الطالباني..وأضحوكة منع التجوال!



كتابات - محمد الحسيني



وأنا أتابع بحزن وألم ما حل ببلدنا من فاجعة هي ليست الأولى في الشوط الطويل من هدر الدم المتبادل بسبب الشحن الطائفي، والذي أسهم فيه السياسيون من كل لون وعلى رأسهم الحكومة الموقرة التي تريد جنازة-أي جنازة- لتشبع فيها لطما ونواحا وشتما ولعنا للإرهاب الهلامي المزعوم وأهله الأشباح السوبرمان، مغطية بذلك الجرائم والانتهاكات الغير مسبوقة في تاريخنا والبشرية والتي ترتكبها بوضح النهار. ففضيحة وزارة التعليم ووزارة الصحة خير شاهد على ما نقول (فالمقارنة بين الحادثتين المتقاربتين يعني تورط الحكومة والكيل بمكيال حزبي طائفي لا يحتاج الى إثبات أو حلفان )..

وقد يكون مبررا لهذه الحكومة (أو الأصح المحكومة من قبل الميليشيات) وهي لا تملك أية حلول أخرى شافية سوى أن تفرض حظرا للتجوال بعد فاجعة مدن الصدر والاعظمية والكاظمية - كمثال لا للحصر- حيث تم تطبيق المنع على الناس كافة في بغداد وتعطلت أعمالهم وانقطعت أرزاقهم، تماما مثل كل مرة تلجأ فيها هذه المحكومة التي لا تملك حولا ولا قوة إلى ترديد الاسطوانات المعروفة في تحقيق انجازات محبوسة في مخيلتها المريضة ولا واقع ملموس لأقوالها، بل الأفعال خلاف الأقوال دائما. وان الأمور تحت السيطرة وكلشي تمام دام أبو علي سالم وجيبه عمران.

ثم إن حظر التجوال يسهل كثيرا من عمل الميليشيات وفرق الإعدام الجوالة وهي تحصد باسم المهدي والإسلام وحرية العراق ومكافحة الإرهاب- وكل ذلك منهم براء- المئات من أرواح الأبرياء عدا ما تمارسه يوميا من التهجير والترويع والتدمير الاقتصادي والنسف العلمي لكفاءات ورؤوس أموال التجار والعلماء وأصحاب الحرف في أسلوب تدميري ممنهج ومنظم ومدعوم صهيونيا ومجوسيا وانكلواميركيا- شئنا أم أبينا فهو الواقع بلا رتوش- وخير مثال هو ما جرى ويجري من قصف بالهاونات والصواريخ والغارات على الآمنين الأبرياء العزل من السلاح بوضح النهار والليل رغم فرض الحظر الانتقائي للأسف- ومدينة الحرية تعطيك مزيدا من التفاصيل- ليسجل ذلك صفحة سوداء في تاريخ المحكومة اللعينة وسوء إدارتها للازمات بل تازيمها للإدارة بالأحرى، فهي لا تهش ولا تنش.

بعبارة أخرى نحن أمام ميلشيات تمتلك حكومة وليس أمام حكومة لها ميليشيات فالفرق كبير وينبغي الانتباه لذلك.

والمضحك المبكي أن الرئيس جلال الطالباني-الضاحك الأوحد والمرتاح الأكبر من كل الهيصة والزنبليطة- يدلي للصحافيين بتصريح عجيب يمثل مفارقة وآخر نكتة كوردية على العرب تقال مع تصاعد الأحداث الدراماتيكية التراجيدية. فهو يقول بأنه لا يتمكن من التوجه لإيران بزيارة رسمية بسبب منع التجول الحكومي الذي أدى إلى غلق وتعطيل رحلات مطار بغداد!!! هاهاها. نكتة أليس كذلك!

كيف يكون لرئيس دولة يفترض بأنها ذات سيادة ونظام ديمقراطي تعددي (كما يزعم أولئك الذين لا يستطيعون نطق العربية ولو بسوادها المتعارف عليه) أن يستقل طائرة خاصة لأداء زيارة رسمية كما قيل بأنها مهمة. مع العلم بأن رئيسنا المبارك يعد من ارفع الشخصيات الرسمية التي يحق لها التجوال بأي منطقة وتحت أي ظرف، خاصة وان مستوى الأمن في ساعات الحظر هو الأعلى والأفضل لتنقل المسئولين كما يعرف أهل الأمن وغيرهم، مسئولون من نوع الطالباني الصديق الأوفى لقوات الاحتلال (يعني مش أي كلام) لا يحتاج لإذن من وزارة الداخلية أو مدير مطار بغداد ليطير ملبيا مهمة رسمية.وكان اضعف الإيمان أن يسافر من مطار السليمانية أو اربيل لو رغب بذلك. وأنا لست هنا لأتباكى على تأخر الزيارة أو أشجّع على ضرورة تلبيتها أو اثني رئيس البلاد المفدى عن قبولها، فتحققها من عدمه لا يغير من الأوضاع في البلاد شيء، اللهم إلا رصيد إضافي في جيب الوفود الرسمية وبروتوكولات وقبولات صداقة بين الأطراف المتحاضنة ليس إلا، فالطالباني شأنه شأن (حنّون) النصارى والمسلمين ما زاد ولا نقص فيهم حبّة أو خردلة.

فالطالباني يريد أن يقول لنا بأنه ملتزم بالقانون-قانون الطوارئ على الأبرياء- وانه مهتم بما يجري بالعراق من شلالات دماء وانهيار تام في كل مرافق الحياة، وكأني به يلطم على صدره وينتف شعره حزنا وكمدا على العزيزين. ونسي الإشارة انه في ذات الوقت تتمكن الميلشيات من التجول بكل حرية في ليل أو نهار وتضرب متى تشاء وأنى تشاء وبالطريقة التي تشاء مستفيدة من الدعم اللامحدود من قبل الحكومة وأحزاب الفتنة وطبالي الحرب الأهلية. الطالباني وأشباهه عربا وكوردا في القيادة وحاشيتهم وأفراد حماياتهم ملتزمون جدا بالقانون خاصة قانون المرور فهم لا يضايقون المواطنين ولا يطلقون الرصاص في الهواء ولا يتجاوزون حدود اللياقة أو الأدب على الإطلاق أثناء تجوالهم في شوارع بغداد العريضة المريحة بلا سدود ونقاط تفتيش وهمية!! وكأنهم في حلبة سباق سيارات فيراري أو يلعبون لعبة حرب النجوم مع المواطنين المساكين بسياراتهم الصدأة.

نصيحتي للطالباني في المرة القادمة أن يتوسط عند (أبو درع) أو احد وكلائه على الأقل في فروعه المنتشرة بكل مكان أو الاتصال على الرقم 130 لتأمين فرصة الوصول لأقرب مطار عسكري أو مدني وتأمين الطرق المؤدية من والى محل الإقلاع أو الهبوط طالما لا توجد حكومة تؤّمن سفر رأس الدولة الفخري ذو الوزن الفلكي والفم الضاحك والجبين العابس وكأنه بملامح وجهه يمثل كل ألوان الطيف العراقي بعلمه المضمخ بالدماء. أو يستطيع الرئيس الفخري في حال عجز كل المحاولات، أن يطلب مساعدة بنت العم إيران لتامين رحلته إلى هناك طالما هي (إيران) تمثل عمليا العاصمة والإدارة المركزية لشؤون الحكم ومرجعية معظم قادتنا في العراق.

ولا ادري لماذا يتعامل سياسيو هذه الأيام بهذا التسطيح الفكري والطرح الأعرج وكأن المتلقي ما زال يمسك (بمصاصة-وهي حلوى سكرية افتقدها كثيرا منذ بلغت الحلم قبل القرن التاسع عشر) عاش الحزب القائد ويرتدي برأسه قبعة مهرج لا يفقه من حياته سوى اللعب والأكل والنوم، هذا إن توفرت مقوماته طبعا؟ فالطروحات هذه إنما تدل على سذاجة مطلقيها فضلا عن ازدرائهم للمخاطبين.

وأتمنى أن يكون المتصدرون لمسئولية قيادة البلاد بمستوى الحدث وان يتعلموا من مستشاريهم ذوي الكروش المليئة بالدولارات أن يكونوا بمستوى يليق بأبناء الشعب العراقي المتفتح والواعي والمتعلم، والذي ملّ من كل النكات السخيفة المبكية إلى حد الكآبة والشلل. فيا حكّاما بلا كراسي شرعية يكفي فقد جفت دموعنا من كثرة الضحك ونحن في عزاء دائم. فلا أعظم الله أجركم..



[email protected]