النتائج 1 إلى 2 من 2
  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Dec 2005
    المشاركات
    92

    افتراضي قصة إعتقالي الدامي في بغداد، تموز عام 1979 من قبل عصابات الأمن العام الفاشية ، على يد

    في ذلك اليوم العراقي الحزين والقائض من تموز عام 79، والبعيد عنا اليوم، كنا قد إتخذنا قراراً صعباً بالسفر أو الهجرة و( الهروب ) الكبير من الوطن، بعد التخفي وإنسداد الأفق أمامنا، وتصاعد الملاحقات والحملات الإرهابية الشرسة والشاملة، ضد قواعد وكوادر وجماهير الحزب الشيوعي العراقي .. وكنا على موعد مع شخص لبناني إسمه جمال، يعمل في فندق يقع في شارع الرشيد، ليسلمنا جوازات سفر مصرية مزورة، وكان موعدنا في أحد مقاهي الشورجة، التي تقع خلف الفندق، ليتم فيها تسلم الجوازات وتسليم المبلغ المتفق علية للشخص اللبناني، الذي إلتقينا به وتعرفنا عليه، بواسطة العنصر الضعيف المدعو (م. ال م ) والذي سوف يخون بعد قليل، وقد قدمه على إنه شيوعي أو يساري ماركسي لبناني، أوشاب عربي طيب، مما عزز الثقة به بسرعة، رغم سطحية وسذاجة المشهد، سلمناه الصور، وإتفقنا على كل التفاصيل الأخرى، وقد جرى الإتفاق بسهولة بالغة ، ومن دون أية عراقيل أو إشارات تلفت نظرنا لنواياه الحقيقية، ولم نكن نعلم إننا سلمناه مصيرنا!! .

    إستيقظنا من الصباح وبدأنا ننتظر الموعد المصيري، والوقت يزحف ببطء شديد، ونحن يتربص بنا المجهول في منعطف العمر القادم، واللحظة القادمة، فأما النجاح في السفر والتخلص من كل المخاطر المحدقة بنا، أو الفشل ومواجهة الكارثة الجديدة، والمخاطر الرهيبة، التي تتمثل بالإعتقال والتعذيب والقتل والأغتيال، أو التسقيط والعزل السياسي، وفرض التعاون مع العدو والخنوع له .

    شمس تموز تزحف في السماء، وترش حرارتها الخانقة، كأبخرة المطاط الثقيل، فكل شيء بدء يذوب في تلك الظهيرة الواضحة، ظهيرة آخر يوم مع الشمس والحرية والهواء الطبيعي،آخر نهار طبيعي، بعد

    آخر ليلة مع القمر والنجوم العراقية القريبة والمتألقة في سماءنا الخفيظة، والتي لم أر مثلها في أية سماء أخرى، آخر اللحظات مع الشوارع والأرصفة والأصدقاء والجدل والتأمل والأحلام والنساء والكتب والقصائد والبارات المنزوية والباصات البطيئة المتثاقلة .

    توجهنا الى الموعد من غرفتنا الواقعة في الباب الشرقي ، أنا و( م . م ) والذي سوف أطلق عليه العنصرالضعيف أو المنهار والخائن، وتركنا هناك الأصدقاء الإشقاء غالب غزاي وطالب غزاي ( أبو ظافر وسالم )، في الطريق كان الهاجس الأمني يحاصرني بشدة، حيث المخاطر في أشدها وأقصى درجاتها، بعد إن أطلقت الفاشية حملتها الإرهابية المنظمة والشاملة، وأعدت لها الخطط الخاصة، والأجهزة القمعية، وإستنفرت كل المنظمات القمعية والحزبية، والجيش الشعبي والجواسيس والمخبرين والمرتدين، بعد فشل وإنهيار التحالف الذيلي الخائب الذي عقدته القيادة اليمينية للحزب الشيوعي العراقي مع الفاشية، وبعد صعود الدكتاتور صدام الى المركز الأول في السلطة، يوم 17 تموز عام 79 المشؤوم، بعد إن كان يحكم ويقرر فعلياً، من موقع النائب الشهير، وما يحمله هذا التحول من دلالات ستقود الوطن الى أتون محرقة رهيبة، لم تزل قائمة الى اليوم، وستبقى آثارها تتردد الى سنوات وعقود طويلة قادمة، ولانعرف تداعياتها الأخرى والكاملة بالضبط . وهذا ما كان ينبغي قراءته ورصده وكشفه للناس، والعمل على منعه قبل وقوعه منذ البداية .

    هنا لابد من تسجيل ملاحظات وإنطباعات وذكريات سياسية وشخصية ، عن التحالف الذيلي الخائب مع الفاشية وإنهياره، والحملة الإرهابية الفاشية الشاملة التي شنتها الأجهزة القمعية ضد كوادر وقواعد الحزب الشيوعي العراقي، وعن الناصرية وبغداد، والإعتقال الأول في الناصرية، وعن الخائن ( العنصر الركيك )، وأشياء أخرى، قبل أن أدخل في تسجيل التفاصيل المرعبة، للإعتقال والتعذيب الوحشي في دهاليز الدوائر الأمنية التي مررت بها، والتي كان آخرها معتقل الأمن العام الرهيب .

    لقد إنهار التحالف الذيلي بسبب طبيعته الخاطئة، وجوهره الفاشل، وتوقف وسقط لأسباب فكرية وسياسية أصبحت معروفة بالنسبة لنا، وقد درسناها وراجعناها بشكل معمق وتفصيلي، في أول فرصة توفرت لنا، وتوصلنا الى إستنتاجات محددة، وكانت القيادة اليمينية للحزب الشيوعي العراقي، وخاصة عزيز محمد وبعض عناصر المكتب السياسي واللجنة المركزية، هي المسؤولة مباشرة عن كل الأخطاء القاتلة في تلك التجربة البائسة، لكن الكوادر والقواعد الحزبية ساهمت أيضاً وبقدر معين بهذه الخطئية، لإنها لم ترفض وتقاطع وتقف بوجه هذه السياسة الرعناء، مثلما جرى رفض خط آب مثلاً، لأسباب كثيرة أصبحت معروفة ومكشوفة الآن أيضاً .

    ولست بصدد الكتابة عن تلك التجربة وتقيمها الآن، إنما أريد التذكير فقط بالأجواء التي كانت سائدة في تلك الأيام العصيبة، وبكيفية تصرف القيادة وعموم الحزب لمواجهة الحملة الإرهابية الشرسة والمنظمة، وكيف تركت القواعد الحزبية من دون خطط للمواجهة أو الإنسحاب المنظم ؟؟ وكيف تم سحق القواعد الحزبية من دون مقاومة منظمة وهامة ؟؟ وقد كانت خسائرنا باهظة ورهيبة، كنتيجة للسياسات الفكرية والتنظيمية والأخلاقية الإنتهازية الخاطئة، وفي الصميم منها موقف القيادة اليمينية ونظرتها الخاصة للقواعد الحزبية، وهي معضلة رهيبة تتنافي مع أبسط المبادي الماركسية، التنظيمية والإجتماعية، وقواعد العمل بين الجماهير.

    لقد أثبتت المراجعات والنقاشات الموضوعية العميقة والجرئية، التي أجريناها في كردستان وفي الخارج، الى جانب الوثائق والشهادات الكثيرة، إن قيادة الحزب لم تضع خطة طواريء عملية وحقيقية لمواجهة المأزق الجديد، انما تركت القواعد الحزبية لتلاقي مصيرها الحزين والمأساوي البائس، تحت شعار غريب وعجيب، شعار لايحمل أي شيء من المسؤولية، وهو شعار( دبر نفسك يارفيق )، وقد فشل هذا الطرح فشلاً تاماً ومريعاً، في مواجهة الخطط الأمنية والبوليسية، وقد تحملنا النتائج الرهيبة للسياسة التحالفية الخرقاء بشكل شخصي وفردي . وحينما تجمعنا في كردستان بعد لجوءنا الى الجبال، أعلنا ادنانتا للقيادة الإنتهازية والقطعية معها، وتحميلها كامل المسؤولية، وعلى أساس رفضنا لتلك التجربة ونتائجها، من جميع الجوانب الفكرية والتنظيمية والسياسية، واصرارنا الثابت على تقييم المرحلة السابقة، وتحديد الأخطاء ، مع المسؤولية الشخصية عنها، لكل هيئة وعنصر قيادي، كشرط أساسي لكل عمل أو خطوة لاحقة، وعدم تكرار سياسة اللفلفة الشهيرة، بعدم كشف الحقائق والوقائع الكاملة .

    لقد كان وضعنا نحن الثلاث، ( غالب وطالب وأنا )، مستقر وجيد بشكل عام، وكانت لدينا صلة قوية ببقايا التنظيم، ولدينا أماكن عديدة للإختفاء، بعد إن إنتقلنا من سكن جماعي كبير في محلة الصابونجية الشهيرة، كان يضم عدد كبير من الأصدقاء، من مختلف المحافظات والمدن، وحصلنا على وثائق جيدة جداً، وكنا نعمل ولو بشكل متقطع، أما الصديق طالب غزاي فقد كان وضعه مستقر بشكل جيد، و يعمل بشكل دائمي وثابت، وكانت لدينا مصادر مالية شبه ثابتة وجيدة الى حد معقول، لكن عموم الوضع كان خطراً ويزداد خطورة، خاصة بالنسبة لي، بسبب إعتقالي السابق في الناصرية، ووضعي التنظيمي الخاص، لذلك فكرنا بالسفر .

    أما بالنسبة للخائن ( م . م . م ) العنصر الركيك، ذلك ( الولد) الريفي الساذج البسيط والمنعزل، ذو الملامح الغبية، وقد إنتمى للحزب الشيوعي على مايبدو لأسباب عائلية وعشائرية مثل حالات كثيرة شائعة في مجتمعنا، وتوقف عند هذا الحد ولم يتطور بعد ذلك. فقد إلتقينا به في بغداد من جديد، وكان في وضع شخصي وإجتماعي ونفسي مزري للغاية، ووجدناه متسخاً وشبه مشرد وشبه سكير، إن لم يكنهما تماماً، وكان مذعوراً كالطريدة، وقد تعاملنا معه من موقف عاطفي، وقررنا مساعدته لإنه بن الولاية، وليس من موقف تنظيمي صارم يتناسب مع الظروف الخطيرة التي تحيط بنا، ومن دون تحفظ او أية إجراءات إحتياطية، كانت مطلوبة ومهمة بالضرورة، رغم تحذيرات خطوط الناصرية التنظيمية من عدم الإتصال به، كما يذكر ويتذكر الصديق غالب غزاي، على لسان ( م .خ ) الموجود حالياً في الناصرية، والذي أبلغه بموقف وقرار الحزب، من خلال الشهيد ( أبو كريم ) وأشخاص لايزالون في الحزب حتى اليوم، بسبب تعريضة لمجموعة كبيرة من الأصدقاء لخطر الإعتقال والتصفية، وبسبب سلوكه ووضعه العام السيء، وقد كنا نلتقي به في مقهى، أطلقنا عليه إسماً سرياً ظريفاً، هو ( أفواه وأرانب )، قبل أن ندله على البيت وتحصل كارثة الخيانة .

    ومن المواقف والمفارقات العجيبة واللافتة، والتي راجعناها لاحقاً، هناك موقفان لهذا العنصر الضعيف، أحدهما، في اللحظة الأولى لدخوله الى بيت الإختفاء في الباب الشرقي ببغداد، وعندما كان التلفزيون يبث مسرحية تسلم الدكتاتور مقاليد السلطة ( سلمياً ) ليلة 17 تموز، وسط دهشة وذهول البكر، قال لنا العنصر الركيك وبطريقة المزح الحقيقي الثقيل : ( لقد عرفت البيت، وين تروحون مني ؟؟ ) وقد ضحكنا ببلاهة ومرت النكتة السمجة دون توقف أو تعليق !! والموقف الثاني هو إبلاغه للصديق طالب غزاي، مراراً وتكراراً، في حالة من المزاح الحقيقي الثقيل أيضاً، إذ قال له حسبما أبلغني طالب فيما بعد : ( أنني سوف أسلم أحمد وأعترف عليه في حال إعتقالي )، وقد فعلها الخائن الزنيم بعد دقائق من إعتقاله، لقد عرف البيت ليلة 17 تموز وسلمنا للأمن العام، ظهيرة يوم 21 تموز، وبسرعة البرق، تنفيذاً لقراره المسبق، وهو مالم نكن نتوقعة أو نضعه في الحسبان، وهذا خطأنا الرئيسي القاتل، على كل حال !!

    وكان الخائن قد خاض تجربة غريبة ومريبة، لم نستفد منها، ولم نتوقف عندها، وهي توريطه لمجموعة كبيرة من الأصدقاء، ونقلهم من بغداد التي كانوا يختفون بها، الى حدود الناصرية الصحراوية في ( تل اللحم )، لغرض تهريبهم الى الكويت، ثم عدم إلتزامه بالموعد وعدم تنفيذ الخطة، مما عرضهم لخطر حقيقي، خطر الإنكشاف والإعتقال والقتل والتصفية، وقد سرق مبلغ التهريب، وصرفه على البيرة المثلجة في بارات بغداد، ومن بين الأصدقاء الذين تعرضوا لهذه العملية الصديق ( د. أ ) والصديق ( س . ع ) والفنان ( ط . غ )، وهذه حادثة معروفة، حذر منها التنظيم، وسجلها الضحايا، ووصفه أحدهم ب ( الحرامي الخائن ) .

    أعود الى سرد حكاية الإعتقال الدامية يوم 21 تموز عام 79 ، وتسليمي من قبل الولد الخائن ( م . م . م ) أو ال (ح ) كما يحلو له، فقد ذهبت معه الى الموعد المحدد، في مقهى الشورجة، وهو قريب من الفندق الذي يعمل فيه جمال اللبناني ومعه الولد الخائن، كان الوقت ثقيلاً ونحن نقطع الخطوات المتبقية بين الشارع والمقهى، وقد طلبت من العنصر الضعيف أن يتقدمني وأدخل بعده، كانت خطواته الأخيرة نحو الخيانة ، والسقوط في بئر الخيانة، الذي سيظل يشرب منه حتى نهاية عمره، وبعد خطوات قليلة وكان الزحام شديداً، أحسست بحركة مريبة وغير طبيعية، وقدرت إن هناك مكيدة ما تجري ضدنا، وإننا وقعنا في كمين محكم وسقطنا وسط شراك العدو، التي أعدت حولنا، لم أكن أملك غير لحظات قليلة، وعدة خطوات فقط، بين الخلاص أوالسقوط بين براثن العدو المتربص بنا، هنا أستدرت الى بائع لبن، وقد أستند على أحد الأعمدة، وطلبت منه كأس لبن وأعطيته 100 فلس، في هذه اللحظة الثمينة التي سكب فيها الرجل اللبن، إستدرت وتركت المكان واللبن والمبلغ وسط إستغراب وتساؤل البائع، وإنتقلت بسرعة خاطفة الى مخبئنا في الباب الشرقي، لإبلغ الأصدقاء غالب وطالب، ولإنقذهما من الخطر، وقد وصلت بسرعة الى البيت، وإبلغتهما بإننا ضحايا مؤامرة وكمين، وإن ( م ) جرى إعتقاله، وقررنا مغادرة الغرفة، في هذه اللحظة سمعنا أصوات كثيرة تسأل عن إسمي الحركي، لقد خان العنصر الركيك بسرعة بالغة، لايمكن تصورها أو توقعها في أسوء الكوابيس، لم يصمد ولا دقائق ولا لحظات، ربما تنفيذاً لقراره المسبق بتسليم ( نا ) الفوري للعدو في حال سقوطه بين يديه، وقد قاد القتلة الى مخبئنا بيسر ودون عناء أو تعذيب، او صفعة على وجهه الذليل، ليعبر عن دونيه رهيبة وسقوط مريع، وعن شخصية منهارة من الأساس، وعن رعديد جبان، هذا هو الخائن ( م ال م )، وهذه حقيقة الولد الخائن كما جرت وبحضور الشهود. ثم إستمر التداعي المريع للولد ( م ) فقد إستطاع غالب وطالب أن يمرا من خلال الطوق الأمني، وقد إستفادا من شكليهما الذي يشبه المصريين الى حد كبير، الذين كانوا يسكنون البيت، حيث أوقفوا سيارتهم في باب الدار تماماً، ولايفصل بين السيارة والبيت سوى الرصيف، والخائن ( م ) يقبع داخلها، وعندما حاولت المرور والخروج، إستوقفني رجال الأمن، وقد شهروا مسدساتهم، وقال لي أحدهم نحن السلطة، وأي حركة غير طبيعية منك سنقتلك، وكنت أحاول التخلص من الشرك، وأن أبدو هادئاً وطبيعياً، فقلت لهم أنني لست الشخص الذي تسألون عنه، وأخرجت لهم هوية صادرة من دائرة حكومية، فأرتبك عناصر الأمن، وترددوا قليلاً، وقد عاد أحدهم الى الخائن ( م ) وسأله، وكنت أسمع وأرى وأراقب الموقف بشكل كامل، ولم يكن بيننا غير عدة خطوات، وهي المسافة الفاصلة بين باب البيت والرصيف حيث تقف سيارة الأمن، وحيث كان يقبع الخائن، وقد غطوا رأسه ب ( يشماغ ) هل هذا الشخص المطلوب ؟؟ فقال له نعم، أكرر سمعته وشاهدته، فعادوا ألي فوراً، وقالوا ( ماكو شيء، تعال معنا خمس دقائق فقط )، وهي كلمة السر القاتلة، وأدخلوني في سيارة أخرى كانت تقف على الرصيف أيضاً، وأغلقوا الأبواب أتوماتيكياً وزعقت صفارة الإنذار، وإنطلقت السيارة، الى مديرية أمن الرصافة في الأعظمية، أو مسلخ الأعظمية الفاشي، سيء الصيت، وقد بدأ التحقيق فوراً، وكنت أضع نظارات ( طبية) للتموية، وقد رفعها ضابط الأمن من على عينيي، وقال بإستهزاء تتخفى بالنظارات، وضربني بها فشج جبهتي، وبدأت المحنة القاسية، ثم فتشوني فوجدوا المبلغ، مع قلمي حبر، أحدهما باركر والآخر شيفر، وهما قلمان جميلان، كنت أحتفظ بهما، وقال لي الضابط المحقق، أنت تكتب قصاصات ورقية ضد السلطة، وترميها في الباصات والشوارع، أليس كذلك ؟؟ فأنكرت ذلك بشدة .

    بدأت الأسئلة التمهيدية تنهال عليّ بسرعة، وقررت رفض الإجابة عن أي سؤال مهما كان، لكي أكسب الوقت، وأحاول مواجهة الموقف والشراسة والخيانة، وبعد تحقيق سريع وضرب وإهانات، تم نقلي الى مديرية أمن السراي، الواقع في الطابق العلوي من بناية شرطة السراي في ساحة الميدان، بجانب مقهى البلدية الشهير، وهنا بدأت فصول الجحيم والمأساة الرهيبة، حيث التحقيق والتعذيب على مدار الساعة، لايتوقف ولا يخف، ليل نهار، وقد رفضت الإجابة على كل الأسئلة، وأحبطت قضية جمع معلومات مفيدة عن وضعنا، وعن علاقاتي وصلاتي التنظيمية في بغداد، ووضعي، ومن زودني بالهوية الحكومية المزورة، وعن الأسماء الحقيقية لصاحبي الصورتين، غالب وطالب، والى أين كنا نريد أن نسافر، وبمن نتصل في الخارج، الى آخر الأسئلة الكثيرة والمتلاحقة .

    لقد حاولت كسب الوقت كي لايتدهور الوضع، وكي لاتتسع تداعيات الخيانة، ونجحت في تثبيت الإسم الثلاثي المزور الآخر، ومواليد غير صحيحة، وإعطاء عنوان ومدينة أخرى، وقررت الإضراب عن الطعام، منذ الساعات الأولى، ولم أتناول أي طعام إطلاقاً، وفي اليوم الثاني أو الثالث وأرجح اليوم الثالث، جاءوا بالخائن ليمارس أسوء وأخطر دور، ويبدو إنه تعاون معهم وهو يجيب على كل إسئلتهم، وكان في حالة إنهيار كبير، ويتكلم بطريقة تشبه البكاء و الخضوع والإنهيار، وسألوه عني، فقال :- هو يعرف كل شيء، وهو مسؤول عن كل عملية السفر، وهو الذي يريد نقلنا الى الخارج، وهو يعرف أصحاب الصور، الى آخره من الأجوبة والإعترافات، التي وضعتني في موقف ووضع خطير، وكان هذا أول وآخر لقاء مع الخائن منذ لحظة إعتقالي، وصار عليّ تحمل المسؤولية كاملة، بعدم الرد على هذه الأسئلة، وتحمل كل قساوة التعذيب المتصاعدة، وكانت هذه خيانته الثالثة لي، وقد كافئه الضابط، بأن طلب منه أن يبصق علي، لكنه لم يفعل، وقال الخائن للضابط ( ما أكدر) لاأقدر، وهي حادثة ذكرها الخائن لبعض الأصدقاء في كردستان، كي يدلل على سلامة موقفه، لكنه يتحاشا ذكرها الآن لدلالاتها الخاصة .. فقال ضابط التحقيق، والخائن يتذكر هذه الحادثة الفاصلة قطعاً، حيث تأمن وضعه تماماً، ( خذوا هذا وإعطوه دجاج )، ( وإقلتوا هذا ) وبدأت جولات تعذيب قاسية ووحشية، لكسر الإضراب وإنتزاع معلومات عن وضعي والوضع العام الذي يحيط بي .

    في اليوم السادس أوالسابع للإعتقال، ومع إشتداد جولات التعذيب الوحشي الشرس، وإحتمالات تراجع الخائن أكثر وأكثر، وإحتمال إنكشاف أسمي ووضعي الحقيقي، وبذلك سأواجه ظرفاً أكثر قساوة ووحشية، وتصفية أكيدة، بسبب حالتي التنظيمية الخاصة، أتخذت قراراً خطيراً وصعباً، فقد قررت وضع نهاية لحياتي في الموقف، وذلك بالإنتحار، ووضعت خطة بسيطة، فعندما طالبوني بإنهاء الإضراب، قلت لهم أنني لست مضرباً عن الطعام، إنما أعاني من تلبك ومشاكل في المعدة والإمعاء، وأنني بحاجة الى قنينة كولا أو أي شيء آخر أشربه، وذهبوا وعادوا بسرعة، وهم يحملون القنينة، شربت منها جرعة صغيرة ووضعتها الى جانبي، ثم عادوا مرة أخرى ووجدوني أشرب منها قليلاً، وهكذا إطمأنوا، وذهبوا ولم يعودوا ثانية، أنتظرت حتى هدأ الموقف تماماً وانقطعت الحركة تماماً، وكنت في غرفة إنفرادية، مكبل من القدمين، ويد مربوطة بالسرير، فلففت القنينة بالبطانية السوداء التي أتغطى بها، وبدأت بضرب القنينة بالسرير الحديدي، ضربات مكتومة وقوية، حتى إنكسرت، عندما قررت البدء بالتنفيذ، وتذكرت أهلي وأصدقائي ومدينتي البعيدة والقصائد التي أعشقها وأحلامي الصغيرة المرمدة، ونهاية الرحلة الخاطفة، على يد خائن تافه، وطعنت نفسي طعنة قوية في الرقبة، وبدأ الدم يتدفق ساخناً ولزجاً، ثم بدأت بعملية الذبح، وبدأ الدم يتدفق والنزف يزداد، وأخذت أنفخ بقوة كي يتسارع ويزداد النزيف بشدة، الى أن بدأت الرؤى تتشوش، وأخذت أسير حثيثاً، نهو النهاية والإغماء والموت، ثم فقدت الإحساس بالوجود، وإنتهى كل شيء، بعدها وجدت نفسي في غرفة أحد المستشفيات، عرفت فيما بعد إنه مستشفى مدينة الطب، وقد تلقيت الإسعافات الأولية، واخاطوا جروحي وإعادوني الى المعتقل، مما أوقف عمليات التعذيب والتحقيق مؤقتاً، وقد نقلوني عدة مرات للعلاج ومداواة الجروح في مدينة الطب، وبعد أن تحسنت حالتي الصحية قليلاً، عادوا الى التعذيب والتحقيق، لكن جسدي هذه المرة، لم يكن ليصمد طويلاً، حيث أسقط في حالة الإغماء بسرعة، ثم نقلوني الى مديرية أمن بغداد، وهناك بدأت عمليات التحقيق والتعذيب من جديد، وكانت أقسى وأشد من المرحلة الأولى، لكنهم لم يتوصلوا الى شيء، حتى الهوية التي زودني بها الصديق ( م . خ )، وهو الآن كادر حزبي في الناصرية ، ظل بعيداً عن القضية، كذلك بقيت كل الأسرار في مكانها المقدس، فقد كان لدي موعد حزبي مع الشهيد صاحب ناصر، وقد مر بأمان مطلق، وقد أتصلت به فور إطلاق سراحي، من خلال بيت حزبي في الناصرية، كان يستخدمه الصديقان، الشهيد قيس كاظم والصديق حميد، وعادت الصلة الحزبية معه، حتى إلتحاقي بالجبل، وهي حكايات طويلة وجميلة وحزينة لها فصل خاص، من فصول تلك التجربة القاسية .

    [

    [rams]http://hussamaliraq.com/Amir_aliraqi/abdul%20kareem.ram[/rams]

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2006
    المشاركات
    402

    افتراضي

    العزيز بلادي
    للاسف هناك الكثير من هذه القصص. كنت اتمنى ان نتمكن من بناء عراق جديد لامكان فيه لمثل هذه القصص ولكن يبدو ان التاريخ سيعيد نفسه، هذه المرة تحت ستار الدين
    كلا كلا عنصرية، كلا كلا احزاب مرتزقة بالدين كلا كلا طائفية

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
 
شبكة المحسن عليه السلام لخدمات التصميم   شبكة حنة الحسين عليه السلام للانتاج الفني