مختار لماني: كنت في حماية الأكراد.. ورسائلي تعرضت لتدخلات

ممثل الجامعة العربية يكشف لـ«الشرق الأوسط» أسرار استقالته من رئاسة بعثتها في بغداد * لا تصدقوا قصة الطائفية فالعشائر الجنوبية الشيعية تشكو من التغلغل الإيراني * أقمت بالمنطقة الحمراء وحين طلبت جهاز فاكس للاتصالات المأمونة لم يصلني حتى لحظة المغادرة

عبد المنعم مصطفى
كشف مختار لماني، ممثل جامعة الدول العربية في العراق، عن تفاصيل مثيرة وخطيرة عن الوضع الداخلي في العراق محذراً من غياب الدور العربي، وتحويل عدة أطراف خارجية للأرض العراقية كساحة للاقتتال والاحتقان الطائفي. وتقدم لماني باستقالته للأمين العام لجامعة الدول العربية قبل يومين، بعد عمل استمر في العراق نحو سنة كاملة، تمكن خلالها من إجراء اتصالات مع كافة الأطراف العراقية، وأكد أن الإدارة الأميركية ارتكبت خطأ فادحاً بحل مؤسسات الدولة واجتثاث حزب البعث وحل الجيش، مشيراً إلى أن تقرير بيكر ـ هاملتون، لا يخدم في النهاية غير المصالح الأميركية، وقال إن الحالة في العراق معقدة ومرشحة لمزيد من التعقيد، إذا استمرت دول الجوار في تغذية الطائفية على حساب مصلحة الشعب العراقي، مشيراً الى ان أعمال التهجير والقتل على الهوية لم تعد بين طائفة وأخرى بل امتدت إلى الاقتتال داخل الطائفة الواحدة وبعضها البعض.. «الشرق الأوسط» التقت بـ«لماني» في القاهرة أمس وأجرت معه هذا الحوار:
* كيف تركت الوضع في العراق؟

ـ الوضع في العراق وضع مأساوي.. لم أر أزمة في العالم وصلت تعقيداتها للتعقيد الحالي الذي وصلت إليه الحالة في العراق.. عندك ثلاثة مستويات أساسية.. المستوى الأول هو علاقات العراقيين بين بعضهم البعض وخطورتها.. العراقيون غير متفقين حتى على تشخيص ما هية المشاكل بينهم.. ثاني شيء هناك حالة انعدام ثقة تامة بين كل العراقيين.. وقضيت الشهور الأربعة الأولى هناك كمستمع لأفهم الوضع في العراق.

* هل يمكن أن نقسم تلك المستويات على الأرض؟

ـ قسمت الناس الذين استمعت إليهم لأربعة مستويات.. سياسيون وعلماء دين ورجال العشائر والمجتمع المدني بما فيه الأكاديميون والمفكرون .. السياسيون كانوا أيضاً ينقسمون إلى قسمين.. السياسيون الذين آمنوا بالعملية السياسية ودخلوا فيها وشاركوا في الانتخابات والدستور، والسياسيون الذين رفضوا هذه العملية السياسية.. في فترة الأربعة أشهر الأولى لاحظت بعدما استمعت لكل الأطراف العراقية.. انهم مشغولون بما يريدون أن يأخذوه من العراق.. وليس بما يريدون أن يقدموا له.. ولاحظت ايضا وبصفة خاصة لدى السياسيين ان شعور كل طرف بطائفته أو قوميته أقوى من الشعور بعراقيته.

* هل يستطيع العراقيون تحصين بلدهم بتوافق داخلي؟

ـ أنا مقتنع أنهم لا يستطيعون لأنهم الان في حالة احتقان وردود فعل.. ولا توجد ثقة.. كل واحد يرد فعل على الثاني.. أكيد يحتاجون مساعدة من الخارج.. وحدهم لن يستطيعوا.. على الأقل في الظروف الحالية، وأعتقد أنني كنت من القلائل إن لم أكن الوحيد في العراق الذي له اتصالات مع كل الأطراف العراقية من المقاومة للحكومة لهيئة علماء المسلمين..

* هل هناك مقاومة عراقية حقيقية بالمعنى الذي نعرفه؟

ـ نعم فيه مقاومة..فيه..

* ماذا تستهدف هذه المقاومة .. الاحتلال.. أم أنها تستهدف طائفة أم تستهدف ماذا ؟

ـ هناك مقاومة قدمت من البداية على أساس أن البلد محتل.. دخل فيه جيش محتل وتريد أن تقاوم هذا الاحتلال..

* وهل هي مقاومة إسلامية أم قومية أم ماذا..؟

ـ فيها كل شيء لأن هناك منظمات عديدة ومتعددة.. هناك الأسلحة كثيرة.. أحياناً تجد مجموعة من عشرة أشخاص.. وبعض المجموعات عبارة عن عشرات أو مئات من الأشخاص.. لن أذكر أسماء، لكن هناك مجموعات كبيرة منظمة انخرطت في المقاومة نتيجة الأخطاء الرهيبة التي ارتكبها ممثل الإدارة الأميركية خلال فترة بريمر، الذي حل مؤسسات الدولة وموضوع اجتثاث البعث وحل الجيش، فالناس لم تجد أمامها حلا إلا أن تقاوم.. بلدهم يعرفونها جيدا، نوعية الأسلحة فيه موجودة.. المقاومة موجودة وموجود غيرها هناك عصابات وموجودة كذلك ميليشيات.

* هل هذه المقاومة تحارب بأسلحة صدام؟

ـ ليست لدي معلومات دقيقة لكن أبسط شيء في العراق ممكن تحصل عليه هو الأسلحة.. تشتري من أي سوق عبوات ناسفة ومسدسات.. هذا موجود..

* ما هي اكثر جماعات المقاومة تنظيماً وفاعلية هل هي البعثية.. أم القومية.. أم الإسلامية؟

ـ أعتقد هناك قدماء الجيش وهناك السلفيون كذلك، وهذه مقاومة في المناطق الغربية أساساً.. وأعتقد أن ما يوحدهم هو أن هناك هدفا لديهم، لكن ما يخيفني أنا هو أن المشكلة الآن في العراق ليست فقط في وجود الاحتلال، وانما التداعيات التي حصلت.. بالذات ما يخص الاحتقان الطائفي والتهجير القسري والقتل على الهوية وهو ما ذكرته في رسالتي للأمين العام (للجامعة العربية).. كل طائفة من طوائف العالم أو كل دين أو كل قومية، هناك أغلبية طيبة تريد أن تعيش ويوجد متطرفون دائماً في الأطراف.. لما الغلاة يكونون في الأطراف هذه مسألة صحية.. وبالرغم من كمية التطهير العرقي وغيره، إلا أن الشيعي والسني المتجاورين المتعايشين يدافعان عن بعضهما كجيران.. من يأتي للتطهير العرقي، سواء من هذا الطرف أو ذاك، يأتي من الخارج.. هذا نوع من أنواع الانتقال بالغلاة من الأطراف إلى المركز وهذا خطر جدا..

* هل كان للقادمين من الخارج مثل الزرقاوي السلفي المتشدد وعناصر الحرس الثوري الإيراني التي تسللت الى العراق.. هل هاتان الجماعتان ساعدتا على التطرف الشيعي المسلح والتطرف السني.. يعني هل ورطا أتباع المذهبين داخل العراق؟

ـ أكيد الجهات الخارجية لها دور.. يعني الزرقاوي أو غيره .. لكن الآن هناك منظمات عراقية متطرفة جداً سواء لهذه الطائفة أو تلك، وصار التهجير حتى داخل نفس الطائفة، وبعض عناصر «القاعدة» يهجرون من المقاومة لأنهم بعثيون يقولون علمانيون.. ونفس الشيء ظهور جند السماء في النجف.. وهذه هي الخطورة لأن الأمر يبدو كأنه بين سنة وشيعة لكن هذا مقدمة.. الشيعة سيأكلون السنة والسنة سيأكلون الشيعة وتعم الفوضى إذا لم يتم تدارك هذا الموضوع.. والعراقيون يحتاجون الى المساعدة لتدارك هذا الأمر.. يجب على العراقيين ودول الجوار أن يفهموا أن تحصين العراق هو من الداخل ويكون خطأ قاتلاً إذا اعتقد كل طرف أن يحصن طائفته فقط..

* إلى أي مدى تعتبر دول الجوار مسؤولة عما يحدث في العراق؟

ـ لاشك أن هناك مسؤولية سواء لتورطها وتغلغلها، أو لتخندقها، أو لتفرجها.. المتفرج يتعامل خلال السنين الماضية وكأن العراق موجود على سطح القمر.. أما الذي تغلغل فقد تغلغل، وفق أجندات سوف تحرقه هو نفسه.. يحتاج العراق إلى وقفات من نوع مختلف.. دعك من المؤتمرات والكلام الفاضي.. والبيانات الجميلة.. مطلوب وقفات إقليمية ودولية لمساعدة العراق..ويجب على أطراف كثيرة أن تراجع مواقفها. ومن هذه الأطراف الولايات المتحدة الأميركية.. أميركا لها مسؤولية خاصة..

* في أي اتجاه يتعين أن تكون مراجعة أميركا لمواقفها برأيك؟

ـ قابلت بيكر ولجنته وتحدثنا مطولاً.. وما أتخوف منه الآن أن الملف العراقي صار ملفا مركزيا لأميركا وانتخاباتها لكن اكثر ما يخيفني هو أن مراجعته تكون وفق مصلحة أميركا وليست المصلحة العليا للعراق حتى بالنسبة لعملية الانسحاب أو عدم الانسحاب تكون لأن بعضهم يقول إن أولادنا (أي الأميركيين) يموتون هناك، ولا يطرح أحد المأساة في العراق..

* دعنا ننتعل حذاء الرئيس الأميركي بوش ونتحدث عن المصلحة الأميركية كما تراها أنت كإنسان عاش في العراق وراقب عن كثب كافة عناصر المعادلة العراقية في السلم والحرب؟

ـ مما لاحظته وكنت شاهداً عليه بعد انتخابات الكونغرس الأميركي، لا أعتقد أن المشكلة ستحل من خلال إضافة جنود أميركان، لسبب بسيط جداً هو أنه إضافة 21 ألف جندي إلى الـ 130 ألف جندي الموجودين في العراق أي نحو 150 ألفا لن تغير في الامر شيئاً، وبمقارنة عدد قوات التحالف عام 2005 كانوا 160 ألفا وكان الوضع أسوأ من هذا.. أميركا تتحمل مسؤولية كبيرة جداً..

* هل تعتقد أن تقرير بيكر ـ هاملتون كان قريبا من تصورك هذا ؟

ـ التقرير تضمن عناصر إيجابية كثيرة جداً لكن المنطلق الأساسي فيه هو المصلحة العليا لأميركا.

* بالنسبة للأطراف الإقليمية.. العرب وايران كيف ترى مواقفهم ؟

ـ اكتفاء العرب بالتفرج اللامسؤول بهذه الطريقة شيء مشين وليس لمصلحتهم، وإيران نفس الشيء يجب أن تراجع موقفها لأنها تستثمر حالة الفراغ في العراق للتغلغل بهذا الشكل وتريد أن تقيم علاقات مع بعض الأطراف بهذا الشكل وتلعب دورا.. هذا ليس في مصلحتها، وقد ابدى عدد كبير من الناس ومن العشائر من المناطق الجنوبية ممن كانوا يزورونني تذمرهم الواضح من التغلغل الإيراني وطريقته.. هذا لأن العراق مستباح نوعاً ما ، ولا توجد أية مراقبة للحكومة، إضافة للمشاكل الموجودة داخل الحكومة نفسها.. لا يوجد تناسق حكومي.. وهذه المحاولات التي كانت تهدف لإنشاء أغلبية معتدلة.. كل محاولات الإصلاح مالت للترقيع سواء على الصعيد الداخلي بين العراقيين أو على المستوى الإقليمي، وأعتقد أن انهيار العراق سيحرق الأخضر واليابس.

* كيف بدأت مهمتك في العراق؟

ـ مكثت نحو 3 أشهر متنقلاًً في كل أرجاء العراق لأفهم الوضع. ولم تكن لدي أوهام بأنه ستكون هناك إمكانيات.. كانت البعثة تتكون من شخصين، أنا وآخر، مقارنة ببعثة الأمم المتحدة التي لها 4 مراكز في أربيل وبغداد وفي عمان 500 موظف وطائرات وإمكانيات.. يعني لا يمكن أن تقارن ما بين هذا وبين وضع بعثة الجامعة، إضافة إلى أنني اخترت أن أقيم في المنطقة الحمراء التي تشمل كل العراق ما عدا المنطقة الخضراء..لتسهيل التواصل مع كل الأطراف العراقية حيث لا أمن ولا أي شيء.. السيد هوشيار زيباري وزير الخارجية العراقي قام مشكورا بتوفير حراسة خارجية للبيت من قوات البشمرجة (عناصر مسلحة كردية)، لأن المنطقة كلها.. كنا نسكن في حي اسمه منطقة السكك في الصالحية، هي منطقة وزارة الخارجية.. في العراق لكل وزير جماعة حراسة خاصة به من جماعته.. المنطقة التي كنا بها كلها كان يحميها البشمرجة.. «حاجة مليحة» أن تكون ممثل العرب وفي حماية الأكراد. كانت تجربة جديدة تماما بالنسبة للجامعة العربية فهي المرة الاولى التي يكون لها موفد دائم الى منطقة نزاع، وعلى مدى ما يقرب من عام امضيته تحت الخطر لم تكن لدي سيارة مصفحة في بلد تقتل فيه التفجيرات عشرات الابرياء كل يوم وتعمل فوق ارضه عشرات التنظيمات المسلحة المتنافسة، طلبت سيارة مصفحة ولم اتسلمها الا بعد سبعة أشهر، ايضا لم تكن لدي أية وسيلة آمنة للاتصال بالجامعة العربية، وكانت العديد من الرسائل التي أحاول إرسالها لمقر الجامعة في القاهرة تتعرض لتدخلات من عناصر مختلفة.. احذف هذه ولا ترسل هذه الفقرة، وهكذا.. طلبت فاكس مشفر يتيح لي إرسال المكاتبات بدون تدخل من الآخرين، لكن الجامعة لم تتمكن من إرساله حتى لحظة عودتي، كنت اعيش تحت الخطر ولا أبالي، تعرضت لتحرشات مسلحة وتهديدات لكن المخاوف الأمنية لم تكن أبدا سببا لعودتي والا لعدت قبل شهور من الان.

* في المذكرة التي أرسلتها للجامعة العربية كانت لك ملاحظات معينة، هل يمكن أن نستعرض هذه الملاحظات؟

ـ لا أعرف لماذا هذه الضجة الإعلامية ولا كيف تم تسريبها، هي مذكرة منطلقة من القلب عما كنت شاهداً عليه.. شعور بأننا في مفترق طرق ما أنا مطالب بتقديمه ليس في يدي ولا أريد أن أكون متفرجا، الامر الذي ترك لدي شعورا بالقهر.. استعرضت فيها كيف أرى الوضع في العراق.. مشاكل أهل العراق.. والظروف التي ذهبت فيها.. وأبلغت السيد عمرو موسى الأمين العام أنه للأسباب المذكورة لا أرى أي توجه حقيقي لمعالجة الموضوع، وبالأساس أنا ركزت على الوضع العربي بحكم أنني ممثل الجامعة العربية وأنني قررت أن أنسحب من هذه المهمة.

* يعني المذكرة كانت استقالة مسببة؟

ـ لا كان قرارا نهائيا بألا أبقى.. حصلت استقالات من قبل.. أخذ ورد في مرات عديدة، لكن العلاقات كانت طيبة مع كل الأطراف العراقية..

* لو افترضنا أن فيه شروطا محددة لتعود إلى العراق، فما هي هذه الشروط؟

ـ أعتقد أن الذهاب للعراق وخدمة العراق بالشكل الذي كنت عليه شرف لي وإذا أتيحت لي الفرصة أذهب مرة ثانية وثالثة.. لكن بشرط وحيد أن تكون الأمور في اتجاه المساعدة الحقيقية لأهل العراق لمساعدة بلدهم من الداخل. وكما تعرف فان علاقتي بالعراق بدأت منذ 1991 واتمنى ان استطيع ان اقدم شيئا لكننى لن اذهب من اجل ان اصب الماء فوق الرمال ليضيع سدى، فالعراق في اللحظة الراهنة ربما وصل الى طريق مسدود وبات ساحة صراع بين قوى خارجية على ارضه وهذا خطير جدا.

* هل ترى ثمة أمل في اللحظة الراهنة ام ان الصورة قاتمة والطريق مسدود؟

ـ هناك مشروع سياسي فاشل.. لا مصالحة نجحت ولا أي شيء ناجح.. وهناك من الاطراف الاقليمية من تخندق وهناك من تغلغل وهناك من اكتفى بالفرجة وكأنه بمنجى عن آثار ما يحدث في العراق ..وهذا واقع.. وضع أمني كارثي، وكارثي ووضع معيشي كارثي.. سكان بدون كهرباء بدون مياه بنيان المجتمع العراقي مضروب في العمق.. معدلات الناس التي تهاجر يومياً 3 آلاف عائلة.. لكن أن يصل الأمر إلى الأقليات الصغيرة كالمسيحيين.. الكل يعاني.. وأن تصل الأمور إلى مثل هذه الدرجة يصعب أن تعود إلى ما كانت عليه.. وهذا مع الوضع الأمني ومع المشروع السياسي مع إعادة البناء.. ما يحزنني هو أن الوجود العربي لم يكن على المستوى.. حتى أنني ذهبت إلى هناك بدون أية إمكانات..القرار الذي ذهبت بموجبه للعراق ينص على الوجود الدبلوماسي العربي، وخلال سنة رأيت الكثير من الدول عينت دبلوماسيين لكن طلب منهم الإقامة في عمان، رغم أن لديهم إمكانات أمنية ومادية.. لم يكن هناك أي شيء في حقيقة الأمر يمكن تقديمه.. وقناعتي أن علاقاتي الطيبة مع كل الأطراف العراقية لن تحل المشكلة لأنني أصبحت مثل الراهب الذي يقدم النصح، لكن الأمر يحتاج إلى المشاركة في المفاوضات وهذا ليس بيدي بل بيد الدول، ولم يكن يلوح في الأفق أن تلك الدول ستلعب دوراً في التقريب بين العراقيين، ولدي قناعة أن هذا لن يحدث.

* كنت موفداً عربياً لجامعة عربية في بلد عربي وتتحدث عن أنه ينبغي أن نعمل الكثير من أجل الأمن والحوار والمصالحة.. لكن هل هناك آلية عملية يمكن أن تحقق الحوار والمصالحة والأمن؟

ـ هناك مشاكل كثيرة وكبيرة ولا توجد عصا سحرية لتجميع كل تلك المشاكل وحلها دفعة واحدة، لكن يمكن بالتركيز على المشاكل الأقل صعوبة.. وتحقق فيها نجاحا ميدانيا ينعكس بالإيجاب على إعادة بناء الثقة بين الأطراف، وتجميعهم، لأنك ستتعامل مع كل الأطراف وحولك أجندات محيطة بك سواء داخلية أو خارجية، على أساس أن يكون الخط الأساسي هو تحصين العراق من الداخل، وترحب بكل من يمشي في هذا الاتجاه بما في ذلك إيران وتركيا والدول العربية، وأن يكون الفيصل في العلاقات مع الأطراف الخارجية والداخلية هو التحصين الداخلي، لأن الخطوة بهذا الشكل ستحمي العراق من الاتجاه الذي يسير فيه الآن وهو اتجاه سيصبح فيه العراق أكثر فأكثر ميداناً لصراعات الآخرين، فيجب عكس هذا التوجه.. النيات الطيبة بالأمانة العامة (للجامعة العربية) للتعامل مع العراق لن تمكن وحدها من عمل شيء، وعندنا أمثلة كثيرة في التاريخ على نتائج العمل بالنيات. إذا لم تكن هناك عزيمة سياسية قوية من الدول، وأذكرك بأخينا الأخضر الإبراهيمي في لبنان، في إطار الجامعة العربية، لم يستطع أن يعمل شيئا في لبنان إلا بعد قمة الدار البيضاء، التي شكلت له هذه الآلية حيث كان لديه تفويض كامل من الدول العربية والتي كانت مشكلة من خادم الحرمين الشريفين الراحل الملك فهد والملك الراحل الحسن والرئيس الشاذلي بن جديد، وأعتقد أنه بعد تشكيل هذه اللجنة لم تأخذ المشكلة اللبنانية من الأخضر الإبراهيمي إلا نحو تسعة شهور، لإنهاء الحرب الأهلية.. العراق معقد عشر مرات أكثر من لبنان.. الأبعاد الدولية.. طبيعة الجوار.. الأطراف العراقية ذاتها.. كل ذلك يتطلب وقتا أكثر وإمكانيات أكثر.. خاصة الارادة السياسية والتباحث مع الآخرين.. لم يكن يمر أسبوع إلا ويأتيني استرالي أو إيطالي يريد الاطلاع على الوضع في العراق، أما العرب.. فلم يأت منهم أحد ولم يسأل أحد، إلا منذ نحو أسبوع تلقيت طلبا من دولة الإمارات..

* هل تعتقد ان ثمة مشكلة في الإجابة عن سؤال مع من نتحدث في العراق.. سواء من قبل الحكومة أو الفصائل الاخرى؟ ربما كانت هناك بعض الرموز والفصائل التي تعوق الحوار؟

ـ هذه مشكلة بسبب تعدد المصالح والبرامج والفصائل.. هناك نحو 400 أو 500 حزب سياسي مسجلة في العراق 99% منها لا يزيد عدد اعضاء كل منها عن 3 أشخاص.. وكان قد طلب مني تنظيم بعض اللقاءات بين هيئة علماء المسلمين والسفير الأميركي زالماي خليل زادة ، ووافق الشيخ حارث الضاري بشرط ان اكون حاضرا في هذه اللقاءات، لكنهم عادوا وقالوا بعد أن غادرت العراق إنهم لن يقيموا أية اتصالات مع السفير الأميركي.

* وهل تعتقد ان هناك رموزا للعمل السياسي في العراق حالياً على موعد مع لحظة تاريخية لإنجاز سلام حقيقي في بلادهم؟

ـ للأسف الشديد ما كنت شاهداً عليه هو أن كل طرف لا يفهم ما يحدث.. رغم أن هناك شخصية محترمة في المشهد السياسي.. رأيت كفاءات عالية جداً من كل الأطراف، وهم أنفسهم يعانون.. لكن داخل كل طرف فيه تشرذمات، وداخل كل شرذمة تشرذمات أخرى. الميليشيات على سبيل المثال أعمار معظمهم تتراوح بين 17 و18 سنة، وأذكر حين قتل أحد الأشخاص بعدما قيل إنهم ضبطوه وكان يحاول تفجير مرقد احد الائمة، تم قطع رأسه، وتسليمها للاطفال للعب كرة القدم بها لعدة ساعات..! فكيف سيكبر هذا الجيل بمثل هذه المشاهد.. ميليشيات توقف الناس في الشارع وتقتل على الهوية، رغم أن العائلات من السنة والشيعة المتزاوجة من بعضها البعض لا تقل عن 30% وهي نسبة كبيرة.

* هناك قمة عربية، وبصفتك المسؤول السياسي العربي الوحيد الذي عاش داخل بغداد على مدى عام، فما وصفة العلاج التي يمكن ان تقدمها للقمة العربية؟

ـ هناك بعض الخطوط العريضة، أول شيء هو تغيير طريقة التعامل مع العراق.. لا توجد طريقة عربية للتعامل مع الوضع العراقي منذ 2003 حتى الآن، وأخشى أن يكون الوجود هناك لمجرد مجابهة طرف آخر، وحتى الآن لا توجد قناعة عربية بوضع استراتيجية للتعامل مع الوضع العراقي، ومن الصعب ان توجد مثل هذه القناعة، لأن الأمر يتطلب النظر إلى العراق على أنه جزء لا يتجزأ من المنطقة بما فيها من فسيفساء عرقية ومذهبية.. الأمر لا يحتاج فقط للعمل العربي الرسمي لا بد من تحرك على كافة المستويات.