«زيزو»
رندة تقي الدين الحياة - 12/07/06//

استعدت جادة الشانزيلزيه الباريسية مساء الأحد الماضي للاحتفال ببطولة كأس العالم لكرة القدم. وكانت الحشود الشعبية وجماهير الشبان والشابات الذين جاؤوا بكثافة من كل أنحاء فرنسا تهتف «زيدان سيسجل هدفاً، زيدان سيربح»، وفقاً لأغنية بثتها الإذاعات والتلفزيونات، وترددت في المقاهي والمطاعم التي أتاحت لزبائنها متابعة المباراة النهائية بين فرنسا وايطاليا.

لكن الحزن وخيبة الأمل ألماً بالجماهير عند خروج «زيزو» مطروداً من ملعب برلين، بسبب نطحه للمدافع الايطالي ماتيراتزي الذي كان اطلق شتائم خلال المباراة، لم يكشف عنها حتى الآن. فقال بعض الصحف إن زيدان تعرض لشتائم عرقية استهدفت والدته الجزائرية، التي كانت خضعت منذ فترة لعملية جراحية، وزيدان يحبها و»يعبدها»، فيما ذكرت صحف ايطالية أن ماتيراتزي نعته بـ «الإرهابي».

وبمعزل عما قيل له، فإن حركة زيدان وإقدامه على نطح ماتيراتزي كانا ردة فعل أي انسان جرى التعرض لشرفه. فزيدان بطل لكنه ايضاً إنسان، وهو اعترف شخصياً مرات عدة بأن ردات الفعل التي تصدر عنه أحياناً هي «ناحية غامضة من شخصيتي»، وهو شارك بحوالي 780 مباراة لكرة القدم وعوقب 14 مرة ببطاقة حمراء. وعلى رغم ذلك، فإن استطلا---عات الرأي في فرنسا أمس أشارت الى أن غالبية من الفرنسيين تفهمت خطأه وردة فعله.

وخاطب الرئيس جاك شيراك الذي أقام مأدبة غداء على شرف المنتخب الفرنسي في قصر الاليزيه، زيدان قائلاً:» عزيزي زين الدين زيدان اريد أن اقول لك في لحظة كثيفة وقاسية من حياتك المهنية، مدى مودة واعجاب كل الأمة الفرنسية واحترامها لك». أضاف شيراك: «انك الماهر والمبدع على مستوى كرة القد في العالم، وأنت أيضاً صاحب قلب والتزام وقناعة، لذا فإن فرنسا تقدرك وتحبك».

نعم، زيدان أخطأ بحق نفسه، وخرج من منتخب فرنسي لعب بمهارة وخسر المباراة، لأن الحظ لم يحالفه ذاك المساء.

لكن خطأ زيدان يحمل في طياته حساسية الشباب المنبثق من الهجرة في أوروبا، فهؤلاء ولدوا وكبروا ونجحوا وقدموا لبلدهم الذي اندمجوا فيه المجد والمهارة، لكنهم تعرضوا احياناً لعداء غير مبرر بسبب اصولهم العربية. زيدان رمز الاندماج الناجح فرنسي ولد في فرنسا ونشأ فيها والتزم مساعدة الأولاد المصابين بأمراض وقام بأعمال انسانية كبرى. هو بطل من أصل جزائري، وأمثاله كثيرون في الضواحي الفرنسية رغم انهم ليسوا ابطالاً.

ما حدث في ملعب برلين، ربما يحدث يومياً في ضواحي المدن الأوروبية، حيث لا يتحمل أبناء المهاجرين الأهانة العرقية.

فما قام به المدافع الايطالي هو بمثابة فخ ماكر وخبيث، ومن النوع الذي يترتب عليه في معظم الاحيان، ردات فعل عنيفة. وبالطبع استحق زيدان «الكرة الذهبية»، لأن أداءه وقيادته للمنتخب الفرنسي طوال المباراة، بددا كل ما كان قيل في الصحف الفرنسية عن «شيخوخة المنتخب الفرنسي»، والدعوات التي وجهت الى لاعبيه للتقاعد والعودة الى منازلهم.

والعنصر المفرح في كل هذا هو ان الفريق الذي استضافه شيراك في قصر الاليزيه، معظمه من أبناء المهاجرين العرب والأفارقة، من أمثال «زيزو» وليليان تورام وتييري هنري، وأيضاً دافيد تريزيغيه الاميركي اللاتيني... وهذا ما يؤكد مجدداً ضرورة ان يعمل الغرب على ترسيخ الاندماج، ومكافحة العنصرية، لأن ذلك يصب في خانة نجاحاته.