الانقلاب باتجاه إيران

قبل أسبوع ارسلت بريطانيا رئيس استخباراتها الى سورية بصحبة احد مستشاري الحكومة. كان الخبر مثيرا للجدل خاصة انه جاء وسط انباء اذيعت انه يهدف الى المساومة على العلاقة مع تنظيم حماس الفلسطيني وحزب الله اللبناني اللذين يرتبطان «اداريا» بدمشق.

وقرعت اجراس الخطر في بعض الدول العربية عندما كشف رئيس الوزراء البريطاني توني بلير ان الموضوع اكبر مما كان يظن وان الهدف هو تغيير السياسة بالتعامل مع كل من سورية وإيران. فهل نحن بصدد انقلاب حقيقي في المواقف خاصة مع التطورات المهمة في اروقة الحكم في الولايات المتحدة بهزيمة نهائية لفريق رامسفيلد وحل محله استراتيجيون يختلفون كثيرا عن جناح اليمين المحافظ؟

هل غيرت واشنطن ولندن استراتيجيتهما متخليتين عن فكرة العداء لمحور طهران بتبني سياسة التحالف مع الطرف الآخر. ان الايحاء بذلك سيعطي الطرف الاخر اشارات خاطئة وخطيرة للغاية كما حدث مع غزو العراق الذي اعطى اشارة خاطئة ان اميركا بصدد تغيير الانظمة في المنطقة مما الب عليها انظمة المنطقة الذين ساهموا في افشال مشروعها وجعلوا حياتها جحيما.

وقديما كان يقال: اذا كنت تريد ان ترسل عدوك الى جهنم فاحرص على ان تفعل ذلك. وها نحن ان واشنطن لم ترسل احدا الى جهنم بل تريد الخروج من العراق بأي ثمن كان. والأسئلة كثيرة حول التوجه البريطاني الجديد هل الرحيل من بغداد مضمون العواقب؟ هل الضمانات الايرانية يمكن الوثوق بها؟ هل الثمن تراجع ايران عن مشروع السلاح النووي ام ان الثمن تخلي الولايات المتحدة عن معارضتها له؟ والسؤال الأهم في نظري هل في ايران قيادة واحدة وموحدة يمكن الركون الى ان قرارها نهائي وموثوق به؟

سنمنح الوسيط البريطاني جائزة القرن لو استطاع بالفعل التوصل الى تفكيك الازمة بإنهاء العداء مع ايران وسورية وضمان استقلال العراق وانسحاب القوات الاميركية ونزع سلاح حزب الله وكف يد سورية في لبنان وقبول حماس بالتفاوض من اجل انهاء الاحتلال الاسرائيلي.

ان الاعتقاد بوجود حل عملي يرضي الجميع، قنبلة نووية إيرانية واستقلال للنظامين في العراق ولبنان وسلام في فلسطين اقرب ما تكون الى افلام الكرتون. فنحن هذا ما نتمناه، ان نرى ايران غير محاصرة، والأميركيين ليسوا في العراق، وحزب الله يرفع العلم اللبناني فوق شبعا، وحماس تقبل بالتفاوض وتعلن دولة فلسطينية محررة، وسورية آمنة من الملاحقة الدولية. هذه بالفعل صور كرتونية موجودة فقط في مخيلتنا لأن السياسيين هنا ابعد ما يكونون عن الواقعية.

ولو استطاع المفاوضون البريطانيون حل بعض هذه العقد بدون خلق ازمات بسببها لاستحقوا منا جميعا الشكر، انما نرجو الا يركضوا وراء السراب من اجل الخروج من واقع العراق الدامي. لان منطقتنا تتعامل مع الاشارات اكثر مما تتعاطى مع الصراحة. فالذي يقرأ هنا ان التفاوض الجديد اعلان بالهزيمة واستعداد للانسحاب بأي ثمن رخيص وستكون نتائجه مكلفة من ارتفاع وتيرة العنف في مناطق جديدة.

[email protected]



التعليــقــــات
هادي الخليفي، «الولايات المتحدة الامريكية»، 16/11/2006
إن الكاتب الكبير الاستاذ الراشد ينطلق في تحليله من واقع مصالح دول الخليج الآنية والمستقبلية، وهو حق مشروع كما هو حق مشروع لبقية الأطراف التي ذكرها أن تبحث عن مصالحها، ولاننسى ان مصالح دول الخليج هي التي أشعلت حرب العراق وايران وهي محرك غزو الكويت وهي التي سكتت عن جرائم صدام وهي التي دعمت إسقاطه وهي التي تدعم أطرافا عراقية لإحداث توازنات ولو على حساب حياة العراقيين وهي التي دعمت فكرة إحراج الأميركان في العراق خوفا على وجودها، فالنتيجة أن مصالح دول الخليج قد تكون هي السبب في كل ويلات المنطقة وعلى تلك الدول أن تنهج سياسة التفكير بالاخرين وبمصالحهم وتبتعد عن سياسة قرارات الهلع والخوف والجشع.

جاسم الكعبي الأهوازي، «فرنسا ميتروبولتان»، 16/11/2006
يا سيدي الفاضل ان مقالك هذا ان دل على شيء فانه يدل على عمق القلق الذي يعيشه العرب من تنامي الدور الايراني في المنطقة في ظل غياب تنسيق استراتيجي بين أطراف النظام الرسمي العربي من جهة والخلل الذي أصاب التوازن الذي كان قائما بين العراق وايران لصالح الأخيرة. فايران تمسك اليوم بيدها أوراقا عدة من الجزر الثلاث الى الورقة الطائفية الى دغدغة المشاعر العربية تحت مظلة القضية الفلسطينية الى القنبلة الذرية . ويمكن القول بانها تعمل دون كلل لتصبح القوة الاقليمية الوحيدة في المنطقة وهذا ما يفسر تدخلها المباشر أو بالواسطة في الشؤون العربية ،خاصة على أكثر الساحات العربية حساسية مثل العراق ولبنان وفلسطين ،مستغلة الفوضى في العراق والانقسامات في لبنان والاحباط في الشارع الفلسطيني . فبالامس كانت لها كلمتها في الشأن اللبناني واليوم يطلب منها توني بلير لتخرجه هو وشريكه بوش من المستنقع العراقي وليس من الغريب إذا سمعنا غدا بان الحكومة العبرية تريد الدخول في مفاوضات مباشرة مع الحكومة الفارسية بهدف اقرار السلام الدائم في المنطقة واستتباب الأمن فيها وسيقف حينها الشارع العربي الذي فقد ثقته بنفسه موقف المؤيد لها ، لان العرب لا يعرفون كيفية اللعب بأوراق القوة لديهم، وانا اريد هنا الاشارة الى ورقة وحيدة من بين مئات الاوراق التي يمتلكها العرب ومن شأنها أن تجعلهم يجدون نوعا من التوازن مع ايران لو أحسنوا استخدامها ،وأعني هنا الورقة العربية الاهوازية . خاصة وان الشعب العربي الأهوازي يعيش حالة احتقان تقترب رويدا رويدا من الانفجار وذلك في منطقة تضم شريان حياة ايران الاقتصادية أي 90% من النفط الايراني الذي يمنح ايران مقومات قوة اقليمية . فهذه الورقة لعلها تمكن العرب من إبطال مفعول الاوراق التي تستخدمها ايران على حساب الامن القومي العربي الى جانب كونها تمثل شعبا عربيا يتعرض يوميا لسياسات التفريس ومحو الهوية والقمع والاعدام والعرب نيام.

محمد حسن سلامة، «مصر»، 16/11/2006
شكرا لك ياسيد عبد الرحمن على هذا المقال الجيد ،، في اعتقادي ان الاشارة الاهم التي يجب ان نفهمها ان الولايات المتحدة وبريطانيا لا يهمهما غير مصالحهما فقط وتتبعان السياسة المكيافيلية الغاية تبرر الوسيلة ولعل ذلك يكون درسا لبعض الانظمة العربية التي رأت فيهما الحصن المنيع والصديق الوفي، ولعل الاشارة الاخرى هي ان الحقوق لا تعاد بالاستسلام والمفاوضات ولكن فقط منطق القوة هو السائد ،،، اتمنى ان نعي جيدا ان حصننا الاول كعرب وكمسلمين هو التوحد عربيا وعلى نطاق اوسع اسلاميا.

ahamed ali، «المملكة العربية السعودية»، 16/11/2006
اعتقد ان الموضوع هو مثلما ذكرت، فحل مشاكل المنطقة لا يأتي بهذه الطريقة، كما ان الاطراف المتناحرة لا يمكن الوثوق بها البتة، كل ما في الامر هو هروب من جحيم العراق.


فؤاد سيد، «ايران»، 16/11/2006
ايران تعرف ما تريد وتخطط مسبقا للسنوات الآتية و الدول العربية ما زالت تصر على ان 99% من اوراق اللعبة في يد أميركا وتنتظر ان تنتصر أميركا للعرب ضد اسرائيل.

خليل السراج، «الامارت العربية المتحدة»، 16/11/2006
المحزن في الموضوع أن إيران الدولة المحاصرة منذ ربع قرن ودخلت حربا طاحنة مع العراق استطاعت رغم كل هذا أن تبزغ كقوة إقليمية لها إحترامها وأن تطور أسلحتها وأن يحسب حسابها في أي تسوية إقليمية.