الواقع الثقافي في محافظة واسط .. المؤســـسات الـثـقـــافيــة والـفــنـيــــة (1-2)

د. علي عبد الامير صالح

تأسس فرع اتحاد الادباء والكتاب العراقيين في المحافظة في عام 1995 حيث أقام الاتحاد بالتعاون مع اتحاد الادباء- المركز العام ومحافظة واسط مهرجان المتنبي الثاني والثالث والرابع والخامس..ومع ان المهرجانات الثلاثة الاولى جرت إبان الحقبة الدكتاتورية التي اتسمت بعبادة الصنم وتمجيد حروبه الرعناء، الا ان المهرجان الخامس الذي عقد للمدة من 26-28 كانون الاول 2004 في مدينتي الكوت والنعمانية (حيث ضريح ابي الطيب المتنبي)، حظي باهتمام اعلامي واسع ونال صدى طيبا في نفوس المشاركين فيه من الادباء والنقاد، لما اتسم به من الحوارات الهادئة والهادفة التي عكست كسر حاجز الخوف والتردد اللذين سيطرا على أرواح المثقفين وعقولهم طوال ثلاثين عاما.. كما اصدر فرع الاتحاد في المحافظة مجلة فصلية حملت اسم (فضاءات) تضمنت نصوصا شعرية وقصصية ومسرحية فضلا عن الدراسات والموضوعات المتنوعة... كما كان هناك حوار مترجم.


أما جامعة واسط بكلياتها الاربع فقد اصدرت ثلاثة اعداد من مجلتها العلمية المحكمة (مجلة واسط للعلوم الانسانية).. وتصدر الجامعة حاليا صحيفة اسبوعية هي (الواسطي).

كما دأبت الجامعة على اقامة مهرجاناتها الثقافية السنوية على مدى السنوات الماضية ومنذ افتتاح اول كلية فيها وهي كلية التربية في العام 1997، فضلا عن المحاضرات الثقافية الاسبوعية التي تقيمها كلية التربية وكلية الاداب التي افتتحت في مطلع العام الدراسي الحالي 2005-2006.

ومن الجدير بالذكر ان جامعة واسط تتعاون وتتآزر مع اتحاد الادباء والكتاب في المحافظة من خلال المشاركة في بحوث مهرجانات المتنبي وفي اقامة الامسيات الادبية وبضمنها أمسية أدبية أقيمت في 20/5/2004 عن القاص محمد خضير لمناسبة فوزه بجائزة سلطان العويس.
أما بخصوص المسرح في واسط، فقد شهد نشاطا دؤوبا في مطلع تسعينيات القرن الماضي، من خلال المساهمة في المهرجانات المسرحية في بغداد، حيث شاركت فرقة نقابة الفنانين في مهرجان منتدى المسرح التاسع المنعقد في عام 1992 بمسرحية (شهيق تحت الركام) من تأليف الزميل الشاعر غني العمار، واخراج عماد جاسم وتمثيل محمد صالح واحمد طه وفاضل عباس وموسيقى صباح الصغير.. نالت هذه المسرحية استحسان الجمهور المسرحي والنقاد وحصدت اربع جوائز: وهي جائزة افضل موسيقى وجائزة افضل اضاءة، وجائزتان تقديريتان للتأليف وللجهة المنتجة للعمل.. وفي العام التالي 1993 شارك الفريق نفسه بمهرجان المسرح العراقي الثاني بمسرحية (أحلام مؤجلة) تأليف غني العمار واخراج عماد جاسم.. وقد ادانت هذه المسرحية الحرب لما اتجلبه من ويلات وكوراث تصيب البشر وتلحق الاذى باقتصاد البلد وبيئته.. فالحروب هي السوق السوداء والجوع والغربة والملل وكره الذات وعرق الخوف البارد وهذيان الجرحى. لم تكن الحرب ابدا قتالا فحسب بل كانت ايضا انتظارا ثقيلا وبؤسا وحرمانا وآهات.

أما في السنوات اللاحقة فقد ضعفت الحركة المسرحية بسبب قلة الدعم المالي والمعنوي فضلا عن الظروف القاسية التي عاشها العراقيون في ظل العقوبات الاقتصادية المفروضة على بلدنا العزيز.. واكتفى المسرحيون بتقديم اعمال مسرحية ذات طابع شعبي مثل (سالفة تجر سالفة) و(الحرامي) وغيرها. مع انهم (أي الفنانين المسرحيين) لم يكونوا قانعين تماما بما كانوا يقدمونه من اعمال درامية لانها لا تلبي طموحاتهم ولا ترضي ذائقتهم.

وبعد انهيار النظام الشمولي في نيسان 2003 وبالرغم من الوضع المضطرب سياسيا وامنيا قدم المسرحيون اعمالا درامية ذات ابعاد فكرية وانسانية وتربوية مثل مسرحية (قم للمعلم) تأليف غني العمار واخراج احمد طه.. و(الحر الرياحي) لعماد جاسم مؤلفا ومخرجا وموسيقي صباح الصغير.. واخر عمل مسرحي كان مسرحية (نقطة نظام) لعماد جاسم ايضا مؤلفا ومخرجا.. قدمت هذه المسرحية بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني.

ومن الفنانين المسرحيين الذين غادروا البلد هربا من بطش السلطة الفنان المسرحي خليل الحركاني الذي يقيم حاليا في هنكاريا. هذا الفنان كان احد اعضاء فرقة المسرح الفني الحديث وتألق في دور مميز له في مسرحية (الحلم) في سبعينيات القرن الماضي.

وشهدت الحركة التشكيلية في المحافظة انتعاشاً حقيقياً بعد الحرب الاخيرة في آذار- نيسان 2003، ولم يعد الرسامون والنحاتون مرغمين على رسم جداريات القائد- الضرورة ونحت اصنام برونزية له.. حيث نشط الفنانون عبد الصاحب الركابي. ورائد ابراهيم وسعيد عوفي، وعدنان جاسم، وعباس العمار، وغيرهم ممن واكبوا التغيرات السياسية في بلادنا، فعرضوا لنا لوحات واعمالا نحتية وملصقات سياسية جسدت التلاحم الوطني ونبذ الخلافات الطائفية والعرقية، وأدانت المقابر الجماعية، والارهاب ومأساة حلبجة والفساد الاداري.. وتغنت بالسلام والحرية والمساواة ومشاركة المرأة في الحياة السياسية، فخلال ثلاثة اعوام اقيمت عشرة معارض تشكيلية في مناسبات وطنية وسياسية ودينية وثقافية لمناسبة ثورة تموز 1958، وواقعة الطف، واربعينية الشهيد آية الله محمد باقر الحكيم واعياد الربيع (نوروز) وتأسيس الحزب الشيوعي العراقي، وخلال مهرجان المتنبي الخامس، والتصويت على الدستور الدائم.

واذا كان الفنان عباس العمار قد استفاد من جمالية الحرف العربي والزخرفة العربية- الاسلامية في رسم لوحاته، فان عبد الصاحب الركابي نحا منحى آخر، وكان اقرب الى الشرائح الفقيرة من المجتمع اذ جسدت لوحاته ريف مدينته الاصلية (بدرة) فرسم الخيول والبساتين والرعاة والمزارعين وبائعي الغلال والخضار.. كما رسم لوحات وتخطيطات كثيرة عن الاسواق الشعبية في مدينة الكوت التي يقيم فيها حاليا.. اقام عبد الصاحب الركابي معارض شخصية عديدة في داخل القطر وخارجه، وله مساهمات كثيرة في المعارض الجماعية منذ ثمانينيات القرن الماضي.. والشيء ذاته ينطبق على زميله عباس العمار الذي أقام فضلا عن ذلك معرضين شخصيين في كردستان العراق.

واقتصر النشاط الفني لموسيقى واسط في السنوات الاخيرة على العروض المسرحية المقدمة من قبل فناني المحافظة، والاناشيد والاغاني الوطنية في المناسبات الوطنية والثقافية والتربوية. ساهم في هذه الانشطة وقام بتلحينها الفنانون حسن علي مرواح، واكرم رشيد، وصباح الصغير، وعلي حسين جابر، ومهدي جيجان.

وفي سماء التصوير الفوتوغرافي لمع في الأعوام الأخيرة اسم المصور الفوتوغرافي حسن علي الحبيب الذي فاز بأكثر من جائزة محلية وعالمية. وكانت لقطاته تمتاز بالبراعة الفنية العالية، الامر الذي يحسه المشاهد وهو يتأمل صوره الفوتوغرافية، اقام حسن علي الحبيب عشرات المعارض الفنية داخل القطر بضمنها محافظات كردستان العراق.. وثقت كاميرته التغيرات الاجتماعية والسياسية في بلدنا واقتربت كثير من الانسان العراقي البسيط في زمن الحصار والتحرير-الاحتلال، كما صورت لنا المشاركة الواسعة لشعبنا في الانتخابات والاستفتاء على الدستور.

أما في مجال التصميم الطباعي فقد برز في السنوات الاخيرة اسم بسام الخناق الذي صمم كثيرا من المجلات والصحف واغلفة الكتب والملصقات والنشرات والفولدرات.. وقد امتازت اعماله بجمالية عالية وتقنية حديثة تركت انطباعاتها الطيبة في نفوس القراء ومتذوقي الفن.

وختاما اقول وبمرارة ان الدعم الرسمي المقدم للادباء والفنانين والاعلاميين والصحفيين ضئيل جدا، لا بل يكاد يكون لا شيء مقابل ما ينفق هنا وهناك من دون ان يستفيد منه الشعب افادة كاملة، لقد تم استحصال الموافقات الاصولية بإنشاء مجمع ثقافي للادباء والفنانين تم اقتراحه من قبل نخبة من مثقفي المحافظة وتم التنسيق مع محافظي واسط السابقين، الا ان هذا الحلم لم يتحقق بعد، علما ان المخططات الهندسية لهذا الصرح الحضاري جاهزة منذ عامين الا ان لبنةً واحدة لم توضع حتى الان فوق الأرض المخصصة له.

http://www.almadapaper.com/sub/08-739/p13.htm