كتابات - إبراهيم عبد الحسن



.... استمرت فترة سجني من 14 تشرين الأول 1981 إلى 22 آيار 1982حيث شملت وجميع العسكريين المحكومين بقرار العفو الذي كان وهميا في 6\كانون عيد الجيش العراقي من نفس العام ويبدو إن الحكومة العراقية حسب ماعلمت لاحقا تجمع معلومات موثقة من إدارة المراتب لإحصائية دقيقة عن أعداد الهاربين ومن حجم هذه الأعداد التي هي في تزايد مضطرد تضطر الحكومة إصدار قرارات العفو وهي بهذا ليس مرحمة بهم وإنما تمنح الفرصة للاستفادة من هذه الأعداد وزجها في سوح المعارك دون اعتبار إلى حجم الخسائر ودون شعور بالمسؤولية بالإنسان العراقي ..

أتاحت لى هذه الفترة من سجني في قسم إصلاح الكبار من اللقاء والتعرف على العديد من النزلاء سواء من العسكريين الهاربين او من المحكومين بأحكام جزائية لجرائم متنوعة اقترفوها كما أتاحت لى هذه الفترة على سماع او الاطلاع على مفارقات منها الجميلة ومنها المؤلمة...

المفارقة الأولى...

مع نشوب الحرب العراقية الإيرانية ، وفي إحدى الطلعات الجوية لصديقي الطيار كفاح حسن وهو شاب وسيم من الناصرية قد كان تكلم مع الطيار الذي معه في نفس الطلعة الجوية من انه قد قرر منذ الآن إن تكون هذه الطلعة الأخيرة له واستطاعت الجهات الاستخبارية المختصة من التقاط هذا الحديث وانتظروا عودته من الطلعة الجوية ليقتادوه الى السجن وأشيع وقتها في الناصرية خبرها وانه قد تم حكم الإعدام بحق الشاب الطيار الذي قال كلمته الحقيقية بالحرب التي لاناقة له ولكل العراقيين ولاجمل في إشعال فتيلها وقد علمنا نحن أصدقائه ومحبيه من أن رجال أمن الناصرية قد استحوذوا على كل مقتنياته من دارهم الواقعة في شارع بغداد في الناصرية .. والطيار كفاح حسن هو طيار مدني في مقتبل العمر مارس الطيران المدني وقام بعدة رحلات وقد روى لي ولبعض أصدقائه المقربين قائلا (0 عام 1979 كنت من ضمن مجموعة من الطيارين المدنيين الشباب قد استدعانا صدام حسين وخلال لقائه بنا قال في نيتنا تشكيل سرب عسكري من الشباب الطيارين تحت اسم سرب صدام حسين وقد اخترتكم لتدخلوا دورة سريع لتعلم قيادة السمتيات العسكرية وهكذا بلمح البصر حولنا إلى عسكريين وقتل أحلامنا التي كانت في مهدها نحن الشباب المتخرجين قريبا وهو يعلم ان لااحد يستطيع الرفض في حضرة قائد عسكري دكتاتور مستبد فأوكلنا أمرنا إلى الله تعالى..

كنت مراجعا إلى مستشفى السجن في احد الأيام لمعالجة ألم في الأسنان وفي صالة مستشفى السجن حيث انتظر دوري لمحت الطيار كفاح حسن بصحبة رجل عرفته من الوهلة الأولى انه رجل مخابرات ودون سلام جلس جنبي وهمس احذر انك تعرفني سنتجاذب الحديث خلسة عن مرافقي رجل الأمن هذا الذي جلس قبالتنا دون ان ينتبه او يتابع مما يدور لغبائه او لأنه متيقن إن سجينه لايستطيع الهرب.. ورحنا نتجاذب بهمس وحذر أطراف الحديث حيث قلت له إننا في تصورنا قد حكمت بالإعدام قال هذا صحيح إلا إن الحكم حين قدم إلى صدام حسين كتب في هامشه يحكم بالمؤبد وانأ الآن مودعا في قسم الأحكام الخاصة في سجن أبو غريب ولا اعرف المجهول من قادم الأيام وإنني قد سجلت عيادة اليوم متمارضا حين تناهى الى سمعي ان العديد من الجنود قد تم إيداعهم في السجن لانتهزها فرصة علني اعرف احدهم والحمد لله على هذه الصدفة الجميلة التي جمعتني بك تحياتي للأهل والأحبة وأحسست انه يجهش بالبكاء ونهض مودعا .. شيعته بنظرات لم اشعر بحزنها حتى يومي هذا ( وأنني لم أراه منذ هذا اللقاء إلى اليوم ولا اعرف مصيره اليوم))



المفارقة الثانية

من المعلوم ان كل النزلاء العسكريين هم ممن اقترفوا جريمة الهروب لاغبر وان النزلاء الذين سبقونا هم من المحكومين بأحكام تتفاوت مع حجم الجريمة التي اقترفوها وأكثرها ضمن أحكام قانون العقوبات العراقي ولكن أضيف ألينا بعد اشتداد مطاردة السياسيين من معارضي النظام من الحركات السياسية وبالأخص الحزب الشيوعي العراقي وحزب الدعوة الإسلامية واشتداد الهجمة ضدهم فقد امتلئ قسم الأحكام الخاصة الذي هو معني لقضايا أمن الدولة مما استوجب ترحيل فسم من المودعين في هذا القسم والمحكومين بإحكام ثقيلة تم ترحيلهم الى قسمنا وهم من الدعاوى غير المهمة منها لمخدرات و تهريب الأسلحة والسب والقذف على راس النظام او الحكومة الخ ..وقد كان من هولاء النزلاء ممن اقترفوا جريمة دفاعا عن الشرف او من الدعاوي الاخرى غير المخلة بالشرف الا إنني أبشع ماسمعت من البعض منهم من البعثين من الجيش الشعبي قاموا بقتل أولادهم لهروبهم من الجيش متصورين ان يعفي النظام عنهم ولو إنهم محكومون [أحكام اخف من بعض جرائم القتل وقد عاش هؤلاء النزلاء تحت ازدراء الجميع واحتقارهم لهم الغريب أنني اسمع من البعض منهم على قناعته بجريمة قتل ولده الهارب حبا بالنظام البعثي الفاشي ..يتبع





الناصرية