«البعث» يتفاوض مع «المحتل» الأميركي على أساس «الثوابت الوطنية»
بغداد – ربيع الهاشم الحياة - 06/11/06//


الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين
جاء اعلان حزب «البعث» في العراق عن نفسه أخيراً، حركة سياسية و «حركة مقاومة وطنية» من خلال طرح «برنامج سياسي» بحسب بعض المراقبين، مؤشراً الى مسألتين مهمتين:

الأولى هي ان الحزب أعاد تنظيم صفوفه، وباشر العمل السياسي على الساحة العراقية حزباً سرياً. والثانية هي ان تشكيل «البعث» حكومة مقاومة للاحتلال - وهي ليست جديدة - وقيادته هذه «الحركة» التي تضم الى جانبه قوى قومية ووطنية أخرى اتفقت على ثوابت وطنية واضحة، يمثل قوة فعلية على الساحة العراقية. ويجيء هذا في وقت تشير فيه بعض الدلائل الى اكثر من حقيقة تخص الواقع العراقي، او تنبع من ظروفه الراهنة، ابرزها وأكثرها حضوراً «المأزق الاميركي» الذي يؤشر بوضوح الى فشل أميركا ومشروعها في العراق. والحقيقة الأخرى هي تصاعد «أعمال المقاومة» واستهدافها القوات الأميركية تحديداً، وارتفاع وتيرة الخسائر في صفوف الأخيرة، افراداً ومعدات عسكرية، ما يكشف عن طبيعة تنظيمية دقيقة للمقاومة، دفعت بالادارة الاميركية الى ابداء رغبة في «فتح باب المفاوضات» مع المقاومة - وهو ما رأى فيه بعض المراقبين رغبة اميركية في حل «مشكلة العراق».

هذا كله تواجهه حقيقة اخرى في الواقع العراقي اليوم هي فشل حكومة نوري المالكي حتى الآن في إجراء تغييرات جذرية في هذا الواقع. وكذلك فشل «خطته الأمنية» التي مضت ثلاثة اشهر على تطبيقها من دون ان تثمر أي نوع، او مستوى، من الاستقرار الأمني في البلد، ما جعل الإدارة الاميركية في العراق تفكر بحلول خارج هذه الحكومة، وتقدم بدائل تحمل تصورات للمشكلات القائمة، من بينها: التفاوض مع أطراف مسلحين، وإعادة النظر في «قانون اجتثاث البعث»، أو بالأحرى تجميد العمل به تمهيداً لإلغائه،. ثم إدخال تعديلات على الدستور في ضوء ما تراه بعض الأطراف المشاركين في العملية السياسية.


نقطة البداية الجديدة

هذه القضايا ليست بعيدة، ولا تتم بمعزل عن عودة «البعث» الى الساحة السياسية العراقية. بل ربما كان جانب مهم وأساسي فيها حصل بفعل هذه «العودة» المتحققة في وجهتين: اولى تنظيمية، تتمثل في استعادة كيان الحزب السياسي. وثانية عسكرية من خلال الإعلان عن تنظيم «حركة مقاومة» يدرك الاميركيون، قبل سواهم، مدى تأثيرها بفعل الخبرات العسكرية والتنظيمية لها، وعبرت عن نفسها في الأعمال والمواجهات التي جرت في المدة الأخيرة ضد القوات الاميركية، والتي وصفت – بحسب تقديرات خبراء عسكريين - بأنها «أعمال نوعية». وهذا هو ما يعيدنا الى نقطة البداية، والسؤال عن «الطبيعة الراهنة» - ولا نقول الجديدة - لتنظيمات «البعث»، وما إذا كان أجرى «تعديلات» على استراتيجيته، وفي مسارات عمله السياسي والفكري.

تنبغي الاشارة أولاً الى أن «البعث» لم يعقد، حتى الآن «مؤتمراً قطرياً» لانتخاب «قيادة قطرية جديدة» تتولى شؤون الحزب وعمله في المرحلتين الراهنة والمقبلة، وكذلك إقرار «برنامج سياسي» يتضمن تقويماً للاوضاع الحالية، وتحديداً للنظرة المستقبلية - كما جرى عليه العرف في مثل هذه المؤتمرات - وانما كل ما جرى حتى الآن هو إصدار بيانات سياسية تتضمن تقويماً للأوضاع الحالية، موقعة باسم «القيادة القطرية» التي لا تزال متمسكة بوضعها السابق، وبما تدعوه «قيادة تاريخية» بقيادة صدام حسين. هذا في وقت يؤكد فيه أطراف بعثيون ان تنظيمات «البعث» أعيدت، ليس فقط في بغداد والمحافظات الغربية - التي التأم فيها الكيان التنظيمي للحزب قبل سواها - وانما ايضاً في محافظات الوسط والجنوب العراقي ومدنها، وهو ما يعني «استعادة القوة» في اكثر من موقع بالنسبة الى «البعث». ولعل هذا الوضع هو ما دفع الى اعلان «البرنامج السياسي للمقاومة».


حقائق تواجه «قرار الحل»

هذا الواقع يعيدنا الى نقطة بداية أخرى تتمثل في مجيء القوات الاميركية وإسقاطها «نظام البعث» في العراق، واعتماد «قوى اخرى» في إدارة العملية السياسية.

والإخفاقات التي منيت بها هذه القوى الجديدة. فضلاً عن وجود «كيانات بعثية» أخرى، غير «التنظيم الرئيس»، على الساحة العراقية، أعلنت عن نفسها في أعقاب الاحتلال، مع إعلان مناهضتها له - توجس منها البعض خشية ان تكون عاملاً في تعقيد الموقف داخل «البعث» اكثر من كونها عاملاً مساعداً في مضاعفة قوة وجود «البعث» على الساحة العراقية.


عزة الدوري
فيوم أصدر الحاكم المدني الاميركي للعراق بول بريمر قراره حل حزب «البعث» وقف عدد من السياسيين العراقيين مندهشين من مثل هذا القرار، وعلق احدهم عليه بالقول: «اذا كان نظام البعث في العراق أسقطته قبل قوات الاحتلال فإن هذا لا يعني ان هذه القوات يمكنها ان تتحكم بتنظيم حزبي له كيانيته المستقلة عن «تنظيم الدولة» – وان كان هو «الحزب القائد» للدولة والنظام» على مدى خمسة وثلاثين عاما؟. وتساءل: «ماذا يعني» حل حزب البعث» في مثل هذه الحال؟ هل هو مؤسسة من مؤسسات الدولة التي جرى إسقاطها؟».

لا شك في ان إسقاط النظام، ودك كيان الدولة، وانفراط عقد «قيادة البعث»، ووقوع بعض أعضائها في الأسر، واضطرار عدد من الكوادر الأساسية للحزب الى الاختفاء، او مغادرة العراق خشية الاعتقال او التصفية... أثرت سلبياً في الواقع التنظيمي للحزب، ما جعله في وضع اقرب الى «التفكك». ولعل هذا ما شجع، ودفع ببعض البعثيين السابقين الذين كانوا على خلاف مع صدام وقيادته، والذين عاش فريق منهم خارج العراق ضمن تنظيم مستقل عن «تنظيم العراق» ومعارض له الى استثمار الفرصة، إضافة الى فريق معارض من الداخل. حاول الفريقان استئناف عملهما، مستفيدين من واقع «الفراغ الحزبي» لقيادة «البعث» التقليدية، بفعل الاحتلال، وإسقاط النظام، وملاحقة «القيادات الحزبية». فبرز على الساحة تنظيمان كانا بعيدين كل البعد عن «قيادته التاريخية»، وكلاهما يحمل «دعوة مفتوحة» لكوادر الحزب وأعضائه الى الانضمام الى تنظيمه من اجل «إعادة الحزب الى حقيقته النضالية والعقائدية» – كما جاء في بعض «البيانات» الصادرة في هذا الشأن. فكان التنظيم الأول معلناً، وبمقر معروف، مثله مثل بقية الأحزاب التي أعلنت عن وجودها في حقبة ما بعد الاحتلال... ولكنه اتخذ تسمية جديدة هي: «حزب الإصلاح»، وضمّ اطرافاً من المجموعة التي كانت انشقت عن الحزب عام 1963 في اعقاب المؤتمر القومي السادس، وحركة 18 تشرين الثاني (نوفمبر) من العام نفسه التي قادها عبدالسلام عارف فأسقط بها أول نظام لحكم البعث في العراق قام بعد ثورة 8 شباط (فبراير) 1963 ضد عبدالكريم قاسم. وأطلق «التنظيم الرسمي للحزب» على هؤلاء تسمية «المنشقين» الذين أقاموا تنظيماً نهج نهجاً يسارياً، وارتبط بالقيادة القومية في سورية بعد حركة شباط التي انقلبت على القيادة التقليدية هناك، فغيرتها. وبعد مجيء «القيادة التقليدية» الى الحكم في العراق عام 1968 صفي هذا التنظيم الذي ما لبث ان خرج «كبار كوادره» الى سورية، ليقيموا تنظيمهم هناك.

غير ان هذا «التنظيم» الذي اخذ تسمية «حزب الإصلاح» لم تكن له «الفاعلية المرجوة» في الواقع الجديد للعراق. ولم ينخرط في صفوفه من عناصر الحزب السابقين سوى اعداد محدودة - فالبعض اعترض على «الاسم الجديد» واقعاً، والبعض الآخر اعترض عليه «مضموناً» قائلين: كيف يمكن العمل تحت لافتة «الإصلاح» بعد ان كنا نعمل تحت «الراية الثورية»؟ هذا فضلاً عن ان «حزب الإصلاح» هذا لم يشارك في «العملية السياسية» الجارية في عراق ما بعد الاحتلال، وحركته في مستوى الشارع العراقي ظلت محدودة. وأصدر في البداية صحيفة سياسية أسبوعية ما لبثت ان توقفت.


مسلح في احد شوارع بغداد
أما التنظيم الآخر فهو ما أطلق على نفسه تسمية «القيادة الموقتة»، وهو خلافاً لسابقه، «تنظيم سري» يضم بعض قدامى البعثيين الذين كان لبعضهم دور في ما سمي يومها بـ «الانشقاق» وفي تشكيل «لجنة تنظيم القطر» التي ما لبثت عن أعلنت عن نفسها «قيادة شرعية للحزب» والتي يمثل «حزب الاصلاح» الجانب الأوسع منها. اعضاء هذا التنظيم هم ممن لم يغادروا العراق، فاعتزلوا العمل السياسي، وعزلوا في أي مركز وظيفي. بل ان بعضهم بقي خارج مؤسسات الدولة، وكانت النظرة اليهم مشوبة بكثير من الحذر، وبعضهم كان خاضعاً للمراقبة الأمنية من نظام صدام. ومن بين هذه «القيادة الموقتة» شخصيات عسكرية سابقة، وشخصيات معروفة بتاريخها الحزبي وكانت، أيام نظام صدام، اعتزلت العمل السياسي محتفظة بموقفها ورؤيتها. وهذا التنظيم في الوقت الذي يدين فيه «ممارسات صدام وأعضاء قيادته»، فانه يناهض الاحتلال. ودعا في بياناته الى «وحدة مناضلي الحزب»، معلناً ان عمله «عمل مرحلي» الهدف منه «إعادة بناء الحزب على الأسس السليمة المعروفة تاريخياً» و «التمهيد لعقد مؤتمر قطري يتم من خلاله انتخاب قيادة قطرية جديدة». ومن هنا جاءت تسميته بـ «القيادة الموقتة» - وهو تعبير متعارف عليه في «ادبيات الحزب» وفي «نظامه الداخلي».

إلا ان هذا «التنظيم»، هو الآخر، ظل محدود الحضور والتأثير في الشارع العراقي وتكاد فعاليته تقتصر، على إصدار البيانات التي تعلن عن مواقفه، وتؤكد هذه المواقف بين «مناسبة» وأخرى.


... وحقائق جديدة

هذا كله يعيد طرح السؤال عن وضع حزب «البعث» بتنظيماته التابعة لـ «قيادة قطر العراق» التي لم يبق منها خارج الاعتقال سوى عزت ابراهيم الدوري، نائب امين سر القيادة، وعبدالباقي السعدون، عضو القيادة. وهو التنظيم الذي تجاوز عدد اعضائه المليون ونصف المليون بمختلف «الدرجات الحزبية».

غير ان السؤال الذي يثار هنا يمضي بنا في اكثر من مسار:

- فأولاً: هناك حقيقة ينبغي عدم إغفالها، وهي ان نسبة قد لا تكون كبيرة من هذا العدد، كانوا اقرب الى «الحزبيين الهامشيين» منهم الى «العناصر الفاعلين» – وهم الذين انضموا الى صفوف «البعث» لغايات ومصالح عابرة كانت تلبيتها تتطلب انضمامهم. وهؤلاء سرعان ما انفرطوا من «عقد التنظيم» مع دخول أولى الدبابات الاميركية الى شوارع بغداد، ليبحث معظمهم عن «موقع»، مهما كان هامشياً، ضمن «الوضع الجديد».

- ثانياً: هناك عناصر كان لهم «موقف غير معلن على نطاق واسع من قيادة صدام للحزب فكانوا يرون ان «الحزب» لم يعد، في واقع قيادته، «حزب البعث» الذي يعرفون. وكان لبعضهم ان «عزل نفسه عن التنظيم»، ووجد البعض الآخر منهم في «سقوط النظام» فرصة للتخلص من «التزامات» لم يعد على استعداد للتواصل معها، ومواصلتها.

- ثالثاً: هناك «التنظيم الفعلي» الذي عبر المنخرطون فيه عن التزامهم، وعدم التخلي عن موقفهم. وسرعان ما بادر عدد من هؤلاء الى اصدار بيانات باسم «البعث» وقيادته، ومن مواقع جغرافية متعددة. وكان الهدف من ذلك، الإعلان عن وجود الحزب واستمراره. وهذه الفئة هي التي تستدعي التوقف عندها:

- فقد بدأت العمل على جمع صفوف البعثيين وعدم التخلي عن القيادة التاريخية ومعلنة في الوقت نفسه «ان المقاومة هي السبيل الوحيد لطرد المحتل ونيل الحقوق الوطنية بالكامل».

واليوم، وبعد ان أخذ وجود حزب «البعث»، على ما يبدو، حضوره التنظيمي من خلال قيادة لم يعرف منها حتى الآن سوى الاسمان السابقان يأتي التأكيد من طرفه على «ثوابت التحرير وأسس بناء دولة العراق المستقلة». فإذا ما كان «الوجه المقاوم» هو الوجه الأكثر حضوراً، في عودة «البعث» الى الساحة السياسية، فإن الحزب يقدم اليوم لهذه المقاومة «برنامجها السياسي» الذي هو – على حد وصفه - «برنامج كل الوطنيين العراقيين بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية»، فاتحاً بذلك الأبواب لجبهة وطنية تضم من وصفهم بالوطنيين العراقيين «الرافضين للاحتلال».


آخر المسار: التفاوض

غير ان «البعث» وهو يواجه هذا كله بتقديم مثل هذه الأطروحات، لم يستبعد، من برنامجه، مسألة «التفاوض مع المحتل»، ولكن من خلال شروط ثبتها في برنامجه السياسي، الذي هو، في الوقت نفسه، «برنامج المقاومة». واذا كان بعض السياسيين يرى في هذه الشروط «سقفاً عالياً من المطالب» من حيث كونها مطالب تطرح على محتل يسيطر حالياً على البلد ومقدراته. فإن «البعث» يقدم بها ما يعده «ثوابت وطنية» تمثل «الحلول كاملة» وليس «أنصاف الحلول»، كما جاء في «البرنامج» الذي تضمن تصوراً واضحاً لمرحلة ما بعد الاحتلال.


<h1>بعد عودته الى الساحة العراقية واستجماعه قواه ... «البعث» يتفاوض مع «المحتل» الأميركي على أساس «الثوابت الوطنية»</h1>
<h4>بغداد – ربيع الهاشم الحياة - 06/11/06//</h4>
<p>
<p>

<table width="200" cellspacing="0" cellpadding="3" border="0" align="left" class="image">
<tr>
<td><img alt="الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين" src="saddam_17.jpg_200_-1.jpg" hspace="0" border="0"></td>
</tr>
<tr>
<td class="caption">الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين</td>
</tr>
</table>جاء اعلان حزب «البعث» في العراق عن نفسه أخيراً، حركة سياسية و «حركة مقاومة وطنية» من خلال طرح «برنامج سياسي» بحسب بعض المراقبين، مؤشراً الى مسألتين مهمتين:</p>
<p>الأولى هي ان الحزب أعاد تنظيم صفوفه، وباشر العمل السياسي على الساحة العراقية حزباً سرياً. والثانية هي ان تشكيل «البعث» حكومة مقاومة للاحتلال - وهي ليست جديدة - وقيادته هذه «الحركة» التي تضم الى جانبه قوى قومية ووطنية أخرى اتفقت على ثوابت وطنية واضحة، يمثل قوة فعلية على الساحة العراقية. ويجيء هذا في وقت تشير فيه بعض الدلائل الى اكثر من حقيقة تخص الواقع العراقي، او تنبع من ظروفه الراهنة، ابرزها وأكثرها حضوراً «المأزق الاميركي» الذي يؤشر بوضوح الى فشل أميركا ومشروعها في العراق. والحقيقة الأخرى هي تصاعد «أعمال المقاومة» واستهدافها القوات الأميركية تحديداً، وارتفاع وتيرة الخسائر في صفوف الأخيرة، افراداً ومعدات عسكرية، ما يكشف عن طبيعة تنظيمية دقيقة للمقاومة، دفعت بالادارة الاميركية الى ابداء رغبة في «فتح باب المفاوضات» مع المقاومة - وهو ما رأى فيه بعض المراقبين رغبة اميركية في حل «مشكلة العراق».</p>
<p>هذا كله تواجهه حقيقة اخرى في الواقع العراقي اليوم هي فشل حكومة نوري المالكي حتى الآن في إجراء تغييرات جذرية في هذا الواقع. وكذلك فشل «خطته الأمنية» التي مضت ثلاثة اشهر على تطبيقها من دون ان تثمر أي نوع، او مستوى، من الاستقرار الأمني في البلد، ما جعل الإدارة الاميركية في العراق تفكر بحلول خارج هذه الحكومة، وتقدم بدائل تحمل تصورات للمشكلات القائمة، من بينها: التفاوض مع أطراف مسلحين، وإعادة النظر في «قانون اجتثاث البعث»، أو بالأحرى تجميد العمل به تمهيداً لإلغائه،. ثم إدخال تعديلات على الدستور في ضوء ما تراه بعض الأطراف المشاركين في العملية السياسية.</p>
<p>

<h3>نقطة البداية الجديدة</h3>

</p>
<p>هذه القضايا ليست بعيدة، ولا تتم بمعزل عن عودة «البعث» الى الساحة السياسية العراقية. بل ربما كان جانب مهم وأساسي فيها حصل بفعل هذه «العودة» المتحققة في وجهتين: اولى تنظيمية، تتمثل في استعادة كيان الحزب السياسي. وثانية عسكرية من خلال الإعلان عن تنظيم «حركة مقاومة» يدرك الاميركيون، قبل سواهم، مدى تأثيرها بفعل الخبرات العسكرية والتنظيمية لها، وعبرت عن نفسها في الأعمال والمواجهات التي جرت في المدة الأخيرة ضد القوات الاميركية، والتي وصفت – بحسب تقديرات خبراء عسكريين - بأنها «أعمال نوعية». وهذا هو ما يعيدنا الى نقطة البداية، والسؤال عن «الطبيعة الراهنة» - ولا نقول الجديدة - لتنظيمات «البعث»، وما إذا كان أجرى «تعديلات» على استراتيجيته، وفي مسارات عمله السياسي والفكري.</p>
<p>تنبغي الاشارة أولاً الى أن «البعث» لم يعقد، حتى الآن «مؤتمراً قطرياً» لانتخاب «قيادة قطرية جديدة» تتولى شؤون الحزب وعمله في المرحلتين الراهنة والمقبلة، وكذلك إقرار «برنامج سياسي» يتضمن تقويماً للاوضاع الحالية، وتحديداً للنظرة المستقبلية - كما جرى عليه العرف في مثل هذه المؤتمرات - وانما كل ما جرى حتى الآن هو إصدار بيانات سياسية تتضمن تقويماً للأوضاع الحالية، موقعة باسم «القيادة القطرية» التي لا تزال متمسكة بوضعها السابق، وبما تدعوه «قيادة تاريخية» بقيادة صدام حسين. هذا في وقت يؤكد فيه أطراف بعثيون ان تنظيمات «البعث» أعيدت، ليس فقط في بغداد والمحافظات الغربية - التي التأم فيها الكيان التنظيمي للحزب قبل سواها - وانما ايضاً في محافظات الوسط والجنوب العراقي ومدنها، وهو ما يعني «استعادة القوة» في اكثر من موقع بالنسبة الى «البعث». ولعل هذا الوضع هو ما دفع الى اعلان «البرنامج السياسي للمقاومة».</p>
<p>

<h3>حقائق تواجه «قرار الحل»</h3>

</p>
<p>هذا الواقع يعيدنا الى نقطة بداية أخرى تتمثل في مجيء القوات الاميركية وإسقاطها «نظام البعث» في العراق، واعتماد «قوى اخرى» في إدارة العملية السياسية.</p>
<p>والإخفاقات التي منيت بها هذه القوى الجديدة. فضلاً عن وجود «كيانات بعثية» أخرى، غير «التنظيم الرئيس»، على الساحة العراقية، أعلنت عن نفسها في أعقاب الاحتلال، مع إعلان مناهضتها له - توجس منها البعض خشية ان تكون عاملاً في تعقيد الموقف داخل «البعث» اكثر من كونها عاملاً مساعداً في مضاعفة قوة وجود «البعث» على الساحة العراقية.</p>
<p>

<table width="200" cellspacing="0" cellpadding="3" border="0" align="right" class="image">
<tr>
<td><img alt="عزة الدوري" src="dori_17.jpg_200_-1.jpg" hspace="0" border="0"></td>
</tr>
<tr>
<td class="caption">عزة الدوري</td>
</tr>
</table>فيوم أصدر الحاكم المدني الاميركي للعراق بول بريمر قراره حل حزب «البعث» وقف عدد من السياسيين العراقيين مندهشين من مثل هذا القرار، وعلق احدهم عليه بالقول: «اذا كان نظام البعث في العراق أسقطته قبل قوات الاحتلال فإن هذا لا يعني ان هذه القوات يمكنها ان تتحكم بتنظيم حزبي له كيانيته المستقلة عن «تنظيم الدولة» – وان كان هو «الحزب القائد» للدولة والنظام» على مدى خمسة وثلاثين عاما؟. وتساءل: «ماذا يعني» حل حزب البعث» في مثل هذه الحال؟ هل هو مؤسسة من مؤسسات الدولة التي جرى إسقاطها؟».</p>
<p>لا شك في ان إسقاط النظام، ودك كيان الدولة، وانفراط عقد «قيادة البعث»، ووقوع بعض أعضائها في الأسر، واضطرار عدد من الكوادر الأساسية للحزب الى الاختفاء، او مغادرة العراق خشية الاعتقال او التصفية... أثرت سلبياً في الواقع التنظيمي للحزب، ما جعله في وضع اقرب الى «التفكك». ولعل هذا ما شجع، ودفع ببعض البعثيين السابقين الذين كانوا على خلاف مع صدام وقيادته، والذين عاش فريق منهم خارج العراق ضمن تنظيم مستقل عن «تنظيم العراق» ومعارض له الى استثمار الفرصة، إضافة الى فريق معارض من الداخل. حاول الفريقان استئناف عملهما، مستفيدين من واقع «الفراغ الحزبي» لقيادة «البعث» التقليدية، بفعل الاحتلال، وإسقاط النظام، وملاحقة «القيادات الحزبية». فبرز على الساحة تنظيمان كانا بعيدين كل البعد عن «قيادته التاريخية»، وكلاهما يحمل «دعوة مفتوحة» لكوادر الحزب وأعضائه الى الانضمام الى تنظيمه من اجل «إعادة الحزب الى حقيقته النضالية والعقائدية» – كما جاء في بعض «البيانات» الصادرة في هذا الشأن. فكان التنظيم الأول معلناً، وبمقر معروف، مثله مثل بقية الأحزاب التي أعلنت عن وجودها في حقبة ما بعد الاحتلال... ولكنه اتخذ تسمية جديدة هي: «حزب الإصلاح»، وضمّ اطرافاً من المجموعة التي كانت انشقت عن الحزب عام 1963 في اعقاب المؤتمر القومي السادس، وحركة 18 تشرين الثاني (نوفمبر) من العام نفسه التي قادها عبدالسلام عارف فأسقط بها أول نظام لحكم البعث في العراق قام بعد ثورة 8 شباط (فبراير) 1963 ضد عبدالكريم قاسم. وأطلق «التنظيم الرسمي للحزب» على هؤلاء تسمية «المنشقين» الذين أقاموا تنظيماً نهج نهجاً يسارياً، وارتبط بالقيادة القومية في سورية بعد حركة شباط التي انقلبت على القيادة التقليدية هناك، فغيرتها. وبعد مجيء «القيادة التقليدية» الى الحكم في العراق عام 1968 صفي هذا التنظيم الذي ما لبث ان خرج «كبار كوادره» الى سورية، ليقيموا تنظيمهم هناك.</p>
<p>غير ان هذا «التنظيم» الذي اخذ تسمية «حزب الإصلاح» لم تكن له «الفاعلية المرجوة» في الواقع الجديد للعراق. ولم ينخرط في صفوفه من عناصر الحزب السابقين سوى اعداد محدودة - فالبعض اعترض على «الاسم الجديد» واقعاً، والبعض الآخر اعترض عليه «مضموناً» قائلين: كيف يمكن العمل تحت لافتة «الإصلاح» بعد ان كنا نعمل تحت «الراية الثورية»؟ هذا فضلاً عن ان «حزب الإصلاح» هذا لم يشارك في «العملية السياسية» الجارية في عراق ما بعد الاحتلال، وحركته في مستوى الشارع العراقي ظلت محدودة. وأصدر في البداية صحيفة سياسية أسبوعية ما لبثت ان توقفت.</p>
<p>

<table width="200" cellspacing="0" cellpadding="3" border="0" align="left" class="image">
<tr>
<td><img alt="مسلح في احد شوارع بغداد" src="baghdad_17.jpg_200_-1.jpg" hspace="0" border="0"></td>
</tr>
<tr>
<td class="caption">مسلح في احد شوارع بغداد</td>
</tr>
</table>أما التنظيم الآخر فهو ما أطلق على نفسه تسمية «القيادة الموقتة»، وهو خلافاً لسابقه، «تنظيم سري» يضم بعض قدامى البعثيين الذين كان لبعضهم دور في ما سمي يومها بـ «الانشقاق» وفي تشكيل «لجنة تنظيم القطر» التي ما لبثت عن أعلنت عن نفسها «قيادة شرعية للحزب» والتي يمثل «حزب الاصلاح» الجانب الأوسع منها. اعضاء هذا التنظيم هم ممن لم يغادروا العراق، فاعتزلوا العمل السياسي، وعزلوا في أي مركز وظيفي. بل ان بعضهم بقي خارج مؤسسات الدولة، وكانت النظرة اليهم مشوبة بكثير من الحذر، وبعضهم كان خاضعاً للمراقبة الأمنية من نظام صدام. ومن بين هذه «القيادة الموقتة» شخصيات عسكرية سابقة، وشخصيات معروفة بتاريخها الحزبي وكانت، أيام نظام صدام، اعتزلت العمل السياسي محتفظة بموقفها ورؤيتها. وهذا التنظيم في الوقت الذي يدين فيه «ممارسات صدام وأعضاء قيادته»، فانه يناهض الاحتلال. ودعا في بياناته الى «وحدة مناضلي الحزب»، معلناً ان عمله «عمل مرحلي» الهدف منه «إعادة بناء الحزب على الأسس السليمة المعروفة تاريخياً» و «التمهيد لعقد مؤتمر قطري يتم من خلاله انتخاب قيادة قطرية جديدة». ومن هنا جاءت تسميته بـ «القيادة الموقتة» - وهو تعبير متعارف عليه في «ادبيات الحزب» وفي «نظامه الداخلي».</p>
<p>إلا ان هذا «التنظيم»، هو الآخر، ظل محدود الحضور والتأثير في الشارع العراقي وتكاد فعاليته تقتصر، على إصدار البيانات التي تعلن عن مواقفه، وتؤكد هذه المواقف بين «مناسبة» وأخرى.</p>
<p>

<h3>... وحقائق جديدة</h3>

</p>
<p>هذا كله يعيد طرح السؤال عن وضع حزب «البعث» بتنظيماته التابعة لـ «قيادة قطر العراق» التي لم يبق منها خارج الاعتقال سوى عزت ابراهيم الدوري، نائب امين سر القيادة، وعبدالباقي السعدون، عضو القيادة. وهو التنظيم الذي تجاوز عدد اعضائه المليون ونصف المليون بمختلف «الدرجات الحزبية».</p>
<p>غير ان السؤال الذي يثار هنا يمضي بنا في اكثر من مسار:</p>
<p>- فأولاً: هناك حقيقة ينبغي عدم إغفالها، وهي ان نسبة قد لا تكون كبيرة من هذا العدد، كانوا اقرب الى «الحزبيين الهامشيين» منهم الى «العناصر الفاعلين» – وهم الذين انضموا الى صفوف «البعث» لغايات ومصالح عابرة كانت تلبيتها تتطلب انضمامهم. وهؤلاء سرعان ما انفرطوا من «عقد التنظيم» مع دخول أولى الدبابات الاميركية الى شوارع بغداد، ليبحث معظمهم عن «موقع»، مهما كان هامشياً، ضمن «الوضع الجديد».</p>
<p>- ثانياً: هناك عناصر كان لهم «موقف غير معلن على نطاق واسع من قيادة صدام للحزب فكانوا يرون ان «الحزب» لم يعد، في واقع قيادته، «حزب البعث» الذي يعرفون. وكان لبعضهم ان «عزل نفسه عن التنظيم»، ووجد البعض الآخر منهم في «سقوط النظام» فرصة للتخلص من «التزامات» لم يعد على استعداد للتواصل معها، ومواصلتها.</p>
<p>- ثالثاً: هناك «التنظيم الفعلي» الذي عبر المنخرطون فيه عن التزامهم، وعدم التخلي عن موقفهم. وسرعان ما بادر عدد من هؤلاء الى اصدار بيانات باسم «البعث» وقيادته، ومن مواقع جغرافية متعددة. وكان الهدف من ذلك، الإعلان عن وجود الحزب واستمراره. وهذه الفئة هي التي تستدعي التوقف عندها:</p>
<p>- فقد بدأت العمل على جمع صفوف البعثيين وعدم التخلي عن القيادة التاريخية ومعلنة في الوقت نفسه «ان المقاومة هي السبيل الوحيد لطرد المحتل ونيل الحقوق الوطنية بالكامل».</p>
<p>واليوم، وبعد ان أخذ وجود حزب «البعث»، على ما يبدو، حضوره التنظيمي من خلال قيادة لم يعرف منها حتى الآن سوى الاسمان السابقان يأتي التأكيد من طرفه على «ثوابت التحرير وأسس بناء دولة العراق المستقلة». فإذا ما كان «الوجه المقاوم» هو الوجه الأكثر حضوراً، في عودة «البعث» الى الساحة السياسية، فإن الحزب يقدم اليوم لهذه المقاومة «برنامجها السياسي» الذي هو – على حد وصفه - «برنامج كل الوطنيين العراقيين بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية»، فاتحاً بذلك الأبواب لجبهة وطنية تضم من وصفهم بالوطنيين العراقيين «الرافضين للاحتلال».</p>
<p>

<h3>آخر المسار: التفاوض</h3>

</p>
<p>غير ان «البعث» وهو يواجه هذا كله بتقديم مثل هذه الأطروحات، لم يستبعد، من برنامجه، مسألة «التفاوض مع المحتل»، ولكن من خلال شروط ثبتها في برنامجه السياسي، الذي هو، في الوقت نفسه، «برنامج المقاومة». واذا كان بعض السياسيين يرى في هذه الشروط «سقفاً عالياً من المطالب» من حيث كونها مطالب تطرح على محتل يسيطر حالياً على البلد ومقدراته. فإن «البعث» يقدم بها ما يعده «ثوابت وطنية» تمثل «الحلول كاملة» وليس «أنصاف الحلول»، كما جاء في «البرنامج» الذي تضمن تصوراً واضحاً لمرحلة ما بعد الاحتلال.</p>
</p>


--------------------------------------------------------------------------------





--------------------------------------------------------------------------------