[align=center]علي باشا و عمر باشا

بقلم صفاء حسين

بعد متابعتي لجلسة ألبرلمان ألعراقي ليوم الاحد ألمصادف 5-2-2007 , و أستماعي لمهاترات أعضائه , و محاولتهم كشف الجهة الواقفة خلف تفجيرات الصدرية و غيرها من التفجيرات , فمنهم من أتهم سوريا و منهم من أتهم أيران و غيرهما من ألبلدان , و مطالبة غلق الحدود معهما .
علق رئيس البرلمان ساخراً , عندما اخذ احد الاعضاء يلقي كلمته حول التفجير حيث اخذ يصرخ متالماً : ( ان حادث الصدرية الاخير.... ) هنا قاطعه رئيس البرلمان معقبا ( لم يكن الاول و لن يكون الاخير و سوف تاتي غيرها من التفجيرات ) .

هنا وعند سماعي لقول ريئس البرلمان , الذي لم يجانب الحقيقة , رُعبت لان هناك طوابيرمن الضحايا ينتظرهم هذا المصير المشؤوم , وربما أكون أنا او أنت أو أحد أحبتنا من الذين سوف يتشضون ارباً في التفجيرات القادمة .

تاثرت و هربت و كعادتي الى كتبي اتوكأ عليها علّيَ أجدُ ما يواسني ويساعدني على فهم هذه الكوارث .

و لأني الان بصدد اعادة قراءة السفر الرائع ( لمحات أجتماعية من تاريخ العراق الحديث ) للعلامة الدكتور علي الوردي الذي يتألف من ست اجزاء و ملحقين , مررت بهذه القصة , التي أحببتُ أن أنسخها للقاريء الكريم , و لسوف نستشف منها الكثير من ألعبر و ألدروس .

فرغم مرور اكثر من 240 عام على حدوثها , و لكن تشابه ألايام و الأحداث , ينم بان هناك ألكثير من تصرفاتنا و طرق تفكيرنا و سلوكنا الحالية لها خلفية تاريخية , فنحن نتاج ما مضى من الاحداث , و عقلنا اللاواعي يقوم بدور الخازن لها , لذلك فنحن نكررها و تظهر في سلوكنا وأحاديثنا بين الفينة و الاخرى على شكل احتقان طائفي , او تعصب قبلي ,او مناطقي و غيرها من التصرفات غير المفهومة , و لذا من المهم دراسة التاريخ لكي نفك بعض هذه الطلاسم و نخفف من وطئة الآمها علينا . { أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِن قَبْلِهِمْ ... } .

و اليكم القصة كما وردت في الجزء الاول من اللمحات صفحة 155 -156-157

( في عام 1761 أصيب سلمان باشا "أبو ليلة" بمرض لازمه نحو ستة أشهر ثم قضى عليه , و كان موته بداية فترة طويلة من الفوضى .

كان عند موت سليمان باشا سبعة رجال مرشحين للخلافة من بعده , يقال لهم "اصحاب الداعية" و كلهم من المماليك , و كان كل واحد منهم يشعر أنه أولى من غيره بالحكم , و كاد التنافس بينهم يؤدي الى الحرب و بقيت بغداد من غير وآل فاستولى الخوف على السكان , و تدخل العلماء و الاعيان بغية تسكين الفتنه .

استقر الرأي أخيراً أن يُكتب الى اسطنبول بأسماء المرشحين السبعة لكي يختار السلطان منهم واحداً . و حين عاد الجواب من اسطنبول وجدوا فيه ان السلطان قد اختار علي باشا الذي كان يومذاك متسلماً للبصرة , و لم يكد يصل هذا الى بغداد و يتسلم زمام الحكم حتى بدأت المؤامرات تحاك ضده من اجل قتله و التخصل منه .

دامت ولاية علي باشا زهاء سنتين قضاها كلها في محاربة العشائر جنوباً و شمالاً , و قد حاول منافسوه المتآمرون عليه ان يغتالوه أثناء مروره بالدورة عند عودته من محاربة عشيرة كعب و لكنه نجا منهم .

كان علي باشا من اصل ايراني , أي أنه لم يكن من أصل قوقازي كسائر المماليك , و قد اتخذ خصومه ذلك ذريعة بايديهم حيث أخذوا يشنعون عليه بأنه شيعي و أنه في محاربته للعشائر كان يقسو على الاكراد الذين هم من أهل السنة و يتساهل مع الخزاعل الذين هم من الشيعة .

و قد شاعت هذه التهم حوله في أوساط بغداد , و كان أهم مروجيها اثنان هما : عادلة خاتون أرملة الوزير الراحل , و زوج اختها عمر باشا الذي هو من المرشحين السبعة .

واجتمع المتآمرون ذات يوم من عام 1763 برئاسة عمر باشا فأعلنوها ثورة شعواء في بغداد و تابعهم سكان بعض المحلات , فاحتلوا القلعة و أخذوا يرمون السراي بالقنابل , و ظهرت المتاريس في طرقات بغداد حتى أصبحت المدينة كأنها في يوم حشر . و اضطر علي باشا أن يهرب من السراي متنكرا بزي امرأة و التجأ دخيلاً الى احدى الدور المجاورة , و لكن صاحب الدار لم يراع حق الدخالة حسبما يقتضيه العرف المحلي فأخبر عنه أ فجاؤوا اليه و أخرجوه ثم قتلوه .

اجتمع علماء بغداد و أعيانها على اثر ذلك و كتبوا عريضة ذكروا فيها : أن علي باشا كان خائنا للدولة , و انه أراد تسليم العراق الى ايران , و أنهم لم يستطيعوا صبراً على هذه الخيانة العظمى فاتخذوا الاجراءات الحاسمة ضده من غير ان يخبروا الدولة خشية فوات الأوان , و هم الآن يسترحمون من السلطان أن يعهد بالولاية الى عمر باشا لثقتهم بكفايته و اخلاصه للدولة .

و جاء الفرمان من اسطنبول بعد حين طبقا لما أراده العلماء و الأعيان , و احتفلت بغداد بنصب عمر باشا في الولاية , فمدحه الشيخ عبد الرحمن السويدي بقصيدة كان كل شطر منها يتصمن تاريخاً , كما مدحه سلمان الشاوي بقصيدة تضمن شطرها الاخير تاريخاً هو :( وقمت بالعدل و الاحسان يا عمر ) 1 و اشيع بين الناس أن ...... ).
الى هنا انتهى اقتباسي من كتاب الدكتور علي الوردي
المفارقة ان عمر باشا واجه نفس مصير سلفه , حيث جاء فرمان بتنحيته عن ولاية بغداد , بعد ان سقطت البصرة بيد الايرانيين في أواخر ايام حكمه عام 1776 , ( رغم انه كان يتهم الوالي القديم بانه سوف يسلم العراق الى ايران ) , فهرب من بغداد , و القي القبض عليه في "المنطقة" بين بغداد و الكاظمية قرب جامع براثا حاليا , و قطع رأسه و أُرسل الى الوالي الجديد , الذي أرسله بدوره الى الاستانه اسطنبول .

ان عمر باشا و عدلية خاتون , التي لم تستطع التخلي عن امتيازاتها و مكاسبها التي حققتها في ايام زوجها الولي السابق سليمان باشا و التي سوف يجردها منها الوالي الجديد , لم يكونا أحرص من علي باشا على العراق , و لكن التحاسد و التنافس هو الذي اوحى لهما هذا الفعل , و لا علاقة للعقائد و المذاهب من تشيع و تسنن بهذا الامر الدنيوي البحت , ان كل من عمر باشا و علي باشا كانا مملوكين يأتمرون بأمر السلطان و يسهرون على تحقيق مصالحه , و يتسخدمون الدين مطية للوصول الى أطماعهم الدنيوية , غير عابيهن بمصير الابرياء الذين هم الوقود المحترقة لهذه الصراعات السياسية .

و هكذا فنحن امام وصفة جاهزة قديمة حديثة , نستعين بها وقت نشاء لدحر اعدائنا , كقبعة الساحر نمد ايدنا اليها لنستخرج منها ما نحتاج اليه من وصفات جاهزه مثل ( المؤامرة ,الخيانه , العمالة , , .... )

فما أشبه اليوم بالأمس و ها نحن نحذوا حذو ابائنا حذو الخطوة للخطوة , اننا ابناء منظومة فكرية متشابه , تسير في نفس الاتجاه , لا تحيد عنه قيد انملة , نعم اننا نعيش في القرن الواحد و العشرين , و لكن عقولنا تجمد منذ ايام المماليك { بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ } .
[/align]