أي البحث عن نموذج اسلامي للاقتصاد



    1- الابستمولوجيا: معناها الاشتقاقي علم العلم. فهذا المفهوم يعني لدى الدارسين: الشروط التي تساهم في انتاج المفاهيم في علم من العلوم.




    وللتطور، هي محاولة لها مشروعيتها المنهجة والعلمية ومتطلباتها الواقعية والتاريخية.


    بالنسبة للشهيد، كل المفاهيم التي تتم صياغتها من منظور وضعي هي تعبير عن رؤية الخطأ والانحراف. فالنموذج الحضاري الاسلامي ومرتكزاته النظرية في مجال الاقتصاد والاجتماع والسياسة لا يمكن ان يستخرج من مجرد عملية تركيبية بين الرأسمالية والاشتراكية، بل يبرز إلى الوجود نتيجة لعملية تصحيحية جذرية للخلفية الفلسفية التي يرتكز عليها الفكر الغربي، لتشمل بعد ذلك، المفاهيم الاقتصادية والسياسية والثقافية.


    وهكذا، فموقف الشهيد في هذا المجال بين لنا أنه انطلق ـ في صياغته للفكر الاجتماعي ـ السياسي الاسلامي ـ من موقع البحث عن الرؤية الإسلامية لأن نشاط الفكر من خلال المرتكزات المنهجية والفلسفية للفكر الغربي سوف لن ينتهي إلاّ إلى مسلمات وبديهيات الفكر الغربي. وسوف لن يتحرر الفكر الاسلامي من القيم والمفاهيم التي تقف عائقاً امام تحرر الرأسمالية والاشتراكية من الأزمة ذات الأبعاد المعرفية والإنسانيّة والأخلاقية.


    فالرؤية الإسلامية للحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وللتاريخ ينبغي، حسب منهجية الشهيد السيد محمد باقر الصدر، أن تتم في اطار نظري مختلف اختلافاً جذرياً عن الاطار النظري الذي صيغت ضمنه المذاهب الاجتماعية والسياسية الغربية. وبعبارة أخرى ان صياغة الفكر الاجتماعي ـ السياسي الاسلامي لا تتم باللجوء إلى الفكر الغربي بل باللجوء إلى النص وواقع الأمة وتاريخها.


    ومن هذا المنظور انتقد الشهيد النزعة الاجتماعية والنزعة التاريخية كأساس للفكر الاجتماعي ـ السياسي الغربي على العموم والفكر الماركسي على الخصوص وذلك ضمن نقده للمادية التاريخية:


    «وبالرغم من وصول الماركسية إلى هذه النتيجة، في تحليلها الاجتماعي، أبت أن تطبق هذه النتيجة على نظريتها التاريخية نفسها. فنادت المادية التاريخية كحقيقة مطلقة، وأعلنت عن قوانينها الصارمة، بوصفها القوانين الأبدية، التي لا تقبل التغيير والتعديل، ولا يصيبها شيء من عطل أو عجز في المجرى التاريخي الطويل للبشرية. حتى كان المفهوم الماركسي للتاريخ، نقطة انتهاء للمعرفة البشرية كلها. ولم تكلف الماركسية نفسها، أن تتساءل: من أين نشأ هذا المفهوم الماركسي؟ أو أن تخضعه لنظريتها العامة في المعرفة.


    ولو كلفت الماركسية نفسها شيئاً من ذلك ـ كما يحتمه الحساب العلمي ـ لاضطرت إلى القول: بأن المادية التاريخية، بوصفها نظرية معينة، قد انبثقت من خلال العلاقات الاجتماعية والاقتصادية. فهي ككل نظرية أخرى، نابعة من الظروف الموضوعية التي تعيشها.


    وهكذا نجد، كيف أن المادية التاريخية تحكم على نفسها، من ناحية أنّها تعتبر كل نظرية انعكاساً محدوداً للواقع الموضوعي الذي تعيشه. ولا تعدو هي بدورها أيضاً، أن تكون نظرية قد تبلورت في ذهن انساني عاش ظروفاً اجتماعية واقتصادية معينة. فيجب أن تكون انعكاساً محدوداً لتلك الظروف ومتطوّرة تبعاً لتطورها، ولا يمكن أن تكون هي الحقيقة للتاريخ»(1).
    [/align]
    يا محوّل الحول والاحوال ، حوّل حالنا إلى أحسن الحال......








  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jul 2004
    الدولة
    هناك
    المشاركات
    28,205

    افتراضي

    [align=justify]وهكذا بيّن الشهيد أن الفكر الاجتماعي ـ السياسي الغربي هو مجرد انعكاس سلبي لمؤثرات ظرفية أو لمرحلة تاريخية معينة. فنسبيته نسبية انعكاس لأوضاع معينة وليست نسبية كتلك التي تلازم الفكر العلمي وتجعله منفتحاً وقابلاًللتطور.


    أما الفكر الاجتماعي ـ السياسي كما طرحه الصدر فهو يتمتع بالقوة التي تؤهله لعدم الاهتزاز أمام تحديات الواقع وحركة التاريخ، لأنه فكر مبني على العلاقة بين المطلق والنسبي، بين الثوابت والمتغيرات، بين النص والاجتهاد. فهو فكر يعني، منذ البداية، متغيراته وثوابته.



    1- اقتصادنا ـ ص65.




    فالاسلام يحل المعادلة الصعبة التي انهزمت أمامها كل الفلسفات المتمثلة في العلاقة بين المتغير والثابت. يحلها عن طريق منهجية صاغها المفكرون المسلمون بفضل ارشادات ربانية. هذه المنهجية هي الاجتهاد.


    فالشهيد عندما صاغ الفكر الاجتماعي ـ السياسي الاسلامي، صاغه من موقع المجتهد وانطلاقاً من مفاهيم الاجتهاد حول الثوابت والمتغيرات. فهو لا يفكر خارج التاريخ بل بالتاريخ لكن دون أن يسقط في فخ النزعة التاريخية لأن الفكر الاجتماعي ـ السياسي مرتبط بالنص لا بالواقع أو بالتاريخ فحسب.


    ان طريق صياغة الفكر الاسلامي المحقق لانتصار الأمة ونهضتها هو الطريق الذي تتم فيه صياغة هذا الفكر حسب شروط الدين أي من موقع الاجتهاد وعلاقة الفكر بالنص من حيث هي علاقة النسبي بالمطلق. أما الطريق الذي تستنبطه عقلانية الإنسان المنفصلة عن الله تعالى فهو دائماً طريق خاطىء يزيد في انحطاط الأمة.


    اللاّواقعية واللاّ عقلانية صفتان ملازمتان للفكر الغربي بحكم عدم ارتباطه بالمطلق وفصله الرؤية الاجتماعية ـ السياسية عن أبعادها الميتافيزيقية.


    وعلى العكس من ذلك فان خصائص الفكر الاجتماعي ـ السياسي الاسلامي من الناحية المنهجية والمعرفية تتمثل في العلاقة بين العقل والدين والواقع. وتتمثل من ناحية الهدف في العمل على تجسيد متطلبات خلافة الإنسان لله في الأرض.


    فالفكر الاجتماعي ـ السياسي الاسلامي يسعى، بحكم هذه الخصائص، إلى صياغة منهجه للتغيير حسب متطلبات الإسلام ومتطلبات الواقع شريطة أن تخضع هذه الأخيرة لمبدأ اعادة الإسلام إلى أرض الواقع أي تكييف هذا الأخير حسب متطلبات الشريعة.


    وهذا ما يجعل الفكر الاجتماعي السياسي الاسلامي يحتوي الواقع كله لانه يستقطب كل مواقع التصور الإنساني على أساس المنهج والهدف اللذان يرتكز عليهما هذا الفكر.


    ولهذا فنقد الشهيد السيد محمد باقر الصدر للاشتراكية والرأسمالية كان من موقع النموذج الحضاري الاسلامي لا من موقع التوفيق بين الإسلام والفكر الغربي. فتحليله يجمع بين رفض الماركسية والرأسمالية في موقع واحد. لأن الأساس بالنسبة للشهيد هو صياغة النموذج الاسلامي في مجال الاقتصاد والاجتماع والسياسية من موقف معرفي يسعى إلى البحث خارج الطرح البشري للمسألة الاجتماعية والسياسية.


    فالفكر الاجتماعي ـ السياسي الاسلامي هو اذن ـ بحكم مرجعيته ـ عقيدة اسلامية على مستوى المفاهيم (ومن هنا شعور المسلمين بالالتزام تجاه هذه المفاهيم).


    ان مسار الفكر الاجتماعي ـ السياسي الاسلامي، كما طرحه الشهيد، يتجه نحو الابداع لانه وضع نفسه في موقع متحر وناقد لنموذج التفكير الاجتماعي الغربي.


    قد يقال بأن فكرة التوجيه في الحياة الاقتصادية والعقلنة واعطاء أهمية للمبادرات الفردية في ادارة الاقتصاد هي خصائص غربية واضحة، ولا يعطي الاستشهاد الدائم بالقرآن الكريم والسنة الشريفة والأحكام الفقهية المشروعية ـ الإسلامية لهذه الخصائص.


    لا شك ان بعض الجوانب والعناصر قد تكون مشتركة بين كل الأنظمة الاقتصادية والاجتماعية. الا ان هذه العناصر تتشكل حسب المجموعة التي تنتمي إليها وحسب نسق العلاقات التي تربطها مع العناصر الأخرى ومع القاعدة التي يرتكز عليها النظام الاقتصادي والاجتماعي وهي العقيدة الإسلامية بالنسبة للفكر الاجتماعي الاسلامي وما تنتجه هذه العقيدة من مفاهيم وقيم ونظرة إلى الكون والإنسان تنعكس على نفسية الأفراد وعلى العلاقات الاجتماعية بشكل يجعل الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية تتخذ مساراً له خصوصيته ولا يشبهه مسار الأنظمة المرتكزة على الوضعية(1).


    وعلى هذا النحو لم يعد معيار النشاط الاقتصادي والعلاقات الاجتماعية معياراً من خارج المواقع فحسب (المصدر الالهي للقيم والمفاهيم في مجال الحياة الاجتماعية ـ السياسية)، وإنما معيار يلتقي مع قانون موضوعي لتطور الواقع (ذهنية انسان العالم الاسلامي وتطلعه إلى تجسيد متطلبات الشريعة في الواقع الحي). فهنا يلتقي الشرع مع الواقع ولا يتناقض معه(2).


    وهكذا فالاسلام والواقع (الحقل النظري المتمثل في الأمة) يوفّران الأرضية لصياغة الفكر الاجتماعي ـ السياسي. فالأمة تملك الاستعداد على الصعيد الذهني والنفسي لممارسة المفاهيم الاجتماعية ـ السياسية الإسلامية ولعملية التغيير التاريخي حسب متطلبات الإسلام.


    فنقد الشهيد للفكر الغربي جعل هذا الأخير معطى نسبياً وأوضح التناقض الذي ينتج عن كل محاولة لنقل البناء الثقافي والفكري الغربي إلى العالم الاسلامي.


    لقد نقل الشهيد مواجهة الفكر الغربي من موقف الاستسلام والرفض الهزيل إلى موقف النقد وطرح البديل الاسلامي في ميدان الفكر الاجتماعي ـ السياسي على العموم وميدان العلوم الاجتماعية على الخصوص، يقول السيد محمد حسين فضل الله:


    «السيد محمد باقر الصدر الذي كان فكره وقلمه يمثلان النقلة المتقدمة لحركة الاتجاه الاسلامي الراشد قد كتب في تلك الفترة كتاب فلسفتنا الذي يعتبر بحق الكتاب الذي نقل الصراع مع الشيوعيين من أسلوب الغوغاء إلى أسلوب الفكر العلمي مما يعطي الانطباع بأن الاتجاه الاسلامي الجديد لا يتحرك في مواجهته للشيوعية من المواقع السياسية الموجهة لمصلحة الغرب بل يتحرك مع موقع الايمان بأن الطريق الوحيد لتحصيل القناعات العقيدية هو الحوار الفكري المبني على القواعد الجديدة»(3).


    فالفكر الاجتماعي ـ السياسي الذي صاغه الشهيد يتبنى تاريخ الأمة الإسلامية ويرتبط بالجذور الحضارية للشعوب الإسلامية. وهذا الربط بين الفكر الاجتماعي والتاريخ هو ربط بين هذا الفكر والعقيدة لأن التاريخ يتضمن العقيدة والعقيدة تتضمن التاريخ، على اعتبار أن مسار الأمة تشكل بفضل القيم والمفاهيم التي تتضمنها العقيدة.

    [glint]
    يقول الشهيد منتقداً للمادية التاريخية:[/glint]


    «.. فان الدين هو الاطار الوحيد الذي يمكن للمسألة الاجتماعية أن تجد ضمنه حلها الصحيح. ذلك أن الحل يتوقف على التوفيق بين الدوافع الذاتية والمصالح الاجتماعية العامة، وهذا التوفيق هو الذي يستطيع أن يقدمه الدين للانسانية، لأن الدين هو الطاقة الروحية التي تستطيع أن تعوض الإنسان عن لذائذه الموقوتة التي يتركها في حياته الأرضية أملاً في النعيم الدائم، وتستطيع أن تدفعه إلى التضحية بوجوده عن ايمان بأن هذا الوجود المحدود الذي يضحي به ليس إلاّ تمهيداً لوجود خالد وحياة دائمة، وتستطيع أن تخلق في تفكيره نظرة جديدة تجاه مصالحه، ومفهوماً عن الربح والخسارة أرفع من مفاهيمها التجارية المادية... وهكذا ترتبط المصالح الاجتماعية العامة بالدوافع الذاتية، بوصفها مصالح للفرد في حسابه الديني»(4).



    1- انظر اقتصادنا ص270 ـ 271 ـ 272 ـ 273.


    2- انظر اقتصادنا ص: و ـ ز ـ ط ـ ي ـ م ـ ن (من مقدمة الكتاب).


    3- السيد محمد فضل الله ـ مقدمة رسالتنا ـ ص 15 ـ 16، ذكر في ص 134 ـ 135 ـ الحوار الفكري والسياسي ـ المركز الاسلامي للأبحاث السياسية ـ رقم ـ 1985.


    4- اقتصادنا ـ ص 285 ـ 286.




    الفكر الاجتماعي ـ السياسي الاسلامي كما طرحه الشهيد هو فكر له منهج إنه يشكل بناءً نظرياً متكاملاً له وجهته الخاصة في الكون والمجتمع والإنسان والتاريخ ـ فجوهر الفكر الاجتماعي ـ السياسي الاسلامي يقوم في الاطار التاريخي على تصور مجتمع الخلافة، وفي الاطار الاقتصادي على الملكية المزدوجة (خاصة وعامة) وفي الاطار السياسي على الولاية التي هي دولة ـ الأمة واستمرار لدولة المدينة التي أسسها الرسول (ص) بأمر من الله تعالى.


    فهذه المفاهيم كلها تشكل مضمون الفكر الاجتماعي ـ السياسي الاسلامي باستمرار بحيث لا يمكن أن يغير عنصر من هذه العناصر دون أن يحدث تغييراً جوهرياً وتحولاً في كل مرتكزات هذا البناء. وهو تحول يعني، في الحقيقة، المروق عن شرع الله.


    فالبناء النظري للفكر الاجتماعي ـ السياسي الاسلامي ليس وليد ظروف اجتماعية واقتصادية، وليس وليد مرحلة تاريخية. بل هو مجموع الثوابت التي ترتكز عليها عملية التنظير في المجال الاجتماعي ـ السياسي.


    وهذا يعني، في اطار علاقة الإنسان بالواقع وبالتاريخ، أن الإنسان هو الذي يملك مبادرة التغيير وليست الظروف الاجتماعية أو وسائل الانتاج كما هو الحال في الماركسية التي ترى أن المحتوى الداخلي للانسان لا ينمو ويتغير إلاّ بعد احداث تغيير في طريقة الانتاج ونوعية القوى المنتجة، يقول الشهيد السيد محمد باقر الصدر:


    «فهو (أي الإنسان) بصورة مستقلة عنها لا يمكنه أن يفكر تفكيراً اجتماعياً، أو أن يعرف ما هو النظام الأصلح؟ وإ ما القوى المنتجة هي التي تملي عليه هذه المعرفة»(1).


    ونتيجة لذلك فان الالتزام بالمصلحة الاجتماعية يزداد نمواً مع زوال الملكية الخاصة ذلك الزوال الذي يقضي على أنانية الإنسان والجري وراء مصالحه.


    وهكذا فالماركسية ترى أن تغيير المحتوى الداخلي للانسان لنزع ميوله الفردية وزرع ميول اجتماعية مكانها هي عملية مرتبطة بعوامل خارجية (الملكية العامة) لا بالقيم الأخلاقية. وفي المقابل نرى عكس ذلك تماماً بالنسبة للنظام الرأسمالي الذي يربط حرية التملك بالحرية المطلقة التي ينبغي للانسان أن يتمتع بها. فالحرية وحق التملك عنصران مترابطان.


    ويرى الشهيد أن الإسلام يتجاوز فكرة الحرية في مفهومها الرأسمالي بتأكيده على مبدأ الحرية في نطاق محدود بحدود القيم التي تحافظ على سلامة مسيرة البشرية عبر التاريخ. أما بالنسبة للعلاقة بين الإنسان والظروف الاجتماعية فالشهيد يرى أن الإسلام لا ينكر تدخل هذه الأخيرة في تشكيل الإنسان وتشكيل الفكر الاجتماعي. لكن الإنسان يبقى أساس عملية التغيير لا وسائل الانتاج ونوع الملكية وبالنسبة للعلاقة بين الفكر الاجتماعي السياسي والمجتمع، فان تأثير العوامل الاجتماعية هو تأثير مضبوط ـ من الناحية الشرعية والمنهجية والمعرفية ـ داخل منطقة الفراغ التي حدد الشرع اطارها من جهة، وحسب ثوابت الإسلام حول الكون والإنسان والتاريخ من جهة أخرى.
    [/align]
    يا محوّل الحول والاحوال ، حوّل حالنا إلى أحسن الحال......








  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jul 2004
    الدولة
    هناك
    المشاركات
    28,205

    افتراضي

    [align=justify]

    يقول الشهيد محدداً منهجية الإسلام في استيعاب حركة التاريخ:


    «لماذا وضعت منطقة الفراغ؟.


    والفكرة الأساسية لمنطقة الفراغ هذه، تقوم على أساس: ان الإسلام لا يقدم مبادئه التشريعية للحياة الاقتصادية بوصفها علاجاً موقوتاً، أو تنظيماً مرحلياً، يجتازه التاريخ بعد فترة من الزمن إلى شكل آخر من أشكال التنظيم. وإنما يقدمها باعتبارها الصورة النظرية الصالحة لجميع العصور. فكان لابد لاعطاء الصورة هذا العموم والاستيعاب، أن ينعكس تطور العصور فيها، ضمن عنصر متحرك، يمد الصورة بالقدرة على التكيف وفقاً لظروف مختلفة.



    1- السيد محمد باقر الصدر ـ الإنسان المعاصر والمشكلة الاجتماعية ـ ص 16 ـ 17 دار الزهراء الطبعة ـ 6 ـ 1987.




    ولا تدل منطقة الفراغ على نقص في الصورة التشريعية، أو اهمال من الشريعة لبعض الوقائع والأحداث. بل تعبر عن استيعاب الصورة، وقدرة الشريعة على مواكبة العصور المختلفة، لأن الشريعة لم تترك منطقة الفراغ بالشكل الذي يعني نقصاً أو أهمالاً، وإنما حددت للمنطقة أحكامها، بمنح كل حادثة صفتها التشريعية الأصلية، مع اعطاء ولي الأمر صلاحية منحها صفة تشريعية ثانوية، حسب الظروف»(1).


    ان الفكر الاجتماعي ـ السياسي الرأسمالي والاشتراكي يحمل بذور تشيىء الإنسان وتحوله إلى كائن سلبي نتيجة للاطار العام الذي تشكل فيه الفكر الغربي والمتمثل في انقطاعه عن المطلق.


    ان الماركسية، بالنسبة للشهيد، لا تعطى دوراً حاسماً للانسان في التاريخ لأنها ترد حركة التاريخ كلها إلى البنية التحتية (الاقتصادية). ولكن الرأسمالية ليست، بالنسبة للصدر، بأحسن من الماركسية في مجال دور الإنسان في تحريك التاريخ، لأن الديمقراطية لا تحمل في طياتها علاج مشكلة الإنسان ذلك لأن فكرة الديمقراطية فكرة توجد في الفراغ لأنها تفتقد الأساس الحقيقي الذي يثبتها ويمدها بالقوة اللاّزمة لتقوم بدورها في تحريك التاريخ.


    فالفاعلية اللازمة لتغيير الواقع تنبع من المحتوى الروحي الداخلي للانسان بالنسبة للفكر الاجتماعي ـ السياسي الاسلامي. وهنا تتجلى ثوابت الفكر الاسلامي التي صاغها الشهيد بفضل الارشادات المنهجية من القرآن الكريم والسنة الشريفة: كالفطرة وسنن الله في الكون.


    يقول الشهيد مفسراً لقوله تعالى: (ان الله لا يغير ما بقوم حتّى يغيروا ما بأنفسهم):


    «هذه السنة التاريخية للقرآن... بيّنت بلغة القضية الشرطية لأن مرجع هذا المفاد القرآني إلى أن هناك علاقة بين تغييرين: بين تغيير المحتوى الداخلي للانسان وتغيير الوضع الظاهري للبشرية والإنسانيّة، مفاد هذه العلاقة قضية شرطية، انّه متى وجد ذلك التغيير في انفس القوم وجد هذا التغيير في بناء القوم وكيان القوم»(2).


    وهكذا المحتوى الداخلي للانسان هو ـ بالنسبة للشهيد ـ القاعدة والأساس للبناء العلوي، للحركة التاريخية.


    الا أن المحتوى الذهني ليس محتوى غائماً مطاطياً بدون شكل. وهنا يتساءل الشهيد:


    «ما هو المحور الذي يستقطب عملية بناء المحتوى الداخلي للانسانية؟


    المحور الذي يستقطب عملية البناء الداخلي للانسانية هو المثل الأعلى»(3).


    فالمحتوى الداخلي للانسان كمحرك للتاريخ يحدده المثل الأعلى يحدده ويحدد مدى امكانياته وطاقاته التغييرية:


    «فانها جميعاً تنبثق عن وجهة نظر رئيسية إلى مثل أعلى للانسان في حياته، للجماعة البشرية في حياتها. وهذا المثل الأعلى هو الذي يحدد الغايات التفصيلية، وينبثق عنه هذا الهدف الجزئي وذلك الهدف الجزئي. فالغايات بنفسها محركات للتاريخ وهي بدورها نتاج لقاعدة أعمق منها في المحتوى الداخلي للانسان وهو المثل الأعلى الذي تتمحور فيه كل تلك الغايات وتعود إليه كل تلك الأهداف.


    فبقدر ما يكون المثل الأعلى للجماعة البشرية صالحاً وعالياً وممتداً تكون الغايات صالحة وممتدة، وبقدر ما يكون هذا المثل الأعلى محدوداً أو منخفضاً تكون الغايات المنبثقة عنه محدودة ومنخفضة أيضاً»(4).


    وهكذا ينتهي الشهيد إلى الكشف عن خصوصية مفهوم الصيرورة التاريخية في الإسلام. انها صيرورة نابعة من تطلع النسبي إلى المطلق. ان نسبية الإنسان لا ينتج عنها إلاّ تطلع نسبي ومثل أعلى نسبي. وهنا يبرز دور الدين، لا في مستوى



    1- اقتصادنا ـ ص 638 ـ 641.


    2- التفسير الموضوعي للقرآن ـ ص 105.


    3- نفس المصدر.


    4- نفس المصدر ـ ص 145.




    دفع الإنسان نحو المثل الأعلى فحسب، بل كذلك في تصور المثل الأعلى. فالمثل الأعلى الذي يطرحه الدين يقتضي حركةً للتاريخ تفوق كل اطروحات فلسفات التاريخ الغربية، هذه الفلسفة التي تتأسس عليها المذاهب والنظريات الاجتماعية والسياسية تفتقر إلى الواقعية والسمو.


    فكل فكر اجتماعي يؤمن بالدور الفاعل للانسان يرتبط حتماً بالتطلع إلى المثل الأعلى، فلا يمكن الثورة على الأوضاع وتغيير الواقع دون التطلع إلى ما يجب أن يكون. لكن أهداف هذا التطلع تتسع إلى ما لا نهاية، وتمتد حركة الإنسان تبعاً لذلك، إلى ما لا نهاية، إذا كانت (هذه الأهداف) مرسومة من طرف الدين.


    فالفكر الاجتماعي ـ السياسي لا يمكن أن يحدث التغييرات المطلوبة بالاعتماد على مجرد التصور البشري للأهداف أو للمثل الأعلى.


    فالتصورات المادية للكون والحياة والإنسان لا يمكنها أن تتجاوز حدود نسبيتها كما لايمكنها أن تدفع بالانسان خارج نسبيته في حين ان الدين يفتح مجالاً واسعاً للنسبي كي يتجاوز نقصه بتطلعه إلى المطلق(1).


    وهكذا فالنسبية المنبثقة من التصور المادي للكون تحمل في داخلها بذرة فنائها، في حين أن النسبية المنبثقة من علاقة عالم الشهادة بعالم الغيب تحمل في داخلها بذرة قوتها واستمراريتها.
    [/align]
    يا محوّل الحول والاحوال ، حوّل حالنا إلى أحسن الحال......








  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Jul 2004
    الدولة
    هناك
    المشاركات
    28,205

    افتراضي

    [align=justify]وهكذا، فالشهيد محمد باقر الصدر قد حلل مفهوم خلافة الإنسان واستنبط القيم والمفاهيم التي يتمتع بها هذا المفهوم. فالخلافة، في تحليل الشهيد، هي رؤية حضارية متكاملة الأبعاد تتداخل فيها الجوانب الروحية مع الجوانب الاقتصادية والسياسية والثقافية. وقد طرح الشهيد الخلافة كعملية مستمرة الفاعلية في الزمان، ولذلك أصبح مفهوم الخلافة يشكل منظوراً للتاريخ لأنه مفهوم حركي بتفاعله المستمر مع الواقع المتحرك.


    فالخلافة تتطلب رؤية اجتماعية ـ سياسية تختلف جذرياً عن الفكر الاجتماعي الغربي. فهذا الأخير سقط في فخ النزعة الاجتماعية والنزعة التاريخية فأصبح الإنسان في منظور العلوم الإنسانيّة الغربية مجرد مجموع العلاقات الاجتماعية ومجرد نتيجة حتمية لحركة التاريخ.


    فالخلافة كما حللها الشهيد هي اطار نظري وقيمي لفكر اجتماعي سياسي يولي الأهمية للانسان في عملية التغيير. فالخلافة لا تذيب الإنسان في الأرض أو في المجتمع، بل هو كائن في تحقق مستمر.


    انطلاقاً من هذا المفهوم للخلافة صاغ الشهيد الفكر الاجتماعي ـ السياسي الاسلامي خارج الاطار النظري والمنهجي للاشتراكية والرأسمالية اللتين تتناقضان تناقضاً جذرياً مع مفهوم الخلافة. فالرأسماية تؤدي بحياة الإنسان إلى التمحور حول بعد واحد هو البعد المادي الذي لا يخرج عن الأفق الضيق للعلاقة بين الانتاج والاستهلاك. في حين أن الاشتراكية اضافة إلى بعدها المادي، تذيب الفرد في المجتمع.


    وعلى العكس من ذلك فالفكر الاجتماعي ـ السياسي الاسلامي الذى صاغه الشهيد مبني على مبدأ التفاعل بين الفرد والمجتمع باعطاء الأولوية للجانب الداخلي الروحي في عملية البناء والتغيير. وهذا ما يجعل الإنسان جديراً بصنع التاريخ.


    وهنا تتجلى قيمة الخلافة كمفهوم وكخلفية معرفية في مجال تنظير فكر اجتماعي ـ سياسي اسلامي. ذلك أن الفكر الغربي الذي يؤكد على دور الإنسان في حركة التاريخ يقع في التناقض عندما يجعل هذا الأخير مجرد نتيجة لعوامل اجتماعية وتاريخية. ان الفكر الاجتماعي ـ السياسي المفصول عن الايمان بالله ليس مؤهلاً ـ على الصعيد المعرفي والمنهجي ـ لصياغة فلسفة للتاريخ يكون فيها الإنسان هو أساس الحركة. في حين ان الفكر الاجتماعي ـ السياسي الاسلامي من حيث هو فكر يربط المجتمع بالغيب ويؤكد على خلافة الإنسان مؤهل لطرح فعالية الإنسان ودوره في حركة التاريخ أكثر



    1- انظر خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء ـ السيد محمد باقر الصدر ـ مؤسّسة البعثة ـ طهران ـ إيران ـ (بدون تاريخ).




    من أي فكر آخر.


    فالخلافة كما طرحها الشهيد معناها أن الإنسان ليس هذا الجسم فحسب، وليس هذا الفكر فحسب. بل هو كائن يتمتع بقوة تؤهله للتعالي على الأوضاع لينظر اليها من موقع الفاعلية لا من موقع التأثير المنفعل فحسب.


    فالاسلام، بالنسبة للشهيد السيد محمد باقر الصدر، يؤكد على ذات الإنسان كقوة داخلية تعبر عن نفسها في المجتمع وفي التاريخ. وهذا التعبير ليس تعبيراً آلياً، أحادي الجانب، بل هو نتيجة لعلاقة متبادلة بين الإنسان والواقع، علاقة يمتلك فيها الإنسان قوّة المبادرة وقوّة التوجيه. فارتباط الخلافة بالواقع وبالتجربة يعني، بالدرجة الأولى، أنّها صيرورة لا واقع معطي.


    وهكذا يمكن القول أن الصدر صاغ منظومة مفهوم الخلافة، منظومة تشكل دعماً قوياً لاعادة بناء الفلسفة الإسلامية التي يفتقر اليها الفكر الاسلامي المعاصر أشد الافتقار، منظومة الخلافة ليست فلسفة مجردة بعيدة عن الواقع لأن الإنسان الخليفة هو كائن تجريبي يؤثر في التاريخ ويتأثر به كذلك.


    يرى الشهيد ان مفهوم الخلافة يدفع العقل إلى القيام بوظائفه في كشف السنن المتحكمة في الطبيعة والمجتمع. فتحقيق الخلافة لا يتم إلاّ بتسخير هذه السنن لصالح الإنسان. فالخلافة كما حللها الشهيد تتناقض مع التفسير اللاّهوتي للمجتمع والتاريخ، ذلك التفسير الذي يعتمد على الغيب بمعناه المبتذل الذي يناقض الخلافة والتسخير.


    وهذا الموقف هو دحض لنظرية Auguste Conte أوجست كونت الذي يميز بين الحالة اللاّهوتية والحالة الوضعية، على اعتبار أن في الحالة اللاّهوتية تفسر البشرية الظواهر الطبيعية والاجتماعية بقوى غيبية، فتحليل الشهيد لمفهوم سنة الله وخلافة الإنسان جعله يحدد موقف الإسلام من الناحية المنهجية والمعرفية من الفلسفة الوضعية.


    يرى الشهيد أن علاقة المجتمع بالغيب معناها أن الله هو الخالق والسبب النهائي للظواهر وما يحكمها من سنن ثابتة. فالغيب ليس هو السبب المباشر للظواهر في نظرية المعرفة الإسلامية التي استنبطها الشهيد من القرآن الكريم:


    «... أن السنة التاريخية ربانية مرتبطة بالله سبحانه تعالى، سنة الله، كلمات الله على اختلاف التعبير، بمعنى أن كل قانون من قوانين التاريخ، فهو كلمة من الله سبحانه وتعالى، وهو قرار ربّاني... وقد يتوهّم البعض أن هذا الطابع الغيبي الذي يلبسه القرآن الكريم للتاريخ ويجعله يتجه اتجاه التفسير الإلهي للتاريخ الذي مثلته مدرسة من مدارس الفكر اللاّهوتي على يد عدد كبير من المفكرين المسيحيين اللاّهوتيين... لكن الحقيقة أن هناك فرقاً أساسياً بين الاتجاه القرآني وطريقة القرآن في ربط التاريخ بعالم الغيب وفي اسباغ الطابع الغيبي على السنة التاريخية، وبين ما يسمى بالتفسير الإلهي للتاريخ الذي تبناه اللاّهوت، وحاصل هذا الفرق هو أن الاتجاه اللاّهوتي يتناول الحادثة نفسها ويربط هذه الحادثة بالله سبحانه وتعالى قاطعاً صلتها وروابطها مع بقية الحوادث فهو يطرح الصلة مع الله بديلاً عن صلة الحادثة مع بقية الحواث... بينما القرآن الكريم لا يسبغ الطابع الغيبي على الحادثة بالذات، لا ينتزع الحادثة التاريخية من سياقها ليربطها مباشرة بالسماء... بل انّه يربط السنة التاريخية بالله، يربط أوجه العلاقات والارتباطات بالله، فهو يقرر أولاً ويؤمن بوجود روابط وعلاقات بين الحوادث التاريخية إلاّ أن هذه الروابط والعلاقات بين الحوادث التاريخية هي في الحقيقة تعبير عن حكمة الله سبحانه وتعالى... وبنائه التكويني للساحة التاريخية...»(1).


    فهناك فرق بين الرؤية الإسلامية لعلاقة الغيب بالمجتمع وبالتاريخ وبين الرؤية المبتذلة للغيب، تلك الرؤية التي تفسر الظواهر الاجتماعية بالغيب بصفة مباشرة.


    ان الإسلام بالنسبة للشهيد،لم يكتف برسم الغايات الأخلاقية للحياة الاقتصادية والسياسية، بل رسم كذلك المبادىء



    1- التفسير الموضوعي ـ ص 77 ـ 78.




    العامة وقدم المفاهيم لصياغة مذهب اجتماعي ـ سياسي.


    ومعنى هذا أن عملية الاجتهاد لاستيعاب المستجدات ينبغي أن لا تنطلق من مبدأ تكييف الإسلام حسب متطلبات العصر،بل تكييف العصر حسب متطلبات الإسلام. وهذا ما جعل الفكر الاجتماعي ـ السياسي عند الشهيد ينطلق من مقولة التفاعل بين الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية والأخلاقية والروحية.


    ان التركيز على الطرح الاجتماعي للقضايا في اجتهاد الشهيد حرر الفكر الاسلامي من الطرح التجزيئي أو الفردي الذي كان عائقاً أمام صياغة مذهب اجتماعي اسلامي. فالطرح الاجتماعي للقضايا لا يرتكز فحسب على تصور الفرد الذي يسعى إلى ممارسة متطلبات الشريعة، بل يرتكز، في الأساس، على تصور لنموذج حياة اجتماعية اسلامية. أي في اطار مشروع حضاري إسلامي لا في إطار النظرة التجزيئية.


    ولذلك تمت صياغة الفكر الاجتماعي ـ السياسي عند الشهيد من موقع أصول الفقه لا من موقع فقه الفروع. فهذا الأخير تابع لأصول الفقه لا العكس.


    لا شك أن الصراع الايديولوجي والحضاري مع الغرب أثر في فكر الشهيد وجعله يجتهد ليجابه التحدي بسلاح الخصم. ومن هنا كان طرحه لموقف الإسلام فى ميدان الاجتماع والسياسة في مستوى اشكالية الفكر الاجتماعي الاسلامي.


    هذا صحيح، الا أن الاعتماد على مبدأ الاجتهاد في التنظير يؤهل الفكر الاسلامي للطرح الشمولي للقضايا، ويؤهله لتنظير المذهب الاجتماعي الاسلامي.


    فتنظيم الحياة الاجتماعية والسياسية تنظيماً اسلامياً هو الشرط الضروري الذي يسمح للأفراد بممارسة واجبات الشريعة الإسلامية.


    ان الطرح الاجتماعي للقضايا عند الشهيد لا يعني اهمال الفرد أو صياغه المذهب الاجتماعي السياسي الاسلامي في اطار النزعة الاجتماعية التي تتميز بها العلوم الاجتماعية الغربية. فالفرد، كما يتجلى في كتابات الشهيد، يتجاوز اطار الفردية المرتبطة بالمجتمع: هو خليفة الله في الأرض. ومن هنا كانت عملية التغيير تنطلق من البناء الداخلي للفرد لتشمل البناء الاجتماعي.
    [/align]
    يا محوّل الحول والاحوال ، حوّل حالنا إلى أحسن الحال......








  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Jul 2004
    الدولة
    هناك
    المشاركات
    28,205

    افتراضي

    [align=justify]

    وهنا تتجلى أصالة الفكر الاجتماعي ـ السياسي لدى الشهيد السيد محمد باقر الصدر الذي حرر هذا الفكر الاسلامي من النموذج المعرفي الغربي (الوضعية والنزعة الاجتماعية)، وجعل عملية التنظير تم من منظور متطلبات الشريعة في الميدان المعرفي (أصول الفقه) ومن منظور فلسفي في نفس الوقت.


    ولهذا كان المذهب الاجتماعية ـ السياسي الاسلامي كما صاغه الشهيد يختلف عن كل النظريات والمذاهب الاجتماعي ـ السياسية التي تفصل الإنسان عن جانبه الروحي وتذيبه في كل أكبر منه هو المجتمع. لا وجود لثنائية في الفكر الاجتماعي ـ السياسي الاسلامي لأنه لا تقابل بين الفرد والمجتمع ولا انفصال بين الإنسان وخالقه.


    وعلى الرغم من أن للفرد روحانيته التي يتعالى بها على المؤثرات الاجتماعية ليؤثر فيها بدوره، الا ان المجتمع شرط ضروري للوجود الفردي، فكل تحليل لقضايا الفرد ينبغي أن يتم في أفق التحليل الاجتماعي. لكن إذا كانت الحياة الاجتماعية ضرورية للحياة الفردية فانها ليست شرطاً كافياً لهذه الأخيرة. فالمجتمع شرط ضروري لوجود الأفراد وليس شرطاً كافياً.


    وهنا تبرز روحانية الإنسان الخليفة الذي يختلف عن الإنسان كما طرحته العلوم الاجتماعية الغربية، وخاصة الماركسية التي جعلته مجرد مجموع العلاقات الاجتماعية.


    مفهوم الاُمّة الاسلامية


    ونتيجة لذلك، صاغ الشهيد علاقة الفرد بالمجتمع حسب المبدأ الاسلامي للحياة الاجتماعية، وهو مبدأ الاُمّة. ولهذا كانت العلاقات في المجال الاقتصادي وفي المجال السياسي (العلاقة بين الجمهور والدولة) مرتكزة على أخلاقية التضامن التي تختلف عن الصراع الطبقي كما تختلف كذلك عن النظام الاشتراكي الذي يذيب الأفراد في المجتمع.


    ومن هنا فالفكر الاجتماعي ـ السياسي الاسلامي يختلف اختلافاً جذرياً عن كل الأنظمة الاقتصادية والسياسية التي تتصور المساواة بين الأفراد من منظور آلي يذيبهم في المجتمع كحقيقة قائمة بذاتها (تأليه المجتمع).


    فالانسان، في المجتمع الاسلامي من حيث هو أمة، له غاية في ذاته، ولا يكون المجتمع تبعاً لذلك مادة خام تشكلها الدولة في آية صورة شاءت.


    لقد حلل الشهيد مفهوم الأمة ـ بصفة ضمنية أو صريحة كعنصر رئيسي في الفكر الاجتماعي ـ السياسي الاسلامي. فالصدر يرى ان القومية تختلف عن مفهوم الاُمّة على اعتبار أن هذا الأخير نابع من العقيدة الإسلامية ويشكل جزءاً لا يتجزأ منها.


    فالعلاقة بين مفهوم الأمة والإسلام هي علاق دينية أي علاقة تعتبر الإسلام وحيا من عند الله لا ديناً بالمعنى السوسيولوجي، وهو المعنى الذي ينتهي إلى أنواع مختلفة من الإسلام اسلام عربي واسلام تركي واسلام بربري واسلام ايراني... الخ. أي اسلامات سوسيولوجية. وهي اسلامات تنتج بالضرورة عن مفهوم القومية المفتت لوحدة الأمة الإسلامية.


    ويتجلى التقابل بين مفهوم الأمة ومفهوم القومية بصفة واضحة في الميدان السياسي حيث يرفض الفكر القومي مبدأ الإسلام دين ودولة ويتمسك بالفصل بينهما.


    فالاختلاف بين مفهوم القومية ومفهوم الأمة هو اختلاف التناقض لأن الفكر الاجتماعي ـ السياسي المرتكز على مفهوم القومية يريد أن يغير المجتمع ويطوره انطلاقاً من التراث الذي يمتد إلى ما قبل الرسالة الإسلامية، في حين أن مرجعية مفهوم الأمة التي تتضمن تطبيق الشريعة في جوانبها العبادية والاقتصادية والسياسية هي مرجعية لا تتصور الرجوع إلى الأصل ومفهوم التراث إلاّ ابتداء من عصر الرسالة.


    فهذه المرجعية تميز بين الإسلام وبين الجاهلية، مع العلم أن هذا المفهوم الأخير (الجاهلية) ليس مفهوماً عقائدياً فحسب، بل الجاهلية ذات أبعاد اجتماعية واقتصادية وسياسية مبنية على النظرة المادية وعلى الصراع بين المستضعفين والمستكبرين.


    ان الفكر الذي يعتمد على القومية كاطار لحياة اجتماعية ـ سياسية للشعوب الإسلامية هو فكر ينظر إلى الإسلام نظرة ظرفية مجزأة وناقصة، في حين أن فكرة الأمة هي نتيجة لنظرة كلية وشاملة للاسلام وللحضارة الإسلامية هي نظرة تعبر عن شمولية الإسلام وصلاحيته لكل زمان ومكان، تلك الشمولية التي جعلت الثقافة الإسلامية تستوعب الثقافات الهندية والفارسية واليونانية.


    ان مفهوم الاُمّة كما طرحه الشهيد ليس مجرد رد فعل عاطفي تجاه مأساوية ظروف الشعوب الإسلامية منذ القرن التاسع عشر، بلى هذا المفهوم جزء من العقيدة وجزء من المذهب الاجتماعي ـ السياسي الاسلامي.


    فالشهيد عالج مشروع اعادة تأسيس الدولة الإسلامية ومشروع تحقيق الرؤية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الإسلامية في اطار فكرة الأمة كخلفية حضارية لكل جوانب الحياة الاجتماعية الإسلامية. يقول الشهيد:


    «... فلابد للاُمة اذن بحكم ظروفها النفسية التي خلقها عصر الاستعمار وانكماشها تجاه ما يتصل به أن تقيم نهضتها الحديثة على أساس نظام اجتماعي ومعالم حضارية لا تمت إلى بلاد المستعمرين بنسب.


    وهذه الحقيقة الواضحة هي التي جعلت عدداً من التكتلات السياسية في العالم الاسلامي تفكر في اتخاذ القومية فلسفة وقاعدة للحضارة وأساساً للتنظيم الاجتماعي حرصاً منهم على تقديم شعارات منفصلة عن الكيان الفكري للاستعمار انفصالاً كاملاً. غير ان القومية ليست الا رابطة تاريخية ولغوية وليست فلسفة ذات مبادىء ولا عقيدة ذات أسس حيادية تجاه مختف الفلسفات والمذاهب الاجتماعية والعقائدية والدينية.


    وهي لذلك بحاجة إلى الأخذ بوجهة نظر معينة تجاه الكون والحياة وفلسفة خاصة تصوغ على أساسها معالم حضارتها ونهضتها وتنظيمها الاجتماعي.


    ويبدو أن كثيراً من الحركات القومية أحست بذلك أيضاً وأدركت أن القومية كمادة خام بحاجة إلى الأخذ بفلسفة اجتماعية ونظام اجتماعي معين وحاولت ان توافق بين ذلك وبين أصالة الشعار الذي ترفعه وانفصاله عن الإنسان الأوروبي فنادت بالاشتراكية العربية...


    وهي تغطية فاشلة لا تنجح في استغفال حساسية الأمة لأن هذا الاطار القلق ليس إلاّ مجرد تأطير ظاهري وشكلي للمضمون الأجنبي الذي تمثله الاشتراكية.. والى جانب الشعور المعقد للأمة في العلم الاسلامي تجاه الاستعمار وكل المناهج المرتبطة ببلاد المستعمرين يوجد هناك تناقض آخر... وهو التناقض بين هذه المناهج والعقيدة الدينية التي يعيشها المسلمون...


    وخلافاً لذلك لا يواجه النظام الاسلامي هذا التعقيد... بل انّه إذا وضع موضع التطبيق سوف يجد في العقيدة سنداً كبيراً له وعاملاً مساعداً على انجاح التنمية الموضوعة في اطاره...


    فهناك في الواقع أخلاقية اسلامية تعيش بدرجة وأخرى داخل العالم الاسلامي... وهنا تبرز أهمية الاقتصاد الاسلامي بوصفه المنهج الاقتصادي القادر على الاستفادة من أخلاقية انسان العالم الاسلامي... وتحويلها إلى طاقة دفع وبناء...»(1).


    ثم يشير الشهيد إلى شمولية المنهج الاسلامي في طرحه للمشروع الحضاري:


    «واضافة إلى كل ما تقدم نلاحظ أن الأخذ بالاسلام أساساً للتنظيم العام يتيح لنا أن نقيم حياتنا كلها بجانبيها الروحي والاجتماعي على أساس واحد كأن الإسلام يمتد إلى كل الجانبين بينما تقتصر كثير من المناهج الاجتماعية الاخرى غير الإسلام على جانب العلاقات الاجتماعية والاقتصادية من حياة الإنسان ومثله...»(2).


    وهكذا فالقومية ترتكز على نظرة علمانية لعلاقة الدين بالدولة، في حين لا تتصور الفلسفة السياسية الإسلامية هوية المجتمعات الإسلامية خارج الواجب الشرعي لتضامن المسلمين واخوتهم.


    انّ التضامن بين المسلمين يعبر عن نفسه في الميادين الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية. فالأمة بنية اجتماعية ـ سياسية وثقافية مؤسسة على قيم دينية وأحكام شرعية. فالأمة الإسلامية من هذا المنظور هي المجتمع الذي يتأسس على مبدأ الإسلام دين ودولة. وهو المبدأ الذي يشكل أساساً للفلسفة الاجتماعية والسياسية الإسلامية فهذا المبدأ هو الذي يميز الأمة عن القومية. فكرة القومية طرحها المحدثون في العالم الاسلامي ضمن مفاهيم سوسيولوجية (اللغة، العرق، التراب والثقافة) في حين أن الاُمّة طرحها الشهيد محمد باقر الصدر ضمن مفاهيم دينية ذات أبعاد اجتماعية وسياسية واقتصادية.


    فالشهيد حلل مفهوم الأمة من خلال العلاقة بين الدين والمجتمع، فهو قد طرحها كتنظيم اجتماعي ـ سياسي مثالي انطلاقاً من معطيات واقعية وشرعية: ذهنية انسان العالم الاسلامي، حضور العصر الذهبي (دولة المدينة المنورة) في



    1- اقتصادنا (المقدمة ص: ز ـ ح ـ ط ـ ي ـ ص).


    2- نفس المصدر (المقدمة ص: ع).




    عواطف وأفكار الشعوب الإسلامية وتطلعاتها لتحقيق الوحدة الاسلامية(1).


    وهكذا يتجلى الاختلاف بين مفهوم الأمة كما حلله الشهيد وبين المدينة الفاضلة في الفلسفة الإسلامية وهي المدينة التي لم تتحقق في التاريخ. فالرجوع إلى دولة المدينة في عصر الرسول(ص) ينتهي إلى مثالية لها خصوصيتها. فهي ليست اسقاطاً لتطلعات نحو مستقبل مبهم وغير محدد، بل هي تطلع نحو تحقيق قيم تحققت في تاريخ الأمة بالفعل وهي قابلة للتحقيق من جديد.


    هذه المثالية النوعية يؤكد عليها الشهيد كثيراً، وهي موجودة بصفة ضمنية أو صريحة في فكره الاجتماعي ـ السياسي. فالأمة، في نظر الشهيد تستمد ثوريتها من هذه المثالية التي تدعم قوتها التعبوية. فالشهيد طرح مفهوم الأمة من أفق النظرة المستقبلية المتجذّرة في الواقع (انسان العالم الاسلامي) وفي التاريخ (دولة المدينة المنورة).


    ولهذا، وعلى العكس من القومية التي ركزت على الجانب السياسي، فان مفهوم الأمة كما طرحه الشهيد يتضمن، بالضرورة، مشروعاً سياسياً واقتصادياً وثقافياً أي يقتضي مشروعاً حضارياً.


    فالقومية لا تقدم مشروعاً حضارياً ولذلك عمدت الدول القومية في العالم الاسلامي إلى الضغط على الشعوب لتستمر في الحكم رغم التناقض الموجود بين نماذج التنمية ذات الأساس العلماني وبين ذهنية هذه الشعوب والقيم الإسلامية التي تتمسك بها.


    فالشهيد السيد محمد باقر الصدر هنا لا يرجع إلى الإسلام من موقع مجرد بل يرجع إليه من خلال الواقع الذي تعيشه الأمة، ذلك الواقع الذى يشكل ذهنية انسان العالم الاسلامي وعواطفه في قوالب اسلامية بصورة أو بأخرى. ومن هنا فالفكر الاجتماعي ـ السياسي الذي طرحه الشهيد ليس فكراً مجرداً بل هو فكر مرتبط بالواقع وبالنص. والواقع هنا هو الواقع الاجتماعي والثقافي للشعوب الإسلامية.


    وهكذا فالأمة ليست قيمة دينية أو واجباً شرعياً فحسب أو مجرد حالة عاطفية، بل هي هوية سياسية وثقافية كذلك. فمفهوم الأمة متجذر في أعماق الوعي لدى انسان العالم الاسلامي. فالانتماء إلى الماضي يمثل عند المسلمين واجباً شرعياً يتطلب بالضرورة نموذجاً حضارياً يتماشى مع ذهنية انسان العالم الاسلامي وتطلعاته التي لا ينفصل فيها الجانب الروحي عن الجانب الاقتصادي والسياسي. فالفعالية الاقتصادية والتكنولوجية مطلب من مطالب الإسلام. انها تحقق خلافة الإنسان في الأرض.


    غير ان تجارب التنمية في العالم الاسلامي قد اخفقت، كما يرى الشهيد، بسبب عدم انطلاقها من مفهوم الأمة الإسلامية كأطار حضاري وقيمي للتحرر من التخلف.(2)


    فتصور المستقبل الملازم لكل محاولة تغيير اجتماعي واقتصادي وثقافي يقتضي الرجوع إلى الماضي كقوة مرجعية، فبدون هذا الرجوع إلى الاصل تصبح عملية التنمية وعملية تحديد العلاقة بين الفرد والمجتمع عملية استفزازية تفرض على الجماهير من أعلى وتستأصلها من جذورها.


    ففي هذا السياق، يرى الشهيد ان نماذج التنمية كما طبقت في العالم الاسلامي سواء بثوبها الليبرالي أو الاشتراكي هي خيانة
    [/align]
    يا محوّل الحول والاحوال ، حوّل حالنا إلى أحسن الحال......








ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
 
شبكة المحسن عليه السلام لخدمات التصميم   شبكة حنة الحسين عليه السلام للانتاج الفني