تعرّف الفدرالية أو النظام الفدرالي على أنها شكل من أشكال الحكم تكون السلطات فيه مقسمة دستورياً بين حكومة مركزية و ووحدات حكومية أصغر (الأقاليم، الولايات)، ويكون كلا المستويين المذكورين من الحكومة معتمد أحدهما على الآخر وتتقاسمان السيادة في الدولة.
وهذا التعريف يقترب من معنى الفدرالية بشكلها الإداري ،وهو أمر سليم اذا ما توفرت فيه الشروط الملائمة والضرورية لإنجاح هكذا اتحاد ..
وويرتبط مفهوم الفدرالية بمفهوم" الادارة اللامركزية“ أرتباطا وثيقا ،وهذا يعني تقسيم الدولة الى وحدات ادارية واشراك هيئات محلية منتخبة لها بعض الصلاحيات تمارس السلطة من خلالها على ان تمارس تلك الهيئات المحلية سلطتها ضمن المنطقة المحددة لها فتقسم السلطة بين السلطة المركزية والهيئات المحلية المنتخبة.
تنشأ الفدرالية عن طريق تحول دولة مركزية او لا مركزية الى دولة فدرالية او باتفاق دولتين او اكثر على التنازل عن سيادتها الخارجية والكثير من اختصاصاتها الداخلية الى السلطة الفدرالية، فينشأ اتحاد فدرالي يحميه دستور دائم يضم عدة دول ”ولايات“ في شكل دولة واحدة هي الدولة الفدرالية، ويشترط لقيام دولة فدرلية وجود مجموعة من الدول ”الولايات“ المرتبطة، بشكل وثيق فيما بينها ارتباطا جغرافيا او تاريخيا او عرقيا او بغير ذلك من الروابط. فهناك الفدرالية على اساس قومي جغرافي كما هو حاصل في كل من ”سويسرا ـ كندا ـ بلجيكا“، وهناك ايضا الفدرالية بين الولايات والمناطق والاقاليم كما هو متبع في ”الولايات المتحدة الامريكية ـ جمهورية المانيا الاتحادية ـ البرازيل“، وهناك ايضا الفدرالية بين الاديان والطوائف والمذاهب والامارات والمشايخ كما هو حاصل في كل من ”الهند ـ الامارات العربية المتحدة ـ نيجيريا“.
ولا يخفى على المتتبع إن نظام الحكم الإسلامي كان سباقاً الى اتباع المنهج الفدرالي في إدارة الدولة الإسلامية بعد أن توسعت أطرافها وامتدت في العالم.
وفي العراق دخل هذا المفهوم مع سلسلة اجتماعات المعارضة العراقية "التقليدية" في لندن وصلاح الدين ويبدو ان النظام الفدرالي قد تم اقراره والإتفاق عليه من ذلك الحين .مما حدا بأغلب القوى السياسية الرئيسية في العراق اليوم الى المناداة بها والسعي الى تحقيقها على أرض الواقع .
أما ما يسوقه هؤلاء من أسباب ومبررات عملية (الفدرلة) أو تحويل شكل الحكم في العراق الى النظام الفدرالي فيمكن تلخيصها بالنقاط التالية:
1-الظلم والحيف الذي لحق بالشعب العراقي طيلة مدة اعتماد الحكم المركزي-الشمولي وبالذات الفترة التي حكم فيها حزب البعث في العراق.
2-الخصوصية التي تتمتع بها ما درج على تسميتها بـ(المكونات الثلاثة) للشعب العراقي : الأكراد والسنة والشيعة .
3-الإرهاب الذي بات من المستحيل التصدي له بشكل الدولة الحالي.
ونحاول في الأسطر القادمة أن نناقش كل نقطة على حدة :
أولاً :-لا يختلف اثنان على مدى الاضطهاد والظلم الذي طال كل ابناء الشعب العراقي بلا استثناء من قبل السلطات المتعاقبة .على أن فترة حكم البعث الفاسد وتولي الهدام لزمام الأمور قد غطت على كل المراحل التي سبقتها لما وصلت اليه السلطة من جور وظلم ورعب لا زال العراقيون يعانون منه الى اليوم.
أما مريدوا الفدرالية فيرون أن جزء من عملية القمع والاضطهاد المنظم كان سببها الشكل الإداري للدولة وهي الولة المركزية أو قل دولة الرئيس الواحد ، أو القطب الواحد الذي بإمكانه –وحده- سن القوانين وإلغائها ، وشن الحروب ، وعقد الإتفاقيات ، وابرام العقود والمعاهدات.....الخ . واختصارا يرى دعاة الفدرالية أن هذا الشكل من اشكال الحكم يؤدي عاجلا ام آجلا الى سيطرة نظام الحزب الواحد والفرد الواحد على مقاليد السلطة (بأدنى مرافقها) وبالتالي يصبح الرئيس أمبراطوراً وتصبح الدولة دكتاتورية وشمولية.
والرد على هذه الأطروحات ينبغي ان يتلخص في عدة نقاط:
أ‌- ان نظام البعث والأنظمة الدكتاتورية من قبله كانت قد سيطرت على مقاليد الحكم بقوة السلاح ، فلا شرعية انتخابية لهم ، ولا دستورية. أما بعد سقوط الصنم فيمكن تشريع بعض القوانين بحيث لا يصل الى السلطة إلا من انتخب من قبل الشعب ،ومن عرف بحسن سيرته وسلوكه ، وقد تم ذلك فعلاً ولو بشكل جزئي عبرت عنه الانتخابات –مع تحفظنا عليها-.
ب‌- ان العراق كبلد مسلم ، وكشعب يشكل المسلمون فيه اكثر من 95% ينبغي ان يراعى فيه النظام الإسلامي في الحكم والتشريع ، وليس النظام الديمقراطي الغربي الغريب عن مجتمعاتنا ، ولا النظام الشمولي الدكتاتوري القسري، وينبغي ايضا اخذ العبرة من اساليب الحكم التي اتبعها المعصومون سلام اللـ.. عليهم بدءاً برسول اللـ..
(ص) والأئمة من بعده (ع) ، فإن قال قائل أنهم (ع) معصومون قلنا : فإن من وضعوهم على إدارة البلاد وتسيير أمور الدولة وأقاليمها لم يكونوا معصومين....فحاكم مصر ليس بمعصوم وحاكم العراق كذلك....الخ ونحن نرى ان كل اقليم في حينها يمثل دولة بالمعنى الحديث وربما أكبر من ذلك ، إلا أنهم ساروا مع الرعية بما رأوه من قادتهم (ع) ومن أرداد الإطلاع فإن في أدبيات اهل البيت ووصاياهم ورسائلهم الى الأمراء والحكام ما يغني عن ذلك.
حـ-لعله من المفيد الإشارة الى كون المرجعيات الدنية هي الحاكم الفعلي في المجتمعات المتدينة مثل العراق .وعلى هذا الأساس ينبغي ان يكون رأس الدولة والنظام السياسي ككل خاضع لإرشاد وتوجيه القيادات الدينية وليس العكس.وبذلك يأمن الناس من تحول السياسي أو الحاكم من خادم للشعب الى مسيطر عليه وسارق لخيراته.

ثانياً: بالنسبة للمكونات التي اعتبرت تقسيمات اساسية وهي شيعة، سنة ، أكراد ،نقول:
على أي اساس تم تقسيم العراق الى هذه المكونات ؟
فإن كان مقياس التقسيم قومياً كان الأولى أن يقال : عرب وأكراد.
وإن كان المقياس دينياً كان يجب ان يقال : مسلمين وأقليات مسيحية وصابئية ...الخ
أما أن يحول المقياس الديني الى طائفي فينتج عنه الطرفان الرئيسيان :السنة والشيعة ، ويضاف لهم مقياس قومي فيصبح التقسيم :سنة وشيعة وأكراد ...فهذا غير مفهوم وغير مبرر أبداً ، إلا ان يقال انها مشيئة الاستعمار والثالوث المشؤوم والقوى الغربية والراعية للفتنة فهذا كله صحيح.
فإن قيل : أن التقسيم المذكور اعتمد على الاساس الجغرافي ، فالأكراد يسكنون شمال الوطن والسنة وسطه والشيعة يسكنون الجنوب .قلنا: وهذا التبرير مغلوط ايضا : إذ أن قسم كبير من شيعة العراق يسكنون الوسط والشمال وكذلك فإن نسبة لا بأس بها من السنة والأكراد تسكن في جنوب العراق اضافة الى الوضع في بغداد ، فهل هي مدينة سنية أم شيعية أم كردية وهي خليط من هذه المكونات ...وما ينطبق على بغداد ينطبق على الكثير من المحافظات مثل :ديالى وكركوك والموصل .
ثم ان هناك مسألة ينبغي ان تراعى في أنظمة الحكم التي تدعي الحرية والشفافية وهي حقوق الأقليات ، فأين حقوق الأقليات في هكذا تقسيم ظالم ؟
ونظرة على الواقع العراقي منذ عام 2003 نرى ان الإدارة الأمريكية وتابعيها من سياسيين قد تنبهوا الى بطلان هذا التقسيم ، فعمدوا الى الوسائل الخبيثة من اجل تطبيق تقسيمهم الهجين على أرض الواقع ، فأصبح التهجير يمارس من قبل عصابات الموت الأمريكية في كل انحاء العراق .ويتم اختيار السكان الأقل نسبة من غيرهم ليتم تهجيرهم كي تصفو المناطق مثلما خططوا لها :مناطق سنية بحتة وأخرى شيعية بحتة وثالثة للأكراد !
وهذا الأمر هو ما نبه عليه بعض الأخوة المشاركين في العملية السياسية عندما عارضوا الفدرالية وقد طرح السؤال التالي : اذا اقيمت الفيدراليات فما مصير الأقليات ؟؟؟ هل هو التهجير القسري ؟