بغداد: نعمان الهيمص
[align=justify] تشهد شوارع بغداد ظاهرة انتشار الاواني الفخارية بشكل كبير ولافت للنظر. وتعرض في واجهات محلات متخصصة ببيعها ادوات متنوعة مرصوفة حسب الاحجام والانواع يخيل للناظر للوهلة الاولى انها من التراثيات، مع اقبال شديد على اقتنائها، فيما امتهنت بعض مشاتل الزهور مهنة الاتجار بالاواني الفخارية بعد ركود نشاطها الرئيسي نتيجة الظروف الحالية وشحة المياه.
ويقول مهدي، صاحب احدى المحال التي تنشط في ممارسة العمل التجاري بالادوات الفخارية ان الطلب عليها حاليا يفوق خمسة اضعاف الطلب قبل ثلاث سنوات، اذ كان تسويقنا لها يتراوح بين 30 الى 40 قطعة للموسم الواحد، اما هذا الموسم فان التسويق قد تجاوز هذا الرقم بشكل كبير ليصل بين 120 الى 130 قطعة ونحن في منتصف الموسم.

ويوضح ان الانواع المعروضة لديه تتمثل بالادوات التي تستخدم في عملية تبريد الماء في وقت الصيف ومنها «الحب» (بكسر الحاء) والجرة، وهي ذات احجام مختلفة، اذ ان الاول يستخدم لتبريد كمية كبيرة من الماء ويوضع في مكان ثابت، وبمجرد وضع الماء فيه يبدأ تعرق السطح الخارجي من خلال المسامات الموجودة في الفخار وعند تعرضها للهواء يصبح السطح باردا فتنتقل البرودة الى الماء الموجود في داخلة، اما الجرة او كما يطلق عليها البعض (التنكه) فهي صغيرة وتوضع فيها كمية محدودة من الماء الذي تنتقل البرودة اليه بنفس الطريقة، لكنها نتيجة صغر حجمها يمكن نقلها من مكان الى آخر وهي عادة ما تستخدم من قبل اصحاب الشقق او العاملين في الحقول الزراعية.

ويضيف أن السوق الرئيسي لها (سوق الجملة) يقع في منطقة علاوي الحلة بجانب الكرج ويطلق على المتاجرين بها (الكوازة) وهي حرفة تراثية قديمة يتم خلالها الاتجار بالمواد المصنوعة من الفخار التي تستخدم في حفظ بعض المواد الغذائية، اما صناعتها فتتم في مناطق محددة حسب التربة التي تحتاجها وهي يجب ان لا تكون فيها نسبة كبيرة من الرمل، وتورد الى محلات بغداد منطقتي النهروان وبلدروز شرق بغداد حيث تشتهر المنطقتان بصناعتها وفخرها بالطرق البدائية القديمة.

واكد ابو احمد، احد الزبائن، ان الاقبال عليها قد تزايد منذ عام 1995 بسبب انقطاعات التيار الكهربائي المستمرة، وتضاعف الطلب حاليا لانقطاعات الماء ايضا، إذ انها تستخدم كمرشحات للمياه، ويوضح ان اسعارها تكون حسب الحجم وتبدأ من 7000 دينار الى 11000 دينار مع القاعدة الحديدية، وكان سعرها في السابق اقل من هذا المبلغ بكثير، حيث يفضلها اصحاب الدخل المحدود والذين لا يستطيعون الاشتراك في المولدات الخاصة بعد ارتفاع كلفة واحد امبير من الكهرباء الى اكثر من 8000 دينار نتيجة ندرة الوقود في الاسواق. ويقول الحاج صبحي ان الحب (بكسر الحاء) وعاء كبير من الفخار مخروطي الشكل يكون واسعا من الاعلى يوضع فيه الماء لغرض تبريده ومن ثم استعماله للشرب، وتعمل المسامات فيه بالسماح بقطرات الماء الخروج من الداخل الى السطح الخارجي وعند ملامستها الهواء تزداد برودتها التي تنتقل الى المياه الداخلية لتساهم في ارواء ظمأ العطاشى في الصيف الحار، ويقول ايضا ان التنكه وهي اصغر حجما وتشبه الجرة ولها قبضتان يضعها البغداديون ليلا في السابق على سطوح المنازل يشربون منها الماء البارد، كما انها تستعمل خلال حملات الحصاد اليدوي والعمل في الحقول، اذ تقوم النسوة بنقل الماء الى الرجال في مواقع عملهم البعيد نسبيا عن مساكنهم. ويروي شهاب احمد ان هذه الاواني كانت تستخدم قديما وبكثرة من قبل العوائل الميسورة في الريف وكذلك المتمدنة والتي لا توجد بقربها محطات تصفية المياه، وتملأ بالمياه في مكان محفوظ ومحكم ويتم جمع الماء المترشح من اسفلها ويستخدم للشرب والطهي، وكادت ان تندثر هذه الصناعة في عقد الثمانينات من القرن الماضي بسبب التطور الكبير في شبكة الطاقة الكهربائية وكذلك محطات تصفية المياه، لكنها عاودت الظهور مرة ثانية في عقد التسعينات، واصبحت الان منتشرة في معظم مدن وقرى العراق بسبب انقطاع التيار الكهربائي وصعوبة حفظ الثلج لفترات طويلة.[/align]