[align=justify]الشيخ محمد إبراهيم الحمد
إن الدعوة إلى الله لمن أوجب الواجبات، وأهم المهمات، وأعظم القربات. وإن شهرَ رمضانَ لفرصةٌ سانحةٌ، ومناسبة كريمة، وأرضٌ لنشر الدعوةِ خصبةٌ، ذلكم أن القلوب في رمضان تخشع لذكر الله، وتستعد لقبول المواعظ الحسنة، وتقوى بها إرادة التوبة.
الدعوة إلى الله _عز وجل_ تشمل كلَّ ما يُقصد به رفعةُ الإسلام، ونشره بين الناس، ونفي ما علق به من شوائب، وردُّ كلِّ ما يغضُّ من شأنه، ويصرف الناس عنه.
والدعوة إلى الله تشمل كلَّ قولٍ،أو فعل،أو كتابة،أو حركة،أو سكنة،أو خُلق، أو نشاط، أو بذل للمال، أو الجاه،أو أي عمل يخدم الدين، ولا يخالف الحكمة.
ولا ريب أن العلم هو مرتكز الدعوة، وهو أساسها، ودليلها، وقائدها.
ولكن الدعوة تحتاج مع العلم إلى كثير من الجهود التي مضى شيء منها؛ فكلٌّ يعمل على شاكلته، وقد علم كل أناس مشربهم.
لقد جاءت نصوص الشرع آمرةً بالدعوة، منوهةً بشأنها، محذرةً من التخاذل في تبليغها، مبينةً فضائلَها، والأجورَ المترتبةَ عليها.
وهي في ذلك الصدد على وجوه شتى، وصيغ متعددة.
فجاءت بصيغة الأمر بالدعوة بصريح لفظها قال_تعالى_: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ) (النحل: 125) وقال: (إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ) (الرعد: 36
وجاءت بصيغة الأمر بالمعروف،والنهي عن المنكر قال تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ (
وجاءت بصيغة التبليغ قال الله _تعالى_: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) (المائدة: 67).وجاءت بصيغة النصح قال_عز وجل_: (إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ) (التوبة: 91).
وجاءت بصيغة التواصي قال الله_تعالى_: (وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) (العصر: 3).
وجاءت بصيغة الوعظ قال_سبحانه_: (قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ) (سبأ: 46).
وجاءت بصيغة التذكير، قال الله_عز وجل_: (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) (الذاريات: 55). وجاء بصيغة الإنذار،قال الله_تعالى_: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ) (الشعراء:214) .
وجاءت بصيغة التبشير قال _تبارك وتعالى_: ( وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (التوبة: من الآية112
وجاءت بصيغة الجهاد قال _عز وجل_: (فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً) (الفرقان52وجاءت بصيغة التحذير من التولي عن الدعوة، ونصرة الدين قال _عز وجل_: (فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ) (المائدة: من الآية54)
أما فضائل الدعوة وثمراتها التي تعود على الأفراد بخاصة، وعلى الأمة بعامة _ فلا تكاد تحصى، وأدلةُ الوحي مليئةٌ بذلك، متضافرةٌ عليه.
فالدعوة إلى الله طاعة لله، وإرضاءٌ له، وسلامةٌ من وعيده.
والدعوةُ إلى الله إعزازٌ لدين الله، واقتداءٌ بأنبيائه ورسله، وإغاظةٌ لأعدائه من شياطين الجن والإنس، وإنقاذٌ لضحايا الجهل والتقليد الأعمى.
والدعوةُ إلى الله سبب في زيادة العلم والإيمان، ونـزول الرحمة ، ودفع البلاء ورفعه.
وهي سبب لمضاعفة الأعمال في الحياة وبعد الممات، وسبب للاجتماع والألفة، والتمكين في الأرض.
والدعوةُ إلى الله أحسنُ القول، فلا شيء أحسن من الدعوة إلى الله (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (فصلت:33وهدايةُ رجلٍ واحدٍ خيرٌ من الدنيا وما عليها، والدعاةُ إلى الله هم أرحمُ الناس، وأزكاهم نفوساً، وأطهرهم قلوباً، وهم أصحابُ الميمنة، وهم ورثة الأنبياء.
هناك صفات يحسن بالداعي إلى الله أن يتَّصف بها _سواء كانت دعوته فردية أم عامة_ فمن ذلك: العلمُ، والعملُ بالعلم، والإخلاصُ، والصبرُ، والحلمُ، وحسنُ الخلقِ، والكرمُ،والإيثارُ، والتواضعُ، والحكمةُ، والرحمةُ، والحرصُ على جمع الكلمة على الحق.
ومن الصفات التي يجمل بالداعي أن يتَّصف بها : الصفحُ الجميلُ، ومقابلةُ الإساءةِ بالإحسان، والثقةُ بالله، واليقينُ بنصره، والرضا بالقليل من النتائج، والسعيُ للكثير من الخير.
ومنها تجنبُ الحسدِ، وتجنبٌ استعجالِ النتائج، وتجنبٌ التنافس على الدنيا والانهماك في ملذاتها ومشاغلها.
ومن آداب الداعي إلى الله أن يكون ملازماً للِّينِ والرفق، حريصاً على هداية الخلق، مستشعراً للمسؤولية ، قويَّ الصلة بالله، كثير الذكر والدعاء والإقبال على الله بسائر القربات.
ومن آدابه: الحرصُ على مسألة القدوة، وأن يغتنم كل فرصة للدعوة، وأن لا يحتقر أي جهد في سبيلها مهما قل.
ومن آدابه: أن ينـزلَ الناسَ منازلَهم، وأن يتحامى قدر المستطاع ما يسوؤهم، وأن يتحمل همَّهم، وان لا يحمِّلهم شيئاً من همومه. ومن آدابه: تحسُّسُ أدواء المدعوين، ومعرفة أحوالهم.
ومنها: البعدُ عن الجدال إلا في أضيق الحدود، وبالتي هي أحسن.
ومنها:تعاهدُ المدعوين، وتشجيعُهم، وربطُهم بالرفقة الصالحة، ومراعاة الحكمة في إنقاذهم من رفقة السوء.
ومنها: البدء بالأهم فالمهم، والبعد عن الانتصار للنفس. ومنها: تنويع وسائل الدعوة، فتارة بالموعظة، وتارة بالهداية، وتارة بالتوجيه غير المباشر وهكذا...
ومنها: إظهار الاهتمام بالمدعو، ومعرفةُ اسمه، وإشعارهُ بأهميته، وإشغاله بما ينفعه.
أيها الصائمون الكرام: هذه هي الدعوة إلى الله،وتلك فضائلها،وآداب أهلها؛ فحريّ بنا أن نكون دعاة إلى الله؛ كُلٌ بحسبه، فهذا بعلمه، وهذا بماله، وهذا بجاهه، وهذا بجهده؛ لنحقِّقَ الخير ولنسلمَ من الوعيد.
فيا طالب العلم هذا شهرُ رمضانَ فرصةٌ عظيمة للدعوة إلى الله، فهاهي القلوب ترق، وها هي النفوس تهفو إلى الخير، وتجيب داعي الله؛ فهلا استشعرت مسؤوليتك، وهلا استفرغت في سبيل الدعوة طاقتك وجهدك، وهلا أبلغت وأعذرت، ورفعت عن نفسك التبعة.!!
ويا من آتاه الله بسطةً في المال: ألا تؤثر الدعوة إلى الله بجانب من مالك، فتساهم في كفالة الفقراء ، في كفالة الدعاة، وإعدادهم، وتشارك في طباعة الكتب النافعة،ونحو ذلك مما يدور في فلك الدعوة، ألا تريد أن تدخل في زمرة الدعاة إلى الله.
ويا من آتاه الله جاهاً: ألا بذلته في سبيل الله، ألا سعيت في تيسير أمور الدعوة إلى الله؟. ويا أيها الإعلامي المسلم أيَّا كان موقِعُك ألا يكون لك نصيب في نشر الخير، والدعوة إلى الله بالكلمة الطيبة، والطرح البناء، أما علمت أنك ترسل الكلمةَ أو تعين على إرسالها، فتسير بها الركبانُ، وتبلغ ما بلغ الليل والنهار؟ أما علمت أن لك غُنْمَها، وعليك غُرْمَها؟
ويا من حباه الله دراية ومعرفة بشبكة الاتصالات وما يسمى بالإنترنت، ألا جعلت من ذلك وسيلة لنشر الدعوة إلى الله؟ أليس من اليسير في حقك أن تبث الخير على أوسع نطاق، وبأقل مؤونة، ألست تخاطب العالم، وأنت منزوٍ في قعر بيتك؟.
ويا أيتها المرأة المسلمة ألا تسعين جاهدة في نشر الخير في صفوف النساء بما تستطيعين؟.
ويا أيها المسلمون عموماً: ألا نتعاون جميعاً في سبيل الدعوة إلى الله، ألا نجعل من شهرنا هذا ميداناً لاستباق الخيرات، ألا نتعاون في نصح الغافلين، وتذكير الناسين، وتعليم الجاهلين؟!
(وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (فصلت:33[/align]