[align=justify]حكاية شعبية

أبو خيـــــارات



اخلاص الطائي

قالت والدتي بعد ان جمعتنا ليلة الجمعة كالمعتاد نقلا عن لسان امها انه كان يا ما كان في ما مضى من الزمان ان رجلا تزوج امرأة اتسمت بالحكمة والعقل.. كان هذا الرجل يعمل بائعا للمفارش يدور حاملا مفارشه على كتفه بين ازقة الحي في احدى المدن الجنوبية من الكوت وانجبت زوجته خمسة صبيان اتسموا بالجمال والصحة التامة وكانوا جميعا يعيشون بدعة وسلام مع جدتهم لابيهم في بيت جميل ومرت الايام والاعوام واذا بوالدة الرجل تمرض طريحة الفراش حتى اقعدها وشاء القدر ان يخطف بصرها فجعلت زوجة ابنها تعتني بها العناية الفائقة فتحممها وتعطرها وتغسل ثيابها وتضع البخور في غرفتها وفراشها تصنع لها الطعام الخاص بها ولا تناديها الى بكلمة - يا والدة - والعجوز تدعو لها بالموفقية وستر الحال وحسن العاقبة. وكان هذا الرجل قد تحسن حاله الاقتصادي واصبح بيعه وفيرا وبدأ يوسع داره ويزيد عدد غرفه لان ابناءه بدأوا يكبرون وامه في ذلك الوقت كانت تدعو له بالتوفيق من الله وكسب الحلال.. وذات يوم وهو يمر بسوق الحي كالمعتاد مر بأحدهم يبيع الخيار وينادي “حلو بعانة، موحلو بفلسين” فوسوس في قلبه الشيطان وقال: سأشتري لزوجتي من الخيار الحلو ولامي من الخيار (الم حلو) فهي لا ترى - ولم يفكر بأن الله يرى ما يعمل الناس حتى في سرهم ونجواهم - وبالفعل اشترى من الرجل اوقية لاهله وحقة لامه وذهب الى بيته واستقبلته زوجته بالخيار واعطته لعمتها وغسلت منه ما استطاعت ان تمضغه العجوز ولما وجدته مرا نادت على زوجة ابنها ولم ترد على تندائها ففرحت العجوز وعلمت بأنها بعيدة ولا تراها فوضعت الخيارة تحت وسادتها. وجاءت كنتها فظنت بأنها اكلت الخيارة ففرحت وقالت سوف آتيك بطعام الغداء.. وجاءتها وبدأت تطعمها بيديها ومن ثم اخرجت لها خيارة اخرى وغسلت يديها وتركتها وذهبت لتنهمل في غداء الاولاد وابيهم.. وبدأت العجوز المسكينة تلتقم الخيارة واذا بها مرة ايضا فوضعتها مع اختها تحت الوسادة ولم تخبر احدا، وهكذا حتى انتهى كيس الخيار.. وذات يوم هيأت الكنة الدؤوبة الوفية الحمام لعمتها في غرفتها نفسها وقالت: هيا يا عمتي تهيئي للاستحمام لنذهب غدا للزيارة.. وسرعان ما حممت عجوزها وألبستها احسن الثياب رفعت فراشها فتناثرت الخيارات من تحت وسادتها ودهشت الكنة وقالت: واحسرتي يا عمة لم لم تأكلي الخيار اولا؟ ولم اخفيته تحت الوسادة؟ لم تجبها عمتها وظلت صامتة لا تعرف بماذا تجيب. الا ان فطنة كنتها وذكاءها جعلاها تذهب بالخيار بعيدا، وبدأت تتذوقه لتعرف السبب كي يبطل العجب.. فوجدتها جميعها مرة لا تطاق فصمتت لحين عودة زوجها ولم تخبر احدا بما رأت.. وجاء الابن البار والزوج الوفي وناولها وقال خذي كيس الخيار لامي.. فأسرعت الزوجة تتذوق الخيار الواحدة بعد الاخرى فوجدت خيار الكيس الالاول كله حلوا.. وكيس خيار عجوزها كله مرا لا يطاق وجاءت به الى مائدة غداء زوجها وابنائها واعطت الحلو لعجوزها التي لم تشأ ان تتفوه بكلمة ربما تحصل امور لا تحمد عقباها.. وبينما كان الجميع يأكلون صرخ الرجل بزوجته قائلا: من اي كيس جئت بهذا الخيار؟ فدهشت الزوجة قائلة: وهل هناك اختلاف بينهما؟ قال متلعثما: ها.. لا ولكن اجلبي الكيس الآخر - اكيد سيكون احلى، فقالت بشدة: لا، انت تعلم جيدا ان كيس الخيار المر هو حصة امك وقد مضى على ذلك زمن وتأتي بالخيار الحلو لنا.. الا تخاف الله يا رجل تنكر امك التي ارضعتك الحلو وتطعمها المر؟ لماذا؟ لماذا؟

- ولما سمع الاولاد تحاورهما - عجبوا وذهبوا الى جدتهم اسفين على ما حصل وبدأت الجدة مضطربة تحاول اصلاحهما ولكن دون جدوى فهي عمياء لا ترى.. واخيرا قررت الزوجة الحكيمة ان تأخذ ابناءها وعجوزها وتغادر لتعيش في حي قريب من حي اهلها وانفصلت من زوجها وذهب كل الى ما كتب الله له، ومرت الاعوام وماتت العجوز يرحمها الله وفي قلبها بعض الشيء على ولدها وكبر الاولاد والاحفاد ومن الله عليهم بالعافية وذات يوم دخل ابنها الكبير عليها قائلا: يا امي هناك رجل فقير ورث الثياب اعمى يجلس تحت جدار بستان السيد يريد رغيف خبز - الا ان امره غريب يا امي! قالت: كيف يا ولدي؟ اجاب: انه يصرخ بين الحين والاخر ارحموني انا ابو خيارات خبزة لوجه الله والصخي حبيب الله (اي السخي الكريم حبيب الله) وانتبهت الام لذلك وتناولت طعاما جاهزا وخبزا واخذت ابنها قائلة: تعال يا ولدي دلني لارى ابو خيارات هذا واعلم سره. وحين وصلا اليه كانت غفوة بسيطة قد غشيته فأيقظه الصبي وسألته المرأة: من اي الطوائف انت؟ رد: يزايرة آنه ابو خيارات وامعنت النظر في وجهه وبصعوبة استطاعت تمييز صوته وبعض ملامحه فعرفته فقالت مع نفسها: مازال يحتفظ بشيء من عقله وصمتت خوفا من ابنها يستدل عن بعض شيء. قالت: ما اسمك؟ لم يرد! اين تسكن ومن اي الطوايف انت؟ صاح آنه ابو خيارات. قال لها ولدها: يا امي ناوليه الطعام! ماذا تريدين من هذا المسكين سيموت جوعا يا امي. اجابته: ليس هذا جوعا، هذا عقاب الله تعالى له لقد عق امه ولم يبرها كان يطعمها الخيار المر ويشتري له ولعياله الخيار الحلو وهو يعلم بذلك كانت امه عمياء لا ترى الاشياء ولا تميزها الا انها كانت تميزها بقلبها المتفتح وماتت وهي غاضبة عليه.. وهو الآن اعمى العين والقلب.. انقلب به الزمن.. ودارت به الايام وهذا عقاب من يعق الوالدين وانشدت تقول:

هاي دنية والدهر دولاب يفتر حيل

وهاي دنية شما كوه المتكوي بيهه تشوفه يخسر

وهاي دنية لو تعاشر زين بيه

لو تظل من غير معشر.[/align]