النتائج 1 إلى 2 من 2
  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jun 2006
    المشاركات
    3,861

    افتراضي موت الجميل وضحك المعلم وغضب الضاري وحيرة المالكي

    موت الجميل وضحك المعلم وغضب الضاري وحيرة المالكي
    Gmt 10:00:00 2006 الإثنين 27 نوفمبر
    حسين كركوش



    --------------------------------------------------------------------------------


    ما دامت أمورنا، نحن العرب من المحيط إلى الخليج، على ما يرام، وما دام لدينا فائض كثير من الوقت، دعونا، هذه المرة، نتسلى ونقضي وقتنا بحل الكلمات المتقاطعة والفوازير. وستكون البداية بحل هذا اللغز: كيف تكون جملة مفيدة من الأسماء التالية: دونالد رامسفيلد، بيار الجميل، وليد المعلم، بوب غيتس، بيكر وهاملتون، أحمدي نجاد، نوري المالكي، حارث الضاري، كوندليزا رايس؟ ولا يهم أن تكون الجملة التي سيكونها كل واحد منا، مفيدة، أو نصف مفيدة، أو وسريالية، بل لا يهم حتى ان نكون الجملة، ونستعيض عنها بشعر شعبي/ مثلما سأفعل. أما قلنا إننا نتسلى!

    إقالة رامسفيلد خطوة باتجاه حل سلمي للقضية العراقية
    عندما أقيل، أو بالأحرى طرد، رامسفيلد من منصبه بعد انتخابات الكونغرس، فأن جهات كثيرة أميركية، وغير أميركية، فرحت. سنهمل، بالطبع، أولائك المخبولين الذين رأوا في هزيمة رامسفيلد، عقوبة سماوية نزلت به بفضل أدعيتهم وصلواتهم. ونبدأ بالذين يفكرون بعقولهم.
    أول الذين فرحوا هم الأوربيون، خصوصا في الدول التي عارضت الحرب على العراق. وهولاء لم يفرحوا فحسب، وإنما كادوا أن يموتوا فرحا. فهم اعتبروا هزيمة رامسفيلد، انتصارا سياسيا وعسكريا وأخلاقيا لهم، وثأرا من جميع المحافظين الجدد في إدارة الرئيس بوش، الذين يعتبرون هذا "العجوز المتعجرف" مثالهم الأعلى وملهم أرائهم، ومشاريعهم التي وجدت لها تطبيقا عمليا في الحرب على العراق، بالرغم من معارضة الأمم المتحدة، و أوربا التي شاخت وأصبحت، كما قال هولاء المحافظون، "أوربا العجوز". ولهذا، فإن بعض كتاب الأعمدة في بعض كبريات الصحف الأوربية، لم يجدوا غير مثلبة واحدة ليعبروا خلالها عن شماتتهم بطرد رامسفيلد، سوى قولهم" إنه الرجل الذي وصف أوربا ب"العجوز" العاجزة عن فعل أي شيء.
    الجهة الثانية التي فرحت هم "الديمقراطيون" الأميركيون الذين رأوا في هزيمة رامسفيلد، خطوة ستقربهم من الفوز في الانتخابات الرئاسية القادمة، لأن فشل رامسفيلد يعني، في رأي الناخب الأميركي، فشل الجمهوريين في إدارة البلاد.
    الجهة الثالثة التي فرحت هي، وزيرة الخارجية الأميركية "الدكتورة" كوندليزا رايس. فقد تنفست الصعداء هذه الأكاديمية الرصينة، العاقلة، العقلانية، الصبورة، وهي ترى هذا العسكري العنيد، ذا العقل العسكري الحامي، يغرب، أخيرا، عن طريقها، ويستبدل ببوب غيتس، رجل المخابرات المحترف والأكاديمي مثلها، الذي كانت قد خبرته عن كثب إثناء عملهما المشترك في ولاية بوش الأب. وتقول بعض التقارير الصحفية أن "الدكتورة" كانت قد دخلت "تحت أبط" نائب الرئيس، ديك تشيني، وأقنعته بان يساعدها في التخلص من رامسفيلد، فكان لها ما تريد.
    الجهة الرابعة هم العسكريون الأميركيون الذين يديرون، ميدانيا، العمليات العسكرية في العراق وأفغانستان. هولاء ضاقوا ذرعا بأوامر قائدهم الذي ظل يطالبهم بأن يأتوا له بأعداء أميركا "أحياء أو ميتين"، دون الالتفات إلى ما يواجهونه من تعقيدات ومصاعب في ميادين القتال، ودون الأخذ بنظر الاعتبار ما يجب أن تفعله "السياسة" في هذا الشأن.

    إقالة رامسفيلد لا تعني التخلي عن إرثه
    لكن، علينا أن نعرف أن جميع هذه الجهات التي فرحت بإقصاء رامسفيلد من منصبه، بما في ذلك الحزب الديمقراطي، بل وحتى الأوربيين، إنما فعلت ذلك، ليس لأنها تريد انسحابا فوريا للقوات الأميركية من العراق، وبالتالي هزيمة مدوية لأميركا، وإنما تريد أن تأخذ "السياسة"، أيضا، وليس الحل العسكري وحده، دورها في التوصل إلى حلول. ومن قرأ ما كتبته بعض الصحف الأوربية في افتتاحياتها بعد عزل رامسفيلد، يعرف أي ازدواجية تضمنتها تلك الافتتاحيات. فمن جهة، نجد شماتة واضحة بهزيمة رامسفيلد، وحتى بخسارة الحزب الجمهوري، عموما، وكذلك رغبة في انسحاب تدريجي لأميركا من العراق. ومن جهة ثانية، نجد رعب حقيقي، سببه خوف الأوربيين من انسحاب مبكر للقوات الأميركية من العراق. ويكاد الأوربيون يجمعون على أن أي انسحاب غير محسوب لأميركا من العراق إنما سيكون عملا خطرا وهزيمة مذلة، ليس لأميركا وحدها، وإنما لعموم العالم الغربي. وفي نهاية المطاف، فأن الأوربيين يلتقون مع الأميركيين، عندما يتعلق الأمر بموضوعة، منح السياسة، وليس القوة المسلحة وحدها، دورا في حسم الأمور.


    ولعل الشهادتين اللتين استمع لهما أعضاء الكونغرس، من قبل وكالة المخابرات المركزية، بشخص السيد مايكل هادن، من جهة، والقوات العسكرية العاملة في العراق، بشخص الجنرال جوني أبو زيد، من جهة ثانية، تصبان في هذا المجرى. فقد طغى التفاؤل على شهادة الجنرال أبي زيد، عندما رأى، وهو رجل الميدان الذي يقدر الأمور عن كثب ويتحمل، بشكل مباشر، مسؤولية موت الجنود الأميركيين أكثر من غيره، بأن الأمور داخل العراق ليست، عسكريا، بهذا التدهور الذي يتم الحديث عنه. وأكد أبو زيد أنه لا توجد حاليا حاجة، لا لخفض القوات هناك، ولا لزيادة عددها.
    إما شهادة مايكل هادن، فقد طغى عليها التشاؤم، لكنه تشاؤم يؤيد، في نهاية المطاف، الحلول السياسية. فقد رأى هايدن، في شهادته، بأن أي نصر لتنظيم القاعدة في العراق، إنما يعني وقوع العراق بأيدي المتشددين الأصوليين الذين سيهددون، ليس أمن المنطقة كلها فحسب، وإنما امن الولايات المتحدة. وقال أن العنف المتصاعد في العراق سببه التناحر الطائفي، ونشاط المليشيات.
    والشهادتان كلاهما تؤكدان، ضمنيا، على إيلاء أهمية ل"السياسة". وهذا ما أكده ستيفن هادلي، مستشار الرئيس بوش لشؤون الأمن القومي، عندما أعلن في 15/11/2006 بان البيت الأبيض بصدد إعادة مراجعته للسياسة الأميركية داخل العراق، ورأى أن هذه المراجعة ستتم قريبا، عن طريق انجاز كتابة تقرير متكامل يرفع للرئيس. وهادلي كان يلمح إلى ما شهده الأسبوعان الأولان من شهر نوفمبر الجاري من اجتماعات مغلقة لمسؤولين في مجلس الأمن القومي والبنتاغون والخارجية ووكالة المخابرات المركزية وأجهزة مخابرات أخرى، لمعرفة ما يقدمه كل جهاز من هذه الأجهزة من أراء حول "المسألة العراقية"، ليصار بعد ذلك، أي بعد دمج وجهات النظر المختلفة، إلى تقديم تقرير كامل إلى الرئيس. ومن المفترض أن التقرير النهائي أصبح الآن أمام الرئيس بوش،الذي ما يزال ينتظر، أيضا، ما ترفعه لجنة بيكر/ هاملتون من توصيات، حتى يتسنى له معرفة الأمر من جميع جوانبه.

    بماذا ستوصي لجنة بيكر/ هاملتون ؟
    في الواقع، أن فكرة إعطاء حيز للعمل السياسي، ليست وليدة هذه اللحظة، وليست لها علاقة مباشرة ووثيقة بنتائج انتخابات الكونغرس التي جرت في السابع من نوفمبر الجاري. وهي محاولة لا تقتصر على الديمقراطيين وحدهم. فلجنة تقصي الحقائق، أو ما باتت تعرف بلجنة بيكر/ هاملتون، تم تشكيلها قبل ثمانية أشهر، والأعضاء العشرة الذين تتكون منهم اللجنة، ينتمون إلى الحزبين الجمهوري والديمقراطي. والمعروف عن بيكر وهاملتون ابتعادهما عن (الحنديرية)/مفردة يطلقها العراقيون على من يتمسك برأيه، مهما كانت النتائج/ المبدأية والأيديولوجية، وتمسكهما بسياسة براغماتية، تؤكد على الواقعية في العمل السياسي. بمعنى أخر، أن لجنة بيكر/ هاملتون، التي يفترض أن تقدم نتائج تقريرها إلى الرئيس منتصف شهر ديسمبر/ كانون الأول القادم، هي لجنة (أميركية)، بعيدة عن الصراعات الحزبية، هدفها كيفية الدفاع عن المصالح الأميركية العليا. وهذا مؤشر واضح على أن "اللكمات" بين الجمهوريين والديمقراطيين، تظل دائما تحت الحزام، ما دام الأمر يتعلق بالمصالح الإستراتيجية العليا لأميركا، وكل ما عدا ذلك مسموح به. بالإضافة لذلك، فأن توصيات اللجنة المذكورة، تظل مجرد توصيات، قد يأخذ بها الرئيس أو قد يرفضها، أو ينتقي منها بعض الأفكار. أي أنها ليست قرارات رسمية ملزمة للرئيس.
    لكن، بماذا (يبشر) هولاء الأعضاء العشرة الرئيس بوش، عندما سيرفعون إليه توصياتهم ؟

    وفقا لما تتداوله وسائل الإعلام، فأن تقرير لجنة بيكر/ هاملتون لن يختلف كثيرا عن "التقرير" الذي أعده موفد عشيرة زوبع، وذهب مثلا يردده العراقيون.
    وما دمنا قد وعدنا القاريء أن نتسلى وإياه، فأننا نورد قصة هذا المثل. إذ يقال أن أحد أفراد عشيرة زوبع ( عشيرة عراقية ينتمي إليها الشيخ حارث الضاري، أمين عام هيئة علماء المسلمين) أسمه حسين، سجن في احد مراكز الشرطة يقع في منطقة الخان (سمي لاحقا خان ضاري، تيمنا بجد الشيخ حارث الذي قتله الإنكليز)، أيام الاحتلال البريطاني. وقررت العشيرة أن توفد أحد أبنائها لتقصي الخبر وإعداد "تقرير" مفصل عن الوضع الذي يعيشه حسين. وفي المساء عاد الموفد، وعندما سألته عشيرة زوبع عن فحوى التقرير الذي يفترض انه أعده، فأنه قال بكل برودة أعصاب : " تهون يا زوبع. حسين بالخان، لو حبس، لو جزا، لو تنكنك بالعصا". أي أن صاحبنا حسين ما يزال موقوفا داخل الخان، وستكون عقوبته، إما الحبس أو دفع غرامة أو ضربا بالعصي.

    وهكذا سيكون، على الأرجح، تقرير لجنة بيكر/ هاملتون. فالمعلومات الصحفية المتداولة حتى الآن تشير إلى أن التقرير لا يخرج من ثلاث اقتراحات: بقاء القوات الأميركية داخل العراق والعمل باتجاه عراق فيدرالي موحد، أو عراق موحد غير فيدرالي لكنه يتمتع بإدارة لامركزية، أو وضع الحكومة العراقية، سواء كانت حكومة المالكي الحالية أو أي حكومة تحل محلها إذا عجزت، أمام مسؤولياتها ومسكها بزمام الأمور، و إعادة نشر القوات الأميركية وانسحابها التدريجي، وصولا إلى انسحاب كامل، أو فتح قنوات اتصال مع إيران وسوريا، لطلب مساعدتهما على استتباب الأمن.

    ماذا تريد إيران وماذا تريد أميركا؟
    وفي هذه الحالات كلها، فأن التقرير س"يفسر الماء بعد الجهد بالماء". أي لن يضيف شيئا جديدا لما هو متداول حاليا لدى الجميع من حلول. وهذا ما اعترفت به وزيرة الخارجية كونداليزا رايس، عندما قالت مؤخرا (لا توجد هناك حلول سحرية والمسؤولية الكبيرة تقع على عاتق العراقيين أنفسهم). لكن، ما قالته الوزيرة الأميركية لا يعني أن الولايات المتحدة وصلت إلى مرحلة اليأس، بشأن التعويل على دول الجوار العراقي. إن الأمر يبدو على العكس تماما.
    ففي اللحظة التي كانت تتحدث فيها رايس عن عدم وجود حلول سحرية، فأن مسؤولين أميركيين كبار كانوا يلمحون إلى إمكانية وجود هذه الحلول. فقد أوضح ديفيد ساترفيلد أمام مجلس الشيوخ في 14/11/2006 بأنه ( من ناحية مبدأية، نحن مستعدون لمناقشة النشاطات الإيرانية في العراق. إما توقيت إجراء حوار كهذا، فانه ما يزال قيد الدراسة).
    وفي اليوم نفسه، أي في 14/11/2006 جاء الرد الإيراني على الاقتراح الأميركي، على لسان وزير الخارجية، مونشهر متقي. والرد الإيراني لم يكن على طريقة (أبد والله ما ننسى حسيناه)، فهذه (اللطمية) تخلى عنها الإيرانيون، وتركوها لأشقائهم العراقيين يرددونها في شوارع مدنهم. رد الجمهورية الإسلامية الإيرانية جاء على طريقة بائعي ومشتري الفستق والسجاد في البازار: أعرض لي عينة من السلعة التي تريد بيعها، وحدد لي الأسعار، وبعد ذلك سأقرر، إذا كنت سأشتري أو لا.
    فقد أعلن وزير الخارجية الإيراني بان بلاده (مستعدة للنظر في أي طلب لإجراء نقاشات فيما يتعلق بالأوضاع داخل العراق، ولكن هذا لا يعني أن علينا قبول كل ما يطلب منا).
    وخوفا من أن يكون وزير الخارجية قد فاته شيئا أو نسى توضيح بعض الأمور، فان الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد تدخل، بنفسه هذه المرة، فأوضح الأمور، بدون لبس ولا غموض، ووضع "النقاط" على رؤوس "الحروف" النووية. وعلى غرار رد وزير خارجيته، فان الرئيس الإيراني لم يقل (يا سيوف خذينا)، لأن هم إيران الأكبر وشغلها الشاغل، بعد أن خلفت وراءها المراهقة السياسية ودخلت سن النضج، هو توفير الخبز والحليب، والطاقة النووية كبديل عن البترول في حال نضوبه، ولم لا، الصواريخ العابرة للقارات، أيضا. ولهذا، فان الرئيس الإيراني قال بان بلاده (مستعدة للإقدام على الخطوة الأخيرة، للسيطرة كليا على الطاقة النووية، وان إيران تريد تركيب ستين ألف جهاز طرد مركزي لتخصيب اليورونيوم). أي، وبمعنى أوضح، أراد نجاد أن يقول للأميركيين: هذه مطالبنا لإقامة الحوار: أن تطلقوا أيدينا في المجال النووي. وهذه براعة سياسية تسجل للجمهورية الإسلامية الإيرانية، وليست ضدها. فإيران تعرف أنها لو سلمت من ضربة عسكرية خلال ولاية الرئيس بوش الحالية، فليس هناك فرضية حقيقية أن تضربها أي إدارة أميركية قادمة.
    بالطبع، أن الموقف الإيراني الحالي لا يعني أن إيران تجد مصلحة إستراتيجية في استمرار الاضطرابات داخل العراق، إلى ما لا نهاية. إنه يعني أن إيران تريد أن تجد أمامها ألان أميركا ضعيفة ومتوسلة، حتى تملي عليها شروطها. وبكلمة أخرى، تريد إيران "ضبط" هذه الاضطرابات، والتحكم في "دوزنتها"، على ضوء ما يحدث بينها وبين أميركا من مستجدات. إما على المدى البعيد، فأن المصلحة الإيرانية تكمن في وجود عراق هاديء ومستقر ومسيطر على حدوده. فإيران تدرك جيدا، أن الفوضى العراقية، إذا استمرت، فستصيبها بعدواها، بهذا الشكل أو ذاك.

    زيارة المعلم للعراق خلقت الرعب في نفوس الكثيرين

    هذا فيما يخص الجانب الإيراني. إما فيما يتعلق بالجانب السوري، فان الأمر لا يختلف كثيرا. فبعد أن حاول الأميركيون، وفي الواقع ما يزالون، محاصرة سوريا، وعزلها، واستصغار شأنها، عادوا أخيرا إلى مغازلتها، ثم إجراء حوار معها بشأن الملف العراقي. وما من عاقل يصدق أن الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير الخارجية السوري وليد المعلم، وما نتج عنها من استئناف للعلاقات الدبلوماسية بين البلدين، كانت مبادرة سورية خالصة، أو أنها حدثت بمعزل عن ما تم حتى الآن من مباحثات بين المسؤولين الأميركيين والسوريين.
    وما دام من المتوقع أن يوصي التقرير المنتظر للجنة بيكر/ هاملتون، التي تضم الجمهوريين و الديمقراطيين، بإجراء حوار أميركي مع سوريا، فلماذا لا تستبق إدارة بوش الأمور، وتقوم بإجراء هذا الحوار بنفسها. إن الجمهوريين والديمقراطيين يعرفون أن فوزهم بالانتخابات الرئاسية القادمة، يعتمد كثيرا على الحل الذي سيقدمونه للناخب الأميركي، بشأن الخروج من الورطة العراقية. فالجمهوريون لا يستطيعون الفوز بالانتخابات الرئاسية القادمة إذا ظلوا ينوءون بحمل التواجد العسكري لأكثر من 150 ألف جندي في العراق، تتناقص أعداهم يوميا بفعل العنف هناك، خصوصا إذا اشتعلت حرب أهلية. والديمقراطيون الذين فازوا في هذه الانتخابات الجزئية في الكونغرس، يعرفون أن حظوظهم بفوز رئاسي قادم ستتعزز أكثر، إذا قدموا لمواطنيهم حلا مقبولا للقضية العراقية. ولكن، لا هولاء ولا اولاءك مستعدون لإجراء انسحاب فوري.
    ولهذا، فأن التكتيك الجديد، المتوقع تطبيقه من قبل إدارة بوش، من الآن فصاعدا، سيكون: يد تمسك بالبندقية، ويد تفاوض.
    وها هي المفاوضات انطلقت، فعلا، بين الولايات المتحدة، من جهة، وبين الجماعات المسلحة العراقية المناهضة للعملية السياسية، وسوريا، من جهة ثانية. وقد تمتد هذه المفاوضات في الأيام القادمة لتشمل إيران، أيضا. ومن الطبيعي والمتوقع أن تثير هذه الخطوات ردود أفعال مضادة ومتباينة، ومحاولات لإفشالها من قبل أوساط عراقية سنية وشيعية، وعربية وإقليمية ودولية وحتى أميركية، بل حتى داخل الإدارة الأميركية نفسها. ومن الطبيعي والمتوقع، أيضا، أن تثير انقسامات حادة في صفوف الأطراف التي تفاوضها أميركا، خصوصا الجماعات العراقية المسلحة المناهضة للعملية السياسية الجارية في العراق. وقد بدأت هذه الانقسامات تظهر على السطح، وبأسلوب عنيف، أحيانا، وقد يزداد عنفا وشراسة في الأيام القليلة القادمة. ونتوقع أن تشهد العاصمة العراقية خلال الأيام القليلة القادمة أعمال عنف أكثر بكثير مما يحدث الآن. وستشهد المدن العراقية نشاطات مكثفة للمليشيات الشيعية، أيضا، ستكون بمثابة استعراض قوة وإثبات وجود، أو مسألة حياة أو موت.
    وأول بوادر الحوار، أو التقارب السوري/ الأميركي/ العراقي هي، جريمة اغتيال الشيخ بيار الجميل، وزير الصناعة اللبناني. ورغم أنه لم يتم التوصل حتى الآن لمعرفة الجهة التي ارتكبت الجريمة، ورغم عدم استبعاد أي جهة، بما في ذلك سوريا، كما أوحت قوى 14 آذار، إلا أننا لو اعتمدنا على منطق الأشياء وحده، فسنرى أن توقيت هذه الجريمة، يصب في عرقلة عملية التطبيع السورية الأميركية العراقية، وسد الطريق بوجه سوريا للخروج من عزلتها. وعلينا أن لا ننسى أن الشيخ بيار الجميل عرف باعتداله، وهو القائل: (أنني أرى في قانون محاسبة سوريا مشروعا إسرائيليا ضد سوريا والعرب ولبنان ضمنا. ولذلك يجب معارضته تفويتا للفرصة على إسرائيل فلا نمكنها من تنفيذ مخططاتها في المنطقة). وهو القائل، أيضا: (لا مستقبل للبنان دون إقامة علاقات طبيعية جدا مع سوريا).

    من يمثل "المقاومة العراقية"؟ ومن هو "الأمير"؟
    وعلى صعيد "المقاومة العراقية"، فأن ردود أفعالها على عملية التقارب السوري العراقي، اتسمت بالانفعال والغضب والتشاؤم، بل وبالذعر، أيضا. وحالما وطأت أقدام وزير الخارجية السوري مطار بغداد، بدأت بعض وسائل الإعلام المقربة من "المقاومة"، بشن حملات قاسية ضد سوريا. فقد وصف موقع على شبكة الإنترنيت، مقرب من "المقاومة" العراقية، وزير الخارجية السوري ب(الأرنب) و(الخروف)، وقال: ( فجأة تقرر عقد اجتماع ترفيهي على طريقة زواج المنعة "من الممانعة" طويل الأمد بين نظام الاحتلال العراقي الصفوي والنظامين الممانعين في طهران ودمشق)، وأضاف (وحدها المقاومة البطلة العراقية ستعلم المعلم ومعلميه وحلفاءه القدامى والجدد).
    وإذا كانت زيارة وزير الخارجية السوري لبغداد، واستئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، قد ولدتا ردود أفعال غاضبة من قبل"المقاومة العراقية"، فأن هذه الزيارة ساهمت، حتى قبل أن تتم، في إحداث بلبلة (حتى لا نقول انقسامات) في صفوف التجمعات والهيئات والأحزاب العراقية السنية، سواء تلك التي شاركت في العملية السياسية، ولكنها ما تزال تنتقدها، مثل كتلة التوافق العراقية، أو تلك التي عارضت العملية السياسية جملة وتفصيلا. وهذه الصراعات ليست بعيدة عن تأثير المفاوضات الجارية بين الولايات المتحدة وبين الفصائل العراقية المسلحة المناهضة للأوضاع الحالية في العراق، وبالتالي حول الجهة "الحقيقة" التي تدعي تمثيل "الشارع السني".

    فحزب البعث العراقي يرى أنه الجهة الوحيدة التي يحق لها تمثيل "المقاومة"، وبالتالي فهو يرى أنه "المحاور" الوحيد، أو على الأقل الرئيسي" الذي يجب أن تصغي إليه أميركا، إذا أرادت تهدئة الأوضاع. وكتلة التوافق المشاركة في الحكومة والبرلمان، ترى أنها الجهة الوحيدة التي يجب أن تتحاور معها أميركا، لأنها منتخبة من قبل عموم العراقيين السنة. وبعض العشائر العراقية السنية، خصوصا تلك المنضوية تحت تجمع "صحوة الأنبار" بدأت تطارد تنظيم القاعدة، وتطلب عونا عسكريا من الحكومة العراقية لمساعدتها. وتنظيم القاعدة يحاول، بكل الوسائل، مهما كانت قاسية ودموية، أن يفشل الحل السياسي، ويستمر قدما في مسعاه لدفع الأمور إلى نقطة اللاعودة، عن طريق إشعال حرب أهلية شاملة. والملاحظ هو، دخول هيئة علماء المسلمين في العراق، كطرف سياسي منافس، على خط الصراعات السياسية المكشوفة داخل "الشارع العراقي السني"، وتخليها عن مهمة "الوعظ والإرشاد"، أو كونها "مرجعية" لعموم العراقيين السنة، كما كانت تقول سابقا.
    فقد شنت الهيئة حملة "شتائم" قاسية ضد زعماء جبهة التوافق المشاركين في الحكومة، وخصوصا الحزب الإسلامي الذي يمثله في الحكومة الأستاذ طارق الهاشمي، نائب رئيس الجمهورية. ورافق ذلك هجوم إعلامي شنته "كتائب ثورة العشرين"، وهي فصيل مسلح، يرى البعض أنه مقرب من أمين هيئة علماء المسلمين، ضد حزب البعث، الذي ينشط عسكريا، هو الآخر، ضد العملية السياسية الجارية. وقال بيان "الكتائب" أن حزب البعث هو حزب علماني كافر، ليس له علاقة بالمقاومة الإسلامية، وأتهم البيان الحزب بأنه، عندما كان في السلطة، كان يلاحق ويسجن "المجاهدين" الذين ينشطون الآن ضد القوات الأميركية.
    ثم، توجه أمين عام هيئة علماء المسلمين، الشيخ حارث الضاري، ضد "مجلس عشائر صحوة الانبار"، الذي شرع بمطاردة أعضاء تنظيم القاعدة. ووصف الشيخ الضاري أعضاء مجلس العشائر بأنهم "مجموعة من قطاع الطرق". وكان رئيس عشائر صحوة الانبار الشيخ عبد الستار أبو ريشة، الذي حظى باستقبال رئيس الوزراء ووزير الدفاع، قد هاجم، هو أيضا، الحزب الإسلامي المشارك في الحكومة والذي يدير المجلس البلدي في مدينة الفلوجة.
    لكن الانقلاب الأكبر، أو المفاجأة الأكبر هي التي وردت على لسان الشيخ حارث الضاري، فيما يتعلق بموقفه من مسألتين هما: جدولة انسحاب القوات الأميركية، والموقف من تنظيم "القاعدة" في العراق. فقد طالب الشيخ حارث الضاري، ولأول مرة، "الإدارة الأميركية إلى عدم سحب قواتها العسكرية في العراق، قبل إنشاء قوة أمنية عراقية وطنية لا تدين بولائها إلى الأحزاب الحاكمة". /صحيفة الزمان البغدادية في 23/11/2006. والمعروف أن الضاري كان في مقدمة الداعين لخروج القوات الأميركية، اليوم قبل الغد، كما كان يؤكد. وظلت هيئة العلماء المسلمين تطالب بانسحاب القوات الأميركية كشرط لإجراء أي مصالحة وطنية.
    والانقلاب الآخر هو، إطراء الضاري، علنا، على نشاط تنظيم القاعدة في العراق، ووصفه لهذا النشاط (بالتأكيد مقاومة). لكن اللافت هو، عندما تعلق الأمر بمسألة "الإمارة الإسلامية" التي أعلن تنظيم القاعدة عن قيامها في العراق، فأن الشيخ حارث الضاري أعترض على قيامها، وتساءل :"كيف تقوم الإمارة قبل معرفة من هو أمير هذه الإمارة"/مقابلة الشيخ حارث الضاري مع قناة العربية في 10/11/2006/.
    والذي يبعث على الحيرة هنا هو، أن رئيس هيئة علماء المسلمين يعرف جيدا أن تنظيم القاعدة يستهدف، بشكل متواصل، المملكة العربية السعودية ومصر والأردن وسوريا، وهي الدول التي يجد عندها الضاري استقبالا له. فكيف يدافع الضاري عن تنظيم تعتبره هذه البلدان إرهابيا، وتحملت الكثير من نشاطاته ضد أمنها ؟ أكثر من هذا، أن الشيخ حارث الضاري أختار القاهرة، بالذات، ليطالب منها العرب بسحب اعترافهم بحكومة المالكي !
    والسؤال، هنا: هل كان اختيار القاهرة لإطلاق هذا التصريح، مجرد صدفة، أو مجرد هفوة دبلوماسية، تفتقر إلى الاتيكيت، أم أنه حدث بتشجيع مصري، تريد القاهرة خلاله أن تعبر عن غضبها من محاولة عزلها، وعن امتعاضها من أي محاولة أميركية/سورية إيرانية، للتعامل مع الملف العراقي، تتم على حساب تهميش دور مصر الإقليمي، وأن مصر تريد أن تقول لمن يهمه أمر الملف العراقي، بأنها تملك من الأوراق "العراقية" ما يكفيها لإعاقة هذا التحرك الجديد الجديد ؟
    وعلى أي حال، فنحن نرى أن دفاع الضاري عن "القاعدة"، ورفضه لحكم الإعدام بحق صدام، وتكثيف الحديث عن المقاومة، ومطالبته العرب بسحب الاعتراف عن الحكومة العراقية الحالية، تأتي كلها في إطار الصراعات بين الجماعات العراقية السنية حول من يمثل المقاومة، ومن هو "الأمير" الذي يفرض نفسه قائدا مستقبليا لعموم العراقيين السنة، ومحاورا مباشرا ورئيسيا، إن لم يكن وحيدا، مع الأميركيين والحكومة العراقية.

    المالكي سيقرأ أمام بوش مقتطفات من شعر الحاج زاير الدويج
    والآن، ماذا عن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، وماذا سيحمل معه من اقتراحات وأراء عندما سيلتقي الرئيس بوش في عمان بعد يومين، وماذا سيسمع من الرئيس الأميركي ؟
    لقد دأب بعض المعلقين على القول بأن الرئيس بوش أصبح، بعد هزيمة حزبه في انتخابات الكونغرس الأخيرة، "بطة عرجاء". وهذا كلام غير صحيح. وإذا كان هناك سياسي واحد في العالم كله ينطبق عليه هذا الوصف، فهو رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي. بل، أن المالكي هو "بطة مقيدة الأرجل"، و"معقودة اللسان" : الرئيس بوش بانتظاره، والتيار الصدري من وراءه، والمجلس الأعلى تحت إبطه، وجبهة التوافق على يساره، و"المقاومة" على يمينه، فليس له، والله، غير الصبر والسلوان، والاعتماد على ذخيرته من (الحسجة/نوع من أنواع التورية في اللهجة العراقية).

    وبما أن غرضنا من هذا المقال هو، التسلية، كما قلنا في البداية، فأننا نسجل هذا السيناريو الذي نتوقع أن يحدث بين المالكي وبوش عندما يلتقيان:
    بعد المصافحة، يسأل بوش المالكي: كيف أحوالك يا سيادة رئيس الوزراء؟ فيجيبه المالكي بمقطع من قصيدة لشاعر العراق الأشهر الحاج زاير الدويج، ويلقيه بصوت أم ثكلت بكل أبنائها:

    كطان جني صرت ما بين عجلة فال / واحد يكل للآخر هو ولك نوحه

    ويشرح المترجمون للرئيس بوش، بأن السيد المالكي يقول إن حاله يشبه السمكة العراقية (كطان)، التي أحاط بها جميع صيادي الكون، وكل واحد منهم يحمل (فالة وجمعها فال) وهي أداة عراقية بدائية لصيد السمك، ويريد أن يغرس أسنانها في جسدي، لأكون من حصته وحده. ورغم هذا الشرح الوافي، فأن بوش يسأل المالكي مرة أخرى: أردت أن أعرف أحوال العراق، وأين وصل الصراع بين السنة والشيعة؟ وهنا، تمر في ذهن المالكي أمور عديدة منها، زيارة المعلم للعراق، اغتيال الشيخ بيار الجميل، موافقة الحكومة اللبنانية على تشكيل محكمة دولية لمحاكمة قتلة الحريري، استقالة نواب حزب الله وحركة أمل، نتائج الانتخابات في البحرين، مطالبة الشيخ حارث الضاري للعرب، من وسط القاهرة وبالقرب من مقر جامعة الدول العربية، بسحب الاعتراف بحكومة المالكي، استمرار روسيا بتزويد إيران بمفاعلات نووية رغم احتجاج أميركا ودول الاتحاد الأوربي، إمكانية أن تتحول الصين إلى أكبر مستورد للنفط في العالم، اعتراف خالد مشعل بان إيران تزودهم بملايين الدولارات عدا ونقدا، تهديد حزب الله بالنزول إلى الشارع، نشاط أكثر من عشرين جهاز مخابرات دولي داخل العراق....
    وعندما يكرر بوش مرة أخرى سؤاله عن الصراع بين السنة والشيعة في العراق، فان المالكي يمد يده داخل حقيبته اليدوية، ويخرج منها كومة كبيرة من خيوط الغزل، يسميها العراقيون (وشيعة)، مكونة من الحرير الذي ينزلق بين الأصابع لنعومته، بعد أن كان المالكي قد "خربطها" تماما، فلم يعد بالإمكان تحديد بدايتها من نهايتها. ثم يقول للرئيس بوش هذا البيت الشعري، ولكن هذه المرة من ("الملمع": نوع من أنواع الشعر العراقي باللهجة العراقية الدارجة):

    إن الصراع معقد ببلادنا / شنهو ال حكي يا بوش، سنة وشيعة
    وإذا شككت بقولنا يا سيدي/ أرجوك دور وياي راس الوشيعة.

    ثم يناول المالكي (الوشيعة) إلى الرئيس بوش، وينفض الاجتماع.

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Apr 2006
    الدولة
    000
    المشاركات
    1,930

    افتراضي

    عاش ذوقك أخي الاطرقجي

    مقال واقعي وجميل وهادف

    وينقل تصورات يومية لعالم الصحافة وقراؤها

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
 
شبكة المحسن عليه السلام لخدمات التصميم   شبكة حنة الحسين عليه السلام للانتاج الفني