الجواهري الكبير

كردستان، ياموطن الأبطال



قلبي لكردستان يُهدى والفمُ ولقد يجودُ بأصغريه المُعدمُ

ودمي، وإن لم يُبقِ في جسمي دماً غرثى جراح من دمائي تطعمُ

تلكم هديةُ مستميت مغرم أنا المضحى، والضحية مغرمُ

أنا صورةُ الألم الذبيحِ، أصوغه كلما عن القلب الجريح يترجم

ولرُبّ آهاتٍ حيارى شَرِدٍ راحتْ على فم الشاعر تنتظم

ذوَّبتْ آلامي، فكانت قطرةً في كأس من بنوا الحياة، ورمموا

ووهمتُ أني في الصبابة منهمُ ولقد يُعين على اليقين توّهمُ

***

غاليتُ في حبِّ الشهيد، وراعني فيما أحدّث عنه فكر مبهمُ

أبداً تسددني خطاه، وأُلهمُ وتعنُّ لي منه الطيوف، وأرسمُ

نفسي الفداءُ لعبقريًّ ثائرٍ يهلُ الحياة كأنه لايفهم

***

سلِّم على الجبل الأشم، وأهلِه ولأنتَ تعرف عن بنيه مَنْ هُمُ

وتقصَّ كلَّ مُدبٍّ رجلٍ عنده هو بالرجولة والشهامة مفعمُ

والثمْ ثرىً بدمِ الشهيدِ مخضباً عَبِقاً يضوع كما يضوع البرعمُ

متفتحٌ أبدَ الأبيد كأنَّه فيما يخلِّدُ عبقريٌّ مُلهمُ

وأهتف، تجبكَ سفوحُه وسهوله طرباً، وتبسمُ ثاكلُ، أو أيِّمُ

باسم "الأمين" المُصطفى من أمةٍ بحياته عند التخاصم تُقسمُ

سترى الكُماة المعلمين تحلّقوا فذّاً تهيَّبهُ الكميُّ المُعلمُ

صُلبِ الملامحِ تتقي نظراتِه شُهبُ النسور، ويدَّريها الضيغمُ

يابن الشمال، وليس تبرح كربةٌ بالبشر تؤذن عندما تتأزمُ

وتناقضُ الأشياء سرُّ وجودها وبخيرها، وبشرِّها يتحكم

صحو السماء، يُريك قُبحَ جهامها وتُريكَ لطفَ الصحو إذ تتجهمُ

وكذا الحياةُ فليس يُقدر شَهْدُها عن خبرةٍ، حتى يُذاق العلقمُ

سلِّمْ على الجبلِ الأشمِّ وعنده من :أبجديات" الضحايا معجمُ

سِفْرٌ يضمُّ المجدَ، من أطرافه أَلَقاً، كما ضمَّ السبائكَ منجمُ

ودعِ الحروفَ تبنْ قرارةَ نفسها إنَّ الأشفَّ من الحروف الأفخمُ

ياموطنَ الأبطالِ، حيث تناثرتْ قصصُ الكفاحِ حديثها، والأقدمُ

حيث انبرى مجدٌ لمجدٍ والتقى جيلٌ بآخرَ زاحفٍ يتسلمُ

وبحيثُ ينضح كلُّ برعم زهرةٍ بشذى عبير دمٍ بها يُتنسَمُ

وبحيث تلتحم القبورُ، كأنّها سِورٌ يؤلفها كتابٌ محكمٌ

وبحيثُ تزدحمُ العظامُ، فطارفٌ يُنهي رسالة تالدٍ، ويَتمَّمُ

تروى حديث الهام فيها هامـــةٌ ويقصُّ ما بَلَتِ اليواعدُ مِعصمُ

يابن الشمال، ولستَ وحدكَ، إنها الست الملايين التي تُتهضم

ياخيرَ ضلعٍ، لستَ ةحدكَ، إنّه جسدٌ بكلِّ ضلوعه، يتألمُ

عانى، وإياكَ الشدائدَ، لم تَلِنْ منه قناةٌ كلَّ يومٍ تُعْجَمُ

***

ياموطن الأبطال، والدنيا بها نصفٌ، وان خيلت تجور وتظلمُ

تعطي وتأخذ والمغفل عندها مَنْ ظَنَّ من عقبى حسابٍ يسلمُ

من بعد ألفٍ، من سلالة ظالمٍ من قبل ألفٍ يثأر المتظلمُ

***

ياموطن الأبطال بثٌّ مؤلمٌ وألذُّ أطراف الجديث المؤلمُ

ولقد يلذُّكَ من شكاة أنْ ترى فيها الضمير بنفسه يتكلم

أنا مثلُ دأبكَ في كفاحكَ محرَبٌ شاكي العزيمةِ، أعزلٌ متقحِّمُ

ستون راحتْ في النفوسِ تقسَّم تُعطي عطاءَ الأكرمين، وتحرم

آبى الهضيمةَ واستباح هضيمتي فيما استباحكَ أحمقُ متجرّمُ

ألوي بما عندي، وعندي صفوةٌ هي من أبيه، ومن ذويه أكرمُ

ورمى بهم خلفَ الحدود كأنهم بُرُدٌ إلى الأمصار عجلى ترزمُ

وأشاع لحمي للذئاب، ولحمَهم وحمى لحوماً بالنتانة تَزخمُ

ودعى الجباةَ إلى حطام حويشة لتباعَ ملحفةٌ، ويُشرى مَحزمُ

وتفرّج المتفيهقون فلا دمٌ يغلى، ولا قلمٌ يذود ، ولا فـــمُ

لم تنفقىء خجلاً عيونٌ أبصرتْ وجه الكريم بكفِّ وغد يُلطمُ

ونجوتَ منجى المؤمنين حُشاشتي ويدي، وسيفٌ في فمي يتثلمُ

يابن الشمال: ومثلُ ذنبك أن تُرى متأبياً فيما تُساسُ وتُحكمُ

ماكان ذنبي غير أني لم أطمحْ إذ كل ثبْتٍ طائحٍ متهدمُ

يابن الشمال: وقد رأيتَ مصيره ومصيرُه عظمةٌ لمن يتفهمُ

بئس الشماتةُ شيمة ولو أنّها إذ يُغتلى جِرْحٌ تعفّنَ بلسمُ

حَسْبُ الجريمة ميتةٌ مرذولةٌ كفارةً عما أتاه المجرمُ

***

ياأيها الجبل الأشمُّ تَجِلّةً ومقالةً هي والتجلةُ توأمُ

شعبٌ دعائمه الجماجمُ والدمُ تتحطم الدنيا، ولا يتحطّمُ

1964

* حجلنامه، العدد الثالث، الخاص بالشعر الكردي.