[align=center]موقف حزب البعث العراقي من الدين والشيعة في العراق
قراءة في النصوص والموقف العملي

محمد هادي الأسدي
[/align]




مدخل:

سوف نبقى نتمنطق صف الرصاص، ونحن نمارس الديمقراطية بأوسع أبوابها(1).

هذه صورة يرسمها صدام للديمقراطية كما يفهمها هو من خلال التمنطق بصف الرصاص. وهناك صورة ثانية لديمقراطيته التي تقول:

(يعاقب بالاعدام كل من ينتمي الى حزب البعث العربي الاشتراكي، إذا أخفى عن عمد إنتماءاته وارتباطاته الحزبية والسياسية السابقة)(2).

وصف الرصاص هنا يعبّر عن رمزية صارخة للقتل والالغاء واستعباد الإنسان الذي ليس بامكانه في مفهوم حزب البعث العراقي إلاّ أن يكون ساحة مكشوفة تماماً بدون أسرار ولا حرمة ولا خصوصية، سوى خصوصية الاتباع المطلق لسيد الحزب صاحب الرصاص الذي يمارس ديمقراطيته عبر القتل والاعدام.

وإذا كانت حالة الاصطفاف السياسي والانتماء الحزبي تفرض في كل قوانين الحركات

[align=center]___________________________

(1) صباح سلمان: صدام حسين الرجل والقائد ص 108.

(2) المنهاج الثقافي المركزي لحزب البعث العربي الاشتراكي، الكتاب الاول ص 9 12.
[/align]

[216]



السياسية نوعاً من التغاضي والاحتواء تجاه الفرد المنتمي فان القاعدة التي يكشفها النص المتقدم هي ان سلطة الحزب في العراق ليست هي السلطة التي يفرضها الفكر والثقافة والاقناع المجرد، بل هي تحولت بإرادة صاحب صف الرصاص الى سلطة المنظومة المخابراتية التي تعمل بعقلية البحث عن الاسرار وإمساك المعلومات الضرورية لتجريد الإنسان من حياته عند الحاجة.

هذا المدخل نعتبره ضرورياً ونحن نريد التحدث عن موقف حزب البعث العراقي من الدين بصفة عامة ومن الشيعة بوجه خاص.

الموقف النظري لحزب البعث العراقي من الدين:

حفلت كتابات (ميشيل عفلق) في أواسط الاربعينيات والخمسينيات بالاشارة إلى الدين في حياة العرب.

لكنه وغيره من منظري حزبه كانوا ينظرون الى الدين الإسلامي من زاوية خاصة غير الزاوية الطبيعية التي تفسر انتماء الدين الى الوحي الإلهي بكل ما تحمله كلمة الوحي من انتماء مطلق الى الله تعالى الحق المتعال.

فهم يفسرونه على أساس انتمائه القومي المرتبط بالمكان اكثر من ارتباطه بالسماء، والمعبّر عن مكونات وأخلاق القوم أكثر من تعبيره عن اخلاق ورسالة السماء.

وهكذا أراد (ميشيل عفلق) ورفاقه تفسير الإسلام على انه حركة تصحيح انبعثت في منطلقاتها من الارض، وهكذا وبهذا المفهوم أصبح الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) عنده معبراً عن الشخصية العربية المجردة فقال (كان محمد كل العرب فليكن كل العرب اليوم محمّداً)(1).

هكذا وبتجريد مطلق سوى من لازمة الانتماء القومي يتم تقديم الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)إلى الأمة، فلا سماء، ولا وحي ولا دين ولا أي شيء آخر سوى العروبة والعروبة وحدها.

وحينما يتعامل اصحاب فكر الحزب بهذه الطريقة مع الرسول الاكرم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)فإنهم حين يتعرضون الى الدين، يتحدثون بهذه الطريقة:

[align=center]___________________________

(1) نفس المصدر، الكتاب الثاني، ص 10.[/align]

[217]

(والعرب اليوم لا يريدون ان تكون قوميتهم دينية، لأن الدين له مجال آخر، وليس هو الرابط للامة، بل هو على العكس قد يفرق بين القوم الواحد، وقد يورث حتى ولو لم يكن هناك فروق اساسية بين الاديان نظرة متعصبة وغير واقعية)(1).

انّ النص هنا لا يشتم الدين بصورة علنية فحسب لكنه يرسمه بصورة كاريكاتورية وكأنه يمارس هواية التشفّي وينفس عن الحقد الذي يحمله ضد الدين.

فالدين في هذا النص مرفوض عربياً وهو اتهام يوجهه كاتبه إلى العرب، وإذا كانت دلالة الفقرة (قوميتهم دينية) تدعو الى التوقف، حيث يبرز السؤال هل يمكن ان تكون القومية دينية، ومتى كان الدين انتماءً عرقياً حتى تكون قومية العرب دينية؟

وإذا كانت تجارب التاريخ، واعني تاريخ الاديان السماوية قد قدمت نماذج دينية انطلقت من القوم، فإن الانفتاح البشري على تلك الأديان أدى إلى تخفيف اللون القومي الذي انطلقت منه الاديان، فإنا في تاريخ الإسلام نجد الشيء نفسه، فقد انطلق الإسلام بكثافة عربية معروفة، لكنه عبر عقود قليلة انتقل الى الصفة العالمية ولم يعد ديناً يحمله العرب فقط، بل حملته أقوام أخرى دخلت فيه رغبة ورهبة.

اننا لا نستطيع أن ننكر دور الأقوام الأخرى في الخدمات التي أسدوها للإسلام سواء على مستوى اغناء الفكر والعلوم الإسلامية أو على مستوى توسيع رقعة انتشاره في جغرافية العالم فيما سمّي بالفتوحات الإسلامية.

انّ تلك الفقرة من النص غير معنية كما نعتقد بهذا الاشكال الفني اللغوي الذي يثيره المعنى الشائك، بل هي معنية فيما نحسب بوجهة أخرى وهي تجريد العرب من انتمائهم الديني وهويتهم الإسلامية، وحين يجرد النص العرب من دينهم ومن اسلامهم، ومن هويتهم الغالية، فانه لا يريد أن يجرّدهم من عناصر الفخر والاعتزار والتاريخ المجيد والحضارة السامية، وإلاّ لجرد العرب من كل شيء سوى انتمائهم العرقي، بل انه يحاول استعارة تاريخ الإسلام ابتداءً من الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ووحي السماء وانتهاءً بالحضارة الإسلامية التي ساهمت في بنائها كل الشعوب الحيّة التي دخلت الإسلام.

هكذا وبكلمة واحدة تحول عندهم رسول الله (محمد) المبعوث من السماء، الى الرسول

[align=center]___________________________

(1) المنهاج الثقافي المركزي: الكتاب الاول، القومية العربية والنظرية القومية ص 22.[/align]

[218]

العربي الذي كان يمثل كل العرب، وليس رسالة الوحي الإلهي.

وفقرة أخرى يثير من خلالها النص قضية أخرى أكثر غرابة وتشويهاً وهي قوله (لأن الدين له مجال آخر) فأي مجال آخر يتحدث عنه النص.

نحن نعلم انّ العرب هم أغلبية مسلمة، والإسلام يتحكم في الكثير من الاحيان في عاداتهم وتقاليدهم وسلوكهم الاجتماعي والفردي ايضاً سواء كانوا يمارسون ذلك بوعي وارادة جدية أم كانوا يمارسون ذلك على سبيل العادة.

انّ علاقات الزواج بين المسلمين العرب تحددها القوانين الإسلامية، وكذلك قضايا الميراث أو قضايا الجهاد والقتال ضد الغزاة والكفار وغير ذلك من القضايا ذات البعد الاجتماعي والفردي في حياة المسلم.

فأي مجال تتحدث عنه الفقرة، انه يحاول ان يطرد الإسلام وبجملة واحدة في عرض نص خطير لا يراد منه إلاّ التعامل مع الإسلام كممارسة فردية بحتة وخاصة جداً لا يحق لها التمدد خارج اطار الفرد في كل الأحوال.

ويعقب النص بفقرة اخرى ليقول (وليس هو الرابط للأمة) وهكذا يتصاعد النص في التشويه ورسم الصورة غير الحقيقية للدين.

فما هو الرابط للأمة اذا لم يكن الإسلام حين نتحدث عن الامة العربية؟

وإذا كان الحزب يبرر قوله ذلك بوجود أقوام وأقليات دينية لا تدين بدين الإسلام تعيش مع العرب في أرضهم، فكيف يمكن للعروبة أن تكون رابطاً للأمة وفيها من يتقاطع معها عرقياً ممن يعيش معهم في أرضهم؟

ويواصل النص عملية التشويه فيقول (بل هو على العكس قد يخلق القوم الواحد وقد يفرق حتى ولو لم تكن هناك فروق أساسية بين الأديان نظرة متعصبة وغير واقعية).

وهكذا يصل كاتب النص الى الذروة فيقول بان الدين يفرق القوم الواحد، وهو خلاف التجربة التاريخية التي أثبتت انّ العرب توحّدوا بالإسلام، وانّ قيمتهم الحضارية انما كانت بما قدمه لهم انتمائهم للإسلام، وهو مخالف ايضاً لقوله تعالى (وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها)(1).

[align=center]___________________________

(1) سورة آل عمران الآية 103.[/align]

[219]

وقوله تعالى (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله...)(1).

انّ تجريد العرب من دينهم... أي هويتهم العقائدية... يعني عملياً انّ عليهم أن يبحثوا عن منظومة جديدة من العلاقات الاجتماعية والسياسية تتلاءم مع طبيعة انتمائهم المطلق إلى عروبتهم قبل كل انتماء وفوق كل انتماء، بل هو الانتماء الوحيد كما يريده منظرو حزب البعث العراقي.

فمن أين سيجدون تلك المنظومة من العلاقات الاجتماعية والسلوكية الفردية والقيم والمبادئ والقوانين؟

من أين سيجدون كل ذلك من خلال انتمائهم العرقي فقط؟.

وهل هذا ممكن؟ نعم انه ممكن في منظور الحزب، فهو يحمل معه مشروع العلمنة، ففي هذا المشروع لا يهم أن يستعير الحزب المفاهيم والقيم الاجتماعية الطارئة من مختلف التيارات والقوميات الأخرى، فكل ذلك مسموح به بل مطلوب فى فكر الحزب وثقافته والشيء غير المسموح به اطلاقاً أن ينتمي العربي إلى هويته الإسلامية لأن هذه الهوية كما يقدمها الحزب هي السبب في تمزيق وحدة الأمة وإيجاد النظرة المتعصبة وغير الواقعية.

وإذا كان هذا رأي الرعيل الأول من بناة الحزب ومفكريه وأصحاب نظريته الأولى، فإن صاحب ديمقراطية البندقية والاعدام يعبّر عن هذا التوجه السافر لنفي الدين وابعاده عن حياة الناس بالقول:

(انّ المطلوب منا هو أن نكون ضد تسييس الدين من قبل الدولة والمجتمع، وضد اقحام الثورة في المسألة الدينية، وأن نعود إلى أصل عقيدتنا وأن نعتز بالدين بلا سياسات للدين)(2).

وهكذا يحدد صدام وظيفته بأنها الوقوف ضد تسييس الدين من قبل الدولة والمجتمع.

وإذا كان لنا أن نناقش النص على ضوء الواقع العملي فان لذلك مكانه الخاص في

[align=center]___________________________

(1) سورة آل عمران الآية 110.

(2) صدام حسين: نظرة في الدين والتراث ص 14 15.
[/align]

[220]

هذه القراءة، ولكننا من الناحية النظرية نحاول أن نكتشف المغزى الخاص الذي يختفي وراء هذا النص.

انّه يقول انه ضد تسييس الدين، مما يعني انه ينظر الى الدين كونه مجرد كائن محايد مطلق في الحياد، لا يملك موقفاً ولا رأياً وانما هو مجرد مشاعر أو خيال جامد أو أي شيء جامد آخر لا يستطيع أن يقول للظالم لا... ولا تثور مشاعر أصحابه على ما يبعث على الاثارة والتحرك.

وفكرة فصل الدين عن السياسة ليست فكرة يطرحها صدام لوحده، انّها فكرة قديمة تزامنت مع دخول الاستعمار إلى العراق وبشر بها الذين تربعوا على السلطة حين كان الدين يهدد وجودهم.

لكن الذي يطرحه صدام هذه المرة ليس إبعاد السلطة السياسية عن مؤثرات الدين، بل هو يرفض وضد تسييس الدين عند المجتمع أيضاً، وإذا ابتعدنا قليلا عن البحث النظري المجرد، فإننا نكتشف انّ وراء ذلك يختفي هدف سياسي محدد... وهو محاربة التيار الإسلامي الشيعي بوجه خاص والذي كان في وقت انطلاق النص يعيش مواجهة حاسمة وحادة ضد النظام... ومادام الأمر كذلك أي مادام صدام ضد تسييس الدين من قبل المجتمع فانه سيمارس الديمقراطية بأوسع أبوابها ضد أولئك الذين يسيسون الدين حيث يقول: (وسوف نمارس الديمقراطية بأوسع ابوابها حتى عندما نستخدم البندقية ضد اعداء الثورة)(1).

واعداء الثورة في مفهوم صدام كما أكدت التجارب ليسوا اولئك الذين يحملون السلاح ويطلقون الرصاص ضد النظام فحسب بل هم حتى اولئك الذين يختلفون معه في العقيدة والانتماء السياسي بل هم ايضاً اولئك الذين يخفون انتماءاتهم السابقة، فأصدر ضدهم حكم الاعدام.

ولا يتوقف عند هذا الحد من الوقوف ضد تسييس الدين وفي المعنى المتداول والمتعارف يعني ضد كل دعوة لاقامة الحق والعدل ورعاية القوانين والمقررات التي جاءت بها الرسالة الإسلامية.

[align=center]___________________________

(1) صباح سلمان: صدام حسين الرجل والقائد ص 108.[/align]

[221]

بل انه يتطرف الى أبعد من ذلك حين يقول (عندما نتحدث عن الدين والتراث (بإعتزاز) يجب ان نفهم ان فلسفتنا ليست التراث ولا الدين بحد ذاتيهما)(1).

حيث يعود هنا لينتزع من الدين وهو هنا الدين الإسلامي بحكم كونه دين الاغلبية المحكومة بديمقراطية الرصاص والبندقية كل قيمه وتاريخه المشرق وحضارته العظيمة ليمنحها كما فعل ميشيل عفلق قبله لانتمائه ليس العروبي فحسب بـل لعقيدته التي يصفهـا بانها اكثر شمولا وتطوراً كما يعبّر عن ذلك فى النص التالي (ولكن عقيدتنا هي نظرة شمولية متطورة للحياة، وحل شمولي لاختناقاتها وعقدها لدفعها إلى أمام على طريق التطور الثوري)(2).

فعقيدته كما يراها هو اوسع وأشمل وأكثر تطوراً وقدرة على حل اختناقات الحياة وعقدها من الدين الإسلامي.

وهكذا يمارس المنظر البعثي من الناحية النظرية عملية نفي شاملة للدين عن حياة الناس فلا هو رابط للناس ولا هو يملك حق التدخل في السياسة ولا هو جامع للناس ووحدتهم بل مفرّق لهم وأخيراً فهو لا يملك الحل الشمولي للحياة، وانما الذي يملك ذلك هو العقيدة التي يؤمن بها هو.

ولا تكفي كل الطعنات المتقدمة الموجهة نحو الدين بل يصف المنظّر البعثي الدين بالسراب والوهم، كما يؤكده في مقولة التوسع الوهمي... حيث يقول (فنفسية التجزئة هي التي تفسر الى حد بعيد، ليس فوضى الاتجاهات المتنافرة فحسب، بل ايضاً سلبية هذه الاتجاهات وعجزها عن كل بناء، هي نفسية الفرار والعجز، فرار الى التوسع الوهمي كالاممية والشيوعية والدينية)(3).

ومناقشة النص والتوقف عنده تفرز التساؤلات والاثارات التالية:

1 كيف أصبح الاطار القومي في الظرف المكاني المتقاطع الاعراق حلا واقعياً لفوضى التجزئة ومنقذاً وعلاجاً حقيقياً لمرض نفسية التجزئة، في حين أصبح الاطار

[align=center]___________________________

(1) صدام حسين: نظرة في الدين والتراث ص 5.

(2) صدام حسين: نفس المصدر ص 5.

(3) المنهاج الثقافي المركزي لحزب البعث العربي الاشتراكي، الكتاب الاول ص 135.
[/align]

[222]

الديني وهو هنا الإسلامي متوسعاً وهمياً في الظرف المكاني؟ وما هو المعيار الذي ينطلق منه المنظر البعثي في بناء نظرياته؟

وهل هو موضوعي بالمعنى الحيادي في تقديم النظرية ام انه يبني نظريته على قاعدة واضحة من العداء ومحاولة الانفلات من أي قيد سوى الانتماء العرقي العربي؟ وكيف بالتالي اصبحت الشيوعية مثل الدين في موضوع الاممية وتوسعها الوهمي؟

هذه الاسئلة لا تجد جواباً منطقياً أبداً، بل سيكون الجواب على طول الخط هو الجواب المستند على اساس ان الانتماء العروبي القومي هو الكفيل بحل كل مشكلات الامة وتقاطعاتها.

ونحن هنا لا نريد الخوض في دراسة التجربة العملية لمساعي الوحدة على الاساس القومي فذلك امر يطول، ولكن لا يضرنا القول كخلاصة لهذه التجربة: ان التركيز على البعد القومي في علاقات العرب بغيرهم وفي علاقاتهم مع بعضهم، هو الذي اوجد القطيعة بينهم وبين جيرانهم وبينهم وبين انفسهم حتى انحرفت فكرة الدولة القومية الى واقع الدولة القطرية، واصبح صاحب صف الرصاص وديمقراطية البندقية والقتل يستعير ادوات الخطاب الاعلامي والسياسي ضد الدولة المتباينة معه عرقياً ليستعملها في نفس الغرض العدواني ضد الدولة المتحدة معه عرقياً.

ان قراءة الخطاب السياسي والاعلامي الذي استخدمه نظام صدام ضد الدولة الإسلامية في ايران وضد الكويت يكشف حتماً عن تباينات في بعض الموارد الخاصة لكنه يكشف عن مشتركات وارادة واحدة في العدوان ومحاولة ابتلاع الآخر أو تدميره.

ان المنظر البعثي في النص السابق ليس فقط لا يتورع عن القاء تبعة التخلف والتجزئة على الدين، بل انه يصعد حملته الالحادية ضد الدين الى حد الشتيمة اللاذعة حين يقرنه بالشيوعية وحين يصفه ويصف اطروحته ورسالته الخالدة بانها مجرد وهم.

ومع كـل ذلك نــراه يستـخدم ادوات النفـاق في مقطع من مقاطع الزمـن ليقول (والبعث العربي الذي هو حركة روحية ايجابية لا يمكن ان يفترق عن الدين او يصطـدم معه، ولكنه يفتـرق عن الجمود والنفعية والنفاق...)(1).

[align=center]___________________________

(1) نفس المصدر: العرب بين ماضيهم ومستقبلهم ص 169.[/align]

[223]

ولا ندري كيف اصبح الدين قريناً للجمود والنفعية والنفاق حتى اصبح هذا المنظّر معنياً بدفع الاتهام الموجّه له بأنه ضد الدين ليقول بأنه ليس ضد الدين وانما هو ضد الجمود والنفعية والنفاق... وهو في النص من أوله الى آخره يبدو منافقاً متمرساً في النفاق.

الموقف النظري لحزب البعث العراقي من الشيعة
كملاحظة على الموقف النظري لحزب البعث العراقي من الشيعة في العراق، نقول ان ثقافة الحزب لم تتعرض الى المسألة الطائفية في العراق أو غيره من البلاد العربية قبل استلام الحزب للسلطة في العراق في المرة الثانية عام 1968.

بل انه عندما استلم السلطة في المرة الاولى عام 1963 صدرت في خطابه الثقافي اشارات معادية للشيعة في العراق، ولكن هذه الاشارات المعادية بدات تتضح بصورة جلية بعد بداية السبعينات بعد ان اصبح صدام يمارس ديمقراطيته المعهودة حتى داخل الجهاز الحزبي القيادي وليس القواعد فحسب.

واذا كان موقف حزب البعث العراقي من الدين انتقل من المرحلة الفكرية المجردة بالدرجة الاولى الى المرحلة السياسية بعد استلام السلطة، فإنه في موقفه تجاه الشيعة اخذ مباشرة مظهر الموقف السياسي الذي ترتبت عليه الآثار العملية والنتائج الملموسة لا سيما وان هذا الموقف تم اتخاذه على ضوء حقيقة امساكه بالسلطة ومحاولته للاحتفاظ بها على طريقة الديمقراطية التي يفهمها صدام صاحب صف الرصاص والبندقية.

ومن هنا ايضاً يتحمل صدام بالدرجة الاولى وزر كل المجازر والمذابح التي نفّذت في العراق ضد الشيعة، وهذا لا يلغي مسؤولية الآخرين المشاركين له في السلطة والجريمة.

وعلى هذا الاساس فإني افترض تجاوزاً ان ما سأتعرض له من مواقف لحزب البعث العراقي ضد الشيعة هي مواقف نظرية لان ما كتبه صدام عن الشيعة وما كتبه الآخرون من حزبه وجد صداه في الموقف العملي اليومي.

وعلى هذا الاساس يجب ان يفهم وصفنا للموقف (بالنظري) انطلاقاً من كونه يمثل مرحلة الكتابة وان كانت تمثل تبريرات للموقف القمعي، اما الموقف العملي فسوف نتعرض له في المحور الثالث من هذه القراءة.

[224]

واراني قبل الدخول في قراءة النصوص راغباً في ايراد النص التالي ليقودنا بالتالي الى قياس الفارق بين ما يقرره الحزب نظرياً حينما يكون الامر مجرداً... اي خالياً من الروح وبين ما يفعله او فعله تجاه الشيعة سواء عبر الكتابة او الموقف العملي، يقول النص «حين يختار مواطن ما بمحض ارادته الانضمام الى صفوف حركة او حزب ثوريين بدافع الايمان بمبادئهما وسلوكهما يقتضي ذلك منه في جملة ما يقتضي الاسهام في تطوير ذلك الحزب والعمل على تطوير مسيرتهما الفكرية والنضالية بما يملك من قدرات ومواهب واستعدادات»(1).

ويبدو النص لاول وهلة محايداً مقرراً لحقيقة وحق يمتلكه الإنسان حين ينتمي بمحض ارادته لحركة أو «حزب ثوريين»، لكن التوقف عند قيد الثورية يكشف ابعاداً خطيرة يريد تحقيقها الحزب وهي ان (الثورة) التي يتحدث عنها النص ليست خياراً متروكاً للمنتمي، بل هي صفة لا يمنحها حزب البعث العراقي لسواه من بين كل التنظيمات والاحزاب والحركات السياسية في العراق.

وعلى هذا الاساس فحينما يسقط الحزب صفة الثورية عن كل الاحزاب السياسية الاخرى فانه سيمارس معها الديمقراطية بأوسع أبوابها كما يقول صدام وهي ديمقراطية الاعدام.

هذا النص قد يفاجئ القارئ عندما يعلم بأنه مقدمة لقانون إعدام من ينتمي لحزب البعث العراقي ويخفي انتماءاته السياسية السابقة أو انتمى لجهة سياسية أخرى أثناء انتمائه لحزب البعث... وهو قانون صدر عام 1974(2).

مفهوم الطائفية عند حزب البعث العراقي

قلنا ان الموقف النظري لحزب البعث تحول بعد استلام الحزب للسلطة الى موقف سياسي له آثاره العملية على صعيد الواقع في العراق من الدين يمثل موقفاً فكرياً نظرياً بالدرجة الاولى، اما بالنسبة لموقفه تجاه التيار الإسلامي الشيعي وجوداته ومظاهره فهو

[align=center]___________________________

(1) المنهاج الثقافي المركزي (مصدر سابق) ص 9.

(2) نفس المصدر ص 12.
[/align]

[225]

موقف سياسي بالدرجة الاولى.

ولذلك فإن ادبيات الحزب وخطابه الثقافي والسياسي عندما تتحدث عن هذا التيار لا تشير الى اسمه الصريح، بل تستخدم عبارات التحريض والاتهام من قبيل وصفه بالطائفية، ومفهوم الطائفية عند حزب البعث العراقي هي كل نشاط إسلامي شيعي سياسياً كان أو عقائدياً معارضاً للسلطة ومناوئاً لها.

فالمتدين الشيعي متهم بالطائفية بسبب التزامه بأداء شعائر دينه ويعمم الحزب هذا الاتهام حتى عند يمارس الشيعي صلاته في المسجد او الحسينية.

ان رفض الشيعي مثلا للظلم الذي تستخدمه السلطة حين تمنعه من ممارسة شعائره الإسلامية تعتبره السلطة عملا طائفياً.

وطيلة السنوات الثلاثين الماضية من سلطة حزب البعث العراقي لم توصف حركة دينية سياسية في العراق في ادبيات هذا الحرب بانها طائفية سوى الحركات الدينية الشيعية(1).

فالامثلة المتكررة التي تذكرها ادبيات الحرب او بيانات السلطة تشير الى المرجعية الدينية التي يرادفها دائماً وصف المرجعية الدينية بالطائفية او حزب الدعوة الإسلامية وغيرها من الحركات الإسلامية ذات الطابع الشيعي. ومن هنا بات واضحاً ان السلطة بوصفها كياناً سياسياً حاكماً حينما تستخدم وصف الطائفية في اتهام التحرك السياسي الشيعي فانها تهدف من ذلك ترسيخ وعي الآخر المذهبي من (الخطر الداهم) الذي يمثله التيار الإسلامي الشيعي في الوقت الذي لم يتحرك فيه هذا التيار بدوافع مذهبية بحتة بقدر تفاعله وتفانيه في القضية الإسلامية العامة.

ان التيار الإسلامي الشيعي العراقي يتحرك سياسياً من اجل تحكيم الدين وسلطته في المجتمع، فيما تتحرك سلطة حزب البعث العراقي باسم الطائفية لتحقيق اهداف سياسية طائفية معادية للدين.

[align=center]___________________________

(1) انظر مثلا ثامر كامل محمد: دراسة فى الامن الخارجي العراقي، وفاضل البراك: المدارس اليهودية والايرانية في العراق، وفاضل البراك: تحالفات الاضداد، فهذه الكتب حينما تتعرض الى ذكر الحركة الطائفية والحزب الطائفي لا تذكر سوى اسم حزب الدعوة الإسلامية.[/align]

[226]

ومن اجل ان نستوعب الاتجاه العام للصورة التي يرسمها حزب البعث العراقي للشيعة بصورة عامة ولطليعتهم المتحركة من المرجعية الدينية والاتجاه الحركي الإسلامي الشيعي سوف نشير اختصاراً الى مجموعة الاتهامات التي يوجهها اليهم:

تهمة الانحراف والعمالة للاجنبي

لعل تهمة العمالة للاجنبي هي الاكثر تداولا في خطاب السلطة في وصف المرجعية الدينية والحركة الإسلامية الشيعية وكنماذج على ذلك يقول صدام: (ان هذه الاوساط «الرجعية المنحرفة» التي «يحركها الاجنبي» على الاغلب تدرك بانها غير قادرة على كسب الناس من خلال طرحها لحزب سياسي مضاد لحزب البعث العربي الاشتراكي، لذلك فانها تتوجه الى جر بعض الاوساط من الناس من خلال دعوتهم الى ممارسة الطقوس الدينية وفق صيغ خاصة عاملة على تحويل هذا المنهج الى ولاءات سياسية مضادة ومناهضة للثورة)(1).

ولا نعدم ان نجد من بين خطابات السلطة وبياناتها وتثقيفها الحزبي ما ينسج على منوال النص المتقدم في اتهام الشيعة بالعمالة للاجنبي.

ان نظرة واعية للنص المتقدم الذي قاله صدام ونشره بعد احداث انتفاضة صفر عام 1397 هـ واحداثها لذلك الشرخ الهائل بين قواعد الحزب وقيادته بل وحتى على مستوى القيادة نفسها، تفسر لنا الدوافع التي دفعت به ليقول ذلك.

لكن المهم الآن، هو البحث في المضمون الذي اراد صدام توظيفه ليؤدي ليس مهمة ايديولوجية بل سياسية بحتة فهذا المضمون يشير الى عدة قضايا اولها انها رجعية منحرفة، ان تهمة الرجعية اصبحت في خطابات السلطة في العراق منذ انقلاب تموز عام 1958 وحتى يومنا الحاضر توجه عادة الى الاتجاه الديني والمرجعية الدينية بشكل خاص.. وصدام في اتهامه للمرجعية الدينية الشيعية بالرجعية لم يأت بشيء جديد فقد سار على منهج الخطاب السلطوي السائد، لكن الجديد هو وصفه لهذا التيار (بالانحراف) وهو وصف ليس له مفهوم محدد.. فالمعيار هنا غائب وهو لا يحدده، فالمهم عنده ان

[align=center]___________________________

(1) صدام حسين: نظرة في الدين والتراث ص 20.[/align]

[227]

يوجه التهمة ويتركها تتحرك في الواقع العملي ولتشكل بالتالي خطاب السلطة في المرحلة اللاحقة.

ويتهم هذه الاوساط وهي هنا الاوساط الإسلامية الشيعية بانها تتحرك بارادة الاجنبي فيقول (التي يحركها الاجنبي على الاغلب).

والاتهام بالعمالة للاجنبي في خطاب السلطة يمثل مفردة يشكل استعمالها جزءاً من استراتيجية نفي الآخر وقطع علاقته بالوطن والقوم والامة، ويتهم الشيعة في الخطابات الطائفية السياسية في العراق عادة بالعمالة لايران، فطيلة عصور عهد الاحتلال البريطاني للعراق وعهد الاستقلال الصوري والعهد الجمهوري، كانت تهمة تبعية الشيعي العراقي لايران تنطلق بسبب هذه الوشائج المذهبية الموجودة بين الشيعة فكانت التهمة الاكثر رواجاً في خطابات السلطة لتحقيق هدف تغريب الشيعي العراقي داخل وطنه.

ان العودة الى اصل انطلاق هذه التهمة في العصر الحديث تكشف لنا الدور البريطاني بصورة جلية، فقد كانت المس بيل تصف الشيعة (بالاغراب) وغير ذلك من الصفات التي تلقي في ذهن المتلقي ان الشيعي العراقي لا ينتمي الى وطنه بل ينتمي الى وطن آخر.

ولهذا فان ادبيات الحزب حينما تحاول ان تضع الحلول لما نسميه بالطائفية تقول: «لذلك فان مواجهة الطائفية كحالة او كسلاح ضد الثورة يجب ان تنطلق من دراية فنية ميدانية للحياة ومن عقل متفتح وروح مبدئية، ويكون ذلك بزيادة الوعي الجماهيري وبتعميق الانتماء الوطني والقومي»(1).

وواضح هو المغزى من الاشارة الى ضرورة تعميق الانتماء الوطني والقومي.

ومن هذا المنطلق يمكننا ان نقول ان نظام حزب البعث العراقي وبسبب طائفيته هو النظام الوحيد في هذا العالم الذي ينفي الاغلبية القومية للوطن فالشيعة في العراق هم الاغلبية بدون شك لكن انتماءهم المذهبي شكل على طول تاريخ الدولة التي اسسها البريطانيون نقطة الافتراق او الحرب والقتل والنفي.

ان طائفية النظام السياسي في العراق لا تتجلى فقط في الحاق الظلم بالشيعة وابعادهم عن المواقع الحساسة بل تتجلى ايضاً في الغاء انتمائهم القومي بسبب هذا الانتماء المذهبي.

[align=center]___________________________

(1) ثامر كامل محمد: مصدر سابق ص 23.[/align]

[228]

وفي معـرض وضـعه الحلـول لمواجهة ما يسميه المنظر البعثي بـ (الانحراف الطائفي) يقول: (فضح الارتباط الخارجي للنشاطات الطائفية، وذلك بتعريف الشعب بوسائلها التخريبية والتجسسية لصالح القوى المعادية)(1).

ومع كل هذا التركيز المقصود على ارتباط النشاط الشيعي السياسي بالخارج، فان النظام فشل لحد الآن ان يقدم الدليل على مثل هذا الارتباط.

كما ان الشيعة بقيادتهم الدينية ونعني بها المرجعية هي القيادة الوحيدة التي تعرضت للنفي والقتل والتشريد بسبب رفضها تبعية السلطة للغرب او الشرق.

ان حادثة مثل نفي العلماء والمراجع في الربع الاول من هذا القرن الى خارج العراق بسبب رفضهم للانتداب البريطاني تقدم مداليل كثيرة ومهمة اولها ان هذه المرجعية هي صاحبة مشروع الانتماء الوطني الاصيل وليس التيارات التي ساندت البريطانيين واصطفت مهم في ضرب مراكز قوى الرفض المقاومة لهذا الاحتلال.

ويأتي في نص آخر ما يلي: (والذي نخلص اليه من جملة ما ورد ذكره، هو ان التحرك الديني المعادي والانحراف الطائفي اصبحا من بين وسائل السياسة الامبريالية في التعامل مع بلدان الشرق الاوسط واستخدامها في العراق من خلال حزب الدعوة «...» وبدعم من ايران)(2).

ان ما نريد الاشارة اليه هنا، هو ان خطاب السلطة في العراق منذ عهد التأسيس وليومنا الحاضر لم يتجرأ مطلقاً على اتهام الحركات الدينية السنية بالعمالة للاجنبي او انها اداة للاستعمار ومشاريعه في العراق.. مما يعني ان السلطة قديماً وحاضراً تنطلق من رغبة سياسية للتخلص من النشاط الشيعي المتعاظم على مختلف الاصعدة ومع مرور الزمن.

تهمة البعد عن الدين

مثلما قرر المنظر البعثي من الناحية النظرية والفكرية هوية الدين ودوره في الحياة الاجتماعية واعتبره مجرد ممارسة فردية لا يمكنها ان ترقى الى مستوى المشترك

[align=center]___________________________

(1) المنهاج الثقافي، الكتاب الثاني «مصدر سابق» ص 163.

(2) ثامر كامل محمد: مصدر سابق ص 23.
[/align]

[229]

الاجتماعي، فانه من الناحية السياسية حاول ان ينفي عن النشاط الشيعي العقائدي والاجتماعي والسياسي أي علاقة له بالدين معتبراً تلك الشعائر الإسلامية التي يمارسها الشيعي في حياته اليومية مجرد طقوس لا قيمة لها، بل انها ذات طبيعة سياسية محضة.

وبالتالي فانه يصعد حملته السياسية ضد الإنسان الشيعي متهماً ممارساته تلك بانها لا تنتمي الى الدين، ففي معالجاته التي يضعها لاحتواء ما يسميه (الانحراف الطائفي) يدعو الى: (اسقاط الذرائع الدينية عنه، واظهار حقيقته واغراضه البعيدة كل البعد عن جوهر الدين وتقاليده..)(1).

ان اسقاط الذرائع الدينية في المنظور البعثي العراقي لا تتم عادة من خلال الابحاث النظرية المجردة بل تحتاج الى فعل وعمل سياسي منظم يتدرج في معالجة هذا الحظر الذي يهدد كيان السلطة، ومن هنا فان المعالجات العملية التي يضعها المنظر البعثي تحمل غالباً صورة التعبئة الشاملة لعناصره حيث يقول في تحديد اسلوب المواجهة: (وبتماسك التنظيم الشعبي لجهاز الحزب وبضمان استراتيجية محكمة للامن الداخلي تؤدي واجبها في مواجهة التحدي الطائفي..)(2).

ولكي يعمق المنظر البعثي مقولة الخطر الخارجي للحركات الإسلامية الشيعة ويضعها في تصنيف غريب لم يسبقه اليه احد حيث يقول: (وبهذا تمثل الحركات الرجعية التي تجسد الانحراف الطائفي تحدياً للامن الخارجي العراقي)(3).

فهو هنا ليس فقط يتهم الحركات الإسلامية الشيعيـة بالانحراف وبالتالي البعـد عن الدين، وانما يحاول ان يضعها ضمن قائمـة الحركات التي تهدد الأمن الخارجي العراقي، فهو في البدايـة يعطيها الصفة السياسية ضمن المحددات التالية: التبعيـة للاجنبي، ثمّ الانحراف، والعداء للقضايا الوطنيـة والقوميـة وبالتالي فهي كما يدعي تهدد امن العراق الخارجي، وكأنه يريد أن يقول ان كياناً مثل هذا لابد ان تتم تصفيتـه بأي صـورة من الصور.

[align=center]___________________________

(1) المنهاج الثقافي المركزي: مصدر سابق الكتاب الثاني ص 163.

(2) ثامر كامل محمد: نفس المصدر ص 344: نقلا عن فاضل البراك «الدين في الامن الداخلي ص 10».

(3) ثامر كامل محمد: مصدر سابق ص 131.
[/align]

[230]

ان حزب البعث العراقي ضد الدين بصورة عامة وان كان يحاول ان يفلسف هذا العداء تحت لافتة عزل الدين عن السياسة، وهذا الموقف العدائي هو الذي يشكل منطلقاته السياسية في التعامل مع النشاط الإسلامي الشيعي، لكنه هنا يضيف اليه متطلبات اخرى هي الاتهام بالتبعية والعمالة والانحراف.

ان نظام حزب البعث العراقي ينفرد من بين كل الانظمة في البلاد العربية التي تعيش فيها الطائفة الشيعية كأقلية مذهبية في انه يتهم الاغلبية العربية بالعمالة للاجنبي والتبعية له وبالانحراف ايضاً.

مع ان الشيعة في العراق من الناحية السياسية وهم الاغلبية ليسوا بحاجة الى الاستعانة بالاجنبي في تحقيق اهدافهم وطموحاتهم.

ان تهمة البعد عن الدين يصورها صدام بالصورة التالية: (فانها ويقصد بها الحركات الدينية الشيعية تتوجه الى جر بعض الاوساط من الناس من خلال دعوتهم الى ممارسة الطقوس الدينية وفق صيغ خاصة عاملة على تحويل هذا المنهج الى ولاءات سياسية مضادة ومناهضة للثورة..)(1).

هذا النص يكشف عن ان ما يزعج صداماً بالدرجة الاولى هو ان تتحول الشعائر الإسلامية الى مضمون معارض للنظام وان كانت عبارة (صيغ خاصة) توحي بانه يريد القول ان هذه الصيغ لا علاقة لها بالإسلام: وبالتالي فهو يعطي لنفسه الحق في تصفيتها ومحاربتها.

الموقف العملي لحزب البعث العراقي من الدين والشيعة

قد تطول بنا الوقفة اذا حاولنا استيعاب مواقف حزب البعث العراقي المعادية للدين الإسلامي عموماً وللشيعة بوجه خاص.

لكننا يجب ان نؤكد في البداية ان عداء هذا الحزب للدين وللشيعة لم يتوقف عند حدود التنظير الفكري وانما وجد هذا العداء صداه في المواقف العملية الواضحة والعلنية.

ونحن هنا سنحاول الاشارة الى جملة من المواقف التي اتخذها طيلة السنوات الثلاثين

[align=center]___________________________

(1) صدام حسين: نظرة في الدين والتراث ص 20.[/align]

[231]

الماضية.

التشريعات المخالفة للإسلام

ان الشعب العراقي شعب مسلم يلتزم بالإسلام كعقيدة ومنهج في الحياة، لكن الحزب في العراق اصدر الكثير من التشريعات والقوانين المخالفة للدين الإسلامي بل انه حرم العمل بالتشريعات الإسلامية واوجد البديل عنها بما يتناسب مع رؤية الحزب ونظريته في الحياة.

وقد اعطى صدام لنفسه حق التشريع بل الغاء التشريعات الإسلامية.

منع اقامة الشعائر الإسلامية ومحاربتها

منع نظام حزب البعث العراقي ولفترات طويلة اقامة الشعائر الإسلامية ذات الطبيعة العامة والشيعية بوجه خاص، واستخدم وسائله الاعلامية في ذلك وخصوصاً الاذاعة والتلفزيون عبر الاكثار من بث الاغاني الماجنة وحفلات الرقص والمجون.

محاربة المرجعية الدينية

تمثل المرجعية الدينية لدى شيعة اهل البيت موقعاً مقدساً باعتبارها تشكل الامتداد الطبيعي لحركة الائمة المعصومين عليهم السلام ودورهم في الحياة الاجتماعية الإسلامية.

وفي ايامه الاولى في الحكم شن حزب البعث العراقي حملة واسعة ضد هذه المرجعية وجهازها.. ابتداءً من مرجعية الإمام الحكيم «رض» والإمام الشهيد الصدر «رض» الى المرجعية الحاضرة.

فقد طارد وقتل وسجن وهجر عشرات الآلاف من العلماء وطلبة العلوم الدينية في النجف الاشرف وكربلاء والكاظمية وهي المدن الثلاث التي يتركز فيها عادة طلاب الحوزة العلمية والعلماء، وطارد بالاضافة الى ذلك وكلاء المرجعية في المدن العراقية واعدم الكثيرين منهم.

محاربة الشعائر الحسينية

ليست الشعائر الحسينية في الوعي الشيعي مجرد طقوس آنية بقدر ما هي ممارسة تمتد

[232]

في عمق الضمير والوجدان وهي بالتالي تعبر عن انتماء الشيعي العراقي للمبادئ والقيم التي انطلق الإمام الحسين (عليه السلام) واستشهد من اجلها.

وفي ايامه الاولى عمد نظام حزب البعث العراقي الى محاربة هذه الشعائر عبر التضييق عليها او اصدار اوامر المنع او اعتقال القائمين عليها وما انتفاضة صفر عام 1397 هـ إلاّ سبب من اسباب ذلك المنع والتضييق.

لقد ارتكب صدام بسبب محاربته لتلك الشعائر المجازر الكبرى بحق الشيعة وآخرها كانت مجزرة الحرم الحسيني في كربلاء العام الماضي في اربعين الإمام الحسين (عليه السلام).

محاربة المؤسسات الثقافية والعلمية الشيعية

عمد نظام حزب البعث العراقي مدفوعاً بحقده الطائفي الى محاربة المؤسسات الثقافية والعلمية الشيعية باعتبارها تشكل احد الاعمدة المهمة في التثقيف الإسلامي الواعي.

ففي مدينة النجف الاشرف وحدها اقدم النظام على هدم محلة باكملها اسمها (محلة العمارة) تقدر مساحتها بنصف مليون متر مربع كانت مليئة بالمدارس العلمية والمساجد التاريخية والحسينيات وقبور العلماء الصالحين.

كما هدم بعد الانتفاضة الشعبانية مدارس علمية معروفة مثل مدرسة دار الحكمة التي اسسها الإمام الحكيم «رض» ومدرسة العلوم الإسلامية التي اسسها الإمام الخوئي (قدس سره).

والى هذا استولى على المدارس العلمية الباقية ووضع فيها عناصره العميلة له من اجل الاشراف عليها وادارتها وبالتالي ابعادها عن اهدافها الحقيقية التي من اجلها اسسها اصحابها.

ونفس الحال ينطبق على مدينة كربلاء والكاظمية وغيرهما من المدن الشيعية.

ويحتفظ بنك المعلومات العراقي والمركز الوثائقي لحقوق الإنسان في العراق، بملفات مهمة تكشف ابعاد التخريب والازالة التي فعلها النظام ضد المؤسسات العلمية والثقافية في المدن الشيعية.

خلاصة عامة

وفي الختام نذكر على سبيل الخلاصة ما يلي:

[233]

1 - ان حزب البعث العراقي.. حزب علماني يحمل نظرياً عداء مبطناً للدين الإسلامي ومارس عملياً ما يؤكد هذا الحقد والعداء.

2 - يحاول حزب البعث العراقي احلال عقيدة الحزب والقومية محل العقيدة الإسلامية واعتبارها العقيدة الوحيدة القادرة على حل مشكلات الإنسان العربي والعراقي.

3 - يعتقد حزب البعث العراقي ان الدين مجرد عقيدة فردية ليس لها في الوجود الاجتماعي أي دور.

4 - يعارض حزب البعث العراقي تسييس الدين وان عقوبة من يفعل ذلك هو القتل والاعدام وصنوف العذاب والمعاناة.

5 - يحمل حزب البعث العراقي حقداً طائفياً بشعاً ضد الشيعة بشكل عام وضد التحرك الإسلامي الشيعي.

6 - يعتبر حزب البعث التحرك الإسلامي الشيعي ممثلا بالمرجعية الدينية والحركة الإسلامية بانه تحرك عميل للاجنبي، وبانه منحرف ولا علاقة له بالدين، وانه ضد الانتماء القومي والوطني.

7 - عمل حزب البعث العراقي منذ توليه السلطة عام 1968 ولحد الآن على تصفية الوجود الشيعي في العراق وتحويل ولاءاته العقائدية والمذهبية والدينية الى ولاءات للسلطة والحزب، ولكنه فشل في تحقيق ذلك بفضل عوامل عديدة ليس هنا مجال ذكرها.