قراءة في مشروع دستور كردستان- القسم الأول - تيلـي أميـن*



[13:30 , 15 Oct 2006]
من الواضح أن أحكام الدستور في أي مجتمع تحتل أهمية كبيرة في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية لمواطنيه ، لذلك يجري عادة وقبل إصدار الدساتير وفي الدول الديمقراطية بشكل خاص إعداد الدستور من قبل لجنة من المختصين وبمشورة عدد كبير من الخبراء والاختصاصيين في مختلف مجالات الحياة ومن ثم طرحه على عامة الشعب بغية مناقشته وإبداء الرأي حول أحكامه قبل أن تجري عملية الاستفتاء ليقرر الشعب تصديقه أو رفضه . وواضح أيضا أن الأحزاب السياسية بما تمتلك من قواعد جماهيرية ومنظمات المجتمع المدني وهيئات حقوق الإنسان ووسائل الإعلام تلعب دورا مؤثرا سلبا أو إيجابا في تكوين الرأي العام وحصول القناعات لدى قطاعات الشعب لتأييد الدستور أو معارضة إصداره . يقول مفكر الثورة الفرنسية( جان جاك روسو) أن الدولة تقوم على أساس عقد اجتماعي بين الحكام والشعب ، يتنازل فيه الشعب عن بعض سلطاته وصلاحياته الى الحكام لأجل تسيير أمور الدولة ، ويبين أيضا القيود أو اشتراطات الشعب على الحكام ووجوب عدم حرمان المواطنين من الحقوق التي يحتفظ بها الشعب لنفسه في العقد ، فالأصل هو أن السلطة للشعب وهو الذي يخول بعض الافراد منه لممارسة جزء من السلطة نيابة عنه ووفق ما سماه بالعقد الاجتماعي . هذا العقد هو الدستور ، ووفق ما استقر عليه نظريات فقه القانون يمكن أن نعتبر دستور كردستان بمثابة عقد يجري تنظيمه واشتراعه بين شعب كردستان ومن يرغب في تنصيبه حاكما له ، لذلك لا يكون الاستفتاء من الناحية العملية والديمقراطية مثمرا اذا كان شعب كردستان يجهل ما تنازل عنه من سلطته لحكامه ويجهل أيضا الحقوق التي فوضها اليهم وتلك التي اشترط عليهم المحافظة عليها لمواطني كردستان .
نحن الان امام الخطوات الصحيحة لإقامة الدستور فقد تم وضعه من قبل لجنة مختصة في البرلمان الكردستاني تضم حقوقيين وخبراء قانونيين ، وتم طرحه للمناقشة ، وأقول بهذه المناسبة أن عمل اللجنة وجهودها محل تقدير وإبداء أية ملاحظة لا يعني انتقادا للجنة أو ادعاء تقصير في جهدها المبذول حتى وان كانت قد نست موضوعا أو أن تقديرها لأمر معين لا يطابق تقدير الآخرين ، أو كانت الصياغة في نظر البعض لا تحقق غاية الحكم الدستوري ، ثم وكما قلنا الدستور يهم كل افراد الشعب ولكل منهم إبداء رأيه حوله فان أصاب كان اغناءا لعمل اللجنة وان أخطا فسبحان من لا يخطئ .
انا لا ازايد على أي شخص أو جهة واطرح ما اعتقد انه الصحيح وكل موضوع ونقطة قابلة للمناقشة ، ومن الطبيعي أن تختلف الآراء لكن ما هو غير طبيعي هو إلصاق التهم بسبب هذا الاختلاف ، وأقول في البداية وبكل وضوح أن مشروع الدستور جاء متأثرا ومقلدا للدستور الفدرالي لدولة العراق من ناحية وصف النظام السياسي وإبعاد العلمانية عنه مع أن اغلب أعضاء البرلمان المنتخبين من شعب كردستان يمثلون أحزابا علمانية ، ولو كان شعب كردستان يريد نظاما دينيا سياسيا لانتخب دعاة هذا النظام ، وأدعو الى احترام رغبة شعب كردستان في اختيار نظامه السياسي وتحديد مصادر التشريع وفق هذا الأساس . لم يكن هناك ما يستدعي النص في الدستور على تأكيده أمر أن غالبية شعب كردستان من المسلمين فهذه بديهية ليست مكانها الدستور ، وفي محل الإشارة الى ذلك كان من الأفضل تحريم الأفكار الإلحادية التي تتنافى وطبيعة مجتمع كردستان ، وبشان مصادر التشريع فان المشرع دائما يستقي النص التشريعي من مصادر متعددة منها أعراف وتقاليد المجتمع وشرعة حقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية والنصوص التشريعية للدول التي يتأثر بها المشرع واحكام القضاء وآراء الفقهاء القانونيين ونصوص الشرائع السماوية والقانون الطبيعي والوضعي فلماذا الإشارة الى مصدر بعينه وجعله احد المصادر الأساسية . اما ملاحظاتنا العامة حول مشروع الدستور فهي :
في الباب الأول – المبادئ الأساسية – كان من الأفضل الإشارة الى قرار شعب كردستان باختيار الاتحاد الطوعي مع شريكه الشعب العربي لإقامة دولة اتحادية في هذه المرحلة بدل الإشارة الى نفس المضمون في نهاية الديباجة التي جاءت مسهبة نوعا ما في إيراد الأمثلة على المظالم التي تعرضت لها كردستان وفئات الشعب فيها ، كان ممكنا أن تقتصر الديباجة على ( من البداية ، نحن شعب كردستان العراق والى مرحلة ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية وتحذف البقية الى جملة وإدراكا منا لما عانت أجيالنا وتكمل حتى النهاية ) .
بشأن تحديد الحدود الجغرافية للإقليم والتي وردت في المادة الثانية ، لا تشمل هذه الحدود مدينة الموصل فيما تشمل مدينة تلعفر التي تقطنها أكثرية تركمانية وقضاء قرقوش التي تتألف من أكثرية مسيحية من القوميات السريانية والكلدانية والأشورية واعتقد انه يجب اخذ رغبة السكان في هذه المناطق بنظر الاعتبار مع أن الحقائق التاريخية تؤكد انها كانت جزءا من وطن كان يعرف باسم كردستان . اعتقد انه من المصلحة حذف المادة الثانية بفقراتها الثلاث والنص على ما جاء في الفقرة الثانية وبالشكل الأتي ( المادة الثانية –تعتمد المادة 140 من الدستور الاتحادي والحقائق التاريخية والجغرافية لرسم الحدود الإدارية لإقليم كردستان ) ، ليس هناك ما يوجب إدراج الفقرة الثالثة فمن البديهي أن أبناء المناطق المقتطعة سيتمتعون بنفس حقوق وواجبات شعب كردستان عند إعادة هذه المناطق الى الإقليم . وكان ممكنا النص على أن أبناء هذه المناطق يتمتعون الان بحقوق مواطني الاقليم وهو ما يجري فعليا من حيث توليهم الوظائف والوزارات ومقاعد البرلمان والعمل في الاقليم .
ورد في المادة الثالثة انه لا يجوز تشكيل اقليم آخر داخل اقليم كردستان ، لا أرى موجبا لهذه المادة لان أولا – لا توجد مثل هذه الرغبات . ثانيا أنها تحد من حرية المواطنين . ثالثا نفترض أن المواطنين في السليمانية أو دهوك أو سنجار مستقبلا رغبوا في تشكيل إقليم فهل تمارس حكومة كردستان القمع ضدهم ؟ لا اعتقد ذلك إنما سيجري تعديل الدستور .
ورد في المادة الرابعة الفقرة الثانية ما يلي ( في حالة تنازع قوانين كردستان مع أية قوانين أخرى تكون محاكم كردستان ملزمة بتطبيق دستور كردستان وقوانينها ما لم يتم إلغاء القانون أو تعديله من قبل البرلمان أو إبطاله من قبل المحكمة الدستورية )
ونتساءل هل أن المحاكم وحدها ملزمة بتطبيق التشريعات الكردستانية في حالة التنازع أم جميع سلطات الإقليم ؟ أما عبارة ( ما لم يتم وحتى أخر الفقرة ) فهي تحصيل حاصل لا يستوجب إدراجها .
تنص المادة الخامسة على أن لبرلمان كردستان انفاذ أي قانون اتحادي وذلك بقانون ، ومعروف أن عملية تشريع قانون تستوجب اجراءات ووقت ، فاذا كان القانون الاتحادي في مصلحة شعب كردستان وتبسيط للامور يمكن الاقتصار على اصدار قرار تشريعي ينص على نفاذ القانون ، وحتى يمكن العمل به بقرار من مجلس الوزراء أو رئيس الإقليم والى أن يعرض أمام البرلمان . اما إصدار أو إنفاذ قانون بقانون آخر فانه لا ينسجم مع النظام القانوني .
تتحدث المادتان السادسة والسابعة من المشروع عن القوميات التي تتكون منها شعب كردستان وسنتناول حقوق العرقيات غير الكردية والأقليات الدينية في كردستان في قسم خاص نظرا لأهمية هذه الحقوق ووجوب أن تكون سلطات كردستان أكثر سخاء في إقرارها سيما وان كردستان بلاد متعدد الأعراق والأديان ، والحقوق لا تتوزع وفق مبدأ الكثرة والقلة .في المادة الثامنة التي تتناول حق تقرير المصير يشير المشروع الى الاتحاد الحر بالعراق وكان من الأجدر وكما قلنا في البداية الإشارة الى الاتحاد الطوعي بين الكرد والعرب لبناء دولة العراق الجديدة بعد أن أصبحت الدولة السابقة في خبر كان منذ أن هوت على أسسها في نيسان عام 2003 . أرى أن لا يتم تقييد حق تقرير المصير بشروط فهو حق مقرّ في المواثيق الدولية وغير مرتبط بظرف أو شرط وهو لا يمارس كبطاقة ركوب القطار لمرة واحدة ، ما يقرره اليوم شعب كردستان بصدد مصيره قد يختلف عما يقرره غدا ، واتحاده الطوعي مع عرب العراق في دولة واحدة ليس زواجا كاثوليكيا ، إنما مصالح الشعب هي التي تحدد قراره بشأن تحديد مصيره في كل زمان . اعتقد كان من الضروري أن يشير مشروع الدستور الى حق شعب كردستان وبصورة مطلقة في تقرير مصيره باستفتاء عام متى ما تحققت مصلحته وتولدت عنده الرغبة في تكوين دولته المستقلة .
تقول المادة التاسعة بالنص ( يكون حقا أساسيا ودستوريا للإقليم :
اولا : استطلاع رأي الإقليم قبل عقد اية اتفاقية بين الحكومة الاتحادية واية دولة أو جهة أجنبية من شأنها المساس بظروف أو أوضاع أو حقوق إقليم كردستان القائمة حاليا أو مستقبلا ) . وقصد ( المشرع ) واضح ومفهوم لدى الجميع لكن على ما اعتقد لم يضمن حقوق شعب كردستان بصياغة هذه الفقرة على هذا النحو . أن الأمر في غاية الأهمية ليس لأننا ننظر الى الأمور بشك إنما لتجاربنا السابقة مع الحكومات العراقية أصبحنا نبحث عن الضمانات في كل ما يتعلق بمصيرنا مع هذه الدولة ومع شركائنا من الأشقاء العرب . أن عبارة ،يكون حقا أساسيا ودستوريا ، ( لا توكل الخبز ) كما يقول المثل ، كم من حقوق أساسية ودستورية انتهكت دون أن ينتبه لها المنتهكون . أن دستور الإقليم لا يلزم السلطات الاتحادية حتى تجبرها أحكامه على استطلاع رأي الإقليم، ومن ثم قد تستطلع لكنها تقرر خلاف رأي الإقليم فما هو الحل ؟ . الحل في نظري هو تعديل الفقرة على النحو الأتي ( الفقرة الأولى : تعتبر أية اتفاقية أو معاهدة بين الحكومة الاتحادية وأية جهة أجنبية من شأنها المساس بحقوق الإقليم أو أوضاعه أو واقعه الحالي أو المستقبلي غير نافذة الا بعد إقرارها من قبل البرلمان الكردستاني وبثلثي عدد أعضائه ) ، ( الفقرة الثانية إذا رفض البرلمان الكردستاني تصديق أو إقرار الاتفاقيات والمعاهدات التي وردت في الفقرة الأولى ولم يتم إلغاءها من قبل السلطات الاتحادية يكون شعب كردستان في حل عن التزامه بالدستور الاتحادي والتزاماته تجاه وحدة البلاد ) .
المادة (12 ) من المشروع ينص على ما يلي ( لاقليم كردستان علم خاص به يرفع الى جانب علم جمهورية العراق الاتحادية ...) ، وتعليقنا على الامر هو أن علم كردستان قد يرفع من غير العلم الاتحادي في احوال و مناسبات وليس شرطا أن يرفع معه العلم الاتحادي في كل الاحوال . يجوز أن يقتصر رفع العلمين معا في المناسبات والاماكن العامة ، فلا يجوز مثلا أن نلزم شركة خاصة برفع العلم الاتحادي حتى يمكنها رفع علم الإقليم ، بمناسبة الحديث عن العلم والرأي القائل بوجوب أن يشير علم الإقليم الى مكونات شعب كردستان ، يمكن النص في قانون العلم الى أن شعاعات الشمس في وسط العلم تشير كل واحدة منها الى مكون عرقي أو ديني من مكونات شعب كردستان ويمكن تعديل عدد الشعاعات وفق الحاجة .
تنص المادة ( 14 ) على أن اللغتان الكردية والعربية لغتان رسميتان في الإقليم، وان اللغة التركمانية والسريانية لغتان أخريان رسميان في الوحدات الإدارية التي يشكل الناطقون بها كثافة سكانية ، مع تقديري لجهود لجنة وضع الدستور وانفتاحها على حقوق كل فئات الشعب ، أقول ما هذا البخل أن صح التعبير ، هل يعقل أن نقلد الحكومات العراقية السابقة في الاعتراف بحقوق الشعب الكردي بالتقسيط ، فنسلك مسلكها في إقرار حقوق القوميات من غير الكرد ؟ لا اعرف ما الضير في أن يقر الدستور بان اللغات الكردية والتركمانية والسريانية والعربية والانكليزية لغات رسمية في الإقليم وهي في الواقع يجري التعامل معها كذلك . قد يخشى البعض من أن توجه بلدية عين كاوة أو إدارة الناحية فيها مثلا كتابا الى المحافظة باللغة السريانية ولا تجد المحافظة من يفهمها ، أقول أن هذه الاحتمالات بعيدة ويمكن إرفاق نسخة من الترجمة الكردية معها .

* محام وكاتب