النتائج 1 إلى 5 من 5
  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Mar 2006
    المشاركات
    1,463

    افتراضي سيرة السيد الصدر الأول - بقلم العلامة السيد عبد الله الغريفي

    قراءة في سيرة الشهيد السيد محمد باقر الصدر(الحلة الأولى):

    1. الانقطاع الكامل لله تعالى في العبادة:
    يحدثنا الشيخ النعماني – وكان من ملازمي السيد الصدر – عن عبادته وخشوعه وانقطاعه الكامل لله تعالى فيقول: كنت أتربص الفرص لأصلي خلفه جماعة في البيت، فكان في أحيان كثيرة يجلس في مصلاه فكنت أجلس خلفه، وقد دخل وقت الصلاة بل قد يمضي على دخول وقتها أكثر من نصف ساعة والسيد الشهيد جالس مطرق برأسه يفكر، ثم فجأة ينهض فيؤدي الصلاة..."
    سأله النعماني عن سبب ذلك فأجاب:
    "إنني آليت على نفسي منذ الصغر ألا أصلي إلا بحضور قلب وانقطاع، فاضطر في بعض الأحيان إلى الانتظار حتى أتمكن من طرد الأفكار التي في ذهني، حتى تحصل لي حالة الصفاء والانقطاع، وعندها أقوم إلى الصلاة".
    ولعل الأفكار التي تزدحم في ذهن الشهيد السيد الصدر ، والتي يحاول أن يطردها لكي لا تشغله عن التوجه والانصهار والذوبان في العبادة، ليست هي من نوع الأفكار المشدودة إلى الدنيا وإلى شهوات الحياة، فالشهيد السيد الصدر ما كان يحمل في عقله وفي قلبه إلا هم الإسلام وهم المسلمين، وهم العلم وهم الدعوة إلى الله وهم الحوزة، وهم الأوضاع المأزومة والمتحركة في العراق، هذه هي الأفكار والهموم التي تزدحم دائما في داخله، ومع ذلك فهو لا يريد فكرة أو هم أن يزاحم انقطاعه الكامل إلى الله تعالى أثناء الصلاة، إنها لحظات أراد لها أن تكون منقطعة كل الانقطاع على إلى الله ، وخاشعة كل الخشوع إليه سبحانه، وهائمة كل الهيام في عشق الله سبحانه، وذائبة كل الذوبان في حبه ، وفي خشيته، وفي الحياء منه، وفي الطمع إلى رضوانه سبحانه وتعالى.

    قيمة الصلاة بمقدار ما تحمل من الإخلاص والانقطاع والخشوع:
    "قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ *الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ "
    من خلال الخشوع الحقيقي في الصلاة تؤدي الصلاة دورها الفاعل في صنع الإنسان في خط الفلاح والصلاح وفي خط التقوى والاستقامة، صلاة ليس فيها خشوع ، وليس فيها انقطاع صلاة خاملة راكدة، إنها صلاة الكسالى:
    "وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاةِ قَامُواْ كُسَالَى"
    "وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ"
    كان سيدنا الشهيد الصدر صادقا كل الصدق في خشوعه و انقطاعه إلى الله، وما كان يرضى لصلاة خالية من الخشوع والانقطاع ، لذلك نراه ينتظر بعض الوقت أحيانا قبل الدخول في الصلاة لكي يتوفر على الدرجة التي يطمح إليها من الخشوع والانقطاع ، وهنا يعطينا الشهيد السيد الصدر دروسا في ضرورة التهيؤ الروحي لممارسة العبادة من خلال تهيئة القلب وخلق الاستعداد الكامل للوقوف بين يدي الله تعالى .
    لكي نتوفر على الخشوع في الصلاة نحتاج إلى الخطوات التالية:
    الخطوة الأولى: التهيؤ للدخول في الصلاة: ومن خلاله يتم تفريغ القلب والنفس من كل الشواغل التي تصرف المصلي عن التوجه والخشوع والانقطاع.
    الخطوة الثانية: أثناء الصلاة تحتاج إلى الإخلاص وحضور القلب"فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ *الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ "، وجاء في بعض الروايات:
    • "لا ينظر الله إلى صلاة لا يحضر الرجل فيها قلبه مع بدنه".
    • "من صلى ركعتين لم يحدث فيهما نفسه بشيء من الدنيا غفر الله له ما تقدم من ذنبه"
    ولكي نعيش الخشوع في الصلاة:صل صلاة مودع، ففي الحديث"إذا صليت صلاة فريضة فصلها لوقتها صلاة مودع يخاف ألا يعود"، وحسب بعض الوصايا: ضع الكعبة بين عينيك، والصراط تحت قدميك، والجنة عن يمينك، والنار عن شمالك، وملك الموت وراءك، وكن دائما بين الخوف والرجاء، وحاول أن تستوعب مضامين الأقوال والأفعال.
    الخطوة الثالثة: بعد الفراغ من الصلاة، مسؤوليتنا أن نمارس المحاسبة الدائمة لصلاتنا.

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Mar 2006
    المشاركات
    1,463

    افتراضي

    الإنقطاع الكامل لله تعالى من الصفات الواضحة التي تميز "صلاة السيد الصدر" كما ذكرنا ذلك في الحلقة الماضية..
    و هنا نطرح هذا السؤال:
    هل أن الإنقطاع الكامل لله عند الشهيد السيد الصدر خاص بحالات الصلاة فقط، إنه إنقطاع لله تعالى يلازم الشهيد السيد الصدر في صلاته، في دعائه، في ذكره، في تلاوته القرآن، في حجَه، في تأمله و تفكيره، في كل عباداته..
    يقول النعماني و هو يتحدث عن تلاوة الشهيد السيد الصدر:
    "سمعته يقرأ القرآن في أيام و ليالي شهر رمضان بصوت حزين و شجي و دموع جارية يخشع القلب لسماعه، و تسمو النفس لألحانه، و هو في حالة عجيبة من الإنقطاع و الذوبان مع معاني القرآن"
    جاس في بعض كلمات رسول الله صلى الله عليه و آله أنه قال : "أتلو القرآن و أبكوا فإن لم تبكوا فتباكوا"
    و في كلمة أخرى له صلى الله عليه و آله قال : "إن القرآن نزل بحزن فإذا قرأتموه فتحازنوا"
    و روي عن الإمام الصادق أنه قال: "إن القرآن نزل بالحزن فأقرأوه بالحزن"
    و عنه عليه السلام قال:
    "إن الله أوحى إلى موسى بن عمران إذا وقفت بين يديَ فقف موقف الذليل الفقير، و إذا قرأت التوراة فاسمعينها بصوت حزين"
    و جاء في بعض كلماته عليه السلام أنه قال: "من قرأ القرآن و لم يخضع له و لم يرقَ قلبه و لم ينشئ حزنا و وجلا في سره فقد استهان بعظم شأن الله و خسر خسرانا مبينا.

    فقارئ القرآن يحتاج إلى ثلاثة أشياء : قلب خاشع و بدن فارغ وموضع خال، فإذا خشع لله قلبه فرَ منه الشيطان الرجيم قال الله تعالى:
    (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) و إذا تفرَغ نفسه من الأسباب تجرد قلبه من للقرآن فلا يعترضه عارض فيحرمه نور القرآن و فوائده، و إذا أتخذ مجلسا خاليا و اعتزل من الخلق بعد أن أتى بالحضلتين الأوليين أستأنس روحه و سره بالله و وجد حلاوة مخاطبات الله عباده الصالحين، و علم لطفه بهم و مقام إختصاصه لهم بقبول كراماته و بدائع إشاراته، فإذا شرب كأسا من هذا المشرب حينئذ لا يختار على ذلك الحال حالا، و لا على ذلك الوقت وقتا بل يؤثره على كل طاعة و عبادة لأن فيه المناجاة مع الرب بلا واسطة، فانظر كيف تقرأ كتاب ربك و منشود ولايتك، و كيف تجيب أوامره و نواهيه، و كيف تتمثل حدوده، فإنه كتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، فرتله ترتيلا، و قف عند وعده و وعيده و تفكر في أمثاله و مواعظه و احذر أن تقع من إقامتك حروفه في إضاعة حدوده"

    فسيدنا الشهيد الصدر إذا قرأ القرآن:
    - قرأه بقلب خاشع حزين..
    - و قرأه بكل إنصهار و ذوبان و حضور..
    - و قرأه قراءة المتدبرين العارفين..
    - و قرأه قراءة الطائعين الممتثلين...
    نواصل لقاءنا مع سيرة الشهيد السيد محمد باقر الصدر في الحديث القادم إن شاء الله تعالى..

    تصريحات ظالمة:
    لا نريد أن نستجدي شهادات "الولاء لأوطائنا" من أمريكا ومن سدنة المشروع الأمريكي في المنطقة العربية و الإٍسلامية، لأننا في نظر أمريكا و في نظر هؤلاء السدنة الأمريكيين سوف نبقى "الخائنين لأوطائنا"و إن أعطينا كل الدماء و الأرواح من أجل الأوطان، سوف نبقى "الخائنين لأوطاننا" في نظر أمريكا و سدنتها على رغم أنف التاريخ الذي يحتضن "جهادنا الطويل" من أجل كرامة الأرض و الوطن...
    و سوف نبقى "الخائنين لأوطاننا " في نظر أمريكا و في نظر سدنتها و حتى لو ملأنا السجون و المعتقلات حفاظا على عزة هذه الأمة التي أذاقها الطواغيث كل العذاب و البلاء و المحن..

    إنها المعايير الزائفة و الفاسدة و الجائرة التي أصبحت تحكم هذا العصر.... فلن نكون الأمناء على أوطاننا- وفق هذه المعايير- إلا إذا نفذنا أوامر (السيد بوش)، و لن نكون الأمناء على أوطاننا إلا إذا حصلنا على "شهادة الولاء" من (سدنة السيد بوش)...

    سوف نبقى نكفر بأوامر (سيد بوش) و سوف نكفر بكل الشهادات التي يقدمها (سدنة السيد بوش) لأننا آمنا بالله الواحد القهار، و آمنا باسلامنا العظيم..

    فلن نتخلى عن ولائنا لأرضنا و لأوطاننا لأن هذا التخلي هو خيانة للدين قبل أن يكون خيانة للوطن..
    أما الحديث عن "الولاء إلى إيران"فحديث أصبح مكرورا، و أصبح شماعة يستعملها "سدنة المشروع الأمريكي" متى حلى لهم هذا الأستعمال..
    إننا لا نتبرأ من الولاء إلى إيران و إلى شعب إيران إذا كان الولاء يعني "الحب و المودة" كما لا نتبرأ من ولائنا لكل أرض تحمل اسم الإسلام، و إلى شعب ينتمي إلى هذا الدين.
    قال الله تعالى : " و المؤمنون و المؤمنات بعضهم أولياء بعض ...."
    و في المقابل لا يجوز للمسلم أن يعطي ولاءه لكل من حاد الله و رسوله و
    إن كان من أقرب الأقربين..
    قال الله تعالى : " لا تجد قوما يؤمنون بالله و اليوم الآخر يوادون من حاد الله و رسوله و لو كانوا ءآباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم، أولئك كتب في قلوبهم الإيمان و أيدهم بروح منه، و يدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها، رضي الله عنهم و رضوا عنه، أؤلئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون"
    و قال تعالى : "لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين"
    و قال الله تعالى : "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود و النصارى أولياء بعض، و من يتولهم منكم فإنه منهم"

    و أما الولاء بمعنى الإنتماء السياسي إلى إيران و الذي يفرض التخلي عن ولاء الوطن فما حدث ولن يحدث، فالشيعة كانوا و لا زالوا حماة لأوطانهم و أعطوا من أجل ذلك دماءهم و أرواحهم، فمن الذي قاد ثورة العشرين في العراق....؟ و من الذي طرد الصهاينة من لبنان؟ ومن الذي بقي صامدا حينما غزا صدام الكويت؟ و من الذي قال كلمته في بدايات إٍستقلال البحرين؟

    أيها الأحبة:
    إن إتهام الشيعة بعدم الولاء لأوطانهم هو جزء مشروع طائفي خطير يهدف إلى تدمير المنطقة، هذا المشروع الذي تتبناه أمريكا، و تتبناه قوى كبرى، و تتبناه أنظمة سياسية حاكمة في المنطقة العربية و الإٍسلامية، و يشارك فيه كتاب و مثقفون، و مؤسسات، و جمعيات، و قوى منتشره في الواقع العربي و الإٍسلامي...
    إننا نحذر من هذا المشروع الطائفي، و نطالب كل القوى الخيرة أن تتصدى لهذا المشروع...
    إننا نطالب حكومتنا حتى لا تكون ضالعة في هذا المشروع، و إذا كانت تملك احتراما لهذه الطائفة الكبيرة من أبناء شعبها.. نطالب الحكومة أن تصدر بيانا صريحا يدين تلك التصريحات التي تتهم نسبة كبيرة من أبناء هذا الشعب بعدم الولاء لأوطانهم.....و إن صحت الحكومة يعني الموافقة و الرضا....

    وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Mar 2006
    المشاركات
    1,463

    افتراضي

    قراءة في سيرة الشهيد السيد محمد باقر الصدر(الحلقة الثالثة):
    الشهيد الصدر يتحدى كل المساومات:
    لقد دأب أعداء الإسلام وأعداء الدعوة إلى الله أن يضعوا في طريق الدعاة والعاملين العقبات من اجل أن يجمدوا حركة الرسالة وحركة الدعوة، ومن أساليب التصدي والمواجهة التي مارسها أعداء الإسلام وأعداء الدعوة ولازالوا يمارسونها"أسلوب الإغراء والمساومة"، الإغراء : تقديم عروض مغرية من أجل أن يتنازل العاملين والدعاة على الله عن مواقفهم وأهدافهم ومبادئهم، المساومة: تنازلات متبادلة.
    مارس المشركون في بداية الدعوة هذا الأسلوب مع رسول الله صلى الله عليه واله:
    • اجتمعوا إليه مرة فقالوا: يا محمد شتمت الآلة، وسفهت الأحلام، وفرقت الجماعة، فإن طلبت مالا أعطيناك، أو الشرف سودناك، فقال صلى الله عليه وآله:"ليس شيء من ذلك بل يبعثني الله إليكم رسولا".
    • وقال صلى الله عليه واله مرة مقابل اغراءاتم: " والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن اترك هذا الأمر ما تركته حتى يضره الله أو اهلك دونه".
    • وأما مساوماتهم لرسول الله صلى الله عليه واله فقد قالوا له: نعبد إلهك سنة، وتعبد ألهتنا سنة" فكان الجواب:"" قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ * وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ "
    وما أكثر ما مارس الطغاة هذا الأسلوب شراء الذمم والضمائر، وما أكثر من باعوا دينهم وقيمهم ومبادئهم من اجل حفنة من المال، ومن منصب، ومن عروض زائفة ما هي إلا متاع أيام، أذكر لكم شاهدا من التاريخ، وهناك شواهد وشواهد في واقعنا المعاصر:
    الشاهد من التاريخ:
    حدثتنا كتب التاريخ عن عبد الله البراز الميشابوري أنه قال: دخلت على حميد بن قحطبة (احد عملاء البلاط العباسي) في شهر رمضان وقت الظهر ، فسلمت عليه وجلست،ثم أحضرت المائدة، فأمسكت ولم آكل ، فقال لي : مالك لا تأكل ؟
    فقلت أيها الأمير هذا شهر رمضان ، ولست بمريض ولا بي علّة توجب الإفطار ، ولعلّ الأمير له عذر في ذلك أو علّة توجب الإفطار ، فقال : ما بي علّة توجب الإفطار وإنّي لصحيح البدن ، ثم دمعت عيناه وبكى .
    فقلت له بعدما فرغ من طعامه : ما يبكيك أيّها الأمير ؟
    فقال : أسمع قصتي...
    في ليلة من الليالي طلبني هارون الرشيد، فلمّا دخلت عليه رأيت بين يديه شمعة تتقد وسيفاً أخضر مسلولاً وبين يديه خادم واقف ، فلما قمت بين يديه رفع رأسه إليَّ فقال : كيف طاعتك لأمير المؤمنين ؟ فقلت : بالنفس والمال ، فأطرق ثم أذن لي في الانصراف .
    فلم ألبث في منزلي حتى عاد الرسول إليَّ وقال : أجب أمير المؤمنين ، فصرت بين يديه فرفع رأسه إليَّ فقال : كيف طاعتك لأمير المؤمنين ؟
    فقلت : بالنفس والمال والأهل ـ فتبسم ضاحكاً ، ثم أذن لي في الانصــراف .
    فلما دخلت منزلي ،لم ألبث أن عاد الرسول إليَّ فقال : أجب أمير المؤمنين فحضرت بين يديه ، فرفع رأسه إليَّ فقال : كيف طاعتك لأمير المؤمنين ، فقلت : بالنفس والمال والأهل والولد والدين فضحك ، ثم قال لي : خذ هذا السيف وامتثل ما يامِّرك به هذا الخادم .
    قال : فتناول الخادم السيف وناولنيه وجاء بي إلى بيت بابه مغلق ففتحه فإذا به بئر في وسطه ، وثلاثة بيوت أبوابها مغلقة ، ففتح باب بيت منها فإذا فيه عشرون نفسا، شيوخ وكهول وشبّان مقيَّدون ، فقال لي : إنَّ أمير المؤمنين يأمرك بقتل هؤلاء ، وكانوا كلهم علويّة من ولد علي وفاطمة (ع) فجعل يخرج إليَّ واحداً بعد واحد فأضرب عنقه حتى أتيت على آخرهم ، ثم رمى بأجسادهم ورؤوسهم في تلك البئر .
    ثم فتح باب بيت آخر فإذا فيه أيضاً عشرون نفسا من العلويّة من ولد علي وفاطمة (ع) مقيدون ، فقال لي : إن أمير المؤمنين يأمرك بقتل هؤلاء ، فجعل يخرج إليَّ واحداً بعد واحد فأضرب عنقه ويرمي به في تلك البئر ، حتى أتيت على آخرهم ، ثم فتح باب البيت الثالـث فإذا فيه مثلهم عشرون نفساً من ولد علي وفاطمة (ع) ، مقيدون عليهم فقال لي : إن أمير المؤمنين يأمرك أن تقتل هؤلاء أيضاً فجعل يخرج إليَّ واحداً بعد واحد فأضرب عنقه فيرمي به في تلك البئر ، حتى أتيت على تسعة عشر نفساً منهم ، وبقي شيخ منهم عليه شعر فقال لي : تبّاً لك يا مشؤوم أي عذر لك يوم القيامة إذا قدمت على جدنا رسول اللـه (ص) وقد قتلت من أولاده ستين نفساً ، قد ولدهم عليّ وفاطمة (ع) ، فارتعشت يدي وارتعدت فرائصي فنظر إليَّ الخادم مغضباً وزبرني ، فأتيت على ذلك الشيخ أيضاً فقتلته ورمى به في تلك البئر ، فإذا كان فعلي هذا وقد قتلت ستين نفساً من ولد رسول اللـه (ص) فما ينفعني صومي وصلاتي وأنا لا أشك أني مخلد في النار .

    هكذا يتحول عملاء الحكام والسلاطين إلى مجرمين، حينما تنمسخ في داخلهم الضمائر وحينما يبيعون دينهم بأثمان بخسه.
    وما أكثر المتاجرين بدينهم وبضمائرهم بمنصب هنا أو موقع هناك، وكم باع الكثيرون مبادئهم وأهدافهم ومواقفهم من أجل مال أو وظيفة أو سلطة، هكذا تصنع الإغراءات والمساومات.
    وفي المقابل يوجد أصحاب المواقف المبدئية، الدين تحدوا كل المغريات، وتحدوا كل المساومات، وصمدوا صمود الأبطال وصمود الأحرار.
    ولنا في صمود الشهيد السيد محمد باقر الصدر وفي عنفوانه وشموخه أكبر شاهد في هذا العصر فقد تحدى بكل صلابة وكبرياء مساومات النظام الحاكم في العراق وكل إغراءاته وكل بطشه وعنفه وتهديداته، كيف حاول نظام الطاغية صدام أن يمارس "المساومات" مع الشهيد السيد محمد باقر الصدر؟
    وكيف رفض شهيدنا السيد –وبكل إباء وعزة – تلك المساومات؟
    مما دفع النظام الغاشم إلى الإقدام على ارتكاب الجريمة الشنعاء في قتل الشهد الصدر وأخته العلوية بنت الهدى.
    كيف تم ذلك؟
    هذا ما سوف نتناوله –بإذن الله تعالى-في اللقاء القادم.

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Mar 2006
    المشاركات
    1,463

    افتراضي

    كما هو دأب الأنظمة المتسلطة تحاول دائما أن تشتري الذمم والضمائر وتقدم من أجل ذلك عروضا مغرية، وخاصة إذا كان الأمر يتعلق برموز وقيادات وشخصيات كبيرة، فالكثيرون يسقطون أمام الإغراءات والمساومات، ولكن أصحاب المبادىء والذين يحملون صلابة الإيمان وعنفوان العقيدة يهزأون بكل الإغراءات ويتحدون كل المساومات ويفشلون كل أطماع الأنظمة.
    حاول النظام المتسلط في العراق أن يمارس هذه اللعبة ، لعبة الإغراءات والمساومات مع الشهيد السيد محمد باقر الصدر، إلا أن كل محاولات النظام باءات بالخيبة والفشل، وتحطمت على صخرة إيمان الشهيد الصدر رضوان الله عليه، وهو الذي استمد صلابته من صلابة جده المصطفى صلى الله عليه واله حيث قال"والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر ي شمالي على أن اترك هذا الأمر ما تركته أو اهلك دونه"، وهو الذي استمد عنفوان من عنفوان جده الإمام الحسين عليه السلام حيث قال:" والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الدليل، ولا اقر إقرار العبيد".

    جاء مبعوث النظام إلى الشهيد الصدر وقال له: لأجل حل المشكلة وضعت القيادة شروطا، فإذا استجبت لها فسوف تنتهي هذه الأزمة.
    السيد الصدر: وما هي الشروط؟
    قال مبعوث النظام: الشروط:
    1. عدم تأييد الثورة الإسلامية في إيران
    2. إصدار فتوى خطية تعلن فيها حرمة الانتماء إلى حزب الدعوة الإسلامي.
    3. إصدار بيان يشجب الوفود التي جاءت لتأييدكم في رجب.
    4. التخلي عن فتواكم حول حرمة الانتماء لحزب البعث.
    5. إصدار بيان تؤيد فيه السلطة.

    قال السيد الصدر: وإذا لم استجب لهذه المطالب؟
    قال المبعوث: الإعدام.
    قال السيد الصدر:تفضل... أنا الآن مستعد للذهاب معك إلى بغداد لتنفيذ حكم الإعدام... بقي مبعوث النظام مذهولا متحيرا.
    ثم قال: هذا هو الجواب الأخير؟
    قال السيد الصدر: نعم لا جواب آخر عندي.
    قال المبعوث: ألا تفكر بالأمر؟
    قال السيد الصدر: لا فائدة.
    ـ انتهى اللقاء ـ وفشلت محاولات النظام، وكان السيد الصدر في تلك الأيام يردد هذا الدعاء:"اللهم إني أسالك بحق محمد وآل محمد أن ترزقني الشهادة وأنت راض عني، اللهم انك تعلم أني ما فعلت ذلك طلبا للدنيا، وإنما أردت به رضاك، وخدمة دينك، اللهم ألحقني بالنبيين والأئمة والصادقين والشهداء وأرحني من عناء الدنيا".
    وجرت مع الشهيد الصدر محاولات أخير قبيل إعدامه، بهدف أقناعه بالتراجع عن موقفة، ذكر هذه المحاولات جعفر الحسيني في مقال له بعنوان (هكذا قتلوا الشهيد الصدر) نشر في صحيفة (كتابات) بتاريخ 10 نيسان(ابريل) 2006م.
    أورد صاحب هذا المقال الحوار التالي الذي جرى بين سعدون شاكر – وزير الداخلية آنذاك – والشهيد الصدر ]وكان السيد الصدر معتقلا في بغداد[.
    قال سعدون شاكر وهو للسيد الصدر: أنا جئت من السيد الرئيس وهو ينتظرني الآن، وقرار إعدامك في جيبي، شيء واحد يوقف ذلك، وهو أن تقرأ هذا البيان في التلفزيون(ولو بورقة يحملها في يده) وتقول بأن الثورة الإيرانية هي مؤامرة صهيونية وإنها تعادي العروبة والإسلام وتتآمر على العراق، وأن حزب الدعوة عميل للإستعماء والصهيوينة.
    فرد السيد الصدر:هذا البيان لا ينفعكم لان الناس لن يصدقوا به.. ولو قرأته فان الناس سيعرفون باني قرأته بالإكراه، وفي كل الأحوال لن أقرأه مهما كان، ولن ترتاحوا بعدي قتلي، ولن تهنؤا أبدا، قتلي سيضركم ولن ينفعكم.
    فقال سعدون شاكر: إذن سننفذ بك وبأختك الإعدام فورا.
    فرد السيد الصدر: حسبي الله ونعم الوكيل ويستمر كاتب المقال جعفر الحسيني في روايته والتي ينسبها إلى مدير السجن فيقول: عند ذلك طلب سعدون شاكر، سعدون الحديثي وعادل الأعظمي، واقتادا السيد الصدر وبدون أن يربطوا يديه أو يضعوا عصابة على عينيه.
    كانت هناك سيارة قد وقفت بباب المكتب، اصعدوا اليها السيد الصدر، وكان قد ازداد صلابة وتماسكا وتحديا، ثم جاءوا بشقيقته بنت الهدى وهي أيضا لم تكن مكبلة اليدين ولا معصوبة العينين.
    فسألته: ما الأمر؟
    فأجابها: لقد قرروا إعدامنا أنا وأنت الآن، فأخذت بنت الهدى تبكي.
    فقال لها مبتسما وبالحرف: يا أخيه لا تبكي إن موعدنا الجنة، ألا تريدين أن تذهبين إلى الجنة؟
    قالت بنت الهدى: أنا ابكي عليك.
    فقال لها السيد الصدر: إن الموت أحب إلي مما يدعونني إليه.
    هنا صعد إلى السيارة كل من سعدون الحديثي وعادل الأعظمي – وهما اللذان نفذا حكم الإعدام بالشهيد الصدر وأخته بنت الهدى ــــــ حسب هذه الرواية ــــــ وانطلقوا.
    هذه رواية مدير السجن لما شاهده بنفسه ــــــ وفق ما جاء في المقال ــــــ أما الجزء التالي فقد رواه المقدم سعدون الحديثي يقول:
    كان السيد الصدر طيلة الطريق يرتل آيات من القران الكريم، وكانت بنت الهدى ترتل معه حتى وصلنا بسمايه، أنزلناهما، ربطناهما على عمودين، رفض السيد الصدر أن تغطى عينه ولكننا غطيناها، كان مستمرا في قراءة القران وكان في قمة الصلابة، والتماسك، وكانت بنت الهدى في مثل تماسكه وقوته، ثم تشهد وأطلقنا عليهما النار أنا والرائد عادل.
    ويختم الكاتب مقاله بالحديث عن (سعدون الحديثي) منفذ حكم الإعدام بالشهيد الصدر – وفق هذه الرواية – فيقول: ليست لدي معلومات محددة عنه الآن، هناك من يقول انه مسجون، وهناك من يقول أمه في اليمن، وهناك من يقول انه في البحرين – العهدة على كاتب المقالــــــ.
    انتهى ما أردنا الاستشهاد به في هذا المقام.

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jul 2004
    الدولة
    أرض الله الواسعة
    المشاركات
    6,631

    شكر وإمتنان

    [align=center]السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    أحسنتم وأجدتم وأفضتم بنقل ما كتبه سماحة العلامة الجليل آية الله السيد عبدالله الغريفي حفظه الله تعالى ورحم الله شهيد العراق الغالي المفكر الإسلامي الكبير آية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر وأخته العلوية آمنة الصدر بنت الهدى وجميع شهداء العراق الأحرار . والفاتحة الى أرواحهم الطاهرة وببركة الصلاة على محمد وآل محمد .[/align]

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
 
شبكة المحسن عليه السلام لخدمات التصميم   شبكة حنة الحسين عليه السلام للانتاج الفني