بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

خمس ساعات.. مع السيادي الأول.........حسين ايوب - 05/09/2006
---------------------------------------------------------------------
عند مدخل الشقة المتواضعة، يستقبلك <السيد> بوجهه البشوش المعتاد.
يتقدم طلال سلمان معانقا بحرارة. تقدمتُ من بعده قائلا <حماك الله.. والحمد لله على سلامتك>، فأجابني <العوض بسلامتك (معزيا باستشهاد والدتي) ويعطيك الف عافية>. شدّ على يدي بحرارة واكمل مصافحا ومعانقا زميلنا مسؤول الاعلام في <حزب الله> الدكتور حسين رحال.
جلسنا، وبدت المفارقة غريبة. الاربعة وحدنا في غرفة عادية. تمر دقيقة سوريالية طائرة فلا ينكسر صمت الغرفة الا عندما يعلق <السيد> ضاحكا: <مثلي مثلكم انا طلعوني ونزلوني عشرات المرات ولا اعرف المكان الذي أتواجد فيه معكم الآن>.
بدا متابعا بدقة للتفاصيل في لبنان والعالم. قال انه منذ اليوم الاول للمعركة، قرر ان يتفرغ شخصيا للمتابعة مع العسكر موكلا المهام الاخرى لبقية قيادات الحزب: السياسة والاعلام والعمل الانساني.
في غرفة العمليات العسكرية التي كانت جاهزة قبل المعركة، من المفترض توافر مقومات متابعة الاحداث. كهرباء على مدى 24 ساعة. شبكة اتصالات خاصة مع الجسم الجهادي في الحزب. متابعة يومية للشاشات والصحف، والاهم من ذلك للصحافة العبرية ومنها متابعات الزميل في <السفير> حلمي موسى.
في ملامحه يتبدى الكثير الكثير من مشاعر الغصة والحزن والقهر. شعور بالحصار وبالخذلان يتأتى من غير مكان. في المقابل، ايمان عميق ببلده وبالمقاومين. لم تكن كل الامور مكشوفة على بنية الحزب العسكرية. كانت المفاجآت متروكة للميدان خوفا من اختراق ما... وفي اللحظة المناسبة، تبين ان بنية الحزب والمقاومة سليمة مئة في المئة.
لم يتمكن الاسرائيليون من استهداف بنية الحزب القيادية ولا في اي مستوى من مستوياتها. حتى تلفزيون <المنار> المكشوف نسبيا والذي يبث بنظام فضائي ويتلقى العاملون فيه آلاف الاتصالات يوميا، عجزوا عن استهدافه.
هم يتحدثون عن اربعة آلاف صاروخ اطلقتها المقاومة اما تقديرات قيادة المقاومة فتقول بثمانية آلاف صاروخ. لماذا تعمد الاسرائيليون اخفاء هذا الفارق؟
يجيب <السيد>: لقد فرضوا حظرا على استهداف الاهداف العسكرية. هذ هو معنى التعتيم على اربعة آلاف صاروخ. لقد دمّر المقاومون قاعدة <ميرون> تدميرا كاملا، وهي احدى ابرز القواعد الاستراتيجية في اسرائيل. معظم الصواريخ التي استهدفت حيفا وما بعدها طاولت اهدافا عسكرية ولدينا معلومات استخباراتية عن الخسائر في القواعد والثكنات والمطارات وبعض المنشآت الحساسة.
المفاجأة حصلت في المواجهة البرية. لم يكن كل جسم الحزب المقاوم يعلم بأمر الصواريخ المضادة للدروع.
صواريخ <كورنيت> الذكية قادرة على اصابة هدف بدقة من على بعد خمسة آلاف متر. الصاروخ هو العنصر الاول. المقاتل الشجاع الاستشهادي هو العنصر الثاني. التدريب والمهارة الفنية هما العنصر الثالث. بدأ استخدام هذه الصواريخ في عيتا الشعب عندما حاول الاسرائيليون سحب دباباتهم وجثث جنودهم. تحولت عيتا الشعب الى مقبرة لدبابات <الميركافا> من الجيل الرابع الجديد الذي يتباهى الاسرائيليون به. يكفي ان تضع عينك نهارا على المنظار ويرتسم الصليب امامك، حتى ينطلق الصاروخ هادئا هادرا فيستريح في الدبابة ويحولها الى خردة حديدية.
<ميزة هذا الصاروخ انه برأسين، الاول يدمر الدرع والثاني له قوة تدميرية>. اقاطع <السيد> واقول له <من اين حصل الرئيس نبيه بري على هذه المعلومات>؟ يجيب ضاحكا: <كان <دولة الرئيس يتولى الادارة السياسية ولكن في احيان كثيرة كانت بعض وسائل الاعلام المحلية <تتبرع> باخبار سقوط قرية واحيانا عشرات القرى وتنسب ذلك الى ضباط دوليين او مصادر امنية لبنانية واحيانا اسرائيلية. على الفور تأتيني رسالة مفادها ان الرئيس بري يسأل هل صحيح ما يقال بان بنت جبيل سقطت او قرية كذا سقطت... الجواب يكون دائما بالنفي بسبب ثقتي بصدق المقاومين. ولكن عندما تتكرر احيانا الاتصالات والاستفسارات كانت العدوى تنتقل اليّ تلقائيا، فأبادر الى الاتصال بغرفة العمليات في الجنوب، التي لم ينقطع الاتصال بيني وبينها لحظة واحدة. كانوا يقولون ان الشباب على الخط في بنت جبيل. هل تريد ان تتحدث مع فلان، واحيانا قال لي احد المقاتلين في عيتا الشعب <هل تريد ان تسمع صراخ الجنود الاسرائيليين>؟
زوّد <السيد> الرسول الدائم بينه وبين الرئيس بري بمعلومات تفصيلية عن صاروخ <كورنيت> وطلب منه ان يطمئنه، وفي اليوم التالي سئل الرئيس بري عن ضحكته العريضة برغم الاخبار <السيئة> التي تأتي عبر وسائل الاعلام، فأجابهم <الخبر اليقين عندي، ومنذ الآن فصاعدا كونوا على ثقة بأن حرارة قدميّ في عين التينة هي من حرارة اقدام المقاومين في عيتا ومارون وبنت جبيل>...
يضيف <السيد> انه في فترة الليل يمكن تزويد الصاروخ بمنظار ليلي، وبدلا من خمسة آلاف يستطيع ان يصيب عن بعد الفي متر اصابة دقيقة. استخدم الحزب حوالى 150 صاروخا والمعلومات المتوافرة تشير الى ان الدبابات التي دمرت او اصيبت هي 150 دبابة. في بعض الاحيان استأذن المقاومون من قيادتهم استخدام هذه الصواريخ لضرب تجمعات. سُمح لهم بذلك في دبل فقط، وعندما ضربوا تمكنوا من قتل ثلاثة عشر جنديا بصاروخ واحد لانهم كانوا متجمعين في منزل ولا يمكن ان يتوقعوا وصول نيران المقاومة اليه.
في المواجهة البرية، تحول وادي الحجير الى مقبرة للدبابات الاسرائيلية وسيأتي يوم تُروى فيه وقائع المواجهات. نجح الاعلام الحربي في التقاط بعض الصور ولكن نقطة الضعف فيها انها تكشف اماكن انطلاق الصواريخ.
في المواجهة البرية ايضا، حصلت مفاجآت كثيرة فاقت ما كان مقدرا. صار المقاومون اسطورة قائمة بذاتها. نموذج بنت جبيل كان مدعاة للفخر. لاحق الطيران المقاومين من منزل الى منزل وفي النهاية تيقنوا من انهم تمكنوا من تمشيط المدينة والقضاء على كل المقاتلين فيها وعندما حاولوا التقدم اليها، خرج المقاومون من تحت الارض وتبدلت الادوار. صار المقاومون يلاحقونهم من منزل الى آخر. في الكثير من الاحيان، سعى المقاومون الى اسر المزيد من الجنود لكنهم لم يوفقوا.
في جعبة <السيد> روايات كثيرة عن المقاومين، لكنه عندما يتحدث في السياسة يبدو غاضبا كثيرا ويكاد يتمنى لو يقتصر الحوار معه على كل شيء الا الوضع اللبناني.
تشعر في طيات حديثه بمرارة الرجل الاكثر استقلالية في الجمهورية اللبنانية. الرجل الاكثر التصاقا بتراب بلده. وهل اصدق من التراب، لمن يريد ان يكون وطنيا وسياديا بامتياز.
في كلامه تشعر بأنك في حضرة الرجل الذي لم يتلوث بالفساد والسرقات والسمسرات وقاعات الانتظار القديمة في عنجر او الجديدة في عوكر او قصر الصنوبر. الرجل الذي يبني مواقفه على اساس معطيات ناسه وأرضه وليس على اساس التقارير والمعلومات الاستخباراتية الآتية من الخارج، فإذا بالوقائع تكذبها فيصبح العصر الاميركي الاسرائيلي بعيد المنال لمن كان ينتظر بزوغه الوشيك.
في كلامه تشعر بأنك في حضرة رجل ينتمي فعلا الى مشروع الدولة. رجل لم يشترك بالفساد مع رجال الدولة الجدد الآتين على ظهر زمن الوصاية السورية من اجل <التبشير> بالدولة ومشروعها وهم ينتمون الى عصر ما قبل الدولة. اولئك الذين وصل الامر بهم، كما قال الرئيس نبيه بري في يوم من الايام، الى عدم احترام اسرار الدولة وكلام الدولة ورجال الدولة!
لمن يهمه الأمر، فإن من يتولون امن <السيد> هالهم ان الرجل امضى وقتا طويلا في ملجئه الذي <اسره> فيه ايهود اولمرت. قرروا في اكثر من مرة ان يسمحوا له بالتجول في شوارع المدينة وهكذا كان... هل بدا أحد رموز <السيادة الجدد> مهتما ولو بسؤال انساني عبر الهاتف للاطمئنان على صحة هذا الرجل او سلامته ام انهم كانوا ينتظرون شيئا آخر؟

-----------------------------------------------------------------

- صحيفة السفير اللبنانية .
http://www.wa3ad.org/index.php?show=...rticle&id=1462